«حصان طروادة» قال رفيقنا الشيوعي محذراً من دور مرسوم لرئيس حكومة بلاده رجب طيب اردوغان، في تركيا والمنطقة، بما في ذلك سورية.

الاتهام الذي أطلقه عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التركي اركان باش، وهو يتحدث بهدوء وثقة في الشطر الآسيوي من مدينة اسطنبول، كان يمكن ان يكون مفاجئاً لمن كان يتتبع بانبهار، صولات وجولات اردوغان الاقليمية. لكن باش، بنظراته الحادة كأفكاره، والأداء المتواضع لحزبه في الانتخابات البرلمانية، كان مقتنعا عندما قال ان «الدولة في تركيا تخدم الامبريالية... ليس مهماً اذا كانت اسلامية او علمانية».

ومثلما هو الحال في تركيا، فان الامور حافلة بكثير من التناقض في بروكسل ايضا حيث تتجاور في هذه المدينة مباني الاتحاد الاوروبي، ومقر حلف شمال الاطلسي، المنتشي بما يعتبره إنجازه العسكري الابرز في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، من خلال حرب ليبيا، بعد سنوات الإخفاق الافغاني.

نشوة غذّت نظرية ما إن سقطت طرابلس وفرّ العقيد معمر القذافي، مفادها بان الممكن في ليبيا، ممكن ايضا في سوريا!

وللتذكير فان الازمة السورية شهدت انعطافتين بارزتين في الايام الاخيرة، مع اعلان تشكيل «المجلس الوطني السوري» المعارض، الذي يكاد يتشابه مع «المجلس الوطني الانتقالي» الليبي، والانعقاد السريع لمجلس الجامعة العربية، بطلب عاجل من مجلس التعاون الخليجي، بعد ايام على الفيتو المزدوج لروسيا والصين والذي أطاح، ولو موقتا، بفكرة التحرك الخارجي لاسقاط النظام في دمشق، على غرار ما جرى في طرابلس في آب الماضي بعدما توفر لها «الغطاء الشرعي» العربي.

في الجزء الثاني من هذا التقرير، محاولة لرصد المواقف مما يجري حول سورية، من خلال لقاءات واتصالات أجرتها «السفير» مع مسؤولين حكوميين وحزبيين ومحللين في كل بروكسل واسطنبول وطهران وواشنطن.

لكن السؤال الابرز الذي يلح حول سورية في ظل ما يجري في بروكسل تحديداً، كعاصمة اوروبية وعاصمة اطلسية ايضا، متعلق بما اذا كانت هذه الحرب ممكنة، ام لا؟ وهو سؤال يتداخل فيه السياسي بالعسكري بالمصالح والعرقيات والحدود... وبالغاز في شرق المتوسط.

«الناتو خائف». يقول بروكز تيغنر، المحلل في مجلة «جينز» الدفاعية لقضايا الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي.

من بعيد، تبدو المواقف ضبابية ازاء ما يجري في بروكسل. تختلط المفاهيم السياسية بانتهازيتها، بالمبادئ الانسانية باخلاقياتها... وفي التعامل مع احداث كالتي تجري في سوريا، يصير ما هو ضبابي...معقداً.

لنضع في الاعتبار التحذير الايراني الموجه الى كل اللاعبين، والذي اتخذ اشكالا متعددة في المرحلة الماضية، باعتبار استقرار سورية، في صميم الامن الاستراتيجي لايران. ولنأخذ في الاعتبار ايضاً، مخاض الانسحاب العسكري الاميركي من العراق، مصحوباً بتقارب يثير حنق الأميركيين، وحلفائهم في المنطقة، بين بغداد ودمشق.

ولهذا، ولأسباب اخرى عديدة ومتداخلة، يقول تيغنر، وهو بالاضافة الى وظيفته في مجلة «جينز» الدفاعية، مدير للدراسات في مكتب «سوكيور» لتحليل سياسات الامن في الاتحاد الاوروبي، إنه لا يعتقد بإمكانية التدخل العسكري «الاطلسي» ضد سورية.

ويقول تيغنر لـ«السفير» ان «الناتو خائف كثيرا من فكرة الذهاب الى سورية.. المجتمع الدولي خائف ايضا... لكن الناتور تحديدا خائف».

لماذا؟ يسرد تيغنر سلسلة من الاسباب التي استقى مضامينها من الاوساط القيادية داخل حلف الاطلسي في بروكسل.

يقول اولا ان «سورية دولة كبيرة جغرافياً، لديها جيش كبير ومنظم، واجهزة امنية ومخابراتية كبيرة ومنظمة بشكل او بآخر». ويتابع «هناك العديد من الجبهات المحيطة بها، وموقعها الجغرافي شديد التعقيد، حيث ان هناك العديد من النقاط الساخنة حول حدودها».

وبالاضافة الى مجاورتها لدولة اطلسية هي تركيا التي لها مشكلاتها الجغرافية والسياسية والعرقية، هناك ايضا تأثير الازمة السورية المحتمل، على لبنان وفلسطين واسرائيل، واحتمال تزعزع استقرار الاردن. ويشير ايضاً الى احتمال تحرك النزاع السني الشيعي في المنطقة، مع الدخول الايراني والسعودي المحتمل على مسار ازمة متفجرة في سورية.

يقول تيغنر، مستنداً على محادثات اجراها مع دبلوماسيين في حلف الناتو، انهم ابلغوه «لن نذهب الى هناك أبداً أبداً... لا يمكننا ان نكسب مثل هذه الحرب».

لكن ذلك لا يعني ان حلف «الناتو» يقف مجرداً من الخيارات. ويقول تيغنر ان بامكان الحلف اذا فرضت الامم المتحدة حصارا اقتصاديا او بحريا على سورية، ان يشارك في تطبيقه عبر اعتراض السفن وتفتيشها، خصوصا ان الساحل الشرقي للبحر المتوسط، محدود نسبياً من السهولة مراقبته.

ويقول ان مسؤولي «الناتو» كلما سئلوا عن سبب عدم لجوئهم الى العمل ضد سورية، يقدمون سببين رئيسيين: اولا نحتاج الى تفويض من الامم المتحدة، وهو خيار يبدو حتى الآن متعثراً، والسبب الثاني ضرورة توفير غطاء اقليمي، مثلما جرى في الحالة الليبية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

«لا يمكن ان نربح حرباً كهذه» ينقل تيغنر عن همس مسؤولي حلف «الناتو»... فسورية ليست كليبيا التي هي صحراء تسهل مراقبتها من السماء ومهاجمة الاهداف فيها بسهولة نسبية، ولا يوجد تركيز سكاني في غالبية مناطقها.

اما بالنسبة الى سورية، فانها اكبر سكانياً واكثر تركيزاً، واكثر تعقيداً من ليبيا من الناحية الجيوبولوتيكية، اذا انها تختلف بطبيعتها الجغرافية وتركيبتها الطوائفية ايضا الداخلية، مع ضرورة مراقبة موقف الاكراد في سورية نفسها وفي المنطقة عموما.

وبعدما يقول ان موقف الاكراد يثير هواجس تركية أكيدة، يقول تيغنر «انا واثق ان ممثل تركيا في حلف الاطلسي يقول لا للتدخل العسكري».

وعندما نسأله عن مواقف اردوغان وتصريحاته المتواصلة ضد سورية، يقول محلل السياسات الأمنية في مجلة «جينز»، «هذه مجرد تصريحات سياسية... خلف الابواب الموصدة في الناتو، الاتراك، على الارجح، سيقولون لا للحرب... لو كنت اردوغان، هل كنت ستستدعي الحرب الى بلدك!؟».

لم يتبدد من الذاكرة الجماعية لكثيرين حول العالم ما جرى في العراق.. هذه «الهواجس العراقية»، وفشل العمل العسكري مهما قيل حوله، تحكم بشكل او بآخر مبادئ التفكير العسكري المرتبط بسوريا،كما يشير تيغنر.

«الناتو» واسرائيل والغاز

وماذا عن قضية حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، ومدى ارتباطها بما يجري، او ما يمكن ان يحدث؟ يقول تيغنر «علينا مراقبة ذلك.. هذه قضية قد تتطور لاحقا.. الدول الآن تقوم بترسيم حدودها البحرية لضمان حصتها في موارد الطاقة.. واذا جرى العثور على حقول محتملة قبالة السواحل السورية، فإن الاحداث قد تتداخل مع بعضها البعض».

وماذا عن موقف «الناتو» في حال انفجرت مواجهة ما مع اسرائيل بسبب قضية مصادر الطاقة البحرية؟ يقول تيغنر «لا توجد اتفاقية تبادل الدعم العسكري مع اسرائيل تتيح الدخول بحرب من اجلها او الدفاع عنها، في حال انفجرت ازمة حقول الغاز... الناتو لن يتورط بشيء كهذا، لكنه سيكون انفجاراً كبيراً في المنطقة اذا حدث».

اما على الصعيد الاوروبي الرسمي، فان الصورة تبدو مربكة لاي مراقب. يندفع الاتحاد الاوروبي في خياراته «العقابية» ضد دمشق، فيما تقول النائبة في البرلمان الاوروبي أنيمي نويتز لـ«السفير» إنه «من الصعب فعلاً معرفة ما يجري في سورية».

لكن نويتز، العضوة في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، وهي تقر بصعوبة المعرفة هذه، تسرد في الوقت ذاته، بالتفصيل كيف تحرك الاتحاد الاوروبي لمواجهة النظام السوري عبر استهدافه بالعقوبات، وتعترف في الوقت ذاته بان العنف الحاصل قد يقود الى «حرب اهلية»...على ابواب اوروبا.

وبعدما تقول نويتز ان «الوضع يمكن ان يتحسن من خلال الحوار السياسي وليس بعمليات القتل»، تشير الى «صعوبة تقييم الامور ومدى حجم المخاطر»، وتعترف بأن هناك قلقاً في الاوساط الاوروبية من «تصاعد العنف والذي يمكن ان يؤدي الى حرب اهلية، وهو ما لا نريده».

لكن الاوروبيين، تقول النائبة في البرلمان الاوروبي، والعضو في الحزب الليبرالي الديموقراطي الفلمنكي، «لا يريدون ايضا ان نمنح الاسد يداً طليقة ليتصرف على هواه».

وفي الوقت ذاته، تشير نويتز الى انها وغيرها من النواب الاوروبيين التقوا بشخصيات سورية معارضة، لكنهم لا يقيمون في سوريا نفسها، وبالتالي فان تفاصيل المشهد الداخلي غير واضحة تماما، بالنسبة لهم.

وعما اذا كانت «التجربة الليبية» تغري الاوروبيين بالتحرك عسكريا ضد سوريا، تقول «لا ارى كيف يمكننا ان نفتح جبهة جديدة... جغرافيا، سورية تختلف عن ليبيا، وهي اكثر صعوبة واختلافا.. الفكرة مستبعدة تماما في الوقت الراهن».

لا تعرف نويتز ما اذا كانت هناك بالفعل عمليات تهريب للاسلحة الى سوريا وبعض الجماعات المعارضة، كما لا تعرف من هي كل الجهات المسؤولة عن عمليات القتل من الطرفين، ولا تعرف ايضا حجمها... وتطرح النائبة الاوروبية تساؤلات لاستجلاء الصورة اكثر، عن السيناريو الاكثر ترجيحاً لمسار الازمة السورية: فاما ان ينجح النظام في كبح الاحتجاجات، وانما ان نشهد خليطا من قمع الاحتجاج والمبادرة السياسية للتسوية الداخلية، واما ان يتفاقم العنف ويحصل انجراف الى حرب اهلية، وهو الاحتمال الذي تقول انها تخشاه ويخشاه الاوروبيون.

ومن جهتها، تقول ايلكا اوسيتالو، المسؤولة في خدمة عمل الشؤون الخارجية لشؤون الشرق الاوسط في الاتحاد الاوروبي، لـ«السفير»، ان «الخيار العسكري ليس مطروحاً على الطاولة... سوريا تختلف عن ليبيا».

تحرص على التأكيد على «وضوح السياسة الاوروبية تجاه سوريا» مذكرة بسلسلة العقوبات التي فرضت على دمشق، وصولاً الى مطالبة الاسد بالتنحي على الحكم، وبالعمل مع الامم المتحدة من اجل التحرك ضد النظام.

لكن عند سؤالها عن الخيار العسكري، تقول اوسيتالو «الخيار العسكري ليس مطروحا، وسوريا شديدة الاختلاف عن ليبيا»، مشيرة الى ان المعارضة السورية شددت على ان أي مرحلة انتقالية مستقبلية في البلد، يجب ان يقودها الشعب السوري، وهو ما اكد عليه البيان الرئاسي لمجلس الامن الدولي في آب الماضي».

كما اشارت الى انه حتى في مسودة عقوبات مجلس الامن التي استخدمت روسيا والصين الفيتو ضدها، لم تكن اجراءات كالتي شهدناها حول ليبيا، خصوصا فرض منطقة حظر جوي، مطروحة.

وحذرت من انه مع تفاقم العنف، فان الاوروبيين يطالبون النظام السوري بوقف العنف فورا، ويطالبون ايضا المتظاهرين بالحفاظ على الطابع السلمي لتحركهم، مضيفة ان «الصراع المسلح بين الطرفين سيكون كارثياً».

خاتمة

على الضفة الآسيوية لاسطنبول، ينتظرنا «جعفر» على المرفأ شاب شيوعي. الحي اكثر هدوءا واقل صخبا من الشطر الاوروبي للمدينة. جعفر يعاجل بالسؤال عن موقفنا من «الثورات» في المنطقة... وينتظر اجابة..

تتناوب القوى التقليدية على الحكم في تركيا منذ انقلاب الثمانينيات.. لكنه زمن حزب العدالة والتنمية الآن... وللحزب حساباته الخاصة.. «الامبريالية» يقول جعفر تريد الاستيلاء على التحركات الشعبية في المنطقة، او تحريكها من خلف الستار. المطلوب جلب جماعة الاخوان المسلمين» الى سوريا وغيرها.. يشير الى نوايا حزب العدالة والتنمية والـ«سي آي ايه».

في اللقاء مع اركان باش، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، لا تختلف اجواء النقاش عما يردده جعفر في الخارج.. يقول اركان باش «تركيا تريد الانسجام مع النظام العالمي الجديد... و«العثمانيون الجدد» و«الجمهورية الثانية» مصطلحات يجري الترويج لها لاستقطاب الدعم والتأييد من الاسلاميين والقوميين في تركيا. وخارجياً، تركيا مكلفة بـ«مهمة سوداء» في افغانستان ويوغوسلافيا السابقة والتحالف ضد ليبيا، واسرائيل لا تكفي وحدها لتحقيق اهداف الهيمنة الاميركية، وتركيا لديها الوجه المبتسم، ودورها في سوريا، التي هي على هامش النظام العالمي، ادخالها عنوة في النظام، واذا كان الاسد عقبة، يجب ان تجري ازاحته.

لم تعد تركيا كلمة واحدة حول سوريا، وربما لم تكن أصلاً ... الجهات السياسة والأمنية، كما السلطة والمعارضة وبعض القوى الداخلية، ليس على موقف واحد من الجار السوري.. لكن لهجة اردوغان صارت اكثر هدوءاً في الآونة الاخيرة.. هل هو ذلك الهدوء الذي ستتبعه عاصفة؟ هل صارت مصلحتها واضحة في فك التحالف الايراني ـ السوري في ما مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الاميركي من العراق؟ هل يذهب اردوغان بالمنطقة الى خراب وهو ينشد الزعامة والدور؟

صديقنا الشيوعي، عذراً اذا كنا لا نمتلك الاجابات.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-10-18
  • 5697
  • من الأرشيف

«الناتو» خائف من حرب على سورية ... وأوروبا خائفة من اقتتال أهلي

     «حصان طروادة» قال رفيقنا الشيوعي محذراً من دور مرسوم لرئيس حكومة بلاده رجب طيب اردوغان، في تركيا والمنطقة، بما في ذلك سورية. الاتهام الذي أطلقه عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التركي اركان باش، وهو يتحدث بهدوء وثقة في الشطر الآسيوي من مدينة اسطنبول، كان يمكن ان يكون مفاجئاً لمن كان يتتبع بانبهار، صولات وجولات اردوغان الاقليمية. لكن باش، بنظراته الحادة كأفكاره، والأداء المتواضع لحزبه في الانتخابات البرلمانية، كان مقتنعا عندما قال ان «الدولة في تركيا تخدم الامبريالية... ليس مهماً اذا كانت اسلامية او علمانية». ومثلما هو الحال في تركيا، فان الامور حافلة بكثير من التناقض في بروكسل ايضا حيث تتجاور في هذه المدينة مباني الاتحاد الاوروبي، ومقر حلف شمال الاطلسي، المنتشي بما يعتبره إنجازه العسكري الابرز في مرحلة ما بعد الحرب الباردة، من خلال حرب ليبيا، بعد سنوات الإخفاق الافغاني. نشوة غذّت نظرية ما إن سقطت طرابلس وفرّ العقيد معمر القذافي، مفادها بان الممكن في ليبيا، ممكن ايضا في سوريا! وللتذكير فان الازمة السورية شهدت انعطافتين بارزتين في الايام الاخيرة، مع اعلان تشكيل «المجلس الوطني السوري» المعارض، الذي يكاد يتشابه مع «المجلس الوطني الانتقالي» الليبي، والانعقاد السريع لمجلس الجامعة العربية، بطلب عاجل من مجلس التعاون الخليجي، بعد ايام على الفيتو المزدوج لروسيا والصين والذي أطاح، ولو موقتا، بفكرة التحرك الخارجي لاسقاط النظام في دمشق، على غرار ما جرى في طرابلس في آب الماضي بعدما توفر لها «الغطاء الشرعي» العربي. في الجزء الثاني من هذا التقرير، محاولة لرصد المواقف مما يجري حول سورية، من خلال لقاءات واتصالات أجرتها «السفير» مع مسؤولين حكوميين وحزبيين ومحللين في كل بروكسل واسطنبول وطهران وواشنطن. لكن السؤال الابرز الذي يلح حول سورية في ظل ما يجري في بروكسل تحديداً، كعاصمة اوروبية وعاصمة اطلسية ايضا، متعلق بما اذا كانت هذه الحرب ممكنة، ام لا؟ وهو سؤال يتداخل فيه السياسي بالعسكري بالمصالح والعرقيات والحدود... وبالغاز في شرق المتوسط. «الناتو خائف». يقول بروكز تيغنر، المحلل في مجلة «جينز» الدفاعية لقضايا الاتحاد الاوروبي وحلف شمال الاطلسي. من بعيد، تبدو المواقف ضبابية ازاء ما يجري في بروكسل. تختلط المفاهيم السياسية بانتهازيتها، بالمبادئ الانسانية باخلاقياتها... وفي التعامل مع احداث كالتي تجري في سوريا، يصير ما هو ضبابي...معقداً. لنضع في الاعتبار التحذير الايراني الموجه الى كل اللاعبين، والذي اتخذ اشكالا متعددة في المرحلة الماضية، باعتبار استقرار سورية، في صميم الامن الاستراتيجي لايران. ولنأخذ في الاعتبار ايضاً، مخاض الانسحاب العسكري الاميركي من العراق، مصحوباً بتقارب يثير حنق الأميركيين، وحلفائهم في المنطقة، بين بغداد ودمشق. ولهذا، ولأسباب اخرى عديدة ومتداخلة، يقول تيغنر، وهو بالاضافة الى وظيفته في مجلة «جينز» الدفاعية، مدير للدراسات في مكتب «سوكيور» لتحليل سياسات الامن في الاتحاد الاوروبي، إنه لا يعتقد بإمكانية التدخل العسكري «الاطلسي» ضد سورية. ويقول تيغنر لـ«السفير» ان «الناتو خائف كثيرا من فكرة الذهاب الى سورية.. المجتمع الدولي خائف ايضا... لكن الناتور تحديدا خائف». لماذا؟ يسرد تيغنر سلسلة من الاسباب التي استقى مضامينها من الاوساط القيادية داخل حلف الاطلسي في بروكسل. يقول اولا ان «سورية دولة كبيرة جغرافياً، لديها جيش كبير ومنظم، واجهزة امنية ومخابراتية كبيرة ومنظمة بشكل او بآخر». ويتابع «هناك العديد من الجبهات المحيطة بها، وموقعها الجغرافي شديد التعقيد، حيث ان هناك العديد من النقاط الساخنة حول حدودها». وبالاضافة الى مجاورتها لدولة اطلسية هي تركيا التي لها مشكلاتها الجغرافية والسياسية والعرقية، هناك ايضا تأثير الازمة السورية المحتمل، على لبنان وفلسطين واسرائيل، واحتمال تزعزع استقرار الاردن. ويشير ايضاً الى احتمال تحرك النزاع السني الشيعي في المنطقة، مع الدخول الايراني والسعودي المحتمل على مسار ازمة متفجرة في سورية. يقول تيغنر، مستنداً على محادثات اجراها مع دبلوماسيين في حلف الناتو، انهم ابلغوه «لن نذهب الى هناك أبداً أبداً... لا يمكننا ان نكسب مثل هذه الحرب». لكن ذلك لا يعني ان حلف «الناتو» يقف مجرداً من الخيارات. ويقول تيغنر ان بامكان الحلف اذا فرضت الامم المتحدة حصارا اقتصاديا او بحريا على سورية، ان يشارك في تطبيقه عبر اعتراض السفن وتفتيشها، خصوصا ان الساحل الشرقي للبحر المتوسط، محدود نسبياً من السهولة مراقبته. ويقول ان مسؤولي «الناتو» كلما سئلوا عن سبب عدم لجوئهم الى العمل ضد سورية، يقدمون سببين رئيسيين: اولا نحتاج الى تفويض من الامم المتحدة، وهو خيار يبدو حتى الآن متعثراً، والسبب الثاني ضرورة توفير غطاء اقليمي، مثلما جرى في الحالة الليبية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. «لا يمكن ان نربح حرباً كهذه» ينقل تيغنر عن همس مسؤولي حلف «الناتو»... فسورية ليست كليبيا التي هي صحراء تسهل مراقبتها من السماء ومهاجمة الاهداف فيها بسهولة نسبية، ولا يوجد تركيز سكاني في غالبية مناطقها. اما بالنسبة الى سورية، فانها اكبر سكانياً واكثر تركيزاً، واكثر تعقيداً من ليبيا من الناحية الجيوبولوتيكية، اذا انها تختلف بطبيعتها الجغرافية وتركيبتها الطوائفية ايضا الداخلية، مع ضرورة مراقبة موقف الاكراد في سورية نفسها وفي المنطقة عموما. وبعدما يقول ان موقف الاكراد يثير هواجس تركية أكيدة، يقول تيغنر «انا واثق ان ممثل تركيا في حلف الاطلسي يقول لا للتدخل العسكري». وعندما نسأله عن مواقف اردوغان وتصريحاته المتواصلة ضد سورية، يقول محلل السياسات الأمنية في مجلة «جينز»، «هذه مجرد تصريحات سياسية... خلف الابواب الموصدة في الناتو، الاتراك، على الارجح، سيقولون لا للحرب... لو كنت اردوغان، هل كنت ستستدعي الحرب الى بلدك!؟». لم يتبدد من الذاكرة الجماعية لكثيرين حول العالم ما جرى في العراق.. هذه «الهواجس العراقية»، وفشل العمل العسكري مهما قيل حوله، تحكم بشكل او بآخر مبادئ التفكير العسكري المرتبط بسوريا،كما يشير تيغنر. «الناتو» واسرائيل والغاز وماذا عن قضية حقول الغاز في شرق البحر المتوسط، ومدى ارتباطها بما يجري، او ما يمكن ان يحدث؟ يقول تيغنر «علينا مراقبة ذلك.. هذه قضية قد تتطور لاحقا.. الدول الآن تقوم بترسيم حدودها البحرية لضمان حصتها في موارد الطاقة.. واذا جرى العثور على حقول محتملة قبالة السواحل السورية، فإن الاحداث قد تتداخل مع بعضها البعض». وماذا عن موقف «الناتو» في حال انفجرت مواجهة ما مع اسرائيل بسبب قضية مصادر الطاقة البحرية؟ يقول تيغنر «لا توجد اتفاقية تبادل الدعم العسكري مع اسرائيل تتيح الدخول بحرب من اجلها او الدفاع عنها، في حال انفجرت ازمة حقول الغاز... الناتو لن يتورط بشيء كهذا، لكنه سيكون انفجاراً كبيراً في المنطقة اذا حدث». اما على الصعيد الاوروبي الرسمي، فان الصورة تبدو مربكة لاي مراقب. يندفع الاتحاد الاوروبي في خياراته «العقابية» ضد دمشق، فيما تقول النائبة في البرلمان الاوروبي أنيمي نويتز لـ«السفير» إنه «من الصعب فعلاً معرفة ما يجري في سورية». لكن نويتز، العضوة في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان، وهي تقر بصعوبة المعرفة هذه، تسرد في الوقت ذاته، بالتفصيل كيف تحرك الاتحاد الاوروبي لمواجهة النظام السوري عبر استهدافه بالعقوبات، وتعترف في الوقت ذاته بان العنف الحاصل قد يقود الى «حرب اهلية»...على ابواب اوروبا. وبعدما تقول نويتز ان «الوضع يمكن ان يتحسن من خلال الحوار السياسي وليس بعمليات القتل»، تشير الى «صعوبة تقييم الامور ومدى حجم المخاطر»، وتعترف بأن هناك قلقاً في الاوساط الاوروبية من «تصاعد العنف والذي يمكن ان يؤدي الى حرب اهلية، وهو ما لا نريده». لكن الاوروبيين، تقول النائبة في البرلمان الاوروبي، والعضو في الحزب الليبرالي الديموقراطي الفلمنكي، «لا يريدون ايضا ان نمنح الاسد يداً طليقة ليتصرف على هواه». وفي الوقت ذاته، تشير نويتز الى انها وغيرها من النواب الاوروبيين التقوا بشخصيات سورية معارضة، لكنهم لا يقيمون في سوريا نفسها، وبالتالي فان تفاصيل المشهد الداخلي غير واضحة تماما، بالنسبة لهم. وعما اذا كانت «التجربة الليبية» تغري الاوروبيين بالتحرك عسكريا ضد سوريا، تقول «لا ارى كيف يمكننا ان نفتح جبهة جديدة... جغرافيا، سورية تختلف عن ليبيا، وهي اكثر صعوبة واختلافا.. الفكرة مستبعدة تماما في الوقت الراهن». لا تعرف نويتز ما اذا كانت هناك بالفعل عمليات تهريب للاسلحة الى سوريا وبعض الجماعات المعارضة، كما لا تعرف من هي كل الجهات المسؤولة عن عمليات القتل من الطرفين، ولا تعرف ايضا حجمها... وتطرح النائبة الاوروبية تساؤلات لاستجلاء الصورة اكثر، عن السيناريو الاكثر ترجيحاً لمسار الازمة السورية: فاما ان ينجح النظام في كبح الاحتجاجات، وانما ان نشهد خليطا من قمع الاحتجاج والمبادرة السياسية للتسوية الداخلية، واما ان يتفاقم العنف ويحصل انجراف الى حرب اهلية، وهو الاحتمال الذي تقول انها تخشاه ويخشاه الاوروبيون. ومن جهتها، تقول ايلكا اوسيتالو، المسؤولة في خدمة عمل الشؤون الخارجية لشؤون الشرق الاوسط في الاتحاد الاوروبي، لـ«السفير»، ان «الخيار العسكري ليس مطروحاً على الطاولة... سوريا تختلف عن ليبيا». تحرص على التأكيد على «وضوح السياسة الاوروبية تجاه سوريا» مذكرة بسلسلة العقوبات التي فرضت على دمشق، وصولاً الى مطالبة الاسد بالتنحي على الحكم، وبالعمل مع الامم المتحدة من اجل التحرك ضد النظام. لكن عند سؤالها عن الخيار العسكري، تقول اوسيتالو «الخيار العسكري ليس مطروحا، وسوريا شديدة الاختلاف عن ليبيا»، مشيرة الى ان المعارضة السورية شددت على ان أي مرحلة انتقالية مستقبلية في البلد، يجب ان يقودها الشعب السوري، وهو ما اكد عليه البيان الرئاسي لمجلس الامن الدولي في آب الماضي». كما اشارت الى انه حتى في مسودة عقوبات مجلس الامن التي استخدمت روسيا والصين الفيتو ضدها، لم تكن اجراءات كالتي شهدناها حول ليبيا، خصوصا فرض منطقة حظر جوي، مطروحة. وحذرت من انه مع تفاقم العنف، فان الاوروبيين يطالبون النظام السوري بوقف العنف فورا، ويطالبون ايضا المتظاهرين بالحفاظ على الطابع السلمي لتحركهم، مضيفة ان «الصراع المسلح بين الطرفين سيكون كارثياً». خاتمة على الضفة الآسيوية لاسطنبول، ينتظرنا «جعفر» على المرفأ شاب شيوعي. الحي اكثر هدوءا واقل صخبا من الشطر الاوروبي للمدينة. جعفر يعاجل بالسؤال عن موقفنا من «الثورات» في المنطقة... وينتظر اجابة.. تتناوب القوى التقليدية على الحكم في تركيا منذ انقلاب الثمانينيات.. لكنه زمن حزب العدالة والتنمية الآن... وللحزب حساباته الخاصة.. «الامبريالية» يقول جعفر تريد الاستيلاء على التحركات الشعبية في المنطقة، او تحريكها من خلف الستار. المطلوب جلب جماعة الاخوان المسلمين» الى سوريا وغيرها.. يشير الى نوايا حزب العدالة والتنمية والـ«سي آي ايه». في اللقاء مع اركان باش، عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، لا تختلف اجواء النقاش عما يردده جعفر في الخارج.. يقول اركان باش «تركيا تريد الانسجام مع النظام العالمي الجديد... و«العثمانيون الجدد» و«الجمهورية الثانية» مصطلحات يجري الترويج لها لاستقطاب الدعم والتأييد من الاسلاميين والقوميين في تركيا. وخارجياً، تركيا مكلفة بـ«مهمة سوداء» في افغانستان ويوغوسلافيا السابقة والتحالف ضد ليبيا، واسرائيل لا تكفي وحدها لتحقيق اهداف الهيمنة الاميركية، وتركيا لديها الوجه المبتسم، ودورها في سوريا، التي هي على هامش النظام العالمي، ادخالها عنوة في النظام، واذا كان الاسد عقبة، يجب ان تجري ازاحته. لم تعد تركيا كلمة واحدة حول سوريا، وربما لم تكن أصلاً ... الجهات السياسة والأمنية، كما السلطة والمعارضة وبعض القوى الداخلية، ليس على موقف واحد من الجار السوري.. لكن لهجة اردوغان صارت اكثر هدوءاً في الآونة الاخيرة.. هل هو ذلك الهدوء الذي ستتبعه عاصفة؟ هل صارت مصلحتها واضحة في فك التحالف الايراني ـ السوري في ما مرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الاميركي من العراق؟ هل يذهب اردوغان بالمنطقة الى خراب وهو ينشد الزعامة والدور؟ صديقنا الشيوعي، عذراً اذا كنا لا نمتلك الاجابات.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة