أضاف المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، أمس، مزيداً من الغموض على الأحداث الدامية التي وقعت يوم الأحد الماضي أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون في القاهرة، والتي راح ضحيتها 25 قتيلا، إذ نفى مسؤولية جنوده عن قتل المتظاهرين، متهماً بعض الاشخاص والجهات التي لم يسمّها، بتفجير الموقف.

وجاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده عضوان في المجلس العسكري، أمس، واستمر أكثر من ساعتين، وهو أول ظهور للعسكر إعلامياً منذ أحداث الأحد الماضي، والتي باتت تسمى بـ«الأحد الأسود»، ليس فقط بسبب ارتفاع عدد القتلى، ولكن بسبب الطريقة التي قتل بها المتظاهرون: دهساً تحت مدرعات الشرطة العسكرية، أو رمياً برصاص حي، ما زال مجهول المصدر. ولعل ما زاد من قوة المشهد كان توافر صور لجثث الضحايا المشوهة والمبتورة والمدهوسة، والتي انتشرت بسرعة عبر شبكة الانترنت.

وبرغم مرور ثلاثة أيام على المجزرة، تبدو الحقائق بعيدة جداً عن العموم، ولا تختلف المعلومات المتاحة منذ الأحد الماضي عن المطروح الآن، حتى من قبل المجلس العسكري الذي توقع الإعلاميون وهم ذاهبون إلى مؤتمره الصحافي أمس، انه سيعرض أسباب الأحداث أو ملابساتها، وكيف تحولت الى مجزرة بحضور الشرطة العسكرية وقوات الأمن المركزي، وهو ما لم يحدث.

صحيح ان المتحدثين، اللواء عادل عمارة واللواء محمود حجازي، قرأوا بياناً استهلوه بـ«أسف» المجلس تجاه ما حدث، وتقديمه التعازي لأسر الضحايا، ووصفه لما حدث بـ«الكارثة»، لكنهم خصصوا باقي المؤتمر الصحافي للدفاع عن القوات المسلحة وجنودها الذين كانوا في مشهد الأحداث، مؤيدين رؤيتهم بعدة مقاطع فيديو عرضوها على الصحافيين.

وبدأت تلك المشاهد بعدة لقطات مصورة لم يعرف مكانها أو زمانها لقسيس يقول «نحن أصحاب هذه الأرض»، وقسيس آخر يقول انه إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة لحل مشكلة كنيسة أسوان (التي سببت المشكلة بعدما قام مواطنون بهدم مبنى كنسي غير مرخص الأسبوع الماضي) «سيعرف المشير (حسين طنطاوي) ما الذي يمكن ان يحدث»، وآخرون في مسيرات أو تظاهرات يعلقون بغضب على ما يحدث وضرورة الاحتجاج ضده.

وقدمت هذه اللقطات كدليل على تحريض مسيحي، واعتبر اللواء عمارة أنها دعوة لاقتحام مبنى الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو بعد انتهاء التظاهرة.

 

وقدم اللواء عمارة رؤيته للترتيب الزمني لوقائع أحداث «الأحد الأسود»، التي قال إنها بدأت بمسيرة سلمية لمتظاهرين أقباط انطلقوا من حي شبرا، واتجهوا الى ماسبيرو، التي تطل على كورنيش النيل في وسط القاهرة، وأنه ظهر في وقت لاحق متظاهرون عند ماسبيرو - لم يحدد هويتهم أو حجمهم - يحملون السيوف وزجاجات المولوتوف وأنابيب الغاز.

في المقابل، كان هناك 300 جندي يؤمنون الحراسة للتلفزيون، وكانوا مسلحين، بحسب عمارة، بمعدات مقاومة الشغب فقط، وبعض الذخائر «الفشنك» (تحدث دويا ولا تصيب). ونفى وجود ذخائر حية مع الجنود.

وقال انه قبل السابعة مساء تدافع حوالى ستة آلاف متظاهر في اتجاه مبنى التلفزيون قادمين من جسر 6 أكتوبر، الذي يقع الى جوار المبنى، و«بدأت تتدافع هذه الأعداد باتجاه القوات المسلحة وتلقي بزجاجات المولوتوف والحجارة عليهم». وتبع ذلك إشعال النار في مركبات الجيش والهجوم على القوات المسلحة «بعنف غير معهود في تاريخ مصر» بحسب عمارة. وتوقف كثيرا امام مشهد فيديو آخر يظهر احد المتظاهرين فوق مركبة للجيش وهو يحمل حجراً ألقاه على جنود كانوا داخلها. وسأل الحضور «تخيلوا لو حدث هذا لكم، ماذا ستفعلون؟».

ونفى عمارة ان تكون مركبات الجيش قد دهست متظاهرين لأن «أسلوب الدهس ليس موجوداً في عقيدتنا حتى في قتالنا مع العدو... ولا يمكن ان ينسب ذلك للقوات المسلحة المصرية». وبرغم هذا النفي، لمّح وهو يسهب في الحديث عن «شعور» الجنود المحاصرين بجموع البشر داخل مركباتهم التي كانت «تحترق»، وفشلهم في الخروج (عُرض مقطع آخر يظهر جنديين يحاولان الهروب من مركباتهما بينما يعتدي المتظاهرون عليهما بالضرب المبرح)، ولمح الى ان هؤلاء الجنود دهسوا المتظاهرين فعلاً. إلا انه لم يقل ذلك صراحة، وتحدث عن حالة الجندي «النفسية» السيئة التي تضعه «خارج السيطرة على نفسه».

«لا أنكر انه أثناء سير المركبة صدم احدهم، ولكن لا أؤكد أو انفي»، قال عمارة. وأصر على تأكيده ان «الدهس» ليس «ممنهجاً». وقال ان القوات المسلحة بريئة من إطلاق الرصاص الحي لأنهم لم يكونوا مسلحين به، وإنه لو كان الجنود مسلحين فعلاً، لتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم في مواجهة المتظاهرين الذين كانوا يعتدون عليهم.

وأظهرت المقاطع صورا لآثار طلقات نارية على أعمدة الإنارة أمام مبنى التلفزيون، أطلقت غرباً من اتجاه جسر 6 اكتوبر من ناحية، وشرقاً من اتجاه السبتية. تبع ذلك صورة غير واضحة لسيارة نصف نقل محملة بأشخاص قال اللواء عمارة إنهم مسلحون ببنادق وذخيرة قاموا بتفريغها في مكان التظاهرة، لكنه لم يحدد أعدادهم، وما إذا تم القبض على أي منهم. وقال إن ثماني مركبات حرقت ودمرت، وإن النتائج الأولوية للتحقيقات تشير إلى إصابة جنود بطلقات نارية «برصاص مدني».

ورفض المتحدثون الإفصاح عن عدد الضحايا من جانب القوات المسلحة في الوقت الذي ذكر مصدر عسكري لوكالة أنباء الشرق الاوسط صباح أمس انه تم دفن قتلى الجيش «في صمت»، من دون الإعلان عن أعدادهم، وذلك «حفاظاً على الروح المعنوية في صفوف القوات المسلحة»، الأمر الذي أثار دهشة الكثيرين لغموضه غير المبرر. والجديد في الأمر ان عضو المجلس محمود حجازي قال انه سقط قتلى وجرحى للجيش منذ نزوله في 28 يناير، من دون ان يعلن عن ذلك، قائلاً «نحن لا نذكر أبدا أعداد شهدائنا».

ونفى اللواء حجازي علمه بوجود قناصة على أسطح البنايات في ماسبيرو، مخالفا بذلك استنتاجات حول مقتل احد المتظاهرين ـ مينا دانيال ـ برصاصة قيل إنها أصابته من مكان مرتفع. وأوضح أن «كل ما صدر حول الضحايا تصاريح دفن، ولم يصدر حتى الآن تقرير للطبيب الشرعي».

وعن سؤاله حول وجود «طرف ثالث» في الأحداث يحمل سلاحاً، أضاف حجازي الى الغموض غموضاَ ليقول «لا اجزم ولا استبعد».

من إذاً، قتل الذين ألقيت جثثهم في مشرحة المستشفى القبطي مساء الأحد الماضي، سأل صحافي أسترالي؟ ليرد حجازي بمنتهى الجدية «هذا ما نريد ان نعرفه أيضا».

لكن المشكلة ان التحقيقات التي قال المتحدثون إنها ستكشف الحقيقة، يديرها القضاء العسكري. وفي نظر الحقوقيين فهي ليست جهة مستقلة أصلاً لأنها تحقق مع نفسها.

وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي تعد تقريراً عن أحداث ماسبيرو، ان ما جاء في المؤتمر الصحافي من دفاع شديد عن القوات المسلحة، إنما يستبق التحقيقات بإعلانه، الآن، عن براءة الجنود ونفي مسؤوليتهم عما حدث.

«المؤتمر يدفع بالبلد تجاه الهاوية»، قال بهجت لـ«السفير» لأنه لم تأت جملة واحدة «للتهدئة عكس ما توقعناه».

وقال بهجت ان منظمته قدمت عدة بلاغات الى النائب العام للتحقيق في أحداث الأحد الماضي، لكنه أحالها كلها الى القضاء العسكري. ويحقق في المجزرة أيضا فريق شكلته وزارة العدل، وكذلك لجنة لتقصي الحقائق تابعة للمجلس القومي لحقوق الإنسان. إلا ان هذه الجهات لا تملك سلطات استدعاء ضباط الجيش الى التحقيق.

«الجيش عازم عن عدم الكشف عن الحقيقة»، يقول بهجت، «حتى انه لا يريد الكشف عن القتلى في صفوفه». ولأن التحقيق محصور ما بين القضاء العسكري الذي يحقق مع نفسه، وبالتالي لن يعتد به، وبين جهتين حكوميتين لا تملكان التحقيق مع القوات المسلحة، قد تبدو أصوات هامشية راديكالية تدعو الى تحقيق دولي، كما لو أنها تطالب بما هو منطقي في ظل هذا الوضع.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-10-12
  • 12281
  • من الأرشيف

مصر: المجلس العسكري يزيد ألغاز مجزرة ماسبيرو غموضاً

أضاف المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، أمس، مزيداً من الغموض على الأحداث الدامية التي وقعت يوم الأحد الماضي أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون في القاهرة، والتي راح ضحيتها 25 قتيلا، إذ نفى مسؤولية جنوده عن قتل المتظاهرين، متهماً بعض الاشخاص والجهات التي لم يسمّها، بتفجير الموقف. وجاء ذلك في مؤتمر صحافي عقده عضوان في المجلس العسكري، أمس، واستمر أكثر من ساعتين، وهو أول ظهور للعسكر إعلامياً منذ أحداث الأحد الماضي، والتي باتت تسمى بـ«الأحد الأسود»، ليس فقط بسبب ارتفاع عدد القتلى، ولكن بسبب الطريقة التي قتل بها المتظاهرون: دهساً تحت مدرعات الشرطة العسكرية، أو رمياً برصاص حي، ما زال مجهول المصدر. ولعل ما زاد من قوة المشهد كان توافر صور لجثث الضحايا المشوهة والمبتورة والمدهوسة، والتي انتشرت بسرعة عبر شبكة الانترنت. وبرغم مرور ثلاثة أيام على المجزرة، تبدو الحقائق بعيدة جداً عن العموم، ولا تختلف المعلومات المتاحة منذ الأحد الماضي عن المطروح الآن، حتى من قبل المجلس العسكري الذي توقع الإعلاميون وهم ذاهبون إلى مؤتمره الصحافي أمس، انه سيعرض أسباب الأحداث أو ملابساتها، وكيف تحولت الى مجزرة بحضور الشرطة العسكرية وقوات الأمن المركزي، وهو ما لم يحدث. صحيح ان المتحدثين، اللواء عادل عمارة واللواء محمود حجازي، قرأوا بياناً استهلوه بـ«أسف» المجلس تجاه ما حدث، وتقديمه التعازي لأسر الضحايا، ووصفه لما حدث بـ«الكارثة»، لكنهم خصصوا باقي المؤتمر الصحافي للدفاع عن القوات المسلحة وجنودها الذين كانوا في مشهد الأحداث، مؤيدين رؤيتهم بعدة مقاطع فيديو عرضوها على الصحافيين. وبدأت تلك المشاهد بعدة لقطات مصورة لم يعرف مكانها أو زمانها لقسيس يقول «نحن أصحاب هذه الأرض»، وقسيس آخر يقول انه إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة لحل مشكلة كنيسة أسوان (التي سببت المشكلة بعدما قام مواطنون بهدم مبنى كنسي غير مرخص الأسبوع الماضي) «سيعرف المشير (حسين طنطاوي) ما الذي يمكن ان يحدث»، وآخرون في مسيرات أو تظاهرات يعلقون بغضب على ما يحدث وضرورة الاحتجاج ضده. وقدمت هذه اللقطات كدليل على تحريض مسيحي، واعتبر اللواء عمارة أنها دعوة لاقتحام مبنى الإذاعة والتلفزيون في ماسبيرو بعد انتهاء التظاهرة.   وقدم اللواء عمارة رؤيته للترتيب الزمني لوقائع أحداث «الأحد الأسود»، التي قال إنها بدأت بمسيرة سلمية لمتظاهرين أقباط انطلقوا من حي شبرا، واتجهوا الى ماسبيرو، التي تطل على كورنيش النيل في وسط القاهرة، وأنه ظهر في وقت لاحق متظاهرون عند ماسبيرو - لم يحدد هويتهم أو حجمهم - يحملون السيوف وزجاجات المولوتوف وأنابيب الغاز. في المقابل، كان هناك 300 جندي يؤمنون الحراسة للتلفزيون، وكانوا مسلحين، بحسب عمارة، بمعدات مقاومة الشغب فقط، وبعض الذخائر «الفشنك» (تحدث دويا ولا تصيب). ونفى وجود ذخائر حية مع الجنود. وقال انه قبل السابعة مساء تدافع حوالى ستة آلاف متظاهر في اتجاه مبنى التلفزيون قادمين من جسر 6 أكتوبر، الذي يقع الى جوار المبنى، و«بدأت تتدافع هذه الأعداد باتجاه القوات المسلحة وتلقي بزجاجات المولوتوف والحجارة عليهم». وتبع ذلك إشعال النار في مركبات الجيش والهجوم على القوات المسلحة «بعنف غير معهود في تاريخ مصر» بحسب عمارة. وتوقف كثيرا امام مشهد فيديو آخر يظهر احد المتظاهرين فوق مركبة للجيش وهو يحمل حجراً ألقاه على جنود كانوا داخلها. وسأل الحضور «تخيلوا لو حدث هذا لكم، ماذا ستفعلون؟». ونفى عمارة ان تكون مركبات الجيش قد دهست متظاهرين لأن «أسلوب الدهس ليس موجوداً في عقيدتنا حتى في قتالنا مع العدو... ولا يمكن ان ينسب ذلك للقوات المسلحة المصرية». وبرغم هذا النفي، لمّح وهو يسهب في الحديث عن «شعور» الجنود المحاصرين بجموع البشر داخل مركباتهم التي كانت «تحترق»، وفشلهم في الخروج (عُرض مقطع آخر يظهر جنديين يحاولان الهروب من مركباتهما بينما يعتدي المتظاهرون عليهما بالضرب المبرح)، ولمح الى ان هؤلاء الجنود دهسوا المتظاهرين فعلاً. إلا انه لم يقل ذلك صراحة، وتحدث عن حالة الجندي «النفسية» السيئة التي تضعه «خارج السيطرة على نفسه». «لا أنكر انه أثناء سير المركبة صدم احدهم، ولكن لا أؤكد أو انفي»، قال عمارة. وأصر على تأكيده ان «الدهس» ليس «ممنهجاً». وقال ان القوات المسلحة بريئة من إطلاق الرصاص الحي لأنهم لم يكونوا مسلحين به، وإنه لو كان الجنود مسلحين فعلاً، لتمكنوا من الدفاع عن أنفسهم في مواجهة المتظاهرين الذين كانوا يعتدون عليهم. وأظهرت المقاطع صورا لآثار طلقات نارية على أعمدة الإنارة أمام مبنى التلفزيون، أطلقت غرباً من اتجاه جسر 6 اكتوبر من ناحية، وشرقاً من اتجاه السبتية. تبع ذلك صورة غير واضحة لسيارة نصف نقل محملة بأشخاص قال اللواء عمارة إنهم مسلحون ببنادق وذخيرة قاموا بتفريغها في مكان التظاهرة، لكنه لم يحدد أعدادهم، وما إذا تم القبض على أي منهم. وقال إن ثماني مركبات حرقت ودمرت، وإن النتائج الأولوية للتحقيقات تشير إلى إصابة جنود بطلقات نارية «برصاص مدني». ورفض المتحدثون الإفصاح عن عدد الضحايا من جانب القوات المسلحة في الوقت الذي ذكر مصدر عسكري لوكالة أنباء الشرق الاوسط صباح أمس انه تم دفن قتلى الجيش «في صمت»، من دون الإعلان عن أعدادهم، وذلك «حفاظاً على الروح المعنوية في صفوف القوات المسلحة»، الأمر الذي أثار دهشة الكثيرين لغموضه غير المبرر. والجديد في الأمر ان عضو المجلس محمود حجازي قال انه سقط قتلى وجرحى للجيش منذ نزوله في 28 يناير، من دون ان يعلن عن ذلك، قائلاً «نحن لا نذكر أبدا أعداد شهدائنا». ونفى اللواء حجازي علمه بوجود قناصة على أسطح البنايات في ماسبيرو، مخالفا بذلك استنتاجات حول مقتل احد المتظاهرين ـ مينا دانيال ـ برصاصة قيل إنها أصابته من مكان مرتفع. وأوضح أن «كل ما صدر حول الضحايا تصاريح دفن، ولم يصدر حتى الآن تقرير للطبيب الشرعي». وعن سؤاله حول وجود «طرف ثالث» في الأحداث يحمل سلاحاً، أضاف حجازي الى الغموض غموضاَ ليقول «لا اجزم ولا استبعد». من إذاً، قتل الذين ألقيت جثثهم في مشرحة المستشفى القبطي مساء الأحد الماضي، سأل صحافي أسترالي؟ ليرد حجازي بمنتهى الجدية «هذا ما نريد ان نعرفه أيضا». لكن المشكلة ان التحقيقات التي قال المتحدثون إنها ستكشف الحقيقة، يديرها القضاء العسكري. وفي نظر الحقوقيين فهي ليست جهة مستقلة أصلاً لأنها تحقق مع نفسها. وقال حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي تعد تقريراً عن أحداث ماسبيرو، ان ما جاء في المؤتمر الصحافي من دفاع شديد عن القوات المسلحة، إنما يستبق التحقيقات بإعلانه، الآن، عن براءة الجنود ونفي مسؤوليتهم عما حدث. «المؤتمر يدفع بالبلد تجاه الهاوية»، قال بهجت لـ«السفير» لأنه لم تأت جملة واحدة «للتهدئة عكس ما توقعناه». وقال بهجت ان منظمته قدمت عدة بلاغات الى النائب العام للتحقيق في أحداث الأحد الماضي، لكنه أحالها كلها الى القضاء العسكري. ويحقق في المجزرة أيضا فريق شكلته وزارة العدل، وكذلك لجنة لتقصي الحقائق تابعة للمجلس القومي لحقوق الإنسان. إلا ان هذه الجهات لا تملك سلطات استدعاء ضباط الجيش الى التحقيق. «الجيش عازم عن عدم الكشف عن الحقيقة»، يقول بهجت، «حتى انه لا يريد الكشف عن القتلى في صفوفه». ولأن التحقيق محصور ما بين القضاء العسكري الذي يحقق مع نفسه، وبالتالي لن يعتد به، وبين جهتين حكوميتين لا تملكان التحقيق مع القوات المسلحة، قد تبدو أصوات هامشية راديكالية تدعو الى تحقيق دولي، كما لو أنها تطالب بما هو منطقي في ظل هذا الوضع.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة