إذا صحت الأنباء التي أفادت بأن الرئيس السوري بشار الأسد بصدد 'التعريج' على منتجع شرم الشيخ المصري للاطمئنان على صحة الرئيس حسني مبارك بعد العملية الجراحية التي أجريت له، فإنها مبادرة طيبة تحتمها الأعراف والأخلاق العربية، وتعكس رغبة في تحقيق المصالحة العربية المنتظرة وإزالة العقبات التي تحول دون إتمامها

وساطات عديدة، قامت بها أطراف عدة، لإزالة الجفوة التي تخيم على العلاقات المصرية ـ السورية، وبين زعيمي البلدين على وجه الخصوص، ولكنها أي الوساطات هذه اصطدمت دائما بإصرار الرئيس مبارك على قدوم الرئيس بشار الأسد إلى القاهرة، باعتبارها بيت العرب، وربما لان الرئيس المصري اكبر سنا، وأقدم في سدة الحكم

العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بذل جهودا كبيرة للتقريب بين الرئيسين المصري والسوري، سواء أثناء قمة الكويت الاقتصادية التي أرادها قمة مصالحة عربية، أو بدعوتهما إلى الرياض لحضور قمة رباعية بحضور أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، ولكن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح. فالملك عبد الله لم يرد أن يتمم المصالحة مع سورية، مع بقاء الخلافات بين الأخيرة ومصر، خاصة أن البلدين، أي السعودية ومصر، شكلا حلفا قويا ضد سورية على أرضية أزمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والتحالف القوي بين دمشق وطهران

الرئيس الأسد كان يرفض زيارة القاهرة ويصر على أن يقوم الرئيس مبارك بزيارة دمشق في المقابل، وكان يردد، حسب المقربين منه، انه زار القاهرة سبع مرات، بينما لم يزر الرئيس مبارك دمشق إلا مرتين في المقابل، إحداهما اقتصرت على ساعات محدودة في مطارها

لا نعرف ما إذا كانت الزيارة ستتم، ومدى نجاحها في حال إتمامها في كسر الجليد الصلب المتراكم على العلاقات بين البلدين، لكن من المؤكد أنها ستساهم في إزالة الكثير من الجفوة في العلاقات الشخصية على الأقل بين الزعيمين، الأمر الذي قد يسهل ترطيب العلاقات على مستوى البلدين

وقد يجادل البعض بان الخلافات السورية ـ المصرية ليست شخصية، حتى تزال من خلال زيارة بورتوكولية لبضع دقائق (بسبب تضارب الأنباء حول صحة الرئيس المصري وأوامر الأطباء له بالراحة التامة لمدة أسبوعين)، فالخلافات أعمق من ذلك بكثير، وتتمحور حول قضايا إستراتيجية تتعلق بالتباين الكبير بين موقف البلدين تجاهها

سورية تقيم تحالفا استراتيجيا مع إيران وفصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، بينما تقف الحكومة المصرية في الخندقين الأمريكي والعربي المعاديين للطموحات النووية والعسكرية الإيرانية في المنطقة

الانفتاح السعودي على سورية تزامن مع انفتاح أمريكي، وأحاديث إسرائيلية عن مفاوضات جدية حول عودة هضبة الجولان لسورية، والهدف من كل هذه التحركات هو أبعاد سورية عن إيران وفصم عرى التحالف الاستراتيجي بين البلدين، ولكن جميع هذه المبادرات لم تحقق أي نجاح في هذا المضمار حتى الآن على الأقل، وجاءت زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد لدمشق الشهر الماضي، وعقده 'مجلس حرب' مع الرئيس السوري بشار الأسد والسيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، لتؤكد مدى عمق هذا التحالف، مثلما كشفت عن استعداد الأطراف الثلاثة لمواجهة أي عدوان إسرائيلي يستهدفها مجتمعة أو منفردة

زيارة المريض واجب تحتمه الأخلاق والأعراف، ولكن التعويل عليها لتحقيق المصالحة أمر سابق لأوانه، لان المصالحة حتى تتم تتطلب أن يتنازل طرف للآخر، أو حتى يلتقيا في منتصف الطريق، ولا نعتقد أن أيا من الاحتمالين ممكن في الوقت الراهن بسبب الهوة الواسعة بين موقفي البلدين، وهي هوة مرشحة للاتساع أكثر في الأشهر المقبلة، مع اقتراب الحصار الاقتصادي أو الحرب ضد إيران أو الاثنين معا، ونأمل أن نكون مخطئين
  • فريق ماسة
  • 2010-03-28
  • 7331
  • من الأرشيف

مصالحة سورية مصرية؟

إذا صحت الأنباء التي أفادت بأن الرئيس السوري بشار الأسد بصدد 'التعريج' على منتجع شرم الشيخ المصري للاطمئنان على صحة الرئيس حسني مبارك بعد العملية الجراحية التي أجريت له، فإنها مبادرة طيبة تحتمها الأعراف والأخلاق العربية، وتعكس رغبة في تحقيق المصالحة العربية المنتظرة وإزالة العقبات التي تحول دون إتمامها وساطات عديدة، قامت بها أطراف عدة، لإزالة الجفوة التي تخيم على العلاقات المصرية ـ السورية، وبين زعيمي البلدين على وجه الخصوص، ولكنها أي الوساطات هذه اصطدمت دائما بإصرار الرئيس مبارك على قدوم الرئيس بشار الأسد إلى القاهرة، باعتبارها بيت العرب، وربما لان الرئيس المصري اكبر سنا، وأقدم في سدة الحكم العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بذل جهودا كبيرة للتقريب بين الرئيسين المصري والسوري، سواء أثناء قمة الكويت الاقتصادية التي أرادها قمة مصالحة عربية، أو بدعوتهما إلى الرياض لحضور قمة رباعية بحضور أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح، ولكن هذه الجهود لم تكلل بالنجاح. فالملك عبد الله لم يرد أن يتمم المصالحة مع سورية، مع بقاء الخلافات بين الأخيرة ومصر، خاصة أن البلدين، أي السعودية ومصر، شكلا حلفا قويا ضد سورية على أرضية أزمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري، والتحالف القوي بين دمشق وطهران الرئيس الأسد كان يرفض زيارة القاهرة ويصر على أن يقوم الرئيس مبارك بزيارة دمشق في المقابل، وكان يردد، حسب المقربين منه، انه زار القاهرة سبع مرات، بينما لم يزر الرئيس مبارك دمشق إلا مرتين في المقابل، إحداهما اقتصرت على ساعات محدودة في مطارها لا نعرف ما إذا كانت الزيارة ستتم، ومدى نجاحها في حال إتمامها في كسر الجليد الصلب المتراكم على العلاقات بين البلدين، لكن من المؤكد أنها ستساهم في إزالة الكثير من الجفوة في العلاقات الشخصية على الأقل بين الزعيمين، الأمر الذي قد يسهل ترطيب العلاقات على مستوى البلدين وقد يجادل البعض بان الخلافات السورية ـ المصرية ليست شخصية، حتى تزال من خلال زيارة بورتوكولية لبضع دقائق (بسبب تضارب الأنباء حول صحة الرئيس المصري وأوامر الأطباء له بالراحة التامة لمدة أسبوعين)، فالخلافات أعمق من ذلك بكثير، وتتمحور حول قضايا إستراتيجية تتعلق بالتباين الكبير بين موقف البلدين تجاهها سورية تقيم تحالفا استراتيجيا مع إيران وفصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية، بينما تقف الحكومة المصرية في الخندقين الأمريكي والعربي المعاديين للطموحات النووية والعسكرية الإيرانية في المنطقة الانفتاح السعودي على سورية تزامن مع انفتاح أمريكي، وأحاديث إسرائيلية عن مفاوضات جدية حول عودة هضبة الجولان لسورية، والهدف من كل هذه التحركات هو أبعاد سورية عن إيران وفصم عرى التحالف الاستراتيجي بين البلدين، ولكن جميع هذه المبادرات لم تحقق أي نجاح في هذا المضمار حتى الآن على الأقل، وجاءت زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد لدمشق الشهر الماضي، وعقده 'مجلس حرب' مع الرئيس السوري بشار الأسد والسيد حسن نصر الله زعيم حزب الله، لتؤكد مدى عمق هذا التحالف، مثلما كشفت عن استعداد الأطراف الثلاثة لمواجهة أي عدوان إسرائيلي يستهدفها مجتمعة أو منفردة زيارة المريض واجب تحتمه الأخلاق والأعراف، ولكن التعويل عليها لتحقيق المصالحة أمر سابق لأوانه، لان المصالحة حتى تتم تتطلب أن يتنازل طرف للآخر، أو حتى يلتقيا في منتصف الطريق، ولا نعتقد أن أيا من الاحتمالين ممكن في الوقت الراهن بسبب الهوة الواسعة بين موقفي البلدين، وهي هوة مرشحة للاتساع أكثر في الأشهر المقبلة، مع اقتراب الحصار الاقتصادي أو الحرب ضد إيران أو الاثنين معا، ونأمل أن نكون مخطئين

المصدر : رأي القدس


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة