السفير /ساطع نور الدين

قرار الملك السعودي عبد الله المدوي سحب سفيره من دمشق هو المرادف لإعلان أميركا وأوروبا الغربية أن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته، أو لعله الترجمة العملية للتوجه العالمي الحاسم والمعلن، بممارسة الحد الأقصى من الضغط السياسي على النظام السوري، لوقف حملته العسكرية الضارية على شعبه.

والقرار هو بناء على المعايير السياسية السعودية الدقيقة التي لا تستسيغ تداول فكرة الشرعية أو سحبها أو التشكيك بها أو حتى توكيدها، تحول جوهري في الموقف السعودي من حكم آل الأسد الذين لطالما كانت أسرة عبد العزيز تعتبرهم شركاء وحلفاء ثابتين في اللحظات الحرجة في مواجهة الكثير من الحروب والثورات والصراعات التي شهدتها منطقة الهلال الخصيب على مدى العقود الأربعة الماضية.

وبهذا المعنى يكاد القرار السعودي يوازي تأييد الدعوات إلى إسقاط النظام السوري، على الرغم من أن رسالة الملك عبد الله التاريخية صيغت بعناية شديدة بحيث لا تقطع شعرة معاوية بين الرياض ودمشق، وتمنح آخر سلالة الأسد ما يبدو أنه مهلة أخيرة لإنهاء الأزمة في بلد يعني السعودية أكثر من أي بلد مشرقي آخر، عندما تدعوه إلى وقف القتل والشروع في الإصلاحات التي يطالب بها الشعب السوري.

لكن دوي هذا الموقف السعودي لن يدوم طويلا. فقد سبق للملك عبد الله أن اتخذ مبادرات مشابهة تجاه دول عربية متأزمة مثل اليمن والعراق وفلسطين والسودان وحتى لبنان، من دون أن يكون لها أثر بالغ. بل ضاع معظمها في خضم ما يبدو أنه زلزال يضرب العرب ويفوق قدرة السعودية على الاحتواء. كما أن الحالة السورية أشد تعقيدا من جميع الحالات العربية السابقة، وهو ما توحي به تجارب عربية عديدة سابقة اختبرت فيها الـ«س.س»، لا سيما في الأزمتين اللبنانية والعراقية، وكانت الحصيلة بائسة، لأن القيادة السورية لم تحسن الاستفادة من الفرص لسعودية المتكررة.

الآن، لا يقاتل الأسد من أجل رئاسة لبنان، بل من أجل رئاسة سوريا. وإذا كان قد أهان الملك السعودي شخصيا عندما اتهمه بأنه «نصف رجل»، في أعقاب الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام 2006، فإن رده على التشكيك السعودي المفاجئ بقدرة نظامه على البقاء، سيكون أقسى وأعنف.. بناء على تحليل دقيق هذه المرة، يطمئن الأسد ويدفعه الى المزيد من البطش، مفاده ان العالم العربي والمجتمع الدولي لا يملك القدرة، ولا الرغبة، على التدخل في سوريا، وبالتالي لا يملك القدرة على التأثير في مجرى الصراع على رئاسته، الذي يمكن أن تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة والأساليب المحرمة.

لن يصمد القرار السعودي كثيراً، لأن الرد السوري عليه قد يكون أقسى من الرد الأخير على الموقف التركي. ثمة معضلة جدية في دمشق وفي سلوك الأسد الذي يتصرف الآن بطريقة انتحارية أخطر بكثير من تلك التي اعتمدها في العام 2004 عندما عمد إلى تحدي العالم كله من أجل التمديد للرئيس السابق اميل لحود، ودفع في النهاية ثمنا باهظا لهذا الخيار الأخرق.

 

  • فريق ماسة
  • 2011-08-08
  • 10994
  • من الأرشيف

صرخة سعودية....بقلم ساطع نور الدين

السفير /ساطع نور الدين قرار الملك السعودي عبد الله المدوي سحب سفيره من دمشق هو المرادف لإعلان أميركا وأوروبا الغربية أن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته، أو لعله الترجمة العملية للتوجه العالمي الحاسم والمعلن، بممارسة الحد الأقصى من الضغط السياسي على النظام السوري، لوقف حملته العسكرية الضارية على شعبه. والقرار هو بناء على المعايير السياسية السعودية الدقيقة التي لا تستسيغ تداول فكرة الشرعية أو سحبها أو التشكيك بها أو حتى توكيدها، تحول جوهري في الموقف السعودي من حكم آل الأسد الذين لطالما كانت أسرة عبد العزيز تعتبرهم شركاء وحلفاء ثابتين في اللحظات الحرجة في مواجهة الكثير من الحروب والثورات والصراعات التي شهدتها منطقة الهلال الخصيب على مدى العقود الأربعة الماضية. وبهذا المعنى يكاد القرار السعودي يوازي تأييد الدعوات إلى إسقاط النظام السوري، على الرغم من أن رسالة الملك عبد الله التاريخية صيغت بعناية شديدة بحيث لا تقطع شعرة معاوية بين الرياض ودمشق، وتمنح آخر سلالة الأسد ما يبدو أنه مهلة أخيرة لإنهاء الأزمة في بلد يعني السعودية أكثر من أي بلد مشرقي آخر، عندما تدعوه إلى وقف القتل والشروع في الإصلاحات التي يطالب بها الشعب السوري. لكن دوي هذا الموقف السعودي لن يدوم طويلا. فقد سبق للملك عبد الله أن اتخذ مبادرات مشابهة تجاه دول عربية متأزمة مثل اليمن والعراق وفلسطين والسودان وحتى لبنان، من دون أن يكون لها أثر بالغ. بل ضاع معظمها في خضم ما يبدو أنه زلزال يضرب العرب ويفوق قدرة السعودية على الاحتواء. كما أن الحالة السورية أشد تعقيدا من جميع الحالات العربية السابقة، وهو ما توحي به تجارب عربية عديدة سابقة اختبرت فيها الـ«س.س»، لا سيما في الأزمتين اللبنانية والعراقية، وكانت الحصيلة بائسة، لأن القيادة السورية لم تحسن الاستفادة من الفرص لسعودية المتكررة. الآن، لا يقاتل الأسد من أجل رئاسة لبنان، بل من أجل رئاسة سوريا. وإذا كان قد أهان الملك السعودي شخصيا عندما اتهمه بأنه «نصف رجل»، في أعقاب الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام 2006، فإن رده على التشكيك السعودي المفاجئ بقدرة نظامه على البقاء، سيكون أقسى وأعنف.. بناء على تحليل دقيق هذه المرة، يطمئن الأسد ويدفعه الى المزيد من البطش، مفاده ان العالم العربي والمجتمع الدولي لا يملك القدرة، ولا الرغبة، على التدخل في سوريا، وبالتالي لا يملك القدرة على التأثير في مجرى الصراع على رئاسته، الذي يمكن أن تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة والأساليب المحرمة. لن يصمد القرار السعودي كثيراً، لأن الرد السوري عليه قد يكون أقسى من الرد الأخير على الموقف التركي. ثمة معضلة جدية في دمشق وفي سلوك الأسد الذي يتصرف الآن بطريقة انتحارية أخطر بكثير من تلك التي اعتمدها في العام 2004 عندما عمد إلى تحدي العالم كله من أجل التمديد للرئيس السابق اميل لحود، ودفع في النهاية ثمنا باهظا لهذا الخيار الأخرق.  

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة