"لم يعد أهالي "حارة الضبع" على قلب رجل واحد". هذا ما افتتحت به قناة "الجزيرة" تقريرها الاثنين الماضي حول "انقسام" بين فناني الدراما السورية، موردةً مشاهد من مسلسل "باب الحارة" رغبةً منها في تنميط الوضع السوري على أن أحداثه بمثابة سيناريو لجزء سادس من المسلسل. بدا أسلوب القناة القطرية في مخاطبة الرأي العام غريبا قياساً الى طبيعة التقارير الإخبارية التي تقدمها عادةً، ويرتكز الى تكتيك مغاير في التعامل مع الحدث السوري، معولة على شعبية هذا المسلسل، وشهرة نجومه.

لكن المفارقة التي طرحها التقرير هي أن هذا التنميط الجديد عبر استخدام المادة الدرامية في النشرات الإخبارية، يشي بتطور دراماتيكي داخل القناة إزاء الأحداث في سورية، ورغبة قناة "الرأي والرأي الآخر" في التأثير على الرأي العام السوري قبل غيره، بالابتعاد هذه المرة عن جفاف التقارير الإخبارية وجمودها في نقل الخبر السياسي. حدث ذلك بانتقاء تقرير "الجزيرة" مشاهد من مقابلات أجرتها كل من الفضائية السورية، وقناة "الدنيا" مع ممثلين سوريين بُعيد البيان الذي وجهه بعضهم إلى الحكومة السورية من أجل "أطفال درعا" لينتهي التقرير الذي أعده الزميل ماجد عبد الهادي باقتطاع مشاهد من مقابلة للفنان دريد لحام على قناة "ان بي ان" اللبنانية، يقول فيها صاحب شخصية "غوار الطوشة" ان "مهمة الجيش العربي السوري هي حماية الحدود وحفظ السلم الأهلي". لكن تقرير "الجزيرة" يصف كلام لحام بأنه مخيب لآمال من أحبوه، ومغاير لمسيرته الفنية. ثم دمج التقرير مجدداً بين المقابلة في "ان بي ان" وبين المشهد الختامي لمسرحية "كاسك يا وطن" التي يرد فيها "غوار" على سؤال أبيه الشهيد: "والله يا أبي مو ناقصنا غير شوية كرامة" دون أن يكمل التقرير أن كلام "غوار" في المسرحية كان من أجل فلسطين.

هكذا تتكشف دفعةً واحدة أجندة القناة التي تختبئ مجدداً وراء ثنائية "الرأي والرأي الآخر". فكيف تبرر "الجزيرة" لمشاهديها هذه الانتقائية في إيراد أخبارها، وصناعة تقاريرها، وهل أصبح الشعب السوري بتنوعه الثقافي والاجتماعي لديها بمثابة "أهالي حارة الضبع"؟ ماذا هبط على "قريحة المدراء التنفيذيين في القناة ليلجأوا إلى استعارة "باب الحارة" على هذا النحو؟ وهل يحق للقناة تقديم شهادات سلوك ووطنية لفنان من قامة دريد لحام، أو الفنانة منى واصف؟ فتقدم وصفات جاهزة تارة لموقف وطني وطورا لموقف مخيب للآمال، وتلعب على وتر تخوين فئة وتبرئة أخرى، فيما ترفع جهاراً شعار "الرأي والرأي الآخر" كأسطورة إعلامية معاصرة في عالم الميديا العربية. السؤال الجوهري في تقرير "حارة الضبع" هو اختيار "الجزيرة" هذا المسلسل بالذات، متجاهلة أن هذا النوع من الدراما قُدم وفق مسطرة الأموال الخليجية التي أنتجته كمعظم أعمال البيئة الشامية. وهو في عرف معظم السوريين لا يقدم سوى صورة مشوهة عن واقع مجتمعهم، لنصبح أمام مغالطة جديدة من مغالطات القناة القطرية التي على ما يبدو ترى في الحدث السوري فرصة لنمذجة الجميع وفق مزاج المال النفطي الجاهل!

  • فريق ماسة
  • 2011-05-18
  • 9781
  • من الأرشيف

الجزيرة توزع الوطنية على الفنانين السوريين في جزء سادس من باب الحارة...دريد لحام خيب امال من أحبوه ومنى واصف أم جوزيف في الحقيقة

"لم يعد أهالي "حارة الضبع" على قلب رجل واحد". هذا ما افتتحت به قناة "الجزيرة" تقريرها الاثنين الماضي حول "انقسام" بين فناني الدراما السورية، موردةً مشاهد من مسلسل "باب الحارة" رغبةً منها في تنميط الوضع السوري على أن أحداثه بمثابة سيناريو لجزء سادس من المسلسل. بدا أسلوب القناة القطرية في مخاطبة الرأي العام غريبا قياساً الى طبيعة التقارير الإخبارية التي تقدمها عادةً، ويرتكز الى تكتيك مغاير في التعامل مع الحدث السوري، معولة على شعبية هذا المسلسل، وشهرة نجومه. لكن المفارقة التي طرحها التقرير هي أن هذا التنميط الجديد عبر استخدام المادة الدرامية في النشرات الإخبارية، يشي بتطور دراماتيكي داخل القناة إزاء الأحداث في سورية، ورغبة قناة "الرأي والرأي الآخر" في التأثير على الرأي العام السوري قبل غيره، بالابتعاد هذه المرة عن جفاف التقارير الإخبارية وجمودها في نقل الخبر السياسي. حدث ذلك بانتقاء تقرير "الجزيرة" مشاهد من مقابلات أجرتها كل من الفضائية السورية، وقناة "الدنيا" مع ممثلين سوريين بُعيد البيان الذي وجهه بعضهم إلى الحكومة السورية من أجل "أطفال درعا" لينتهي التقرير الذي أعده الزميل ماجد عبد الهادي باقتطاع مشاهد من مقابلة للفنان دريد لحام على قناة "ان بي ان" اللبنانية، يقول فيها صاحب شخصية "غوار الطوشة" ان "مهمة الجيش العربي السوري هي حماية الحدود وحفظ السلم الأهلي". لكن تقرير "الجزيرة" يصف كلام لحام بأنه مخيب لآمال من أحبوه، ومغاير لمسيرته الفنية. ثم دمج التقرير مجدداً بين المقابلة في "ان بي ان" وبين المشهد الختامي لمسرحية "كاسك يا وطن" التي يرد فيها "غوار" على سؤال أبيه الشهيد: "والله يا أبي مو ناقصنا غير شوية كرامة" دون أن يكمل التقرير أن كلام "غوار" في المسرحية كان من أجل فلسطين. هكذا تتكشف دفعةً واحدة أجندة القناة التي تختبئ مجدداً وراء ثنائية "الرأي والرأي الآخر". فكيف تبرر "الجزيرة" لمشاهديها هذه الانتقائية في إيراد أخبارها، وصناعة تقاريرها، وهل أصبح الشعب السوري بتنوعه الثقافي والاجتماعي لديها بمثابة "أهالي حارة الضبع"؟ ماذا هبط على "قريحة المدراء التنفيذيين في القناة ليلجأوا إلى استعارة "باب الحارة" على هذا النحو؟ وهل يحق للقناة تقديم شهادات سلوك ووطنية لفنان من قامة دريد لحام، أو الفنانة منى واصف؟ فتقدم وصفات جاهزة تارة لموقف وطني وطورا لموقف مخيب للآمال، وتلعب على وتر تخوين فئة وتبرئة أخرى، فيما ترفع جهاراً شعار "الرأي والرأي الآخر" كأسطورة إعلامية معاصرة في عالم الميديا العربية. السؤال الجوهري في تقرير "حارة الضبع" هو اختيار "الجزيرة" هذا المسلسل بالذات، متجاهلة أن هذا النوع من الدراما قُدم وفق مسطرة الأموال الخليجية التي أنتجته كمعظم أعمال البيئة الشامية. وهو في عرف معظم السوريين لا يقدم سوى صورة مشوهة عن واقع مجتمعهم، لنصبح أمام مغالطة جديدة من مغالطات القناة القطرية التي على ما يبدو ترى في الحدث السوري فرصة لنمذجة الجميع وفق مزاج المال النفطي الجاهل!

المصدر : لبنان-سامر محمد اسماعيل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة