«إن الخلاص لا يُبحث عنه في الحكومات بل في الشعوب»

انطون سعاده

 

لم يسبق لنوافذ البيت اللبناني ان تلطخت بالدماء على النحو الذي فعله بها الدم السوري الذي لم يتوقف عن النزف والتدفق في الشوارع منذ خمسة أشهر.

ولا يرى اللبنانيون الذين يُعتبرون الأكثر تعاطفاً مع الشعب السوري، سواء الذين منهم يعتبرون ان السوريين واللبنانيين هم شعب واحد في دولتين، او شعبان شقيقان في بلدين مستقلين، لا يرون ان ما يجري يؤدي إلى إصلاح النظام او إسقاطه. بل هم يجدون في وجوهه العنفية، سواء من جانب المتمردين على النظام والرافضين له، ام من جانب الجيش السوري وقوات حفظ النظام، اغتيالاً لأي مشروع للإصلاح والتغيير. وهذا يسرّ قلوب أعداء سورية والعرب، وفي مقدمهم إسرائيل التي طالما حلمت بنشوب نزاعات بين السوريين ذات طابع طائفي ومذهبي، من شأنها إفقاد مناعة وطنهم حيال المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة، والهادف إلى السيطرة على سورية، وفك تحالفها مع إيران وارتباطها بالمقاومة في لبنان، تمهيداً للانتقال بها إلى اتفاق «كمب ديفيد سوري»، على غرار «كمب ديفيد المصري» الذي اخرج من حلبة المواجهة مع العدو الإسرائيلي أكبر دولة عربية هي مصر. ثم تبعها الأردن بمعاهدة وادي عربة.

ومع تطبيع دول الخليج العربي علاقاتها مع إسرائيل، لم يبق امام هذه سوى محاصرة سوريا ومعها إيران و«حزب الله» للسيطرة الكاملة على المنطقة، وفرض الحل الإسرائيلي في فلسطين من طريق توسيع الاستيطان وتثبيت يهودية الدولة، وحصر الفلسطينيين في كيان مقطّع الأوصال ومحاصر بالمستوطنات، فضلاً عن شطب حق العودة الذي ينصّ عليه قرار الأمم المتحدة رقم 194، وفرض توطين الفلسطينيين في الدول التي استضافتهم منذ عام 1948، وفي مقدّمها لبنان الذي سيفقد قدرته على رفض التوطين في حال القضاء على منظومة سوريا ـ إيران ـ «حزب الله».

فإذا ما نظرنا إلى الشارع الذي نقف مع أهله المسالمين في المطالبة بالحرية والكرامة والعمل والأمل بالمستقبل، فضلاً عن مكافحة الفساد وإنهاء حكم الحزب الواحد، القائد والمرشد، فماذا نجد؟ بل ماذا يقدم إلينا الإعلام، على تنوعه وتعدده، إعلام «الثوار»، وإعلام الدولة، والإعلام المحرض على الفتنة والقتل؟

نجد مسلحين يطلقون النار على رجال الأمن وقوى الجيش. ودبابات وناقلات جند تدخل المدن وتطلق النار على «المتمردين»، المسلحين منهم، وهم قلة، والمسالمين المظلومين. يسقط ضحايا من الفريقين يومياً وبالعشرات.

إنه شعب يُدفع إلى الانتحار! بالطبع هذه ليست سوريا. وهذا ليس شعبها. وحتى الجيش ليس هو جيشها. لأن هذا في الاصل هو جيش الشعب، ومن أجل حمايته من العدو، وليس من أجل قتل أبنائه وإراقة دمائهم في الشوارع.

ويقول خبراء في النظام السوري، إن هذا النظام المركزي الحديدي، وغير الديموقراطي، لا يمكن أن يسمح لنفسه بأن يوحي لأخصامه بأنه ضعيف، خوفاً من انقضاضهم عليه. وان وقوف الجيش بجانبه يحصّنه حيال ما يفرض عليه. وان هذا النظام صامد إلى الآن، ما دام الجيش متماسكاً، وما دامت أكثرية الشعب مع الرئيس.

ويستشهد أصحاب هذه النظرية بالقول إن تعداد الشعب السوري هو 23 مليون نسمة، فإذا تظاهر منهم مليون او مليونان، يبقى هناك 21 مليوناً. ويضيفون ان الاعلام المعادي للنظام يضخم الأحداث، علماً بأن الأكثرية الساحقة من السوريين هي مع الإصلاح المـــتدرج، لان الانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية يتطلب الكثير من الوقت والجهد والتضحيات. كما ان السوريين الذين تعودوا النظام المدني العلماني لن يقبلوا بأن يُفرض عليهم نظام بديل ذو توجه إسلامي.

وفي اعتقاد هؤلاء ان الرئيس الأسد قدم أقصى ما يمكن ان يسمح به الوضع وان ما يطرحه هو ثورة على النظام من داخله، والاختبار الاهم له سيكون مع إجـــراء اول انتخــــابات نيـــابية في ظل هيئة مستقلة للاشراف عليها، مع تأسيس أحزاب ديموقراطية مدنية معارضة، وقيام صحافة حرة ومستقلة.

والآن، ماذا بعد الموقفين السعودي والخليجي، ونتائج زيارة وزير الخارجية التركي لدمشق؟

الجواب بسيط: وقف العنف من جانب المتمردين، لتتوقف حجج الجيش في استعمال القوة مع المتظاهرين وإطلاق المعتقلين، وإفساح المجال امام المعارضة السياسية العقلانية للدخول في حوار مع النظام المضطر للاعتراف بها. وهو حوار كان مطلوباً قبل خمسة أشهر.

وممنوع، اليوم وغداً وبعده، ان تضعف سوريا. كما ممنوع تعريض شعبها للقتل.

وممنوع أيضاً زعزعة استقرارها، لأنه «أساسي لاستقرار المنطقة»، على ما قال وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو.

إن سوريا قوية بشعبها وجيشها. وإن بلداً مثل سوريا، مشهودة لها مواقفها القومية وتضحياتها في سبيل قضايا العرب، ولا سيما في لبنان وفلسطين، لا تقارب بالتهديد ولا بالعقوبات، بل بمساعدتها والوقوف بجانبها في معالجة مشاكلها، وهي لقادرة على ذلك، وتدرك مسؤولياتها الوطنية والقومية.

         

السفير /ادمون صعب

 

  • فريق ماسة
  • 2011-08-10
  • 8033
  • من الأرشيف

حماة الديار عليكم سلام...

«إن الخلاص لا يُبحث عنه في الحكومات بل في الشعوب» انطون سعاده   لم يسبق لنوافذ البيت اللبناني ان تلطخت بالدماء على النحو الذي فعله بها الدم السوري الذي لم يتوقف عن النزف والتدفق في الشوارع منذ خمسة أشهر. ولا يرى اللبنانيون الذين يُعتبرون الأكثر تعاطفاً مع الشعب السوري، سواء الذين منهم يعتبرون ان السوريين واللبنانيين هم شعب واحد في دولتين، او شعبان شقيقان في بلدين مستقلين، لا يرون ان ما يجري يؤدي إلى إصلاح النظام او إسقاطه. بل هم يجدون في وجوهه العنفية، سواء من جانب المتمردين على النظام والرافضين له، ام من جانب الجيش السوري وقوات حفظ النظام، اغتيالاً لأي مشروع للإصلاح والتغيير. وهذا يسرّ قلوب أعداء سورية والعرب، وفي مقدمهم إسرائيل التي طالما حلمت بنشوب نزاعات بين السوريين ذات طابع طائفي ومذهبي، من شأنها إفقاد مناعة وطنهم حيال المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي في المنطقة، والهادف إلى السيطرة على سورية، وفك تحالفها مع إيران وارتباطها بالمقاومة في لبنان، تمهيداً للانتقال بها إلى اتفاق «كمب ديفيد سوري»، على غرار «كمب ديفيد المصري» الذي اخرج من حلبة المواجهة مع العدو الإسرائيلي أكبر دولة عربية هي مصر. ثم تبعها الأردن بمعاهدة وادي عربة. ومع تطبيع دول الخليج العربي علاقاتها مع إسرائيل، لم يبق امام هذه سوى محاصرة سوريا ومعها إيران و«حزب الله» للسيطرة الكاملة على المنطقة، وفرض الحل الإسرائيلي في فلسطين من طريق توسيع الاستيطان وتثبيت يهودية الدولة، وحصر الفلسطينيين في كيان مقطّع الأوصال ومحاصر بالمستوطنات، فضلاً عن شطب حق العودة الذي ينصّ عليه قرار الأمم المتحدة رقم 194، وفرض توطين الفلسطينيين في الدول التي استضافتهم منذ عام 1948، وفي مقدّمها لبنان الذي سيفقد قدرته على رفض التوطين في حال القضاء على منظومة سوريا ـ إيران ـ «حزب الله». فإذا ما نظرنا إلى الشارع الذي نقف مع أهله المسالمين في المطالبة بالحرية والكرامة والعمل والأمل بالمستقبل، فضلاً عن مكافحة الفساد وإنهاء حكم الحزب الواحد، القائد والمرشد، فماذا نجد؟ بل ماذا يقدم إلينا الإعلام، على تنوعه وتعدده، إعلام «الثوار»، وإعلام الدولة، والإعلام المحرض على الفتنة والقتل؟ نجد مسلحين يطلقون النار على رجال الأمن وقوى الجيش. ودبابات وناقلات جند تدخل المدن وتطلق النار على «المتمردين»، المسلحين منهم، وهم قلة، والمسالمين المظلومين. يسقط ضحايا من الفريقين يومياً وبالعشرات. إنه شعب يُدفع إلى الانتحار! بالطبع هذه ليست سوريا. وهذا ليس شعبها. وحتى الجيش ليس هو جيشها. لأن هذا في الاصل هو جيش الشعب، ومن أجل حمايته من العدو، وليس من أجل قتل أبنائه وإراقة دمائهم في الشوارع. ويقول خبراء في النظام السوري، إن هذا النظام المركزي الحديدي، وغير الديموقراطي، لا يمكن أن يسمح لنفسه بأن يوحي لأخصامه بأنه ضعيف، خوفاً من انقضاضهم عليه. وان وقوف الجيش بجانبه يحصّنه حيال ما يفرض عليه. وان هذا النظام صامد إلى الآن، ما دام الجيش متماسكاً، وما دامت أكثرية الشعب مع الرئيس. ويستشهد أصحاب هذه النظرية بالقول إن تعداد الشعب السوري هو 23 مليون نسمة، فإذا تظاهر منهم مليون او مليونان، يبقى هناك 21 مليوناً. ويضيفون ان الاعلام المعادي للنظام يضخم الأحداث، علماً بأن الأكثرية الساحقة من السوريين هي مع الإصلاح المـــتدرج، لان الانتقال من الديكتاتورية إلى الديموقراطية يتطلب الكثير من الوقت والجهد والتضحيات. كما ان السوريين الذين تعودوا النظام المدني العلماني لن يقبلوا بأن يُفرض عليهم نظام بديل ذو توجه إسلامي. وفي اعتقاد هؤلاء ان الرئيس الأسد قدم أقصى ما يمكن ان يسمح به الوضع وان ما يطرحه هو ثورة على النظام من داخله، والاختبار الاهم له سيكون مع إجـــراء اول انتخــــابات نيـــابية في ظل هيئة مستقلة للاشراف عليها، مع تأسيس أحزاب ديموقراطية مدنية معارضة، وقيام صحافة حرة ومستقلة. والآن، ماذا بعد الموقفين السعودي والخليجي، ونتائج زيارة وزير الخارجية التركي لدمشق؟ الجواب بسيط: وقف العنف من جانب المتمردين، لتتوقف حجج الجيش في استعمال القوة مع المتظاهرين وإطلاق المعتقلين، وإفساح المجال امام المعارضة السياسية العقلانية للدخول في حوار مع النظام المضطر للاعتراف بها. وهو حوار كان مطلوباً قبل خمسة أشهر. وممنوع، اليوم وغداً وبعده، ان تضعف سوريا. كما ممنوع تعريض شعبها للقتل. وممنوع أيضاً زعزعة استقرارها، لأنه «أساسي لاستقرار المنطقة»، على ما قال وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو. إن سوريا قوية بشعبها وجيشها. وإن بلداً مثل سوريا، مشهودة لها مواقفها القومية وتضحياتها في سبيل قضايا العرب، ولا سيما في لبنان وفلسطين، لا تقارب بالتهديد ولا بالعقوبات، بل بمساعدتها والوقوف بجانبها في معالجة مشاكلها، وهي لقادرة على ذلك، وتدرك مسؤولياتها الوطنية والقومية.           السفير /ادمون صعب  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة