لن يهدأ بال الأقلية النيابية، إلا عندما تسقط حكومة نجيب ميقاتي وتستعيد مجد سلطة فقدتها. إلا أن السؤال المطروح هل تملك هذه القوى وتحديدا «تيار المستقبل» القدرة على الإطاحة بحكـومة ميـقاتي تبعا لوعـد البريستول وخطباء جلسة الثقة؟

ليس خافياً أن تشكيل الحكومة الميقاتية، احدث صدمة كبرى لدى فريق الحريري وحلفائه، وراحت معه «سكرة» الرهان على استحالة تأليفها، وحلت معه «فكرة» الانقلاب الكامل في الميزان الداخلي، والتي حرّكت نقاشا داخليا خاصة على مستوى تيار المستقبل، واهمية هذا النقاش انه افرز ثلاث وجهات نظر، الاولى، تدعو لاعادة تقييم الاداء ومحاولة الاستفادة من الأخطاء التي حصلت وادت الى الخروج ربما النهائي من السلطة. الثانية، تقول ان حكومة ميقاتي اصبحت امرا واقعا بالنسبة الى لبنان بكل أطيافه، بل بالنسبة الى المجتمع العربي الدولي وينبغي مقاربة الموضوع من هذه الزاوية، وصولا الى عدم استبعاد خيار المهادنة وصولا الى المساومة في الادارة والتوظيفات والتعيينات والقانون الانتخابي وأن يشكل مع ميشال سليمان ووليد جنبلاط حلفا وسطيا.

واما وجهة النظر الثالثة، فيدعو أصحابها الى حرق كل المراكب والمراحل مع ميقاتي وقطع كلّ حبال التواصل معه، والى اشغاله سياسيا وشعبيا وعدم تركه يشعر بالراحة، وبالتالي حشره في الزاوية لاسقاطه وتعريته بالمعنى السني والوطني والعربي والدولي.

وليس خافيا ان اصحاب «منطق الكسر» يراهنون على انتهاء مهلة الثلاثين يوما المتصلة بمذكرات التوقيف بحق افراد من «حزب الله»، ومن ثم صدور قرارات اتهامية اضافية عن مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بيلمار، مقرونة بخطوات تطبيقية واجراءات دولية كالضغط المالي والاقتصادي والمصرفي على غرار قضية «البنك اللبناني ـ الكندي».من الواضح ان وجهة النظر الثالثة هي الراجحة ضمن فريق الحريري وحلفائه في «14 اذار»، الا ان مجرّد انطلاق نقاش معاكس يزيد من صعوبة المعركة التي يريد هذا الفريق ان يصيب من خلالها مقتلا سياسيا في ميقاتي وفريقه السياسي والحكومي، علما أن تلك المعركة ليست سهلة أصلا، لا بل أنها تفتقر إلى أسباب الربح فيها، في ظل مجموعة موانع كبرى تحول دون هذا الربح، ومنها:

أولا، أن الزمن السياسي الراهن ليس كالزمن السياسي والأمني الذي كان سائدا في العام 2005.

ثانيا، أن فريق الأقلية النيابية عموما و«تيار المستقبل» خصوصا، قد أصبحت خارج السلطة وبالتالي فقدت كلّ أذرعتها السياسية والأمنية والإدارية التي تمكنها من استرداد المبادرة ورد الأذى، ولو أن بعضها ما يزال ممسكا بمفاصل أساسية في الدولة، ولكن يمكن محاصرته تدريجيا وشل حركته.

ثالثا، أن المستوى الشعبي اثبت في الأيام الأخيرة انه ليس مستعدا أو راغبا في أن يسير في طريق المواجهة، لا بل انه راغب في الخروج من خلف المتاريس التي ألقي خلفها في السنوات الست الماضية.

رابعا، الاهتزاز الذي أصاب صورة سعد الحريري، جراء غيابه عن البلد وعن فريقه وعن جمهور «المستقبل»، وإذا كانت أقاويل كثيرة تتنازع فريق الحريري حول سر غيابه، دون الوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الغياب المفتوح، إلا أن تلك الأقاويل لم تمنع كثيرين من فريقه من إبداء العتب واتهامه بالاستقالة من المسؤولية.

خامسا، ان الاكثرية الجديدة متماسكة وتلك ابرز عناصر قوتها التي اظهرتها مع تأليف الحكومة اولا، ومع صدور القرار الاتهامي ثانيا، وهو قرار متخذ على أعلى المستويات ولن يتم التفريط به مهما كانت الأسباب.

سادسا، ان نجيب ميقاتي اليوم، هو غير نجيب ميقاتي ما قبل تكليفه رئاسة الحكومة، وقد استطاع في فترة زمنية قصيرة ان يعبر ثلاثة ارباع المحيط في اتجاه ترسيخ «الميقاتية السياسية» في الواقع اللبناني بشكل عام وفي الواقع السني الذي يتفاعل معه بشكل خاص، وقد اثبتت تجربة الاشهر الخمسة الاخيرة انه ليس بالخصم السهل، واستنبط منها عناصر قوة، وابتكر فيها اداء ميقاتيا خاصا تحول فيه من شخصية قادرة على امتصاص الهجمات الى شخصية قادرة على القيام بهجمات مضادة، والنماذج كثيرة من التكليف.. الى «يوم الغضب الشهير» الى التأليف وصولا الى «يوم الغضب المسلح» ومن ثم انجاز البيان الوزاري.. وتلقف القرار الاتهامي واستيعاب اثاره.. ورده الحاسم على بيان البريستول ودفاعه عن موقع الرئاسة الثالثة، واظهاره من حيث يدري أو لا يدري من كان في المقابل يفرّط بذلك الموقع كما بالمحكمة ومقولة العدالة والحقيقة لأجل السلطة والسلطة فقط.. وخير شاهد ورقة سعد الحريري التي يتعهد فيها وقف العمل ببروتوكول المحكمة ووقف تمويلها وســحب القضاة اللبنانيين منها.

ولعل افتقاد فريق الأقلية النيابية للقدرة على تطبيق شعار ترحيل الحكومة ومحاصرتها عربيا ودوليا، جعله يمتشق في جلسة الثقة سلاح التمني على ميقاتي ان يستقيل لينصفه التاريخ والجغرافيا، وكذلك سلاح الاغراء بوعده بالتنعم بجنة الخلد فيما لو تخلى عن خطيئة توليه رئاسة الحكومة.. واما جواب ميقاتي فاقتصر على ابتسامة معبرة رافق فيها تلك التمنيات والوعود، ولم يجد افضل من «شمّ» نفس عميق من زهرة «غاردينيا» استحضرها الى القاعة العامة.

السفير

  • فريق ماسة
  • 2011-07-06
  • 10062
  • من الأرشيف

أقاويل كثيرة تتنازع فريق المستقبل أبرزها "الحريري تخلّى عن مسؤولياته".

  لن يهدأ بال الأقلية النيابية، إلا عندما تسقط حكومة نجيب ميقاتي وتستعيد مجد سلطة فقدتها. إلا أن السؤال المطروح هل تملك هذه القوى وتحديدا «تيار المستقبل» القدرة على الإطاحة بحكـومة ميـقاتي تبعا لوعـد البريستول وخطباء جلسة الثقة؟ ليس خافياً أن تشكيل الحكومة الميقاتية، احدث صدمة كبرى لدى فريق الحريري وحلفائه، وراحت معه «سكرة» الرهان على استحالة تأليفها، وحلت معه «فكرة» الانقلاب الكامل في الميزان الداخلي، والتي حرّكت نقاشا داخليا خاصة على مستوى تيار المستقبل، واهمية هذا النقاش انه افرز ثلاث وجهات نظر، الاولى، تدعو لاعادة تقييم الاداء ومحاولة الاستفادة من الأخطاء التي حصلت وادت الى الخروج ربما النهائي من السلطة. الثانية، تقول ان حكومة ميقاتي اصبحت امرا واقعا بالنسبة الى لبنان بكل أطيافه، بل بالنسبة الى المجتمع العربي الدولي وينبغي مقاربة الموضوع من هذه الزاوية، وصولا الى عدم استبعاد خيار المهادنة وصولا الى المساومة في الادارة والتوظيفات والتعيينات والقانون الانتخابي وأن يشكل مع ميشال سليمان ووليد جنبلاط حلفا وسطيا. واما وجهة النظر الثالثة، فيدعو أصحابها الى حرق كل المراكب والمراحل مع ميقاتي وقطع كلّ حبال التواصل معه، والى اشغاله سياسيا وشعبيا وعدم تركه يشعر بالراحة، وبالتالي حشره في الزاوية لاسقاطه وتعريته بالمعنى السني والوطني والعربي والدولي. وليس خافيا ان اصحاب «منطق الكسر» يراهنون على انتهاء مهلة الثلاثين يوما المتصلة بمذكرات التوقيف بحق افراد من «حزب الله»، ومن ثم صدور قرارات اتهامية اضافية عن مدعي عام المحكمة الدولية دانيال بيلمار، مقرونة بخطوات تطبيقية واجراءات دولية كالضغط المالي والاقتصادي والمصرفي على غرار قضية «البنك اللبناني ـ الكندي».من الواضح ان وجهة النظر الثالثة هي الراجحة ضمن فريق الحريري وحلفائه في «14 اذار»، الا ان مجرّد انطلاق نقاش معاكس يزيد من صعوبة المعركة التي يريد هذا الفريق ان يصيب من خلالها مقتلا سياسيا في ميقاتي وفريقه السياسي والحكومي، علما أن تلك المعركة ليست سهلة أصلا، لا بل أنها تفتقر إلى أسباب الربح فيها، في ظل مجموعة موانع كبرى تحول دون هذا الربح، ومنها: أولا، أن الزمن السياسي الراهن ليس كالزمن السياسي والأمني الذي كان سائدا في العام 2005. ثانيا، أن فريق الأقلية النيابية عموما و«تيار المستقبل» خصوصا، قد أصبحت خارج السلطة وبالتالي فقدت كلّ أذرعتها السياسية والأمنية والإدارية التي تمكنها من استرداد المبادرة ورد الأذى، ولو أن بعضها ما يزال ممسكا بمفاصل أساسية في الدولة، ولكن يمكن محاصرته تدريجيا وشل حركته. ثالثا، أن المستوى الشعبي اثبت في الأيام الأخيرة انه ليس مستعدا أو راغبا في أن يسير في طريق المواجهة، لا بل انه راغب في الخروج من خلف المتاريس التي ألقي خلفها في السنوات الست الماضية. رابعا، الاهتزاز الذي أصاب صورة سعد الحريري، جراء غيابه عن البلد وعن فريقه وعن جمهور «المستقبل»، وإذا كانت أقاويل كثيرة تتنازع فريق الحريري حول سر غيابه، دون الوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الغياب المفتوح، إلا أن تلك الأقاويل لم تمنع كثيرين من فريقه من إبداء العتب واتهامه بالاستقالة من المسؤولية. خامسا، ان الاكثرية الجديدة متماسكة وتلك ابرز عناصر قوتها التي اظهرتها مع تأليف الحكومة اولا، ومع صدور القرار الاتهامي ثانيا، وهو قرار متخذ على أعلى المستويات ولن يتم التفريط به مهما كانت الأسباب. سادسا، ان نجيب ميقاتي اليوم، هو غير نجيب ميقاتي ما قبل تكليفه رئاسة الحكومة، وقد استطاع في فترة زمنية قصيرة ان يعبر ثلاثة ارباع المحيط في اتجاه ترسيخ «الميقاتية السياسية» في الواقع اللبناني بشكل عام وفي الواقع السني الذي يتفاعل معه بشكل خاص، وقد اثبتت تجربة الاشهر الخمسة الاخيرة انه ليس بالخصم السهل، واستنبط منها عناصر قوة، وابتكر فيها اداء ميقاتيا خاصا تحول فيه من شخصية قادرة على امتصاص الهجمات الى شخصية قادرة على القيام بهجمات مضادة، والنماذج كثيرة من التكليف.. الى «يوم الغضب الشهير» الى التأليف وصولا الى «يوم الغضب المسلح» ومن ثم انجاز البيان الوزاري.. وتلقف القرار الاتهامي واستيعاب اثاره.. ورده الحاسم على بيان البريستول ودفاعه عن موقع الرئاسة الثالثة، واظهاره من حيث يدري أو لا يدري من كان في المقابل يفرّط بذلك الموقع كما بالمحكمة ومقولة العدالة والحقيقة لأجل السلطة والسلطة فقط.. وخير شاهد ورقة سعد الحريري التي يتعهد فيها وقف العمل ببروتوكول المحكمة ووقف تمويلها وســحب القضاة اللبنانيين منها. ولعل افتقاد فريق الأقلية النيابية للقدرة على تطبيق شعار ترحيل الحكومة ومحاصرتها عربيا ودوليا، جعله يمتشق في جلسة الثقة سلاح التمني على ميقاتي ان يستقيل لينصفه التاريخ والجغرافيا، وكذلك سلاح الاغراء بوعده بالتنعم بجنة الخلد فيما لو تخلى عن خطيئة توليه رئاسة الحكومة.. واما جواب ميقاتي فاقتصر على ابتسامة معبرة رافق فيها تلك التمنيات والوعود، ولم يجد افضل من «شمّ» نفس عميق من زهرة «غاردينيا» استحضرها الى القاعة العامة. السفير

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة