بعد ارتفاع غير مسبوق في الميزانية الدفاعية الأميركية منذ هجمات 11 أيلول العام 2001، بدأ البنتاغون بالتأقلم مع زمن التقشف المالي، معلنا عن اكبر تحول في الاستراتيجية الدفاعية منذ حرب فيتنام، أي نهاية عصر خوض الحروب البرية ومكافحة "التمرد" وعمليات بناء الدول المتعثرة.

وبعد سرد ما حققته ولايته الرئاسية من قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وإحراز تقدم في أفغانستان والانسحاب من العراق والمساهمة في مهمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا، قال الرئيس باراك أوباما، في مؤتمر صحافي امس، "الآن نطوي صفحة عقد من الحرب لان لدينا الفرصة والمسؤولية لنتطلع إلى القوة التي نحتاج اليها في المستقبل". وأضاف "في الوقت ذاته، علينا أن نجدد قوتنا الاقتصادية هنا في الوطن، التي هي أساس قوتنا في العالم".

الهدف الرئيسي من هذه المراجعة التي استمرت لفترة تسعة أشهر هو تقليص مبلغ 480 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة ضمن استراتيجية دفاعية تنقل التركيز الأميركي من العمليات البرية في العراق وأفغانستان إلى العمليات البحرية والجوية في المحيط الهادئ، مع تشديد على الأهمية القصوى للتعاون مع "الأطلسي" من خلال مناورات مشتركة ومهام استشارية في أميركا اللاتينية وأفريقيا لتعويض هذا التقليص في الحضور الأميركي.

وقال أوباما "مواجهة تحديات زماننا لا يمكن أن تكون عمل الجيش وحده أو الولايات المتحدة وحدها، بل تتطلب كل عناصر قوتنا القومية والعمل معا بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء".

تركيز الميزانية الدفاعية سيكون على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والهيمنة في المجال الانترنت ومكافحة أسلحة الدمار الشامل والاستثمار في تكنولوجيات حديثة لمكافحة الإرهاب وفي صواريخ بعيدة المدى وأنظمة دفاعية لمواجهة تنامي قوة الصين العسكرية. هذا التقليص سيشمل أيضا بين 10 إلى 15 في المئة من القوات البرية وقوات المارينز لصالح استثمارات جديدة في قدرات القوات البحرية والجوية لمواجهة صعود نفوذ الصين في المحيط الهادئ، وتفاصيل الميزانية الدفاعية ستتوضح الشهر المقبل عندما تكشف إدارة أوباما عن ميزانيتها الفيدرالية لعام 2013.

وقد يحصل أيضا تقليص تلقائي في الميزانية الدفاعية بحجم 500 مليار دولار في كانون الثاني 2013 إذا فشلت لجنة الكونغرس المعنية بتقليص النفقات في إيجاد تسوية يقبل بها الحزبان الديموقراطي والجمهوري. هذه الزيادة تقلق البنتاغون لدرجة وصفها وزير الدفاع ليون بانيتا بأنها "سيناريو يوم القيامة" وستضيف 1 في المئة على معدل البطالة الأميركي.

بانيتا، المتخصص بشؤون الميزانية، تسلم منصبه بشكل رئيسي لإنجاز هذه المراجعة الاستراتيجية التي فرضها قانون الرقابة على الميزانية الذي اقره الكونغرس العام الماضي. وقال أوباما في هذا السياق "علينا أن نتذكر دروس التاريخ. لا يمكننا تحمل تكرار أخطاء الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام حين ترك جيشنا غير مستعد للمستقبل".

وبعد التأكيد أن واشنطن بدأت تنظر ابعد من أفغانستان والعراق، تابع أوباما "سنبقى متيقظين، لا سيما في الشرق الأوسط". وأضاف "سيكون جيشنا اصغر حجما لكن العالم يجب أن يعرف أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها العسكري بقوات مسلحة رشيقة ومرنة ومستعدة لنطاق كامل من الطوارئ والتهديدات".

ابعد من الميزانية هناك معطيات فرضت هذا التحول الأميركي. لم يعد هناك قلق من اجتياح روسي لأوروبا وبالتالي هناك تخفيض حوالى 3 إلى 4 آلاف جندي من القوات المنتشرة في القارة، والعراق على مشارف أن يكون تفصيلا أميركيا وأفغانستان على طريق فك الارتباط حتى إذا تطلب الأمر حوارا مع حركة طالبان، وبالتالي حجم القوات الأميركية في العراق وأفغانستان انخفض من 180 إلى 90 ألفا اليوم. والدرس الآخر ان عملية "الاطلسي" في ليبيا كلفت الخزينة الأميركية 1,1 مليار دولار فقط من دون سقوط اي قتيل في صفوف الجنود الأميركيين او "الاطلسي" في مقابل 1,38 تريليون دولار و7362 قتيلا في حربي العراق وافغانستان.

وتذكر المراجعة الاستراتيجية تحت عنوان "استدامة القيادة الأميركية العالمية"، والتي تقع في ثماني صفحات، أن التركيز سيكون على الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط مع التجاوب مع تطلعات الشعوب. وتقول الوثيقة "ستشدد السياسة الأميركية على امن الخليج، وذلك بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي عندما يكون الأمر مناسبا لمنع تطوير إيران قدرة سلاح نووي ومواجهة سياستها لزعزعة الاستقرار". وتعرب عن قلقها من صعود نفوذ الصين وإيران بالقول "يجب أن تحافظ الولايات المتحدة على قدرتها في إبراز قوتها في مناطق حيث نفاذنا وحريتنا يتعرضان للتحدي".

ووصف بانيتا الإستراتيجية بأنها "تحول تاريخي إلى المستقبل"، مشيرا الى ان المراجعة استندت الى اربع دعائم، هي الحفاظ على التفوق العسكري الأميركي وإانشاء "قوة عسكرية صغيرة مجهزة جيدا افضل بكثير من قوة اكبر غير مستعدة". والتقليص سيكون شاملا حتى في مجالات سيعترض عليها الكونغرس وسيتم الحفاظ على التطوع في الجيش الاميركي. وقال "تمكن مواجهة اكثر من عدو في الوقت ذاته... تمكن مواجهة حرب برية في كوريا وفي الوقت ذاته مواجهة تهديدات مضيق هرمز".

ورئيس هيئة الاركان المشتركة في الجيش الاميركي الجنرال مارتين ديمبسي اعتبر ان "الاتجاهات الديموغرافية والجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية تتحول نحو المحيط الهادئ". واضاف "نحن قوة عالمية وعلينا ان نكون قادرين على اجراء انشطة وعمليات عسكرية على نطاق كامل. لم يقل احد اننا لن نخوض حروبا برية".

نائب مساعد وزير الدفاع السابق والباحث في مركز "التقييمات الاستراتيجية والميزانية" مارك غونزيغر يقول لـ"السفير" ان الاستراتيجية الاميركية الجديدة "لا تعني بالضرورة ان البنتاغون سيعود الى وضعية" ما قبل غزو العراق عام 2003. واضاف "لكنني اتوقع انه سيكون هناك تشديد متزايد على الحفاظ على قوات في المنطقة قادرة على اجراء مهام مثل مكافحة الارهاب ومكافحة اسلحة الدمار الشامل وحرية الملاحة". ورأى ان هذه الاستراتيجية الجديدة "تعكس القلق المتزايد من سعي ايران المتواصل لانظمة عسكرية، بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل".

اما الباحث في مركز الدراسات الاسترايتجية والدولية انطوني كوردسمان فقال انه من السهل الحديث عن اولويات، مشيرا الى ان وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد قام بالامر نفسه قبل 11 ايلول. واضاف ان "الشيطان يكمن في التفاصيل" في اشارة الى ميزانية عام 2013 التي ستصدر الشهر المقبل، داعيا الى التركيز على السنوات القليلة المقبلة وليس العقد المقبل.

  • فريق ماسة
  • 2012-01-05
  • 9065
  • من الأرشيف

الميزانية الدفاعية تتأقلم مع زمن التقشف ومرحلة ما بعد الانسحاب من العراق تحول تاريخي في البنتاغون نحو تحديات المحيط الهادئ

بعد ارتفاع غير مسبوق في الميزانية الدفاعية الأميركية منذ هجمات 11 أيلول العام 2001، بدأ البنتاغون بالتأقلم مع زمن التقشف المالي، معلنا عن اكبر تحول في الاستراتيجية الدفاعية منذ حرب فيتنام، أي نهاية عصر خوض الحروب البرية ومكافحة "التمرد" وعمليات بناء الدول المتعثرة. وبعد سرد ما حققته ولايته الرئاسية من قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وإحراز تقدم في أفغانستان والانسحاب من العراق والمساهمة في مهمة حلف شمال الأطلسي في ليبيا، قال الرئيس باراك أوباما، في مؤتمر صحافي امس، "الآن نطوي صفحة عقد من الحرب لان لدينا الفرصة والمسؤولية لنتطلع إلى القوة التي نحتاج اليها في المستقبل". وأضاف "في الوقت ذاته، علينا أن نجدد قوتنا الاقتصادية هنا في الوطن، التي هي أساس قوتنا في العالم". الهدف الرئيسي من هذه المراجعة التي استمرت لفترة تسعة أشهر هو تقليص مبلغ 480 مليار دولار خلال السنوات العشر المقبلة ضمن استراتيجية دفاعية تنقل التركيز الأميركي من العمليات البرية في العراق وأفغانستان إلى العمليات البحرية والجوية في المحيط الهادئ، مع تشديد على الأهمية القصوى للتعاون مع "الأطلسي" من خلال مناورات مشتركة ومهام استشارية في أميركا اللاتينية وأفريقيا لتعويض هذا التقليص في الحضور الأميركي. وقال أوباما "مواجهة تحديات زماننا لا يمكن أن تكون عمل الجيش وحده أو الولايات المتحدة وحدها، بل تتطلب كل عناصر قوتنا القومية والعمل معا بالتنسيق مع الحلفاء والشركاء". تركيز الميزانية الدفاعية سيكون على الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والهيمنة في المجال الانترنت ومكافحة أسلحة الدمار الشامل والاستثمار في تكنولوجيات حديثة لمكافحة الإرهاب وفي صواريخ بعيدة المدى وأنظمة دفاعية لمواجهة تنامي قوة الصين العسكرية. هذا التقليص سيشمل أيضا بين 10 إلى 15 في المئة من القوات البرية وقوات المارينز لصالح استثمارات جديدة في قدرات القوات البحرية والجوية لمواجهة صعود نفوذ الصين في المحيط الهادئ، وتفاصيل الميزانية الدفاعية ستتوضح الشهر المقبل عندما تكشف إدارة أوباما عن ميزانيتها الفيدرالية لعام 2013. وقد يحصل أيضا تقليص تلقائي في الميزانية الدفاعية بحجم 500 مليار دولار في كانون الثاني 2013 إذا فشلت لجنة الكونغرس المعنية بتقليص النفقات في إيجاد تسوية يقبل بها الحزبان الديموقراطي والجمهوري. هذه الزيادة تقلق البنتاغون لدرجة وصفها وزير الدفاع ليون بانيتا بأنها "سيناريو يوم القيامة" وستضيف 1 في المئة على معدل البطالة الأميركي. بانيتا، المتخصص بشؤون الميزانية، تسلم منصبه بشكل رئيسي لإنجاز هذه المراجعة الاستراتيجية التي فرضها قانون الرقابة على الميزانية الذي اقره الكونغرس العام الماضي. وقال أوباما في هذا السياق "علينا أن نتذكر دروس التاريخ. لا يمكننا تحمل تكرار أخطاء الماضي، بعد الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام حين ترك جيشنا غير مستعد للمستقبل". وبعد التأكيد أن واشنطن بدأت تنظر ابعد من أفغانستان والعراق، تابع أوباما "سنبقى متيقظين، لا سيما في الشرق الأوسط". وأضاف "سيكون جيشنا اصغر حجما لكن العالم يجب أن يعرف أن الولايات المتحدة ستحافظ على تفوقها العسكري بقوات مسلحة رشيقة ومرنة ومستعدة لنطاق كامل من الطوارئ والتهديدات". ابعد من الميزانية هناك معطيات فرضت هذا التحول الأميركي. لم يعد هناك قلق من اجتياح روسي لأوروبا وبالتالي هناك تخفيض حوالى 3 إلى 4 آلاف جندي من القوات المنتشرة في القارة، والعراق على مشارف أن يكون تفصيلا أميركيا وأفغانستان على طريق فك الارتباط حتى إذا تطلب الأمر حوارا مع حركة طالبان، وبالتالي حجم القوات الأميركية في العراق وأفغانستان انخفض من 180 إلى 90 ألفا اليوم. والدرس الآخر ان عملية "الاطلسي" في ليبيا كلفت الخزينة الأميركية 1,1 مليار دولار فقط من دون سقوط اي قتيل في صفوف الجنود الأميركيين او "الاطلسي" في مقابل 1,38 تريليون دولار و7362 قتيلا في حربي العراق وافغانستان. وتذكر المراجعة الاستراتيجية تحت عنوان "استدامة القيادة الأميركية العالمية"، والتي تقع في ثماني صفحات، أن التركيز سيكون على الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط مع التجاوب مع تطلعات الشعوب. وتقول الوثيقة "ستشدد السياسة الأميركية على امن الخليج، وذلك بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي عندما يكون الأمر مناسبا لمنع تطوير إيران قدرة سلاح نووي ومواجهة سياستها لزعزعة الاستقرار". وتعرب عن قلقها من صعود نفوذ الصين وإيران بالقول "يجب أن تحافظ الولايات المتحدة على قدرتها في إبراز قوتها في مناطق حيث نفاذنا وحريتنا يتعرضان للتحدي". ووصف بانيتا الإستراتيجية بأنها "تحول تاريخي إلى المستقبل"، مشيرا الى ان المراجعة استندت الى اربع دعائم، هي الحفاظ على التفوق العسكري الأميركي وإانشاء "قوة عسكرية صغيرة مجهزة جيدا افضل بكثير من قوة اكبر غير مستعدة". والتقليص سيكون شاملا حتى في مجالات سيعترض عليها الكونغرس وسيتم الحفاظ على التطوع في الجيش الاميركي. وقال "تمكن مواجهة اكثر من عدو في الوقت ذاته... تمكن مواجهة حرب برية في كوريا وفي الوقت ذاته مواجهة تهديدات مضيق هرمز". ورئيس هيئة الاركان المشتركة في الجيش الاميركي الجنرال مارتين ديمبسي اعتبر ان "الاتجاهات الديموغرافية والجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية تتحول نحو المحيط الهادئ". واضاف "نحن قوة عالمية وعلينا ان نكون قادرين على اجراء انشطة وعمليات عسكرية على نطاق كامل. لم يقل احد اننا لن نخوض حروبا برية". نائب مساعد وزير الدفاع السابق والباحث في مركز "التقييمات الاستراتيجية والميزانية" مارك غونزيغر يقول لـ"السفير" ان الاستراتيجية الاميركية الجديدة "لا تعني بالضرورة ان البنتاغون سيعود الى وضعية" ما قبل غزو العراق عام 2003. واضاف "لكنني اتوقع انه سيكون هناك تشديد متزايد على الحفاظ على قوات في المنطقة قادرة على اجراء مهام مثل مكافحة الارهاب ومكافحة اسلحة الدمار الشامل وحرية الملاحة". ورأى ان هذه الاستراتيجية الجديدة "تعكس القلق المتزايد من سعي ايران المتواصل لانظمة عسكرية، بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل". اما الباحث في مركز الدراسات الاسترايتجية والدولية انطوني كوردسمان فقال انه من السهل الحديث عن اولويات، مشيرا الى ان وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد قام بالامر نفسه قبل 11 ايلول. واضاف ان "الشيطان يكمن في التفاصيل" في اشارة الى ميزانية عام 2013 التي ستصدر الشهر المقبل، داعيا الى التركيز على السنوات القليلة المقبلة وليس العقد المقبل.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة