كشفت عملية إيلات عن أن إسرائيل غير مستعدة لمواجهة التطورات أو على الأقل غير كاملة الاستعداد. ويناقض هذا كثيرا الرأي السائد في المنطقة العربية، وربما أيضا في بعض الأوساط الإسرائيلية، التي رأت أن حكومة «القامة المنتصبة» بزعامة نتنياهو لن تدخر جهدا لصرف الأنظار عن الاحتجاج الاجتماعي في إسرائيل بتوتير أمني على الحدود. وكانت غزة المرشح الأبرز لتحقيق هذه الرؤية. لكن يبدو أن حسابات الحكومة الإسرائيلية تختلف عن حسابات الكثيرين داخل وخارج إسرائيل.

 

فمن ناحية يحاول حزب المعارضة الأساسي، كديما، حث الحكومة اليمينية على استنفاذ الوسائل العسكرية ضد المقاومة في قطاع غزة بالرغم من أنه سبق لهذا الحزب أن اتهم نتنياهو وحكومته بالتهور. كما أن حوالى نصف الجمهور الإسرائيلي، وفق استطلاعات الرأي، لا يحبذ سياسة «ضبط النفس» التي انتهجتها حكومة اليمين. وقد دفع ذلك عضو عربي في الكنيست إلى التصريح بأن من حظنا أن اليمين وليس كديما في الحكم، لأن كديما خاض في أقل من ثلاثة أعوام حربين طاحنتين في لبنان وغزة فيما اليمين لا يجرؤ على ذلك.

 

والواقع أن هناك أوساطا حتى داخل الجيش لا تحبذ التعامل مع قطاع غزة بهذه «الرخاوة» التي لا تجبي كمية كبيرة من الدماء تجعل ميزان الدم راجحا بشكل هائل لمصلحة إسرائيل. وهناك في الجيش من يسنون الحراب ويتحدثون عن تآكل قدرة الردع الإسرائيلية. ومن المؤكد أن هناك نوعا من التغيير في مقاربة الحكومة الإسرائيلية للتطورات.

 

ويعود هذا التغيير لعدة أسباب أهمها الوضع الراهن في المنطقة العربية والذي يكاد يكون قضى على الوضع الذي كان قائما ويعمل على خلق نظام جديد لا أحد يعرف وجهته النهائية بعد. وفضلا عن ذلك ليس هناك من يستهين بتطوير القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي وضعت في دائرة استهدافها حتى الآن ما لا يقل عن مليون إسرائيلي في ظل حديث متزايد عن قدرة مؤكدة تستطيع إدخال ما لا يقل عن مليون إسرائيلي آخر في الدائرة. ولا يقل أهمية عن ذلك أن حكومة اليمين في إسرائيل لا تمتلك أي تصور واضح عن مستقبل علاقتها بقطاع غزة، وهل تنوي الاعتراف به جزءا من دولة فلسطينية أم أنها ستحاول «استرداده» لتبعيتها ضمن أرض إسرائيل الكاملة.

 

وربما أن هذا كان وراء إصرار بنيامين نتنياهو على التخفي خلف «مصدر سياسي رفيع المستوى» للقول صراحة أنه «لا ينبغي الدخول للحروب بتسرع. فمن الخطأ الانجرار للحرب خلف خلية دموية». وقال أن إعلان وقف إطلاق النار من جانب حماس عمل من طرف واحد ولكن «إذا حافظ الطرف الثاني على الهدوء، فلن نبادر لإطلاق النار في غزة. لن نضرب الأنفاق».

 

وكان نائب رئيس الحكومة سيلفان شالوم هدد باجتياح قطاع غزة بريا إلا أن نتنياهو قال أنه «إذا كان ينبغي اتخاذ القرار بالدخول إلى عملية برية واسعة في القطاع، فإن كلمات السر هي المسؤولية والحكمة. فلا ينبغي دخول الحرب بتسرع، ولن ندخلها بغير حذر. نحن في وضع يعيش فيه الشرق الأوسط بأسره في طنجرة تغلي علينا فيه أن نستوضح طريقنا بحذر مفرط. ينبغي أن ننظر إلى كل ما يجري في المنطقة، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك علينا أو يتأثر بنا. من الخطأ الجسيم الانجرار للحرب بسبب الخلية الدموية».

 

ونفى المصدر الإسرائيلي أن تكون إسرائيل شاركت في بلورة التهدئة مع حماس بالتعاون مع مصر. وقال إن «أحدا في إسرائيل لم يتفاوض مع الفلسطينيين، ولا مع المصريين ولا مع الأميركيين». وبحسب كلامه «لقد قررنا أننا لا نشد باتجاه التصعيد. ولكن إذا حافظ الجانب الآخر على الهدوء، فإننا لن نبادر لإطلاق النار على غزة، لن نبادر بضرب الأنفاق في غزة. ولكن إذا اكتشفت خلية تحاول أن تطلق النار علينا أو تنفيذ عملية إرهابية فسيتم تدميرها».

 

وكادت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن تكشف النقاب عن اسم قائل هذا الكلام وهو نتنياهو، بنسبتها الكلام إلى «مصدر سياسي كبير في ديسوان رئاسة الحكومة». وتحت عنوان «نحن لا نهرع للحروب» نقلت عن المسؤول هذا قوله: «لقد عملنا بحذر ومسؤولية وفي ظل فهم اجمالي لخط العلاقات مع الولايات المتحدة، مصر وباقي الدول والتطورات في الشرق الاوسط. نحن لا نهرع للحروب، بل نصل اليها فقط بعد استنفاذ كل السبل».

 

وروى المسؤول أن اسرائيل لم تجر على مدى كل الأحداث مفاوضات مع حماس أو مصر حول وقف النار، واضاف انه حتى عندما طلبت الامم المتحدة والاميركيون والاوروبيون التوسط، لم تعقب اسرائيل بالايجاب وفي النهاية أعلنت حماس من طرف واحد عن وقف للنار من جانبها. وتطرق المسؤول ايضا الى التوتر مع مصر وقال ان اسرائيل لم تعتذر لها، بل أعربت عن الأسف واتفقت على اجراء تحقيق مشترك لاستيضاح تفاصيل الحادثة التي قُتل فيها أفراد الشرطة المصريون.

 

لكن المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد نسب الكلام مباشرة لنتنياهو في عنوانه: «نتنياهو في المجلس الوزاري: لن نهرع إلى حرب في القطاع». وقال أن إسرائيل قررت الامتناع عن تصعيد آخر في القطاع والتعاون ولو بشكل غير مباشر مع التهدئة التي أعلنتها حماس. وأشارت الصحيفة إلى أنه اثناء جلسة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية عرض رئيس الحكومة ووزير الدفاع على الوزراء سلسلة من الاضطرارات التي تفرض على اسرائيل كالعزلة الدولية، التغطية الجزئية لمنظومة قبة حديدية والتخوف من احتدام الازمة مع مصر. في مثل هذا الوضع، أوضح نتنياهو للوزراء، «نحن لا نركض الى حرب شاملة في غزة».

 

وكان المجلس الوزاري دعي الى جلسة يوم الاحد في حوالى الساعة العاشرة ليلا. وبدأت الجلسة قبل ساعة من منتصف الليل واستمرت حتى الثالثة قبل الفجر. واستمع الوزراء لاستعراضات من كبار مسؤولي جهاز الامن ولكنهم لم يكونوا مطالبين بان يقروا للجيش الاسرائيلي عمليات رد اخرى. وكبديل، عنيت الجلسة بالذات بالسبل لتلطيف حدة الازمة ومنع التصعيد.

 

وكان نتنياهو ووزير الدفاع باراك تحدثا في الجلسة مطولا عن الحاجة الى التفكر والمسؤولية في ادارة الازمة في غزة، لكن برز بين اقوالهما الفهم بان لاسرائيل لا يوجد ائتمان سياسي وشرعية دولية تسمح بعملية واسعة في قطاع غزة. الازمة التي نشأت مع مصر ما بعد مـبارك في أعقاب العمـلية على الحدود، فرضت قيودا اخرى على حرية عمل الجيش الاسرائيلي.

 

قادة المؤسسة الأمنية شددوا امام الوزراء على أن حماس لا تشارك أبدا في اطلاق الصواريخ على اسرائيل وان من يطلق النار هي منظمات مثل لجان المقاومة الشعبية والجهاد الاسلامي.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-08-23
  • 9359
  • من الأرشيف

عملية إيلات أظهرت ضعـف الاستعدادات الإسرائيلية: حكومة «القامـة المنتصبـة» لا تجـرؤ على شـن الحرب !

كشفت عملية إيلات عن أن إسرائيل غير مستعدة لمواجهة التطورات أو على الأقل غير كاملة الاستعداد. ويناقض هذا كثيرا الرأي السائد في المنطقة العربية، وربما أيضا في بعض الأوساط الإسرائيلية، التي رأت أن حكومة «القامة المنتصبة» بزعامة نتنياهو لن تدخر جهدا لصرف الأنظار عن الاحتجاج الاجتماعي في إسرائيل بتوتير أمني على الحدود. وكانت غزة المرشح الأبرز لتحقيق هذه الرؤية. لكن يبدو أن حسابات الحكومة الإسرائيلية تختلف عن حسابات الكثيرين داخل وخارج إسرائيل.   فمن ناحية يحاول حزب المعارضة الأساسي، كديما، حث الحكومة اليمينية على استنفاذ الوسائل العسكرية ضد المقاومة في قطاع غزة بالرغم من أنه سبق لهذا الحزب أن اتهم نتنياهو وحكومته بالتهور. كما أن حوالى نصف الجمهور الإسرائيلي، وفق استطلاعات الرأي، لا يحبذ سياسة «ضبط النفس» التي انتهجتها حكومة اليمين. وقد دفع ذلك عضو عربي في الكنيست إلى التصريح بأن من حظنا أن اليمين وليس كديما في الحكم، لأن كديما خاض في أقل من ثلاثة أعوام حربين طاحنتين في لبنان وغزة فيما اليمين لا يجرؤ على ذلك.   والواقع أن هناك أوساطا حتى داخل الجيش لا تحبذ التعامل مع قطاع غزة بهذه «الرخاوة» التي لا تجبي كمية كبيرة من الدماء تجعل ميزان الدم راجحا بشكل هائل لمصلحة إسرائيل. وهناك في الجيش من يسنون الحراب ويتحدثون عن تآكل قدرة الردع الإسرائيلية. ومن المؤكد أن هناك نوعا من التغيير في مقاربة الحكومة الإسرائيلية للتطورات.   ويعود هذا التغيير لعدة أسباب أهمها الوضع الراهن في المنطقة العربية والذي يكاد يكون قضى على الوضع الذي كان قائما ويعمل على خلق نظام جديد لا أحد يعرف وجهته النهائية بعد. وفضلا عن ذلك ليس هناك من يستهين بتطوير القدرات القتالية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والتي وضعت في دائرة استهدافها حتى الآن ما لا يقل عن مليون إسرائيلي في ظل حديث متزايد عن قدرة مؤكدة تستطيع إدخال ما لا يقل عن مليون إسرائيلي آخر في الدائرة. ولا يقل أهمية عن ذلك أن حكومة اليمين في إسرائيل لا تمتلك أي تصور واضح عن مستقبل علاقتها بقطاع غزة، وهل تنوي الاعتراف به جزءا من دولة فلسطينية أم أنها ستحاول «استرداده» لتبعيتها ضمن أرض إسرائيل الكاملة.   وربما أن هذا كان وراء إصرار بنيامين نتنياهو على التخفي خلف «مصدر سياسي رفيع المستوى» للقول صراحة أنه «لا ينبغي الدخول للحروب بتسرع. فمن الخطأ الانجرار للحرب خلف خلية دموية». وقال أن إعلان وقف إطلاق النار من جانب حماس عمل من طرف واحد ولكن «إذا حافظ الطرف الثاني على الهدوء، فلن نبادر لإطلاق النار في غزة. لن نضرب الأنفاق».   وكان نائب رئيس الحكومة سيلفان شالوم هدد باجتياح قطاع غزة بريا إلا أن نتنياهو قال أنه «إذا كان ينبغي اتخاذ القرار بالدخول إلى عملية برية واسعة في القطاع، فإن كلمات السر هي المسؤولية والحكمة. فلا ينبغي دخول الحرب بتسرع، ولن ندخلها بغير حذر. نحن في وضع يعيش فيه الشرق الأوسط بأسره في طنجرة تغلي علينا فيه أن نستوضح طريقنا بحذر مفرط. ينبغي أن ننظر إلى كل ما يجري في المنطقة، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك علينا أو يتأثر بنا. من الخطأ الجسيم الانجرار للحرب بسبب الخلية الدموية».   ونفى المصدر الإسرائيلي أن تكون إسرائيل شاركت في بلورة التهدئة مع حماس بالتعاون مع مصر. وقال إن «أحدا في إسرائيل لم يتفاوض مع الفلسطينيين، ولا مع المصريين ولا مع الأميركيين». وبحسب كلامه «لقد قررنا أننا لا نشد باتجاه التصعيد. ولكن إذا حافظ الجانب الآخر على الهدوء، فإننا لن نبادر لإطلاق النار على غزة، لن نبادر بضرب الأنفاق في غزة. ولكن إذا اكتشفت خلية تحاول أن تطلق النار علينا أو تنفيذ عملية إرهابية فسيتم تدميرها».   وكادت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن تكشف النقاب عن اسم قائل هذا الكلام وهو نتنياهو، بنسبتها الكلام إلى «مصدر سياسي كبير في ديسوان رئاسة الحكومة». وتحت عنوان «نحن لا نهرع للحروب» نقلت عن المسؤول هذا قوله: «لقد عملنا بحذر ومسؤولية وفي ظل فهم اجمالي لخط العلاقات مع الولايات المتحدة، مصر وباقي الدول والتطورات في الشرق الاوسط. نحن لا نهرع للحروب، بل نصل اليها فقط بعد استنفاذ كل السبل».   وروى المسؤول أن اسرائيل لم تجر على مدى كل الأحداث مفاوضات مع حماس أو مصر حول وقف النار، واضاف انه حتى عندما طلبت الامم المتحدة والاميركيون والاوروبيون التوسط، لم تعقب اسرائيل بالايجاب وفي النهاية أعلنت حماس من طرف واحد عن وقف للنار من جانبها. وتطرق المسؤول ايضا الى التوتر مع مصر وقال ان اسرائيل لم تعتذر لها، بل أعربت عن الأسف واتفقت على اجراء تحقيق مشترك لاستيضاح تفاصيل الحادثة التي قُتل فيها أفراد الشرطة المصريون.   لكن المراسل السياسي لـ«هآرتس» باراك رابيد نسب الكلام مباشرة لنتنياهو في عنوانه: «نتنياهو في المجلس الوزاري: لن نهرع إلى حرب في القطاع». وقال أن إسرائيل قررت الامتناع عن تصعيد آخر في القطاع والتعاون ولو بشكل غير مباشر مع التهدئة التي أعلنتها حماس. وأشارت الصحيفة إلى أنه اثناء جلسة للمجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية عرض رئيس الحكومة ووزير الدفاع على الوزراء سلسلة من الاضطرارات التي تفرض على اسرائيل كالعزلة الدولية، التغطية الجزئية لمنظومة قبة حديدية والتخوف من احتدام الازمة مع مصر. في مثل هذا الوضع، أوضح نتنياهو للوزراء، «نحن لا نركض الى حرب شاملة في غزة».   وكان المجلس الوزاري دعي الى جلسة يوم الاحد في حوالى الساعة العاشرة ليلا. وبدأت الجلسة قبل ساعة من منتصف الليل واستمرت حتى الثالثة قبل الفجر. واستمع الوزراء لاستعراضات من كبار مسؤولي جهاز الامن ولكنهم لم يكونوا مطالبين بان يقروا للجيش الاسرائيلي عمليات رد اخرى. وكبديل، عنيت الجلسة بالذات بالسبل لتلطيف حدة الازمة ومنع التصعيد.   وكان نتنياهو ووزير الدفاع باراك تحدثا في الجلسة مطولا عن الحاجة الى التفكر والمسؤولية في ادارة الازمة في غزة، لكن برز بين اقوالهما الفهم بان لاسرائيل لا يوجد ائتمان سياسي وشرعية دولية تسمح بعملية واسعة في قطاع غزة. الازمة التي نشأت مع مصر ما بعد مـبارك في أعقاب العمـلية على الحدود، فرضت قيودا اخرى على حرية عمل الجيش الاسرائيلي.   قادة المؤسسة الأمنية شددوا امام الوزراء على أن حماس لا تشارك أبدا في اطلاق الصواريخ على اسرائيل وان من يطلق النار هي منظمات مثل لجان المقاومة الشعبية والجهاد الاسلامي.  

المصدر : السفير /حلمي موسى


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة