دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عسى أن يعود الرئيس سعد الحريري إلى بيروت مطلع الشهر المقبل. فليس مِن على اليخت في المتوسط تحلّ المشاكل في قيادة تيار المستقبل، وليس من مقهى في الساحل الجنوبي لفرنسا يمكن تهدئة الجمهور الأزرق. لكن الأنكى أنّ الحريري «راجع» وعينه ليست على مشاكل تيار المستقبل، وأذنه لا تسمع هواجس قواعده وجمهوره. فهو يعود وكل حواسه مركّزة على خطابه السياسي الذي سيلقيه أمام الصائمين في إفطارات مجمع البيال. ويتبيّن نتيجة النقاشات الداخلية في التيار أنّ الأزمة ليست عند سعد الحريري وقدرته على التواصل مع الناس، بل عند «كومة» المستشارين الذين يرافقونه أينما حلّ للاستمتاع بحرارة الشمس وأناقة الأماكن التي يزورها. وهؤلاء لا يصارحون رئيسهم بحقيقة ما يجري.
في بيروت، وحده الأمين العام أحمد الحريري يعرف الجواب عن السؤال الأهم هذه الأيام: لماذا قرر التيار تجميد النشاطات التي ينظّمها التيار في المناطق. وأحمد هو الوحيد الذي يعرف ما إذا كان الشيخ سعد في أجواء هذا القرار الذي اتخذ بغية التدقيق في حراك منظماته في بيروت وخارجها، بسبب «ضيق الوقت» حيناً وادعاء «عدم وجود منافع من هذا النشاط» حيناً آخر. والأكيد أنّ الإفطارات اليومية التي كان يقيمها التيار في المناطق لن تُنظّم هذا العام، ما يؤدي إلى مركزية «الإفطارات». وفي النتيجة غياب تام لحركة المستقبل.
والغريب أيضاً أن مسؤولي التيار في بيروت لا يقدرون على حسم ما إذا كان زعيمهم يعلم بالأزمات التي تواجهها مؤسساته «الريعية» على امتداد لبنان، وأنّ في الطريق الجديدة وعائشة بكار وطرابلس وعكار والبقاع الغربي تفرغ المستوصفات من الأدوية، وأنّ المراكز الطبية لم تعد قادرة على القيام بخدماتها المعتادة، وأنّ الإعانات التي اعتادت أن تنالها العائلات «المستورة» تقلّصت وانحصرت بمجموعات صغيرة، أو توقّفت عن عدد أكبر منها، وأن أبناء عكار الذين ينتظرون الدعم منذ وقت طويل استفادوا من إعاشات كانت معدّة في الهيئة العليا للإغاثة للنازحين السوريين إلى المناطق الحدودية، ولكن صرفها كان سياسياً كما جرت العادة، بينما تضجّ أحياء صيدا القديمة بالحكايات عن الصدمة التي تصيب عائلات كثيرة كان الرئيس الراحل رفيق الحريري يحرص على أن تمضي شهر رمضان من دون الحاجة إلى «ضمة» بقدونس، فإذا هي تسمع اليوم من يقول لها إن عليها تدبّر أمرها. ثم هناك المعاناة نفسها المتصلة بعدم دفع رواتب الموظفين في مؤسسات المستقبل منذ ما يقارب خمسة أشهر.]
والمشكلة في واقع تيار المستقبل أنّ أحاديث جمهوره وأسئلته لا تصل إلى مسامع الرئيس. فهم يسألون عن كل هذه المصائب التي تضيّق عليهم حياتهم، فيما هو يصرف الملايين على شواطئ أوروبا، والنقمة الشعبية نتيجة هذا الضيق تدفع الجمهور إلى مصارحة قيادته: «هل نحن قادرون على مواجهة حزب الله؟ حزب الله قادر على القتال لأنه متسلّح بناسه، وهو لم يتخلّ عن جمهوره. أما نحن، فماذا فعلتم لنا منذ خمس سنوات حتى اليوم؟».
لا يسمح أيّ مسؤول مستقبلي لنفسه بالردّ على هذه الأسئلة، وهم يتحاشون محاولة إقناع جمهورهم بأنّ «القضية» أكبر من هذا الهمّ المعيشي وتتمحور حول إسقاط سلاح حزب الله والتعويل على سقوط النظام في سوريا ودعم حركات التحرّر العربي. فهؤلاء المسؤولون يعانون أيضاً من الشحّ المالي، وليسوا مقتنعين أصلاً بأداء قيادتهم ورئيسهم.
الحريري، بحسب أجواء المستقبل، قد يعود إلى بيروت بين 5 و12 آب. والرهان وقتذاك سيكون على قرب إعلان مضمون القرار الاتهامي. ومَن بقي من مستشاري الحريري في لبنان يتناقلون في السرّ أنه لم يحسم بعد مسألة عودته، لكونه لا يزال «خائفاً على نفسه من الاغتيال على الطريق الممتدة بين قصر أيّاس والبيال»!
هذه الأجواء المستقبلية تسبّب الإحباط لدى الكوادر الوسطيين في التيار. لكن ما يعلمه هؤلاء المسؤولون هو أنّ قيادتهم تتوّقع سقوط معارضة قوى 14 آذار أمام إنجازات محتملة قد تحقّقها الحكومة، أكان على صعيد خطة الكهرباء، أم عبر بدء تقديم خدمات الجيل الثالث من شبكة الهاتف الخلوي، أم من خلال وضع الحكومة يدها على مشروع النفط البحري. هو إحباط شعبي أم على مستوى القيادة؟ قد يجيب الرئيس الحريري عن هذا السؤال مباشرة من البيال، لكن عبر خدمة «السكايب» الإلكترونية.
المصدر :
نادر فوز- الأخباراللبنانية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة