دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
/سننسى أن أوروبا موجودة على الخارطة/ قالها المعلّم ومشى، أما العالم فوقف مذهولاً لما سمعه، فالغرب لم يكن ليتوقع أن يصمد نظام الأسد بوجه المؤامرة التي تستهدفه من كل حدب وصوب، إلا أن هذا النظام الممانع لم يواجه الهجمة العالمية الشرسة فحسب لا بل تعداها وبدأ هجومه المضاد، ولو لم تنته أعمال الشغب الأمني التي تستهدف القوى الأمنية والأهالي في سوريا، إلا أنه لم يعد يخفى على أحد بأن المرحلة الصعبة تمكّن الأسد ونظامه من اجتيازها بنجاح وبأضرار محدودة جداً والفضل الأكبر في ذلك يعود لوعي الشعب السوري وإدراكه للمؤامرة التي تستهدف الأسس القومية لوطنه، بالإضافة إلى زج النظام الممانع الوحيد المتبقي في المنطقة في آتون الصراعات المذهبية القذرة. إذاً أعلنها وزير الخارجية السوري وهي ليست المرّة الأولى التي يقولها، لا بل سبق له وأعلن الطلاق مع أوروبا إبان اغتيال رفيق الحريري، ودارت الأيام ليعود الغرب زاحفاً إلى دمشق ويطمئن سوريا لنواياه ويستعد وراء الكواليس لتوجيه ضربة غادرة يطيح فيها بالبلاد والعباد.
وقبل المعلّم كان الأسد، وما لم يلتفت له الكثيرون هو توقيت الخطاب ومكانه، ففي التوقيت جاء خطاب الأسد بعد خطاب النصر الذي ألقاه رجب طيّب أردوغان وأهدى فيه بيروت ودمشق فوزه في الانتخابات التركية، مما استدعى رداً سريعاً ومبطناً من الأسد عندما أعلن أن دمشق لا ولن تُحكم إلا من قبل أبنائها الشرفاء وليس من الأدوات التي رهنت نفسها للمشروع التآمري الذي يستهدف سوريا، فأصاب الرئيس السوري عصفورين بحجر واحد محافظاً في الخط نفسه على "شعرة معاوية" مع الأتراك. وفيما يخص المكان فالأسد لم يختر مدرج جامعة دمشق بطريقة اعتباطية، فهذه الجامعة التي تعلّم فيها الرئيس وجلس على مقاعدها لستة سنوات، يبدو أنه يلجأ إليها حين يشعر أن سوريا تتعرض لمؤامرة كبيرة فيتوجه مباشرة للشعب السوري وبخاصة الشباب منه، فخطابه السابق في الجامعة نفسها يعود تاريخه إلى العام 2005، حيث قال آنذاك: "إن بعض القوى الكبرى تريد تصفية حساباتها مع سوريا، وإن سوريا تدفع ثمن تقاسم مصالح هذه الدول"، وذلك عقب اغتيال رفيق الحريري.
وما بين الأسد والمعلّم كانت الأنهر البشرية تجتاح ساحات وشوارع المدن السورية مؤيدة الرئيس والإصلاحات التي أعلنها، منددة بالمؤامرة الخبيثة التي تستهدف المشروع المقاوم والممانع بأسره انطلاقاً من حاضنة المقاومة.
فبدل ضربة معلّم واحدة جاءت ثلاث متتالية لتطيح بآخر آمال الغرب بإسقاط المقاومة في المنطقة. وبصرف النظر عن التصريحات الإعلامية لأوروبا والغرب وتهديداتهم اليومية، ما هي الخطوات العملية التي اتخذها الغرب منذ بداية الأحداث في سوريا وبشكل خاص بعد التطورات الأخيرة التي سبق أن تقدمنا بها؟
من العراق إلى سوريا .. عودة المجموعات التكفيرية
"من خلال التحرك الذي نتابعه منذ أشهر في سوريا يمكننا أن نستخلص أن الأحداث لم تكن بتاتاً وليدة ساعتها، ولا هي بريئة، خاصة وأنّ الأحداث المتنقلة تهدف إلى إنهاك القوى الأمنية وإدخال النظام في حال من الإرباك تمهيداً لإخضاعه. ووفقاً للمعلومات فقد اعتدت المجموعات التكفيرية العائدة من العراق على الجيش السوري ومراكز الشرطة بأمر عمليات صدر بعد الاتفاق الدولي على الانسحاب من بلاد ما بين النهرين، وهنا نلاحظ التبديل في الإستراتيجية الأميركية في بلاد الشام حيث أصبحت تعتمد على إستراتيجية البنتاغون العسكرية، يضاف إليها التقاطع بين أجهزة المخابرات الأميركية ونظيرتها العربية الذي شكّل ذراعاً تنفيذية نقلت المجموعات التكفيرية من العراق إلى داخل سوريا بغية تحويلها إلى أرض محروقة وتبديل المعالم الجغرافية للمنطقة ككل بعد السيطرة الإستراتيجية على كل مقومات الدولة العراقية من اقتصاد ونفط وقدرات بشرية".يقول مدير عام الإستشارية للدراسات الإستراتيجية د. عماد رزق شارحاً الخطوة الأولى في أحداث سوريا.
مراحل المخطط: إرباك ومواجهة مباشرة وتفكيك
د. رزق وفي حديثه إلى موقع قناة المنار فنّد مخطط الغرب إلى ثلاثة مراحل:
1-في المرحلة الأولى كان الهدف إرباك النظام، وقد تحركت هذه الموجة مع الأجواء العامة التي كانت سائدة في تلك المنطقة وهي أجواء التظاهرات والإصلاح وإدخال بعض التحسينات والمطالبة ببعض الحقوق المدنية المحقة، والركيزة الأساسية لهذه المرحلة كانت نشر التظاهرات الصغيرة في أكبر قدر ممكن من المدن والقرى بهدف إنهاك النظام ودفعه إلى إسقاط بعض الأوراق الإقليمية من يده، وتمهيداً للانتقال إلى المرحلة الثانية. وعملية الانتقال هذه بدأت عندما بدأت العصابات باستخدام السلاح وقتل القوى الأمنية.
2-في المرحلة الثانية (الحالية) بدأت عملية نقل الصراع من مرحلة المواجهة غير المباشرة بين النظام والغرب، أي عبر مجموعات التكفير التي كانت تقوم بتنفيذ الأجندة الغربية بالوكالة، إلى مرحلة المواجهة المباشرة، حيث اضطر الغرب إلى إسقاط قناعه وفرض عقوبات على نظام الأسد بحجة الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتهديد بعقوبات أوسع وأشمل لضرب الاقتصاد وتركيع النظام.
3-أما المرحلة الثالثة فقد بدأت معالمها تتضح فعلاً ومن المرجّح أن تتصاعد في نهاية هذا الصيف، فإذا ما استمرت التوازنات الدولية على هذا الشكل ستضرب سوريا موجة ثالثة في أيلول تهدف إلى تفكيك النظام ومعالم الدولة، وما إنزال العلم السوري من قبل المخربين ورفع الأعلام الإسرائيلية والتركية مكانه في بعض المناطق إلا الملامح الأولية التي ترسم شكل المرحلة المقبلة، هذا بالإضافة إلى إشاعة أخبار عن انشقاقات عسكرية ودبلوماسية على مستوى رفيع.
ويضيف د. رزق "كما فشل الغرب في المرحلتين الأولى والثانية أؤكد أنه سيفشل في المرحلة القادمة، لأن الحلفاء والأصدقاء ضمن خيار المقاومة من روسيا إلى الصين إلى إيران والتكتل السياسي الممانع الموجود في لبنان والأصدقاء في أميركا الجنوبية وآسيا، سيشكّلون حاضنة إقليمية ودولية تسقط الرهانات كما سقطت في السابق".
مدفيديف زار دمشق .. فأُخذ القرار بإسقاط سوريا
لا شك أن أميركا تعاطت بذكاء مع الأحداث الأخيرة في المنطقة، وبما يتوافق مع مصلحتها وأمن حليفتها "إسرائيل"، فبعد انهيار نظام حليفها حسني مبارك شنت هجوماً للسيطرة على الثورات من جهة وللقيام بثورات مضادة، فنجحت في بعض الأماكن وفشلت في أخرى. ومنذ هذا التاريخ، أي سقوط مبارك، بدأت الفوضى تدخل سوريا. بيد أن كل ما جرى ويجري وسيجري في سوريا لم ولن يكون وليدة الساعة وإنما جرى التحضير له منذ العام 2005، حيث كانت تلك المرحلة هي مرحلة التمهيد والضغط الدولي على دمشق وتكوين الأرضية المناسبة لإسقاطها مستخدمين سياسة "العصا والجزرة". فكان النظام يتعرض لضغط دولي من ناحية ويرسلون له المبعوثين والموفدين القطريين والأتراك والفرنسيين وغيرهم، كلها كانت أدوار تقوم بها هذه الأدوات للوصول إلى المرحلة الراهنة.
وفي هذا السياق يرى د. رزق أنّ "البداية الحقيقية للمرحلة التي نعيشها اليوم كانت عقب زيارة الرئيس الروسي دمتري مدفيديف إلى دمشق عام 2010 وهي الزيارة الأولى لرئيس روسي إلى سوريا، بعد هذه الزيارة اقتنعت أميركا أن سوريا تتجه إلى الشرق أكثر، ومع الوقت سوف تكون خارج إطار الضغط الدولي عليها، لذلك جرى تسريع عملية الفوضى في سوريا. وأحد المكاسب التي كانت تسعى إليها الولايات المتحدة أيضاً هي عدم تمكين روسيا من إقامة قاعدة بحريّة على البحر المتوسط وهو حلم روسي بدأ منذ أكثر من 300 سنة".
استهداف متعدد الأوجه والأهداف
لذلك ما تتعرض له سوريا اليوم متعدد الأوجه، فبحسب د. رزق هناك "وجه اقليمي" متعلق بالملف الفلسطيني وبالمقاومة في لبنان حيث يُراد فسخ التحالف بين سوريا والمقاومة الفلسطينية واللبنانية، وهناك "وجه استراتيجي" مرتبط بالمشروع الأميركي وبإمكانية عدم تحقيق أي مكسب لأي دولة في المنطقة وبالتحديد لإيران بأن تكون الحاضنة الأساسية لخيار المقاومة، أما في "الوجه الدولي" يمكننا الاعتبار بأن إخراج سوريا من معادلة التوازنات في المنطقة يؤدي إلى إخراج روسيا من منطقة البحر المتوسط، وبالتالي إنهاء أي إمكانية بنشوء توازن قوى في السنوات المقبلة بين روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا الذي يوازي قوة وتمدد الحلف الأطلسي في البحر المتوسط، والذي يمكن اعتباره في الإطار الاستراتيجي مرحلة التحضير للمواجهة الكبرى مع التنين الآسيوي.
وبذلك يمكن اعتبار حرب الاستنزاف التي نشاهدها اليوم على النظام في سوريا "ليس الهدف منها اسقاط النظام فحسب، إنما القضاء على أي إمكانية لأن تكون سوريا حاضنة لهذا التوازن الدولي الذي يمتد باتجاه الشرق، وما صرح به وزير الخارجية السوري منذ عدة أيام يأتي في هذا الإطار عندما قال: يمكن أن ننسى أوروبا ونتجه شرقاً ونحن نملك أصوات الحسم في مجلس الأمن وعبّر عنها بالفيتو، وأشار بأن الفيتو الروسي-الصيني هو جزء من الورقة التي تحمي سوريا خارجياً، وهو قال أيضاً بأن إمكانية تغيير النظام لن تتحقق خاصة بعد هذا الدعم الذي تلقاه سوريا من الأصدقاء الأوفياء لها من الصين وروسيا والعديد من الدول التي لم تؤيد المشروع الأوروبي الهادف إلى إعادة توازنات سايكس-بيكو".
حرب الممرات والبحار الأربعة
ومن ضمن الإستراتيجية الغربية، كان هناك حديث بعد العام 2006 عن حرب الممرات والسيطرة عليها، وعن هذه الاستراتيجية يقول د. رزق: "أحد أهداف الحرب التي خاضتها إسرائيل على المقاومة في لبنان هو السيطرة على الممرات البحرية، وما رأيناه من أعمال قرصنة في الصومال ومن ضرب للكيان في اليمن هو جزء من حرب الممرات، والضغط الحاصل في مضيق هرمز هو جزء من هذه الحرب، وما نشاهده في منطقة البوسفور والدردنيل من تخطيط للسيطرة التركية مستقبلاً هو أيضاً جزء من حرب السيطرة على الممرات البحرية التي تشكّل المنافذ الاقتصادية والعسكرية".
ويتابع د. رزق "ما نشهده اليوم هو ما أعلن عنه الرئيس بشار الأسد عام 2010 بعدة زيارات إلى أرمينيا وأذربيجان وروسيا، حين تحدث عن البحار الأربعة والموقع الاستراتيجي لسوريا الذي يتعرض اليوم لهذا الهجوم، وهذا الضغط الدولي على دمشق هو من ضمن الاستراتيجية الأميركية، وليس الهدف فقط إسقاط هذا النظام إنما السيطرة على سوريا نظراً لموقعها الاستراتيجي الذي يربط موقع البحار الأربع: البحر الأسود عبر الممر التركي الأرميني، البحر المتوسط، البحر الأحمر عبر الأردن، بحر قزوين من خلال ممر العراق-إيران، فالسيطرة على هذه المنطقة الرئيسية التي تعتبر مفصلاً بين آسيا وأوروبا وأفريقيا يؤدي إلى السيطرة على 70% من الإقتصاد العالمي وحركة الملاحة وحركة الطيران وكل ما يمكن اعتباره استراتيجي لقيام ونشوء أي قوّة عالمية وبقائها".
لن تتخلى روسيا عن مواجهة المشروع الرأسمالي
هناك عدة ملفات يهدد بها الغرب سوريا ومن ضمنها الملف النووي الشبيه بملف إيران وكوريا الشمالية، حيث برزت في الآونة الأخيرة رواية تتحدث عن استهداف إسرائيلي لمنشأة نووية كانت تحاول سوريا إقامتها في دير الزور، ومن الملفات المطروحة أيضاً ملف المحكمة الدولية واتهامها باغتيال الرئيس رفيق الحريري، كل هذه الملفات يعتبرها د. رزق "جزء من أوراق الضغط على سوريا التي تفتح عند الطلب، فنحن رأينا كيف بدأت المحكمة الدولية منذ العام 2005 وهي حتى اليوم لم تصل إلى شيء ولم تعلن برنامجها ولا من هم المتهمون أو أي شيء، فقد جرى إنشاء المحاكمة قبل وجود المجرم. لذلك من الناحية الدولية لم تعترض روسيا على عمل المحكمة وكانت تعبّر عن تأييدها لعملها، بمعنى أنها كانت تنتظر ما تخبئه هذه الدول الغربية من أدلة لإدانية المتورطين، تحت هذا السقف ستتعاون روسيا والصين أيضاً، وإذا ظهر أن المحكمة الدولية أداة سياسية للضغط التي تتعرض لها سوريا وإيران والمقاومة في لبنان، فروسيا والصين لن يغيرا في مواقفهما الداعمة لخيار المواجهة والمقاومة بالإطار الدولي وليس بالإطار التكتيكي الذي نعرفه، وستبقى روسيا الحاضنة والداعمة في المحافل الدولية، والصين أيضاً، لخيار مواجهة المشروع الرأسمالي الغربي".
المنار
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة