ستثبت الأيام أن أبرز قرار اتخذته القمة العربية العادية الـ22 في مدينة سرت الليبية هو عقد القمة الـ23 في العراق في آذار العام 2011. أما قرار شراء القدس بمبلغ نصف مليار دولار لإنقاذها من التهويد، فهو أشبه بخدعة لن تنطلي على الفلسطينيين ولن تمر على الإسرائيليين، ولن تخدم الأميركيين الذين كانوا على الأرجح يتوقعون دعماً عربياً أقوى لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في معركتها الحالية مع حكومة بنيامين نتنياهو حول تحريك العملية السياسية

قد يبدو قرار عقد القمة المقبلة في بغداد إجراء روتينياً يخضع لمعايير الأبجدية العربية التي كانت تعطي العراق حق استضافة القمة العشرين أو الحادية والعشرين، لكن ظروفه السياسية والأمنية حالت دون ذلك. غير أن التزام الوفد العراقي هذه المرة بدعوة الزعماء العرب للقاء في العاصمة العراقية في العام 2011، لم يكن وليد الصدفة ولا كان نتاج الرغبة في البرهان على حسن الضيافة العربية. كما أن اتخاذ قمة سرت لمثل هذا القرار لم يكن أيضا دليلاً على أن العرب ذاهبون فعلاً إلى بغداد، لكنهم فقط قرروا التوجه اليها في رحلة شاقة ستستغرق عاماً كاملاً، حافلاً بالتحديات والمصاعب، قد لا تنتهي بحط الرحال في عاصمة الرشيد في الربيع المقبل

لامس الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في قمة سرت واحدة من أخطر الحساسيات العربية عندما جدد طرح فكرة الحوار العربي الإيراني، في سياق مشروع الجوار العربي. وبما يشبه الإجماع، سقط الاقتراح، وقوبل بالرفض الصريح من جانب غالبية الوفود العربية التي تناهض إيران وتدخلها في شؤون العراق ولبنان وفلسطين، أو بالصمت البليغ من قبل بقية الوفود التي كانت توصف بأنها حليفة أو قريبة من طهران. وكان سقوط الاقتراح بمثابة قرار عربي ضمني بالمضي نحو المواجهة مع إيران، في ساحات نفوذها العراقية أولاً ثم اللبنانية والفلسطينية

هذا هو الجوهر الوحيد لقمة سرت، التي يبدو أنها اختارت أن تبلغ الأميركيين والإسرائيليين على حد سواء أنها قررت السير في عملية احتواء إيران مقابل الحصول على تسوية فلسطينية تهدئ الشارع العربي والإسلامي وتفرغ النفوذ الإيراني من احد أهم مضامينه..على أن يكون العراق هو الهدف الأول، لا سيما في ضوء القرار العربي، الإجماعي أيضا، بالاستفادة من فرصة الانتخابات النيابية العراقية من اجل التصدي للتوسع الإيراني بواسطة مرشح العرب الأول الدكتور إياد علاوي، الذي حقق فوزاً مفاجئاً وتحوّل إلى مركز استقطاب مهم لن يكون من السهل تخطيه لدى تشكيل الحكومة العراقية المقبلة

معركة العرب في الأشهر الـ12 المقبلة ستكون عراقية بامتياز. وهي ستكون ضارية أكثر من جميع المعارك التي شهدها العراق منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003، لأنها لا تدور على وراثة المحتلين الأميركيين الذين سيمدّدون فترة وجودهم العسكري ولن ينهوا دورهم السياسي في الداخل العراقي، بل على الهوية العربية للعراق التي يميل الأميركيون إلى استعادتها، بناء على قراءاتهم المتأخرة لتجربة الاستعمار البريطاني، لكنهم لا يستبعدون التفاهم مع إيران على وطنية عراقية جديدة تختزل ذلك الخليط القومي والطائفي العراقي العجيب

  • فريق ماسة
  • 2010-03-28
  • 8946
  • من الأرشيف

معركة العرب العراقية

ستثبت الأيام أن أبرز قرار اتخذته القمة العربية العادية الـ22 في مدينة سرت الليبية هو عقد القمة الـ23 في العراق في آذار العام 2011. أما قرار شراء القدس بمبلغ نصف مليار دولار لإنقاذها من التهويد، فهو أشبه بخدعة لن تنطلي على الفلسطينيين ولن تمر على الإسرائيليين، ولن تخدم الأميركيين الذين كانوا على الأرجح يتوقعون دعماً عربياً أقوى لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في معركتها الحالية مع حكومة بنيامين نتنياهو حول تحريك العملية السياسية قد يبدو قرار عقد القمة المقبلة في بغداد إجراء روتينياً يخضع لمعايير الأبجدية العربية التي كانت تعطي العراق حق استضافة القمة العشرين أو الحادية والعشرين، لكن ظروفه السياسية والأمنية حالت دون ذلك. غير أن التزام الوفد العراقي هذه المرة بدعوة الزعماء العرب للقاء في العاصمة العراقية في العام 2011، لم يكن وليد الصدفة ولا كان نتاج الرغبة في البرهان على حسن الضيافة العربية. كما أن اتخاذ قمة سرت لمثل هذا القرار لم يكن أيضا دليلاً على أن العرب ذاهبون فعلاً إلى بغداد، لكنهم فقط قرروا التوجه اليها في رحلة شاقة ستستغرق عاماً كاملاً، حافلاً بالتحديات والمصاعب، قد لا تنتهي بحط الرحال في عاصمة الرشيد في الربيع المقبل لامس الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في قمة سرت واحدة من أخطر الحساسيات العربية عندما جدد طرح فكرة الحوار العربي الإيراني، في سياق مشروع الجوار العربي. وبما يشبه الإجماع، سقط الاقتراح، وقوبل بالرفض الصريح من جانب غالبية الوفود العربية التي تناهض إيران وتدخلها في شؤون العراق ولبنان وفلسطين، أو بالصمت البليغ من قبل بقية الوفود التي كانت توصف بأنها حليفة أو قريبة من طهران. وكان سقوط الاقتراح بمثابة قرار عربي ضمني بالمضي نحو المواجهة مع إيران، في ساحات نفوذها العراقية أولاً ثم اللبنانية والفلسطينية هذا هو الجوهر الوحيد لقمة سرت، التي يبدو أنها اختارت أن تبلغ الأميركيين والإسرائيليين على حد سواء أنها قررت السير في عملية احتواء إيران مقابل الحصول على تسوية فلسطينية تهدئ الشارع العربي والإسلامي وتفرغ النفوذ الإيراني من احد أهم مضامينه..على أن يكون العراق هو الهدف الأول، لا سيما في ضوء القرار العربي، الإجماعي أيضا، بالاستفادة من فرصة الانتخابات النيابية العراقية من اجل التصدي للتوسع الإيراني بواسطة مرشح العرب الأول الدكتور إياد علاوي، الذي حقق فوزاً مفاجئاً وتحوّل إلى مركز استقطاب مهم لن يكون من السهل تخطيه لدى تشكيل الحكومة العراقية المقبلة معركة العرب في الأشهر الـ12 المقبلة ستكون عراقية بامتياز. وهي ستكون ضارية أكثر من جميع المعارك التي شهدها العراق منذ الاحتلال الأميركي في العام 2003، لأنها لا تدور على وراثة المحتلين الأميركيين الذين سيمدّدون فترة وجودهم العسكري ولن ينهوا دورهم السياسي في الداخل العراقي، بل على الهوية العربية للعراق التي يميل الأميركيون إلى استعادتها، بناء على قراءاتهم المتأخرة لتجربة الاستعمار البريطاني، لكنهم لا يستبعدون التفاهم مع إيران على وطنية عراقية جديدة تختزل ذلك الخليط القومي والطائفي العراقي العجيب

المصدر : السفير


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة