يعد سوق شارع مدحت باشا في دمشق القديمة أقدم شارع مأهول في العالم رغم عدم التثبت من صحة هذه المقولة تاريخياً إلا انه قياساً على ان دمشق من أقدم المدن على مر العصور يمكن اعتبار شارع سوق مدحت باشا أقدم شوارع عاصمة الأمويين.

وتشير المصادر التاريخية إلى أن الشارع المستقيم أو سوق مدحت باشا يمتد على طول 1600 متر من منطقة باب شرقي إلى باب الجابية وأشيد بعيد احتلال الرومان لسورية على يد القائد بومبي عام 64 قبل الميلاد حيث أطلق على هذا الشارع وقتها شارع الأعمدة وبنيت على جوانبه أعمدة ضخمة عثر على بعضها أثناء مشروع ترميم السوق عامي 2007 و 2008 وعرضت مؤخراً في حديقة القشلة مقابل الكنيسة المريمية.

وتغير اسم السوق إلى سوق مدحت باشا في العام 1878 عندما قام الوالي مدحت باشا خلال فترة الاحتلال العثماني بتوسيع أجزاء من السوق على حساب الشارع وأضاف إلى المحلات مساحات جديدة وربما هذه الأعمال وسواها ساهمت في تغيير شكل الشارع بعد ان كان بالإمكان رؤية باب شرقي بمجرد الوقوف عند باب الجابية ليفقد الشارع المستقيم شكله كما فقد اسمه أمام تسمية مدحت باشا.

ومشروع الترميم الأخير التي شهدتها السوق التي تضم حالياً850 محلا هي أهم حملات الترميم التي تعرضت لها السوق عبر تاريخها بعد ان تمت إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي والمياه التي كانت تعاني من رشوحات كبيرة إضافة إلى صيانة شبكات الهاتف والكهرباء ورصف أرضية السوق بحجر اللبون وترميم الأقواس الأثرية الموجودة وتوحيد شكل واجهات المحلات وترميم وتجميل واجهات الخانات الأثرية.

ويقول طالب سيوفي حرفي وتاجر يعمل في مجال مناخل الخشب منذ 35 عاما إن كل ما يخطر في بال الإنسان سيجده في سوق مدحت باشا من محلات البياضات والحرامات والمناشف إلى الحبوب والبذور والبهارات والقهوة فالنحاسيات والمشربيات والتحف والأثاث والسجاد والبسط.

وأوضح فهد أبو شعر تاجر يعمل في مجال البياضات منذ 54 عاماً أن سوق مدحت باشا تقسم لجزأين الأول من باب الجابية إلى باب شرقي وهو مسقوف في جزء منه ويتفرع منه أسواق متخصصة كثيرة مثل سوق الحرير والبزورية و الصوف إلى جانب بعض المواقع الأثرية مثل قصر النعسان ومكتب عنبر ويمتد القسم الثاني من باب الجابية إلى سور دمشق ويحتوي على خانات مثل خان جقمق وخان أسعد باشا وكنائس قديمة مثل كنيسة حنانيا والتي تعود للعصر البيزنطي.

ودعا إبراهيم علاوي من تجار السوق إلى استكمال سقف السوق إلى نهايته كما كان الحال عليه قبل أن يحترق هذا القسم في عهد الاحتلال الفرنسي والذي كان يمتد جوار سور دمشق غير المسقوف من السوق وتطبيق قرار منع سير المركبات في السوق أسوة بسوق الحميدية مؤكدا ان هذا المطلب هو رغبة جميع تجار الجزء غير المسقوف من السوق.

ويعتقد العديد من تجار سوق مدحت باشا أن السماح بسير السيارات في السوق أدى لانزياح أرضية الشارع وانزياح أحجار اللبون من مكانها إضافة إلى سوء تنفيذ بعض المواقع في أرضية الشارع حيث قامت محافظة دمشق مجدداً بإعادة رصف القسم غير المسقوف من السوق.

وقال المهندس طارق نحاس مدير مدينة دمشق القديمة انه لوحظ في بعض أجزاء أرضية سوق مدحت باشا حصول هبوطات تؤدي لتشكل تجمعات مطرية ما يعيق حركة السيارات ويتسبب باختناقات مرورية إضافة إلى المنظر المشوه للسوق ما دفع بالمديرية لتقديم مذكرة للمحافظ مع مديرية الإشراف لإعادة ترميم الحجر من قبل نفس المتعهد وعلى كلفته حيث استمر العمل في ترميم أرضية الشارع قرابة 15 يوماً.

وأضاف أي أعمال ترميم للسوق تتم بعد إجراء دراسة للواقع و الوضع الراهن بحيث يجري الترميم دون تشويه الصورة الحقيقية أو تشويه لتاريخ السوق أو اضافة أي شيء جديد دون أي سبب والرجوع للحالة الأصلية للسوق مثل تركيب الأبواب الخشبية والذي تم عبر الاستعانة بالصور القديمة.

وأشار نحاس إلى أن خصوصية الجزء المسقوف من سوق مدحت باشا كسوق للحرف اليدوية رأي اتفقت عليه لجنة حماية دمشق القديمة مبيناً في الوقت نفسه أن سقف كامل السوق موضوع لا يخص دائرة دمشق القديمة لوحدها وهو يمس دائرة الآثار مع إمكانية دراسة طلب سقف كامل السوق إذا أقرته دائرة الآثار في المحافظة وأيدته آراء الفنيين.

وأكد مدير مدينة دمشق القديمة عدم وجود قرار رسمي سابق بمنع سير السيارات في سوق مدحت باشا وانه كان في حيز الفكرة حيث تقوم المديرية حالياً بناء على تكليف المحافظ بوضع الشروط الفنية والمالية لإعداد مناقصة أو استدراج عروض لتشغيل سيارات كهربائية في نطاق دمشق القديمة ومنع سير المركبات التي تعمل على الوقود الحراري.

بدوره أوضح المهندس نعيم زابيطة رئيس دائرة التوثيق والدراسات في مديرية دمشق القديمة وجود أكثر من نمط معماري في سوق مدحت باشا من الروماني إلى الإسلامي فالمملوكي والعثماني وهي تعكس جميعاً الهوية المعمارية في دمشق القديمة والتي كانت عبارة عن تمازج بين مختلف الحضارات التي مرت عليها.

وقال زابيطة إن عملية الترميم تقوم على دراسة الواقع الراهن من خلال التوثيق الفوتوغرافي و من ثم رسم معماري للعناصر والأبعاد والمحلات ومن ثم مرحلة وضع المقترح حول الأجزاء التي ننوي المحافظة عليها والأجزاء التي نريد التخلص منها وخلق نوع من التجانس والتنظيم في السوق من حيث توحيد لافتات المحلات وواجهاتها مع ترك الحرية للمستثمر داخل المحلات في تصميم محله.

ولفت إلى أنه تم العثور على صور قديمة من مستشرقين تشير إلى وجود نمط معماري داخل السوق اعتمدت عليها الدراسة للعودة بالسوق إلى حالتها الأصلية الخاصة بها ولاسيما أن سوق مدحت باشا نقطة جذب سياحي للسائح المحلي والأجنبي.

وأكد زابيطة أن مديرية دمشق القديمة لا تشجع الانتقال إلى مزاولة الحرف المعاصرة داخل المدينة القديمة عموماً مع ضرورة وجود هذه المهن دون أن تطغى على الحرف التقليدية والفلكلورية حتى لا تتحول سوق مدحت باشا إلى سوق خدمية وإنما محاولة الحفاظ على طابعها التراثي الذي مازال قائما الآن على اعتبار أن السوق أقدم وأهم محور موجود في دمشق القديمة.

وإذا كنا نتفق على ان سوق مدحت باشا هو أقدم واهم مواقع دمشق القديمة فإننا نتفق على أن إعادة الحياة إلى هذا الموقع هي من أهم الأعمال التي جرت في محيط المدينة القديمة ولكننا من جهة ثانية سوف نتفق مع مطالب أهل هذه السوق بالمحافظة عليها ومنع دخول المركبات لدرء التلوث عن هواء دمشق القديمة كما نجد ذلك في العديد من المواقع الأثرية في العالم.

                        

 

  • فريق ماسة
  • 2011-08-20
  • 14515
  • من الأرشيف

سوق مدحت باشا أقدم أسواق العالم .. من الشارع المستقيم إلى حملات الترميم

يعد سوق شارع مدحت باشا في دمشق القديمة أقدم شارع مأهول في العالم رغم عدم التثبت من صحة هذه المقولة تاريخياً إلا انه قياساً على ان دمشق من أقدم المدن على مر العصور يمكن اعتبار شارع سوق مدحت باشا أقدم شوارع عاصمة الأمويين. وتشير المصادر التاريخية إلى أن الشارع المستقيم أو سوق مدحت باشا يمتد على طول 1600 متر من منطقة باب شرقي إلى باب الجابية وأشيد بعيد احتلال الرومان لسورية على يد القائد بومبي عام 64 قبل الميلاد حيث أطلق على هذا الشارع وقتها شارع الأعمدة وبنيت على جوانبه أعمدة ضخمة عثر على بعضها أثناء مشروع ترميم السوق عامي 2007 و 2008 وعرضت مؤخراً في حديقة القشلة مقابل الكنيسة المريمية. وتغير اسم السوق إلى سوق مدحت باشا في العام 1878 عندما قام الوالي مدحت باشا خلال فترة الاحتلال العثماني بتوسيع أجزاء من السوق على حساب الشارع وأضاف إلى المحلات مساحات جديدة وربما هذه الأعمال وسواها ساهمت في تغيير شكل الشارع بعد ان كان بالإمكان رؤية باب شرقي بمجرد الوقوف عند باب الجابية ليفقد الشارع المستقيم شكله كما فقد اسمه أمام تسمية مدحت باشا. ومشروع الترميم الأخير التي شهدتها السوق التي تضم حالياً850 محلا هي أهم حملات الترميم التي تعرضت لها السوق عبر تاريخها بعد ان تمت إعادة تأهيل شبكات الصرف الصحي والمياه التي كانت تعاني من رشوحات كبيرة إضافة إلى صيانة شبكات الهاتف والكهرباء ورصف أرضية السوق بحجر اللبون وترميم الأقواس الأثرية الموجودة وتوحيد شكل واجهات المحلات وترميم وتجميل واجهات الخانات الأثرية. ويقول طالب سيوفي حرفي وتاجر يعمل في مجال مناخل الخشب منذ 35 عاما إن كل ما يخطر في بال الإنسان سيجده في سوق مدحت باشا من محلات البياضات والحرامات والمناشف إلى الحبوب والبذور والبهارات والقهوة فالنحاسيات والمشربيات والتحف والأثاث والسجاد والبسط. وأوضح فهد أبو شعر تاجر يعمل في مجال البياضات منذ 54 عاماً أن سوق مدحت باشا تقسم لجزأين الأول من باب الجابية إلى باب شرقي وهو مسقوف في جزء منه ويتفرع منه أسواق متخصصة كثيرة مثل سوق الحرير والبزورية و الصوف إلى جانب بعض المواقع الأثرية مثل قصر النعسان ومكتب عنبر ويمتد القسم الثاني من باب الجابية إلى سور دمشق ويحتوي على خانات مثل خان جقمق وخان أسعد باشا وكنائس قديمة مثل كنيسة حنانيا والتي تعود للعصر البيزنطي. ودعا إبراهيم علاوي من تجار السوق إلى استكمال سقف السوق إلى نهايته كما كان الحال عليه قبل أن يحترق هذا القسم في عهد الاحتلال الفرنسي والذي كان يمتد جوار سور دمشق غير المسقوف من السوق وتطبيق قرار منع سير المركبات في السوق أسوة بسوق الحميدية مؤكدا ان هذا المطلب هو رغبة جميع تجار الجزء غير المسقوف من السوق. ويعتقد العديد من تجار سوق مدحت باشا أن السماح بسير السيارات في السوق أدى لانزياح أرضية الشارع وانزياح أحجار اللبون من مكانها إضافة إلى سوء تنفيذ بعض المواقع في أرضية الشارع حيث قامت محافظة دمشق مجدداً بإعادة رصف القسم غير المسقوف من السوق. وقال المهندس طارق نحاس مدير مدينة دمشق القديمة انه لوحظ في بعض أجزاء أرضية سوق مدحت باشا حصول هبوطات تؤدي لتشكل تجمعات مطرية ما يعيق حركة السيارات ويتسبب باختناقات مرورية إضافة إلى المنظر المشوه للسوق ما دفع بالمديرية لتقديم مذكرة للمحافظ مع مديرية الإشراف لإعادة ترميم الحجر من قبل نفس المتعهد وعلى كلفته حيث استمر العمل في ترميم أرضية الشارع قرابة 15 يوماً. وأضاف أي أعمال ترميم للسوق تتم بعد إجراء دراسة للواقع و الوضع الراهن بحيث يجري الترميم دون تشويه الصورة الحقيقية أو تشويه لتاريخ السوق أو اضافة أي شيء جديد دون أي سبب والرجوع للحالة الأصلية للسوق مثل تركيب الأبواب الخشبية والذي تم عبر الاستعانة بالصور القديمة. وأشار نحاس إلى أن خصوصية الجزء المسقوف من سوق مدحت باشا كسوق للحرف اليدوية رأي اتفقت عليه لجنة حماية دمشق القديمة مبيناً في الوقت نفسه أن سقف كامل السوق موضوع لا يخص دائرة دمشق القديمة لوحدها وهو يمس دائرة الآثار مع إمكانية دراسة طلب سقف كامل السوق إذا أقرته دائرة الآثار في المحافظة وأيدته آراء الفنيين. وأكد مدير مدينة دمشق القديمة عدم وجود قرار رسمي سابق بمنع سير السيارات في سوق مدحت باشا وانه كان في حيز الفكرة حيث تقوم المديرية حالياً بناء على تكليف المحافظ بوضع الشروط الفنية والمالية لإعداد مناقصة أو استدراج عروض لتشغيل سيارات كهربائية في نطاق دمشق القديمة ومنع سير المركبات التي تعمل على الوقود الحراري. بدوره أوضح المهندس نعيم زابيطة رئيس دائرة التوثيق والدراسات في مديرية دمشق القديمة وجود أكثر من نمط معماري في سوق مدحت باشا من الروماني إلى الإسلامي فالمملوكي والعثماني وهي تعكس جميعاً الهوية المعمارية في دمشق القديمة والتي كانت عبارة عن تمازج بين مختلف الحضارات التي مرت عليها. وقال زابيطة إن عملية الترميم تقوم على دراسة الواقع الراهن من خلال التوثيق الفوتوغرافي و من ثم رسم معماري للعناصر والأبعاد والمحلات ومن ثم مرحلة وضع المقترح حول الأجزاء التي ننوي المحافظة عليها والأجزاء التي نريد التخلص منها وخلق نوع من التجانس والتنظيم في السوق من حيث توحيد لافتات المحلات وواجهاتها مع ترك الحرية للمستثمر داخل المحلات في تصميم محله. ولفت إلى أنه تم العثور على صور قديمة من مستشرقين تشير إلى وجود نمط معماري داخل السوق اعتمدت عليها الدراسة للعودة بالسوق إلى حالتها الأصلية الخاصة بها ولاسيما أن سوق مدحت باشا نقطة جذب سياحي للسائح المحلي والأجنبي. وأكد زابيطة أن مديرية دمشق القديمة لا تشجع الانتقال إلى مزاولة الحرف المعاصرة داخل المدينة القديمة عموماً مع ضرورة وجود هذه المهن دون أن تطغى على الحرف التقليدية والفلكلورية حتى لا تتحول سوق مدحت باشا إلى سوق خدمية وإنما محاولة الحفاظ على طابعها التراثي الذي مازال قائما الآن على اعتبار أن السوق أقدم وأهم محور موجود في دمشق القديمة. وإذا كنا نتفق على ان سوق مدحت باشا هو أقدم واهم مواقع دمشق القديمة فإننا نتفق على أن إعادة الحياة إلى هذا الموقع هي من أهم الأعمال التي جرت في محيط المدينة القديمة ولكننا من جهة ثانية سوف نتفق مع مطالب أهل هذه السوق بالمحافظة عليها ومنع دخول المركبات لدرء التلوث عن هواء دمشق القديمة كما نجد ذلك في العديد من المواقع الأثرية في العالم.                           

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة