دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
مخاض متوتر ومتعرج خاضته الدبلوماسية العربية - القطرية مع القيادة في الجمهورية العربية السورية للتوقيع على الـ"بروتوكول" القاضي بإرسال بعثة من المراقبين للإطلاع عن كثب على مجريات الأحداث في سورية. بعد الاتفاق، استقبلت طلائع البعثة العربية تفجيرات هزت مقرات الامن في دمشق، لكن الرسالة الامنية لم تمنعها من مباشرة عملها، لتبدأ مهمتها في المدن السورية دون أي عائق من قبل النظام، وقبل أن ترفع تقريرها الرسمي الأول هاجمتها "ديبلوماسية" ما يعرف بالمجلس الوطني ليستكمل مشهد الابتزاز بتصريحات اعترافية بتفجير الوضع الامني من قبل من عرف عن نفسه باسم "العقيد رياض الاسعد" مفتتحاً المشهد امام كل من أميركا وفرنسا-جوبيه لنعيها والمطالبة بتدخل مجلس الأمن، لتبرهن هاتان الدولتان مجدداً أنهما تديران اللعبة من ألفها إلى يائها وأن بعثة الجامعة العربية ليست سوى أداة بيد واشنطن، تستخدمها لتحقيق مشاريعها "القذرة" في المنطقة. فأتى إعلان "الأسعد" من منزله الآمن في جنوب تركيا عن "مفاجأة للنظام ولكل العالم"، وبوقاحته المعهودة أبدى استياءه من تصريحات المراقبين، رافضاً تأكيداتهم على تعاون السلطات السورية.
فما هو "المخطط المفاجأة" الذي يتحدث عنه رياض الأسعد؟
اللجنة الوزارية تنعى بعثة المراقبين
تكشف مصادر مقربة من الدوائر الأمنية في دول صناعة القرار لـ"موقع قناة المنار" عن المخطط الذي أعدته أميركا والذي دخل حيز التنفيذ مع نعي كل من واشنطن وباريس لعمل بعثة المراقبين العرب في سورية، فتقول هذه المصادر أن الإجتماع المقرر للجنة الوزارية المعنية بموضوع سورية يوم الأحد 8/كانون الثاني/2012 سينعى، ولو بشكل غير رسمي، مهمة بعثة المراقبين، وستكون هذه، الخطوة الأولى في المخطط الجديد "لإسقاط" الرئيس بشار الأسد. وتضيف المصادر "بالأساس لم يكن هناك حاجة لهذه البعثة، الا تستطيع الأقمار الإصطناعية أن تصور المجازر التي يدعون حدوثها؟ لم الحاجة إذاً للجنة على الأرض؟ هذا لم يكن سوى ديكور لتحضير المسرح إنما السيناريو مكتوب والمخرج أميركي، والممثلون إقليميون ودوليون، ومن كتب السيناريو كتب نهاية المسرحية، ولكنه بحاجة إلى بعض المشاهد ليكتمل العمل وما يحدث اليوم ليس سوى جزء من هذه المشاهد".
عملية إلهاء لادخال القاعدة - التكفيريين إلى سورية ولكن ما هو الدور الفعلي لهذه البعثة؟ ولماذا تم نعيها بهذه السرعة؟
تجيب المصادر بأن عمل البعثة انتهى، فمن أرسلها يعلم تماماً أنها لا تستطيع إدانة النظام السوري عندما تشاهد ما يحدث فعلاً في سورية، وهذا كان واضحاً من خلال تصريحات رئيسها، ولكن المطلوب فقط كان إلهاء النظام السوري لاستكمال الاستعدادات الميدانية للمخطط الجديد، فجرى تهريب مجموعات القاعدة - التكفيريين عبر الحدود اللبنانية والعراقية والتركية - السورية، بينهم 600 مقاتل عربي سبق واستخدمتهم قوات الناتو في ليبيا. فخلال عمل اللجنة، دخلت المجموعات التكفيرية تحضيراً لمرحلة تحويل المعارضة إلى إنقلاب مسلح يحمل شعارات رنانة، وكل ذلك خدمة للمشروع الهادف إلى تدمير سورية. فتنفيذ الأجندة الأميركية يأتي كتعويض استراتيجي عن انسحابها من العراق وأفغانستان قريباً.
مكتب طالبان في قطر ورصيف الغاز القطري في "اسرائيل"
لكن من أين أتت هذه المجموعات التكفيرية ومن يؤمن لها هامش الحركة؟
للرد على هذا السؤال، يكفي الإلتفات، بحسب مصادرنا، إلى الدور الذي تلعبه قطر في التقريب بين حركة طالبان التكفيرية وواشنطن، وافتتاح مكتب رسمي للحركة في الدوحة، وذلك كان تمهيداً لاستخدام عناصر طالبان التكفيرية ضد سورية الآن وضد إيران في بلوشستان في المرحلة المقبلة لتوتير الوضع المذهبي داخل الجمهورية الإسلامية الايرانية، في اشارة إلى انتقال التدخل القطري من المستوى الدبلوماسي والإعلامي إلى استخدام ملف التكفيريين، وذلك للخروج من نفق الفشل الذي وضعت فيه نتبيجة عدم تمكن برهان غليون من جمع المعارضة الداخلية والخارجية.
والسؤال هنا، هل ستكون "طالبان" وبعض الحركات "الإسلامية" الثمن الذي تدفعه قطر لأميركا بدل شراء إسرائيل لملايين الأطنان من الغاز القطري المسال، والذي يقوم العدو اليوم بإنشاء رصيف في حيفا لاستقباله؟ وهل سيحقق عناصر طالبان وبعض الحركات "الإسلامية" الأهداف الأميركية-الإسرائيلية في المنطقة من تفتيت لمحور المقاومة والممانعة؟
الأمر ليس مستبعداً أو مستغرباً، فبالعودة إلى دراسة أعدها العميد الركن المتقاعد د. محمد عباس بعنوان "مصير الوجود العسكري الأميركي في العراق في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية"، نجد بأن الإستراتيجية الأميركية المخطّطة لمواجهة تطوّرات المنطقة تتضمن "إثارة الاضطرابات والإنقسامات في البلدان المعارضة للمشروع الأميركي في المنطقة والمستهدف الأول من هذا المخطط هو سورية إحياءً لمخطط سابق للمحافظين الجدد لاسقاط النظام فيها، بسبب موقعها الهام والدور الوطني الذي تضطلع به في موضوع الصراع العربي-الاسرائيلي، وعدم رضوخها للإملاءات الأميركية، كما ان اسقاط سورية يضعف حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ويجعل إيران مطوّقة وبدون أي سند أو حليف ويجعل تأثيرها في قضية فلسطين معدوماً"، ويضيف العميد عباس في دراسته "في اعتقادي ان كل التدخّلات التي تحصل في سورية والاضطرابات التي تعم مدنها، موحى بها من قبل الولايات المتحدة التي ثبت أنها تقدم بالتنسيق مع تركيا ودول عربية دعماً سياسياً ولوجستياً ومالياً للمعارضة السورية". ويؤكد العميد عباس ان "العقل المصلحي والبراغماتي الأميركي لا يتورّع عن عقد تفاهمات وصفقات (...) كما وأن وثائق ويكيليكس كشفت عن اتصالات بين بعض قادة الإخوان المسلمين خصوصاً إخوان تونس، وإخوان سورية".
زيارة بان كي مون وطرح المواضيع الساخنة
بعد التثبت من فشل المبادرة العربية، يصل الأمين العام للأمم المتحدة إلى بيروت في 13 كانون الثاني في زيارة تستمر لثلاثة أيام يلتقي خلالها الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي، ويغيب عن برنامجه الطويل أي لقاء مع رئيس مجلس النواب نبيه بري في خطوة لها الكثير من الدلالات، وتفيد المصادر بأن بان كي مون سيثير موضوع "الانتهاكات السورية وخطف المعارضين السوريين وتهريب السلاح، والاعتداءات المتكررة على قوات اليونيفيل وإطلاق الصواريخ باتجاه العدو الإسرائيلي، فضلا عن الدعوة إلى تطبيق القرار 1701". كما سيتناول المسؤول الأممي القرار 1680 (الداعي إلى ترسيم الحدود مع سورية في اعتباره خطوة مهمة نحو تأكيد سيادة لبنان وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي)، والقرار الرقم 1559 من زاوية السلاح الفلسطيني وسلاح حزب الله وتأثيرهما على استقرار لبنان والمنطقة. كما سيلقي بان كي مون يوم الأحد 15 كانون الثاني كلمة افتتاحية في مؤتمر دولي بعنوان "الاصلاح والانتقال الى الديمقراطية" من تنظيم اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (اسكوا) التابعة للأمم المتحدة.
وتكشف مصادرنا بأن "زيارة بان كي مون ستترافق مع زيارة عدد من المسؤولين الأميركيين إلى المنطقة وإلى لبنان تحديداً لدراسة إمكانيات تشديد العقوبات على سورية من لبنان والضغط بشكل أكبر على حزب الله".
خطة تطويق حزب الله والتواصل بين لبنان وسورية
ستبدأ عملية تطويق حزب الله مباشرة بعد هذه الزيارة، فالمسؤول الأممي الذي سيثير أيضاً بحسب مصادرنا قضية "اللاجئين السوريين في لبنان" سيعطي الضوء الأخضر للمنظمات الدولية والأمم المتحدة للعمل على دعم هؤلاء "اللاجئين"، كخلفية لدعم الثورة المسلحة وتقديم المساعدة لها لتحقيق أهدافها. هكذا يبدأ إحراج حزب الله المهدد بتدهور الوضع الأمني-الفتنوي وباسقاط الحكومة إن رفض تسهيل عمل المنظمات الدولية في الشمال. هذا عدا المعلومات التي تكشفها مصادرنا عن "استهداف" لقوات اليونيفيل في جنوب لبنان قد يقوم به تكفيريون لإحراج حزب الله دولياً، واتهامه بالوقوف وراء هذا الإستهداف، وبالتالي تحجيم دوره وتقليص إمكانية تأثيره على القرار في لبنان، وذلك لفسح المجال أمام تحريك جبهة الشمال والبقاع كي تكون خاصرة تدعم مثلث الوسط في حمص (سيجري شرح معنى "مثلث الوسط" في سياق المقال) وتفتح قناة الاتصال باتجاه الساحل السوري وريف دمشق.
ومن ضمن المخطط سيجري قطع التواصل المدني والتجاري الذي يربط بين لبنان وسورية على خلفية أحداث أمنية مفتعلة على طرق اكثر من معبر حدودي، فتكون عملية نقل البضائع بين البلدين معرضة هي الأخرى لعمليات ممكن أن تقوم بها هذه المجموعات التكفيرية التي من المفترض أن تنفذ أيضاً أعمالاً ارهابية تستهدف قطاع المواصلات داخل سورية، فيكون هذا شكل آخر لتنفيذ العقوبات ضد النظام السوري بغية استسلامه بشكل نهائي.
وبالتالي فإن إعلان فشل المبادرة العربية ونعيها رسمياً، سيترافق مع انتقال الملف إلى الأمم المتحدة كما طلبت أميركا، والحركة المفصلية ستكون زيارة بان كي مون إلى لبنان والتي تأتي قبل الإعلان في نهاية كانون الثاني عن لائحة عقوبات أميركية وأوروبية جديدة ضد سورية وايران ستضم أكثر من 160 مؤسسة مالية ومصرفية وقطاع النفط وقطاع المواصلات بالإضافة إلى شخصيات.
تشكيل المثلثات الأمنية داخل سورية واستراتيجية احتلال الساحات العامة
وتكشف المصادر عن مخطط اطلسي يقضي بتشكيل مثلثات امنية على كامل الجغرافيا السورية، وستكون على الشكل التالي:
في المرحلة الاولى:
- مثلث شمالي ويضم: جسر الشغور، ومعرة النعمان، وإدلب.
- مثلث أوسط ويضم: حمص، وتل كلخ، وحماه.
- مثلث جنوبي ويضم: درعا، وجاسم، والصنمين.
- مثلث ريف دمشق ويضم: دوما، والزبداني، والمعظمية.
اما في المرحلة الثانية:
- مثلث الاكراد الحسكة- القامشلي.
- مثلث العشائر في دير الزور.
والهدف من إنشاء المثلثات الأربعة الأولى هو محاصرة العاصمة السياسية دمشق والعاصمة الاقتصادية حلب بشكل كامل، حيث ستتم عسكرة ما يسمى بـ"الثورة" بشكل علني كنتيجة لفشل مهمة البعثة العربية، ثم ستقوم القوى السياسية للجماعات التكفيرية باحتلال الساحات في المثلثات الأربعة الأولى، وتكثيف التظاهرات المتنقلة وقيام ما يسمى "الجيش السوري الحر" بحماية محتلي الساحات. مما سيؤدي إلى مضاعفة ضغط العقوبات على الشارع السوري.
يترافق ذلك مع محاولة قطع خطوط الإمداد التجاري التي تربط بين دمشق وحلب بشكل خاص في المرحلة المقبلة عبر "المثلث الأوسط"، بحيث تقوم المجموعات التكفيرية بتنفيذ عمليات إرهابية على الخطوط السريعة التي تربط العاصمة بالمدن الرئيسية في الأطراف مما يؤدي إلى تراجع حركة تنقل البضائع والتأثير على الإقتصاد السوري من الداخل. أما بالنسبة للمثلثين الأخيرين فسيقوم المسلحون بعمليات عسكرية تستهدف النقاط الأمنية والحدودية لإرعاب القوى الأمنية وحرس الحدود، وإنشاء مناطق آمنة لتسهيل دخول وخروج التكفيريين.
في الخلاصة، كل شيء يبدأ بالإعلان عن فشل او تعثر مهمة المراقبين العرب، يلي ذلك زيارة بان كي مون إلى لبنان والاردن وتستكمل بخطة إحراج حزب الله تمهيداً لاستخدام شمال لبنان وشرقه للدعم اللوجستي ضد الجمهورية العربية السورية، يترافق ذلك مع عقوبات خارجية جديدة وحصار داخلي امني والإعلان عن ازدياد الانشقاقات في الأيام المقبلة، وستزداد النشاطات والضغوط الدبلوماسية التي تقوم بها أميركا على المستوى الدولي، للحصول على اختراق في الجبهة الصينية - الروسية. أما على المستوى الإقليمي فسنشهد إعادة تنشيط للدور التركي- القطري- المصري- السعودي وإعادة تحريك التوترات المذهبية على المستويين اللبناني والعراقي.
هذه هي المفاجأة التي تحدث عنها رياض الأسعد، فهل ستبقى نفسها بعد الكشف عنها؟ أم أن أميركا ستضيف مشهداً جديداً في فصول مسرحيتها تمهيداً لإجراء التعديلات اللازمة؟
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة