دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
كثير من الشك وقليل من الثقة.. بهذه العبارة يمكن أن نختصر المزاج العام الذي غلب على الصحف والمجلات الغربيّة، الأميركية تحديداً، عند تناولها لموضوع الاتهام الأميركي لإيران بالضلوع في محاولة اغتيال السفير السعودي عادل الجبير على أراضيها. الشكّ الذي خيّم على ما قُدّم من تحليل لخلفيات الاتهام المذكور، ذهب ببعض الصحافيين إلى اتهام أميركا بازدواجيّة المعايير وتذكيرها بـ«بطولاتها في الاصطياد» على أراضي الآخرين. وفي أحسن الأحوال، حتى أولئك الذين أقروا باحتمال ضلوع إيران، ظلوا بعيدين تماماً عن التطرّف في الحكم عليها وعلى «مصالحها». وفي الخلاصة كان هناك ما يشبه الإجماع على وصف المخطّط الذي ادعت أميركا كشفه بالـ«هوليوودي».
بداية، غاصت مجلة «ويكلي ستاندرد» الأميركية في سرد تفاصيل المخطّط حيث «بدأت القضية التي تحمل اسم «عملية الحلف الأحمر» في أيار الماضي، عندما تواصل مواطن إيراني ـ أميركي يحمل اسم منصور عرببسيار مع مخبر أميركي في وكالة مكافحة المخدرات، وطلب مساعدته في «دعم مجموعة تهريب مخدرات مكسيكية لاغتيال السفير السعودي». وكان المخبر متخفياً بشخصية تعمل مع شبكة «زيتاس» المكسيكية للتهريب.
وبعد إبلاغ شبكة الاستخبارات المركزية الأميركية وملاحقة الخيوط أكد المعدّ للخطة عرببسيار أن «مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة الإيرانية، بينهم نسيبه وهو عنصر في فيلق القدس يديرون الخطة».
وتضيف الصحيفة «اجتمع عرببسيار مرتين مع المخبر الأميركي في تموز الماضي في المكسيك، وتم التفاوض على قيمة 1,5 مليون دولار لاغتيال الجبير». وكان عرببسيار أبلغ المخبر أنه «لا يأبه بإحداث ضرر بالغ، وأن الأشخاص الذين يتواصل معهم في الحكومة الإيرانية بإمكانهم توفير أطنان من الأفيون لعصابات المخدرات».
من جهتها، تعلّق مجلة «نيوزويك» على الاتهام بالقول «أن تمتلك الإدارة الأميركية أدلة على أن النظام الإيراني كان يحاول قتل السفير السعودي في أميركا هو أمر يبعث على الصدمة، إنما ليس بالمفاجئ»، مؤكدة على «ضرورة توخي الحذر عند التعامل مع اتهام مماثل.. ففي النهاية ليس هناك من أدلة دامغة تدين طهران..علماً أنها ليست المرة الأولى التي تُتّهم فيها طهران بأمور لم تفعلها، كما أنها ليست المرة الأولى التي توجه فيها واشنطن اتهامات لا أساس لها من الصحة (أسلحة الدمار الشامل في العراق مثلاً)».
في المقابل، لا تستبعد «نيوزويك» احتمال صدقية الاتهام «مهما كان ضئيلاً»، وتشرح في هذا الصدد «إذا أردنا أن نضع الاتهام في ميزان الاحتمال بأن المخطط قد تمّ فعلاً، فسيكون هناك ثلاثة اتجاهات تسم التفكير الإيراني في المرحلة الراهنة، قد تأخذنا إلى أبعد مما يمكن أن نتصوّر».
الأول هو أن النظام الإيراني مؤمن فعلاً بان هناك حرباً سرية ينبغي أن يخوضها مع الولايات المتحدة، وربما هو على يقين أن أميركا هي وراء نشر فيروس «ستاكسنت» للإضرار بالبرنامج النووي الإيراني.
الثاني هو أن النظام الإيراني بات مستعداً في حربه مع أميركا للذهاب أبعد مما استطاع فعله في الماضي، على سبيل المثال الهجوم الذي نفذه خارج مجمع عسكري أميركي في السعوديّة وأسفر عن مقتل 19 جندياً أميركياً.
أما الاتجاه الثالث فيوحي بأن إيران ربما لم تعد تخشى من وسائل الانتقام الأميركية «التقليدية»، فالأخيرة غارقة في مشاكلها الداخلية، وهذا ما يستبعد احتمال لجوئها إلى شن حرب جديدة في الشرق الأوسط. أو أن إيران باتت على يقين بأن برنامجها النووي أصبح قوياً بما يكفي لردع الولايات المتحدة عن أي رد انتقامي.
وتصل المجلة إلى فكرة أنه «إزاء احتمال أن يكون الاتهام صحيحاً لا يجدر أن نؤخذ بنظرة الصحف الغربيّة إلى إيران على أنها دولة غير عقلانيّة مصممة على إيذاء أميركا بأي ثمن، إذ أن النظام الإيراني ليس نظام صدام حسين الذي يتهور إلى حد الانتحار عندما يتعلّق الأمر بتنفيذ مصالحه».
في مجلة «أتلانتيك» يطرح ستيف كليمونس السؤال «عما إذا كانت إيران تريد حقاً القضاء على السفير السعودي في أميركا»، ليأتي جوابه أنه «أمام كل الاحتمالات التي يمكن أن تشير إلى ضلوع إيران بالمخطط، لا يمكن تجاهل حقيقة أن إيران لم تشعر يوماً بالخجل من دعمها للإرهاب في حال تلاقى هذا الدعم مع مصالحها، ومن الصعب هنا أن نرى مصلحة لإيران في ذلك المخطط». يُتبع كليمونس سؤاله السابق بمجموعة من الأسئلة التي تخدم فرضية استبعاده لصحة المخطط «ماذا يمكن أن يعني مقتل السفير السعودي في أميركا حقاً بالنسبة لطهران؟».. «ولو امتلكت طهران النية والقدرة على تنفيذ ذلك المخطط فلماذا تستهدف شخصاً عادياً (سفير) وليس شخصاً رفيع المستوى؟».. و«لماذا في هذا التوقيت، لقد مرّ عقد يملؤه الاضطراب بعد 11 أيلول لماذا لم تستغله إيران، فترة الغزو على العراق مثلاً؟»... وفي النهاية، يعلّق كليمونس «ربما يكون هذان الإيرانيان قد خططا لهذه العملية، ولكن ليس بالضرورة بعلم طهران، أو انهما من عناصر فيلق القدس مثلاً».
«لوس أنجلس تايمز» كانت أكثر حزماً في موقفها، إذ اعتبرت أن الموقف الايراني هو إثبات آخر على «ازدواجيّة المعايير الأميركية» فـ «قبل أسبوعين، قتلت الطائرات الأميركية القيادي في القاعدة أنور العولقي على الأراضي اليمنيّة، فما الذي يسمح لها أن تقتل أعداءها على أراضي الغير، فيما لا يمكن لدولة أخرى أن تفعل ذلك أينما وجد هؤلاء الأعداء؟».
تشرح «لوس أنجلس تايمز» أن «حقيقة التنسيق بين أميركا واليمن قد تسبغ على مقتل العولقي أبعاداً مختلفة، ولكن هل كانت الطائرات الأميركية ستتركه حتى لو لم تحصل على الموافقة؟ تذكّروا: لم يكن هناك أي تنسيق مع الحكومة الباكستانيّة عندما قتلت أسامة بن لادن في أيار الماضي».
ومرة أخرى تقول الصحيفة الأميركية «صحيح أن هناك فارقاً كبيراً كذلك بين بن لادن والمخطط الإيراني المزعوم، إلا أنه مع استمرار تصرف أميركا بكامل حريتها في العراق وأفغانستان ودول أخرى، يصبح الأمر محسوماً: لا يجوز لأميركا أن تتصرّف كما تشاء من دون مساءلة في جميع أنحاء العالم، في وقت تحرّم على الدول الأخرى أن تحذو حذوها».
و علقت صحيفة الاندبندنت على المخطط المزعوم على لسان باتريك كوكبورن تحت عنوان "المخطط الغريب غير منسجم مع ما يعرف عن أجهزة الاستخبارات الإيرانية".
يقول الكاتب إن المزاعم التي تذهب إلى أن إيران استخدمت بائع سيارات مستعملة ومتهم سابقا بتزوير شيكات لتدبير اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن من قبل عصابة مخدرات مكسيكية لا تستقيم مع ما يعرف عن أجهزة الاستخبارات الإيرانية من حنكة ودراية عالية.
وأضاف أن إعلان وزير العدل الأمريكي، إريك هولدر، وبثقة عالية عن هذا المخطط يذكرنا بادعاء وزير الخارجية الأمريكي السابق كولين باول عام 2003 وأمام الأمم المتحدة بأن واشنطن كانت تملك أدلة لا تقبل التفنيد بأن صدام حسين كان يطور أسلحة الدمار الشامل.
ويرى الكاتب أن المشكلة تكمن في أن الإدارة الأمريكية انخرطت في مسار يقود إلى إعلان الحرب على إيران، مضيفا أن سيكون من الصعوبة بالنسبة إلى الولايات المتحدة التراجع عن هذه المزاعم الآن.
وتابع الكاتب أن المستفيدين من هذا المخطط المزعوم لا يمكن أن تخطئهم العين ومنهم المحافظون الجدد وغلاة أنصار إسرائيل الذين طالما دعوا إلى شن حرب على إيران.
وفي الشرق الأوسط هناك السعودية والبحرين والإمارات التي تجزم وبقوة بأن إيران تدعم الاحتجاجات الشيعية المطالبة بالديمقراطية في المنطقة لكن دون أن تجد الكثيرين ممن يصدقون روايتها للأحداث في بقية العالم لكن ستجد الآن على الأرجح في واشنطن من يتعامل مع هذه المزاعم بجدية. كما ستقل الضغوط على بعض البلدان مثل البحرين للاستجابة لمطالب الشيعة فيها.
واختتم الكاتب بالقول إن خبراء الشأن الإيراني يذهبون إلى أن الحرس الثوري الإيراني ربما يضم بعض "العناصر المنفلتة" لكن ليس هناك أدلة على أن هذا الجناح موجود أو أن له صلات مع تجار المخدرات المكسيكيين.
وتقول الفاينانشال تايمز إن المخطط المزعوم يشبه قصة بوليسية مثيرة لكن هذه المزاعم التي لا تزال في هذه المرحلة غير مؤكدة غاية في الجدية.
وأضافت الصحيفة أن هذه المزاعم إذا لم تعالج بالطريقة الصحيحة، فإنها قد تتسبب في مشكلات ليس فقط داخل الولايات المتحدة ولكن في منطقة الشرق الأوسط برمتها.
ومضت الافتتاحية قائلة إن تفاصيل المخطط كشف عنها كبار أعضاء إدارة الرئيس باراك أوباما ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
وتابعت قائلة إن السعودية وإيران تواجهان حالة عداء متجذرة بسبب الاختلافات الدينية بينهما ورغبة كل منهما في صياغة منطقة الشرق الأوسط على نحو يخدم مصالحه الخاصة، مضيفة أن العلاقات بينهما ساءت منذ شهر مارس/آذار الماضي عندما أرسلت السعودية قوة عسكرية إلى البحرين للمساعدة في إخماد ثورة ضد حكام البحرين السنة.
وترى الصحيفة أن كشف المخطط من قبل السلطات الأمريكية يعتبر نصرا استخباريا لها وفتحا في مجال العلاقات العامة، ما يؤكد المخاوف الأمريكية إزاء إيران التي لا تخفي طموحاتها النووية ولها سجل في دعم الإرهاب كما تقول الصحيفة.
وواصلت الصحيفة قائلة إن من غير الواضح في الوقت الراهن أن المخطط حظي بتأييد النظام الإيراني، ومن ثم فإن هناك أسبابا تدعو إلى التشكيك في فحواه ومنها أن المشاركين في المخطط لم يكونوا على درجة عالية من الكفاءة.
وفي هذا الإطار، رأت الصحيفة أن من غير الواضح دعم القيادة الإيرانية ولا سيما مرشد الثورة، آية الله علي خامنئي، لهذه المقامرة الشديدة المخاطر.
وخلصت الصحيفة إلى أن بسبب طبيعة بنية النظام الإيراني المتشعبة وتوزع مراكز السلطة بين عدة جهات، فإن من الممكن أن تكون عناصر منفلتة داخل النظام الإيراني هي التي دبرت المخطط المزعوم ومن ثم يجب أن تقاوم الولايات المتحدة الدعوات التي تنادي بالانتقام طالما أن هذه الإمكانية تظل قائمة.
واختتمت الصحيفة بالقول إن آخر شيء تحتاجه منطقة الشرق الأوسط المضطربة أصلا هو احتمال نشوب حرب جديدة فيها. وبالتالي فإن الولايات المتحدة وحلفاءها ينبغي أن تعتمد على فرض عقوبات جديدة تستهدف الأفراد المتورطين في هذا المخطط. ولهذا فإن أسباب التصعيد، كما تقول الصحيفة، لا تصمد أمام الحجج المضادة.
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة