ليس البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي وحده من يعتقد أنّ معظم المسؤولين ينظرون إلى الامور بسطحية، بل ان الكثيرين يلاقونه في هذا الاعتقاد، وقد يتفوقون عليه بهذه النظرية، خصوصا ان البلاد تدار منذ عقود بذهنية صاحب السلطة الذي يمتلك الحقيقة الكاملة.

هذا ما يؤكده قطب ماروني اساسي تابع من خلال الخطوط المفتوحة زيارة البطريرك الفرنسية وما صدر عنها من مواقف، كاشفا أنّ رأي بكركي بالمواضيع المطروحة من خلال المواقف الصادرة عن سيدها يتلاقى بمعظمه مع تطلعات الفاتيكان، كما يتقاطع مع نظرة الكثير من المطارنة الموارنة الذين يعملون على ملفات الوجود المسيحي على المستوى المشرقي. ويوضح القطب الماروني أنّ البطريرك الراعي لم ينطلق من كيدية سياسية ولا من موقف عفوي في مواقفه المستجدّة، إنما أطلقها بعد طول تفكير ودرس ومشاورات مع اصحاب الشأن، فالكل يعرف ماذا حل بمسيحيي العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وسيطرة الاصولية والفوضى المنظمة على البلاد، والكل يدرك ماذا حصل لاقباط مصر في اعقاب تنامي الاصولية واتساع نفوذ الاخوان المسلمين، وكذلك الامر فان الشواهد ما زالت ماثلة امام اعين الجميع في الدول التي شهدت تحولات وسقوط انظمة من دون وجود بدائل مقنعة وجاهزة تلاقي الحياة الديمقراطية والعصرية والبعيدة عن التطرف الذي ينمو بشدة في المنطقة العربية ويهدد امنها وسلامها وعيشها المشترك.

ويلفت القطب الماروني إلى أنّ الشارع المسيحي كان ليتفهم ردود الفعل الصادرة عن بعض المسلمين الذين يعتبرون ان انتصارهم جاء حاسما على خلفية الديمغرافيا، غير ان المستهجن هو ردود الفعل الصادرة عن بعض المسيحيين والموارنة تحديدا، وكل ذلك في وقت كان يؤكد فيه هؤلاء أنّ بكركي هي دائما على حق، وبالتالي فالويل لمن يخالف ارادة سيدها ولا يتخذ من عباءته غطاءً له، فاذا بالايام تثبت ان نظرة السياسيين إلى الامور لا تستند سوى إلى المصالح الانية، فيما ترتكز نظرة رجال الدين على المستقبل المتوسط والبعيد المدى. ويشير إلى أنّ الوجود المسيحي يعاني اصلا من ازمة وجود، ويحمل الكثير من الهواجس والاحباطات ليس فقط على مستوى لبنان، بل على صعيد المنطقة برمتها، وبالتالي فان الاجدى مقاربة المواضيع الاساسية والاستراتيجية من زاوية عقلانية ومستقبلية بعيدا عن السياسات الضيقة والتحالفات الانية.

في المقابل، يعتبر قيادي مستقبلي أنّ كلام البطريرك الماروني يحمل الكثير من التجني على الوضع الراهن، فسلاح حزب الله الذي قاربه  من زاوية معينة يبقى خارج اطار الشرعية، ولا يجوز مقارنته يالسلاح الفلسطيني لا من قريب ولا من بعيد بحيث يكفي ان يتفق اللبنانيون على تنفيذ مقررات طاولة الحوار. اما العصي عن المعالجة، وفقاً للقيادي المستقبلي المذكور، فهو سلاح المقاومة الذي يؤثر على الوضع السياسي العام في البلاد. اما عن الموقف من احداث المنطقة عموما وسوريا خصوصا فانه من المجدي النظر بعين الاعتبار إلى مطالب الشعوب التي ستصبح قادرة على ايجاد البدائل المطلوبة، فلكل شعب خصوصيته ونظرته إلى الامور، كما يقول القيادي المستقبلي، الذي يدرك أنّ ذلك لا يمنع ان يكون البطريرك في موقع الدفاع عن الوجود المسيحي خصوصا في ظل التحولات التي تمر بها المنطقة، ولكن لا بد من الاشارة إلى ان الشارع السني ينظر إلى الامور من زاوية مغايرة فالحفاظ على الوجود المسيحي يمكن ان يتم عبر قنوات وسبل مختلفة، وبالتالي فان المطلوب سلوك الطريق الاكثر امانا وسلامة، وذلك حفاظا على ما تبقى من وحدة وطنية.

ومهما تعددت الاراء والتعليقات، فان ردود الفعل على مواقف البطريرك الماروني والتي طالت شخصه لا تبشر بالخير، انما تؤسس على ما يبدو إلى مرحلة جديدة من السجال الذي لا يعرف احد إلى اين سيقود البلاد في ظل الانقسامات العامودية المسيطرة على الساحة المحلية.

الحملة على البطريرك الراعي مستمرّة.. والأخير ينتقد "سطحية" البعض!

"معظمنا ينظر الى الأمور بسطحية، يأخذ كلمة ويبني عليها، من كرتون ومن سراب"..

ليس الحُكم الذي أطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بحق "معظم" السياسيين في هذا البلد ظالماً على الإطلاق، بل لعلّه الأقرب إلى الصواب، نسبة لـ"غابة" السياسة في لبنان وما تعتريها من شؤون وشجون..

فالبطريرك الماروني، الذي كان بالأمس القريب "سيّد الكلام" و"ضمير لبنان" والأهم أحد "الخطوط الحمراء" التي يُمنع على أحد تجاوزها، بات خلال اليومين الماضيين "هدف" حملات أصحاب هذه "الشعارات"، الذين لم يستوعبوا كلامه الرافض للتغيير في سوريا والمؤيد لسلاح حزب الله طالما أنّ ذرائعه موجودة، حتى وإن كان هذا الكلام مبرّراً بـ"واجب" حماية المسيحيين وإن كان هذا الرأي هو موقف الفاتيكان أولاً وآخراً..

هكذا، دخل "الانقلاب" إلى قاموس "البطريركية المارونية" بِيَد من كان يعتبرها بالأمس القريب فوق كلّ الشبهات ويتّهم كلّ من ينتقدها بالخروج عن الدين، فاتّهم البطريرك الماروني بـ"الانقلاب" على مسيرة بكركي "التاريخية"، كما اتُّهِم أيضاً بأنّه "يضرب مفهوم الدولة"، حتى أنّ بعض السياسيين لم يتردّد في "التشكيك" بمعلومات البطريرك السياسية ودعوته الصريحة لعدم الكلام في السياسة والاهتمام بالأمور الدينية..

معظمنا يفكر بسطحية!

لم يجد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رداً يواجه به من اختاروا "الخصومة" مع بكركي بسبب مواقفها سوى الاقرار بأنّ "معظمنا ينظر إلى الأمور بسطحية، يأخذ كلمة ويبني عليها، من كرتون ومن سراب"، هو الذي لفت لدى عودته إلى بيروت إلى أنّ ما قيل هنا وهنالك من تفسيرات ليست بمحلها ولا يتلاءم إطلاقا مع ما كان فيه من جدية ونظر بمسؤولية للأمور، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى ردود الفعل التي أعقبت مواقفه الباريسية النوعية.

وإذا كان بعض المسؤولين "الآذاريين" اختاروا انتظار عودة البطريرك الماروني إلى بيروت لـ"استيضاحه" حول مواقفه كما نقل عنهم الاعلام، فإنّ البطريرك الماروني بدا من "لقاء المصارحة" مع الاعلاميين في مطار بيروت الدولي متمسّكاً بمواقفه، والأهم مقتنعاً بأهميته في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به المنطقة.

هو استغرب اتهامه بالتخلي عن ثوابت بكركي، لافتاً الانتباه إلى انّ "بكركي لم تقل يوماً بالعداء لسوريا"، مذكّراً بأنّ سلفه البطريرك السابق نصرالله صفير لطالما طالب بأحسن الجيرة معها مع سوريا. وأوضح أنّه أبلغ الفرنسيين أنه مع الاصلاح في العالم العربي ومن ضمنه سوريا وأنّه مع مطالب الشعوب وحقوقها بالكرامة والحرية، وضد العنف والحروب التي ذقنا طعمها، وأنه ليس مع النظام السوري ولا مع غيره إذ إنّ الكنيسة لا تدعم أنظمة، لكنّ الأهم انه حدّد أمام الفرنسيين ثلاثة مخاوف حيال الوضع السوري هي: "أولاً إذا كان لا بد من انتقال النظام فنحن نتخوف من الوصول الى الأسوأ لأن هناك أنظمة ممولة ومسلحة وبالتالي بين السيئ والأسوأ نختار السيئ، ثانياً التخوف من حرب أهلية في سوريا لأن مجتمعاتنا مؤلفة من طوائف ومذاهب والمسيحي في النظام المتشدد "بياكلها"، ثالثاً نغمة التقسيم التي لم ننسها بعد ونتخوف من الوصول الى تفتيت العالم العربي الى دويلات مذهبية".

ميقاتي مع المحكمة.. حتى قيام الساعة!

وبانتظار ما ستحمله الساعات القليلة المقبلة على صعيد الحملة المستجدة على بكركي، والتي تأتي في سياق سلسلة "الحملات" التي لم تترك أي مركز محصّناً في لبنان، بدأت علامات الاستفهام تُطرح حول الاستحقاقات التي تنتظر الحكومة الميقاتية، وفي مقدّمها استحقاق تمويل المحكمة الدولية، وإن بدا أنّ الحكومة متجهة لاقراره، تفادياً للأسوأ، وهو ما تجلّى أيضاً في لهجة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تجاه حزب الله.

ميقاتي دعا ميقاتي الى إخراج ملف تمويل المحكمة الدولية من السجال، مؤكداً أن تنفيذ المقررات الدولية ليس خياراً لأن احترام القوانين هو من اجل سلامة لبنان، اما عدم احترامها فيشكل إساءة للبنان ويضعنا في موقع خطر. وأوضح أنه لن يعطي أي مبرر لإسرائيل بأن يكون لبنان خارج المجتمع الدولي، لافتاً إلى أنّ الارادة الدولية هي التي حمت لبنان، وبالتالي فإن لبنان يلتزم بالقرارات الدولية منذ قيام عصبة الأمم حتى قيام الساعة.

وشدد ميقاتي على انه متأكد من براءة حزب الله من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، داعياً إياه في الوقت عينه لتوكيل محامين عنه لدى المحكمة الدولية لاثبات هذه البراءة.

 

كلمة أخيرة..

هي ازدواجية المعايير، حتى مع المقامات الدينية..

بالأمس، كان البطريرك الماروني "خطاً أحمر" لا يجوز انتقاده حتى أنّ "الاختلاف" معه، في السياسة، كان أمراً محرّماً، وكان البطريرك "سيّد الكلام" ومواقفه لا يُعلى عليها..

أما اليوم، فأصبح البطريرك الماروني "هدفاً" للحملات وبات "فهمه" للسياسة مشكوكاً به، ولم يعد هناك أي "قيمة" لكلامه..

ويبقى السبب، الذي متى عُرف بطُل العجب: مواقف بكركي ليست على "ذوق" هؤلاء!

  • فريق ماسة
  • 2011-09-11
  • 10988
  • من الأرشيف

البطريرك الماروني يغيّر المعادلة.. ويؤسس لمرحلة جديدة

ليس البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي وحده من يعتقد أنّ معظم المسؤولين ينظرون إلى الامور بسطحية، بل ان الكثيرين يلاقونه في هذا الاعتقاد، وقد يتفوقون عليه بهذه النظرية، خصوصا ان البلاد تدار منذ عقود بذهنية صاحب السلطة الذي يمتلك الحقيقة الكاملة. هذا ما يؤكده قطب ماروني اساسي تابع من خلال الخطوط المفتوحة زيارة البطريرك الفرنسية وما صدر عنها من مواقف، كاشفا أنّ رأي بكركي بالمواضيع المطروحة من خلال المواقف الصادرة عن سيدها يتلاقى بمعظمه مع تطلعات الفاتيكان، كما يتقاطع مع نظرة الكثير من المطارنة الموارنة الذين يعملون على ملفات الوجود المسيحي على المستوى المشرقي. ويوضح القطب الماروني أنّ البطريرك الراعي لم ينطلق من كيدية سياسية ولا من موقف عفوي في مواقفه المستجدّة، إنما أطلقها بعد طول تفكير ودرس ومشاورات مع اصحاب الشأن، فالكل يعرف ماذا حل بمسيحيي العراق بعد سقوط نظام صدام حسين وسيطرة الاصولية والفوضى المنظمة على البلاد، والكل يدرك ماذا حصل لاقباط مصر في اعقاب تنامي الاصولية واتساع نفوذ الاخوان المسلمين، وكذلك الامر فان الشواهد ما زالت ماثلة امام اعين الجميع في الدول التي شهدت تحولات وسقوط انظمة من دون وجود بدائل مقنعة وجاهزة تلاقي الحياة الديمقراطية والعصرية والبعيدة عن التطرف الذي ينمو بشدة في المنطقة العربية ويهدد امنها وسلامها وعيشها المشترك. ويلفت القطب الماروني إلى أنّ الشارع المسيحي كان ليتفهم ردود الفعل الصادرة عن بعض المسلمين الذين يعتبرون ان انتصارهم جاء حاسما على خلفية الديمغرافيا، غير ان المستهجن هو ردود الفعل الصادرة عن بعض المسيحيين والموارنة تحديدا، وكل ذلك في وقت كان يؤكد فيه هؤلاء أنّ بكركي هي دائما على حق، وبالتالي فالويل لمن يخالف ارادة سيدها ولا يتخذ من عباءته غطاءً له، فاذا بالايام تثبت ان نظرة السياسيين إلى الامور لا تستند سوى إلى المصالح الانية، فيما ترتكز نظرة رجال الدين على المستقبل المتوسط والبعيد المدى. ويشير إلى أنّ الوجود المسيحي يعاني اصلا من ازمة وجود، ويحمل الكثير من الهواجس والاحباطات ليس فقط على مستوى لبنان، بل على صعيد المنطقة برمتها، وبالتالي فان الاجدى مقاربة المواضيع الاساسية والاستراتيجية من زاوية عقلانية ومستقبلية بعيدا عن السياسات الضيقة والتحالفات الانية. في المقابل، يعتبر قيادي مستقبلي أنّ كلام البطريرك الماروني يحمل الكثير من التجني على الوضع الراهن، فسلاح حزب الله الذي قاربه  من زاوية معينة يبقى خارج اطار الشرعية، ولا يجوز مقارنته يالسلاح الفلسطيني لا من قريب ولا من بعيد بحيث يكفي ان يتفق اللبنانيون على تنفيذ مقررات طاولة الحوار. اما العصي عن المعالجة، وفقاً للقيادي المستقبلي المذكور، فهو سلاح المقاومة الذي يؤثر على الوضع السياسي العام في البلاد. اما عن الموقف من احداث المنطقة عموما وسوريا خصوصا فانه من المجدي النظر بعين الاعتبار إلى مطالب الشعوب التي ستصبح قادرة على ايجاد البدائل المطلوبة، فلكل شعب خصوصيته ونظرته إلى الامور، كما يقول القيادي المستقبلي، الذي يدرك أنّ ذلك لا يمنع ان يكون البطريرك في موقع الدفاع عن الوجود المسيحي خصوصا في ظل التحولات التي تمر بها المنطقة، ولكن لا بد من الاشارة إلى ان الشارع السني ينظر إلى الامور من زاوية مغايرة فالحفاظ على الوجود المسيحي يمكن ان يتم عبر قنوات وسبل مختلفة، وبالتالي فان المطلوب سلوك الطريق الاكثر امانا وسلامة، وذلك حفاظا على ما تبقى من وحدة وطنية. ومهما تعددت الاراء والتعليقات، فان ردود الفعل على مواقف البطريرك الماروني والتي طالت شخصه لا تبشر بالخير، انما تؤسس على ما يبدو إلى مرحلة جديدة من السجال الذي لا يعرف احد إلى اين سيقود البلاد في ظل الانقسامات العامودية المسيطرة على الساحة المحلية. الحملة على البطريرك الراعي مستمرّة.. والأخير ينتقد "سطحية" البعض! "معظمنا ينظر الى الأمور بسطحية، يأخذ كلمة ويبني عليها، من كرتون ومن سراب".. ليس الحُكم الذي أطلقه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بحق "معظم" السياسيين في هذا البلد ظالماً على الإطلاق، بل لعلّه الأقرب إلى الصواب، نسبة لـ"غابة" السياسة في لبنان وما تعتريها من شؤون وشجون.. فالبطريرك الماروني، الذي كان بالأمس القريب "سيّد الكلام" و"ضمير لبنان" والأهم أحد "الخطوط الحمراء" التي يُمنع على أحد تجاوزها، بات خلال اليومين الماضيين "هدف" حملات أصحاب هذه "الشعارات"، الذين لم يستوعبوا كلامه الرافض للتغيير في سوريا والمؤيد لسلاح حزب الله طالما أنّ ذرائعه موجودة، حتى وإن كان هذا الكلام مبرّراً بـ"واجب" حماية المسيحيين وإن كان هذا الرأي هو موقف الفاتيكان أولاً وآخراً.. هكذا، دخل "الانقلاب" إلى قاموس "البطريركية المارونية" بِيَد من كان يعتبرها بالأمس القريب فوق كلّ الشبهات ويتّهم كلّ من ينتقدها بالخروج عن الدين، فاتّهم البطريرك الماروني بـ"الانقلاب" على مسيرة بكركي "التاريخية"، كما اتُّهِم أيضاً بأنّه "يضرب مفهوم الدولة"، حتى أنّ بعض السياسيين لم يتردّد في "التشكيك" بمعلومات البطريرك السياسية ودعوته الصريحة لعدم الكلام في السياسة والاهتمام بالأمور الدينية.. معظمنا يفكر بسطحية! لم يجد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي رداً يواجه به من اختاروا "الخصومة" مع بكركي بسبب مواقفها سوى الاقرار بأنّ "معظمنا ينظر إلى الأمور بسطحية، يأخذ كلمة ويبني عليها، من كرتون ومن سراب"، هو الذي لفت لدى عودته إلى بيروت إلى أنّ ما قيل هنا وهنالك من تفسيرات ليست بمحلها ولا يتلاءم إطلاقا مع ما كان فيه من جدية ونظر بمسؤولية للأمور، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى ردود الفعل التي أعقبت مواقفه الباريسية النوعية. وإذا كان بعض المسؤولين "الآذاريين" اختاروا انتظار عودة البطريرك الماروني إلى بيروت لـ"استيضاحه" حول مواقفه كما نقل عنهم الاعلام، فإنّ البطريرك الماروني بدا من "لقاء المصارحة" مع الاعلاميين في مطار بيروت الدولي متمسّكاً بمواقفه، والأهم مقتنعاً بأهميته في هذا الظرف العصيب الذي تمرّ به المنطقة. هو استغرب اتهامه بالتخلي عن ثوابت بكركي، لافتاً الانتباه إلى انّ "بكركي لم تقل يوماً بالعداء لسوريا"، مذكّراً بأنّ سلفه البطريرك السابق نصرالله صفير لطالما طالب بأحسن الجيرة معها مع سوريا. وأوضح أنّه أبلغ الفرنسيين أنه مع الاصلاح في العالم العربي ومن ضمنه سوريا وأنّه مع مطالب الشعوب وحقوقها بالكرامة والحرية، وضد العنف والحروب التي ذقنا طعمها، وأنه ليس مع النظام السوري ولا مع غيره إذ إنّ الكنيسة لا تدعم أنظمة، لكنّ الأهم انه حدّد أمام الفرنسيين ثلاثة مخاوف حيال الوضع السوري هي: "أولاً إذا كان لا بد من انتقال النظام فنحن نتخوف من الوصول الى الأسوأ لأن هناك أنظمة ممولة ومسلحة وبالتالي بين السيئ والأسوأ نختار السيئ، ثانياً التخوف من حرب أهلية في سوريا لأن مجتمعاتنا مؤلفة من طوائف ومذاهب والمسيحي في النظام المتشدد "بياكلها"، ثالثاً نغمة التقسيم التي لم ننسها بعد ونتخوف من الوصول الى تفتيت العالم العربي الى دويلات مذهبية". ميقاتي مع المحكمة.. حتى قيام الساعة! وبانتظار ما ستحمله الساعات القليلة المقبلة على صعيد الحملة المستجدة على بكركي، والتي تأتي في سياق سلسلة "الحملات" التي لم تترك أي مركز محصّناً في لبنان، بدأت علامات الاستفهام تُطرح حول الاستحقاقات التي تنتظر الحكومة الميقاتية، وفي مقدّمها استحقاق تمويل المحكمة الدولية، وإن بدا أنّ الحكومة متجهة لاقراره، تفادياً للأسوأ، وهو ما تجلّى أيضاً في لهجة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تجاه حزب الله. ميقاتي دعا ميقاتي الى إخراج ملف تمويل المحكمة الدولية من السجال، مؤكداً أن تنفيذ المقررات الدولية ليس خياراً لأن احترام القوانين هو من اجل سلامة لبنان، اما عدم احترامها فيشكل إساءة للبنان ويضعنا في موقع خطر. وأوضح أنه لن يعطي أي مبرر لإسرائيل بأن يكون لبنان خارج المجتمع الدولي، لافتاً إلى أنّ الارادة الدولية هي التي حمت لبنان، وبالتالي فإن لبنان يلتزم بالقرارات الدولية منذ قيام عصبة الأمم حتى قيام الساعة. وشدد ميقاتي على انه متأكد من براءة حزب الله من اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري، داعياً إياه في الوقت عينه لتوكيل محامين عنه لدى المحكمة الدولية لاثبات هذه البراءة.   كلمة أخيرة.. هي ازدواجية المعايير، حتى مع المقامات الدينية.. بالأمس، كان البطريرك الماروني "خطاً أحمر" لا يجوز انتقاده حتى أنّ "الاختلاف" معه، في السياسة، كان أمراً محرّماً، وكان البطريرك "سيّد الكلام" ومواقفه لا يُعلى عليها.. أما اليوم، فأصبح البطريرك الماروني "هدفاً" للحملات وبات "فهمه" للسياسة مشكوكاً به، ولم يعد هناك أي "قيمة" لكلامه.. ويبقى السبب، الذي متى عُرف بطُل العجب: مواقف بكركي ليست على "ذوق" هؤلاء!

المصدر : أنطوان الحايك - النشرة


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة