قبل نهاية الأسبوع الماضي كشف السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى ان مسؤولا في الخارجية الاميركية طلب اليه نقل رسالة الى الرئيس بشار الأسد تتضمن عددا من المطالب مقابل تغيير الموقف الاميركي تجاه النظام. وكان واضحا ان السفير تكتم على تلك المطالب، ولم ينف او يؤكد ما اذا كانت مندرجة في سياق حملة الضغوط على سورية لحملها على تقديم تنازلات في موقفها من قضايا وطنية وإقليمية ولا سيما علاقتها بإيران و«حزب الله» و«حماس».

لكن الوقائع السورية تشي بأن كلام السفير السوري الذي قاله في مدينة ديربورن الاميركية، يتقاطع مع حراك دبلوماسي اميركي ـ اوروبي غير معلن في العاصمة السورية منذ ثلاثة أسابيع، وخاصة بعد احداث جسر الشغور وسقوط الضحايا من الجيش وقوات الامن السورية.

 

وعلى ما تكشف «مصادر ثقة» فإن هذا الحراك الدبلوماسي غير المعلن، قد توّج قبل ايام قليلة بزيارة سرية قام بها مسؤول كبير في وزارة خارجية دولة اوروبية تتصدر جبهة فرض العقوبات على سورية في مجلس الامن الدولي وعلى مستوى الاتحاد الاوروبي، وسعى من خلالها إلى نقل اشارة ايجابية من تلك الدولة الاوروبية تؤكد فيها رغبتها «بعلاقة جيدة لا بل متميزة مع دمشق».

وبحسب ما يؤكد المصدر نفسه، فإن المسؤول الاوروبي فاجأ مضيفيه حينما أعرب عن امل دولته في «ان تتجاوز سوريا الازمة التي تمر بها لتعود الامور الى طبيعتها»، قبل ان يكشف عن «تلقف ايجابي» لخطاب الأسد الأخير في جامعة دمشق، وينقل تمنيات حكومة بلاده «بأن يقترن الخطاب والوعود التي تضمنها بـ«خطوات عملية» سريعة تلغي نهائيا مقولة «الافعال والاقوال»، وذلك لكي لا يشكل التأخير ذريعة تستخدم ضد سورية».

 وبدا أن في جعبة المسؤول الاوروبي المذكور ما هو ابعد من اللغة الودية، فهو يمثل دولة عضوة في الاتحاد الاوروبي ما يفرض عليها الالتزام بما يقرره الاتحاد من خطوات وعقوبات قاسية وخاصة تجاه سورية، وبناء على هذا الالتزام فإن دولته فرضت عقوبات على سورية ومن ضمنها وقف التعاون في مجالات مشتركة، لكن المسؤول المذكور كان صريحا جدا حينما نقل رغبة حكومته واستعدادها لأن تعيد النظر «سرًّا» في قرار وقف التعاون «ولكن بشرط وقف اطلاق النار على المتظاهرين».

وإذا كانت زيارة المسؤول الأوروبي قد عكست في بعض جوانبها «التعاطي الجدي» مع المنحى الإصلاحي للقيادة السورية، فإن الدافع إلى هذا التعاطي وإلى تلك الجدية وإلى الزيارة بحد ذاتها، هو المشهد السوري غداة أحداث جسر الشـغور، وهو الأمر الذي عبر عنه المسؤول الاوروبي بقوله «ان ما جرى في جسر الشـغور كان مشهدا بشعا».

يؤكد المصدر أن ما قاله المسؤول الاوروبي، ليس معزولا عن حركة دبلوماسية انطلقت في العاصمة السورية اثر أحداث جسر الشغور، وانطوت على «تفهّم ضمني» للوضع الذي نشأ واضطرار الجيش السوري للتدخل لحسم الامر، «لأن ما جرى ليس تظاهرة سلمية بل جريمة أدت الى مقتل أكثر من مئة أمني فضلا عن اكتشاف مقبرة جماعية، ولكن المهم أيضا اتخاذ إجراءات تحول دون تعريض حياة المدنيين العزل لأي خطر».

ولعل القاسم المشترك بين الرسائل المتتالية التي تلقتها دمشق من جهات خارجية وتحديدا أميركية وأوروبية، بالاضافة الى عضو الكونغرس الأميركي النائب دنيس كوسينيتش والنائب البريطاني بروكس نيومارك هو الآتي:

 

أولا: ليس لدى الإدارة الأميركية تحديدا، اية خطط لتغيير النظام في سورية. كما لا توجد اية نية لأحد من الأوروبيين في ملاقاة أي توجه من هذا النوع. وثمة اشارة بالغة الدلالة اطلقها قبل ايام امين عام حلف شمال الأطلسي من أن الحلف لا يعتزم التدخل في الشؤون السورية، ولا ينوي شن عمليات عسكرية على سورية مماثلة لتلك التي قادها على ليبيا منذ ثلاثة أشهر.

ثانيا: ان النظام امام امتحان إثبات مصداقيته، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولدينا قناعة تامة بأنه ليس في الامكان حل كل الملفات في وقت واحد، ولكن يجب البدء من «نقطة ما»، وإرسال اشارات ايجابية فورية بوقف اطلاق النار على التظاهرات السلمية.

ثالثا: لا حل الا بإطلاق العملية السلمية في سورية، خاصة ان ما يحصل هو نتيجة طبيعية ومباشرة لبطء العملية السياسية وتأخر اطلاق الحوار الوطني، فالظرف استثنائي يتطلب اجراءات استثنائية، من شأنها ان تؤدي الى الاصلاح المنشود فيها.

رابعا: اذا كان الحوار الذي أعلنه الرئيس بشار الاسد قد بات يشكل اولوية ملحة، فإن الأهم هو ان يشرف الرئيس السوري مباشرة على هذا الحوار وعلى إدارته شخصيا، لا أن يتم اسناد تلك المهمة الى آخرين يمكن أن يدخلوه في غياهب التمييع وتقطيع الوقت، قبل أن يصار إلى إعادة المعارضين (المحاورين) إلى السجون.

خامسا: ثمة تمييز بين المعارضة المعتدلة وبين المعارضة المتطرفة، وما قام به المتطرفون من انتهاك لحرمات بعض الكنائس من خلال الكتابة على جدرانها، وغيرها من التصرفات، يحفز على جذب المعارضة المعتدلة وتقويتها لكي تقوم بدورها مع الحكومة في مواجهة المتطرفين.

سادسا: اننا اذ نشجع المعارضة المعتدلة على البدء بحوار جاد مع النظام السوري، نؤكد ان هذه المعارضة عبرت عن اهتمامها بالحوار وبالحل السياسي مدخلا للاستقرار الذي يريده الجميع..

سابعا: ان تغيير النظام ليس بندا للحوار، وهناك تأكيدات ان من سيشارك في هذا الحوار هو معارضة الداخل حصرا، ولن يشارك احد من معارضة الخارج، وتحديدا تنظيم «الإخوان المسلمين».

ثامنا: ان الأداء الامني وإن كان مبررا في بعض الحالات، ولكنه في معظم الحالات كان المساهم الرئيسي في مفاقمة الامور وتوتيرها.

تاسعا: ان الاستقرار السياسي في دمشق من شأنه ان يعيد الاستقرار الاقتصادي والامني والاجتماعي، لكن الشلل الاقتصادي الذي تشهده سوريا خطير ومن شأن استمراره ان يفرز تداعيات اكثر خطورة، ولذلك هناك مصلحة لا سياسية وحسب بل اقتصادية في نجاح الحوار بما يؤدي الى فتح آفاق الاستقرار السياسي.

  • فريق ماسة
  • 2011-06-27
  • 11600
  • من الأرشيف

عواصم غربية تهاجم سوريا علناً.. وتتودّد إليها سرًّا! . ماذا فعل المسؤول الأوروبي في دمشق قبل أيام قليلة؟

  قبل نهاية الأسبوع الماضي كشف السفير السوري في واشنطن عماد مصطفى ان مسؤولا في الخارجية الاميركية طلب اليه نقل رسالة الى الرئيس بشار الأسد تتضمن عددا من المطالب مقابل تغيير الموقف الاميركي تجاه النظام. وكان واضحا ان السفير تكتم على تلك المطالب، ولم ينف او يؤكد ما اذا كانت مندرجة في سياق حملة الضغوط على سورية لحملها على تقديم تنازلات في موقفها من قضايا وطنية وإقليمية ولا سيما علاقتها بإيران و«حزب الله» و«حماس». لكن الوقائع السورية تشي بأن كلام السفير السوري الذي قاله في مدينة ديربورن الاميركية، يتقاطع مع حراك دبلوماسي اميركي ـ اوروبي غير معلن في العاصمة السورية منذ ثلاثة أسابيع، وخاصة بعد احداث جسر الشغور وسقوط الضحايا من الجيش وقوات الامن السورية.   وعلى ما تكشف «مصادر ثقة» فإن هذا الحراك الدبلوماسي غير المعلن، قد توّج قبل ايام قليلة بزيارة سرية قام بها مسؤول كبير في وزارة خارجية دولة اوروبية تتصدر جبهة فرض العقوبات على سورية في مجلس الامن الدولي وعلى مستوى الاتحاد الاوروبي، وسعى من خلالها إلى نقل اشارة ايجابية من تلك الدولة الاوروبية تؤكد فيها رغبتها «بعلاقة جيدة لا بل متميزة مع دمشق». وبحسب ما يؤكد المصدر نفسه، فإن المسؤول الاوروبي فاجأ مضيفيه حينما أعرب عن امل دولته في «ان تتجاوز سوريا الازمة التي تمر بها لتعود الامور الى طبيعتها»، قبل ان يكشف عن «تلقف ايجابي» لخطاب الأسد الأخير في جامعة دمشق، وينقل تمنيات حكومة بلاده «بأن يقترن الخطاب والوعود التي تضمنها بـ«خطوات عملية» سريعة تلغي نهائيا مقولة «الافعال والاقوال»، وذلك لكي لا يشكل التأخير ذريعة تستخدم ضد سورية».  وبدا أن في جعبة المسؤول الاوروبي المذكور ما هو ابعد من اللغة الودية، فهو يمثل دولة عضوة في الاتحاد الاوروبي ما يفرض عليها الالتزام بما يقرره الاتحاد من خطوات وعقوبات قاسية وخاصة تجاه سورية، وبناء على هذا الالتزام فإن دولته فرضت عقوبات على سورية ومن ضمنها وقف التعاون في مجالات مشتركة، لكن المسؤول المذكور كان صريحا جدا حينما نقل رغبة حكومته واستعدادها لأن تعيد النظر «سرًّا» في قرار وقف التعاون «ولكن بشرط وقف اطلاق النار على المتظاهرين». وإذا كانت زيارة المسؤول الأوروبي قد عكست في بعض جوانبها «التعاطي الجدي» مع المنحى الإصلاحي للقيادة السورية، فإن الدافع إلى هذا التعاطي وإلى تلك الجدية وإلى الزيارة بحد ذاتها، هو المشهد السوري غداة أحداث جسر الشـغور، وهو الأمر الذي عبر عنه المسؤول الاوروبي بقوله «ان ما جرى في جسر الشـغور كان مشهدا بشعا». يؤكد المصدر أن ما قاله المسؤول الاوروبي، ليس معزولا عن حركة دبلوماسية انطلقت في العاصمة السورية اثر أحداث جسر الشغور، وانطوت على «تفهّم ضمني» للوضع الذي نشأ واضطرار الجيش السوري للتدخل لحسم الامر، «لأن ما جرى ليس تظاهرة سلمية بل جريمة أدت الى مقتل أكثر من مئة أمني فضلا عن اكتشاف مقبرة جماعية، ولكن المهم أيضا اتخاذ إجراءات تحول دون تعريض حياة المدنيين العزل لأي خطر». ولعل القاسم المشترك بين الرسائل المتتالية التي تلقتها دمشق من جهات خارجية وتحديدا أميركية وأوروبية، بالاضافة الى عضو الكونغرس الأميركي النائب دنيس كوسينيتش والنائب البريطاني بروكس نيومارك هو الآتي:   أولا: ليس لدى الإدارة الأميركية تحديدا، اية خطط لتغيير النظام في سورية. كما لا توجد اية نية لأحد من الأوروبيين في ملاقاة أي توجه من هذا النوع. وثمة اشارة بالغة الدلالة اطلقها قبل ايام امين عام حلف شمال الأطلسي من أن الحلف لا يعتزم التدخل في الشؤون السورية، ولا ينوي شن عمليات عسكرية على سورية مماثلة لتلك التي قادها على ليبيا منذ ثلاثة أشهر. ثانيا: ان النظام امام امتحان إثبات مصداقيته، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ولدينا قناعة تامة بأنه ليس في الامكان حل كل الملفات في وقت واحد، ولكن يجب البدء من «نقطة ما»، وإرسال اشارات ايجابية فورية بوقف اطلاق النار على التظاهرات السلمية. ثالثا: لا حل الا بإطلاق العملية السلمية في سورية، خاصة ان ما يحصل هو نتيجة طبيعية ومباشرة لبطء العملية السياسية وتأخر اطلاق الحوار الوطني، فالظرف استثنائي يتطلب اجراءات استثنائية، من شأنها ان تؤدي الى الاصلاح المنشود فيها. رابعا: اذا كان الحوار الذي أعلنه الرئيس بشار الاسد قد بات يشكل اولوية ملحة، فإن الأهم هو ان يشرف الرئيس السوري مباشرة على هذا الحوار وعلى إدارته شخصيا، لا أن يتم اسناد تلك المهمة الى آخرين يمكن أن يدخلوه في غياهب التمييع وتقطيع الوقت، قبل أن يصار إلى إعادة المعارضين (المحاورين) إلى السجون. خامسا: ثمة تمييز بين المعارضة المعتدلة وبين المعارضة المتطرفة، وما قام به المتطرفون من انتهاك لحرمات بعض الكنائس من خلال الكتابة على جدرانها، وغيرها من التصرفات، يحفز على جذب المعارضة المعتدلة وتقويتها لكي تقوم بدورها مع الحكومة في مواجهة المتطرفين. سادسا: اننا اذ نشجع المعارضة المعتدلة على البدء بحوار جاد مع النظام السوري، نؤكد ان هذه المعارضة عبرت عن اهتمامها بالحوار وبالحل السياسي مدخلا للاستقرار الذي يريده الجميع.. سابعا: ان تغيير النظام ليس بندا للحوار، وهناك تأكيدات ان من سيشارك في هذا الحوار هو معارضة الداخل حصرا، ولن يشارك احد من معارضة الخارج، وتحديدا تنظيم «الإخوان المسلمين». ثامنا: ان الأداء الامني وإن كان مبررا في بعض الحالات، ولكنه في معظم الحالات كان المساهم الرئيسي في مفاقمة الامور وتوتيرها. تاسعا: ان الاستقرار السياسي في دمشق من شأنه ان يعيد الاستقرار الاقتصادي والامني والاجتماعي، لكن الشلل الاقتصادي الذي تشهده سوريا خطير ومن شأن استمراره ان يفرز تداعيات اكثر خطورة، ولذلك هناك مصلحة لا سياسية وحسب بل اقتصادية في نجاح الحوار بما يؤدي الى فتح آفاق الاستقرار السياسي.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة