إنها المدينة التي لم تمسها الحرب ولم تقتحمها ثقافة التدمير، لكنها دفعت ثمنا باهظا من أبنائها في القتال على امتداد الجغرافية السورية من أجل وحدة التراب السوري كما يقول أهل الشهداء من ضباط وجنود الجيش العربي السوري من أبناء المحافظة حتى سماها السوريون “أم الشهداء “.

صور الشهداء وقصص العائلات التي فقدت ابناءها، واعداد الجرحى فيها لم يطبعها بطابع الحزن مطلقا. هي مدينة للفرح والثقافة والسياحة برغم كل شيء جرى خلال السنوات الصعبة. ورغم محاولات المجموعات المتطرفة استهدافها عبر المفخخات والانتحاريين.

 على راحة البحر تستلقي مدينة طرطوس الساحلية السورية، هي لا تشبه كثيرا المدن السورية إذ لا ضجيج فيها، إنما تبدو وادعة هادئة، إلا أن الحركة الثقافية والفعليات الأهلية فيها لا تهدأ، نسبة من حصلوا على التعليم العالي فيها مرتفعة، في حين تبلغ نسبة الأمية صفر.

قد تكون الطيبة والاحتفاء بالضيوف هي السمة الغالبة على سكان هذه المدينة، ذات الميناء الحيوي، والقاعدة الروسية البحرية، يطبعها من لا يعرفها ومن قاتل ضد الجيش السوري بطابع طائفي وينسبونها إلى الطائفة العلوية المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد، لكنها في الحقيقة مدينة فيها من التنوع ما هو موجود في أغلب المدن السورية، وأسباب الحقد عليها يعود إلى كونها أمنت الخزان البشري للجيش السوري، وآثر أبناؤها القتال على الجبهات من أقصى الشمال السوري إلى آخر نقطة على الحدود جنوبا، وأظهرت تماسكا اجتماعيا رافضا للفوضى في عموم المحافظة مدينة وريفا.

 خلال سنوات الحرب استقبلت المدينة إعداد كبيرة من النازحين من المدن المجاورة، بعضهم تم تأمين مراكز إيواء لائقة لهم، وآخرين استأجروا أو تملكوا بيوت فيها، وأقاموا فيها نشاطات تجارية كبيرة، زادت من ازدهارها، يفاجئك الكورنيش البحري بجمال هندسته واتساع مساحته بما يضاهي أجمل المدن الساحلية في العالم بلا اية مبالغة، لها سحرها الخاص ورائحة البحر فيها تطغى في كل الأمكنة

وقعت الحكومة السورية مع الحكومة الأردنية، أواخر الشهر الماضي، اتفاقية تقضي بتسهيل إعادة تصدير الخضار والفواكه الأردنية إلى أوروبا الشرقية وروسيا عبر ميناء طرطوس.

حيث قدمت سوريا بموجب تلك الاتفاقية تسهيلات كبيرة للجانب الأردني، وإعفاء البضائع الأردنية المعاد تصديرها عبر ميناء طرطوس بنسبة 80 % من رسومها المعتادة.

وبعد توقيع تلك الاتفاقية بدأت أصوات مصدري الخضار والفواكه في الأردن تعلو مطالبة الحكومة الأردنية باستبدال ميناء حيفا؛ الواقع تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، بميناء طرطوس، ليكون المعبر الرسمي للصادرات من الأردن الى أوروبا الشرقية، وفقاً لما نشرته صحيفة الغد الأردنية.

النفوذ الروسي في المياه الدافئة، وتمدد الأسطول الروسي عبر المتوسط، يرتكز إلى القاعدة البحرية في طرطوس، وهذا ما يزيد من أهمية المدينة في معادلة صراع القوى الكبرى على النفوذ في البحار والمضائق.

وإذا ما القينا نظرة نحو المستقبل، لجهة التحضيرات لإعادة الاعمار في سوريا، فإن ميناء طرطوس البحري، يشكل بوابة الشركات الكبرى نحو المشروعات في مجال البناء وإنشاء البنى التحتية ونقل المعدات، وقد يوفر ذلك فرص عمل كبيرة لقطاع واسع من سكان المحافظة، فضلا عن ازدهار القطاعات الأخرى.

الساحل السوري عموما ومدينة طرطوس على وجه الخصوص على موعد مع مستقبل واعد كذلك في مجال الطاقة، مع تزايد التقارير حول الثروة النفطية قبالة السواحل السورية، والحوض الشرقي للمتوسط عموما، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الامريكية عام 2010 وجود (122 تريليون قدم مكعب) أو 3455 مليار متر مكعب من الغاز وكذا 1.7 مليار برميل من النفط قبالة سواحل فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان.

في 25 كانون الأول/ديسمبر من عام 2013 تم التوقيع على اتفاق بين روسيا وسوريا يسمح بالتنقيب والحفر في منطقة قبالة طرطوس، وإذا تم اكتشاف النفط أو الغاز الطبيعي، فإن المجموعة الروسية “سيوزنفتاغاز” سوف تمتلك حصة مسيطرة لمدة خمسة وعشرين عاماً.

وتفيد التقارير بأن الاتفاقية بين روسيا وسوريا تتعلق بمنطقة تبلغ مساحتها 845 ميلاً بحرياً مربعاً وهي جزء من منطقة “البلوك 2” الأكبر، التي تقع تقريباً بين مينائي بانياس وطرطوس السوريين.

جمال مدينة طرطوس على كتف البحر المتوسط، قد يضاف إليه مستقبلا واعدا وازدهارا اقتصاديا، تستحقه ويستحقه ابناؤها الطيبين الدافئين. و تختصر قصة “الأخوين رحباني” بعد زيارتهما المدينة وتاثرهما برونق المكان، حيث كتبا اغنية مطلعها “وقفلي خليني بوس الشبابيك الحلوه بطرطوس “وغناها الراحل” نصري شمس الدين ” تختصر تلك الكلمات إحساس أي زائر للمدينة.

  • فريق ماسة
  • 2018-11-21
  • 13662
  • من الأرشيف

اكتب لكم من طرطوس.. المدينة التي لم تمسها الحرب.. وقاتل أبناؤها على امتداد الجغرافية السورية.. أي مستقبل واعد ينتظرها؟ / بقلم كمال خلف

إنها المدينة التي لم تمسها الحرب ولم تقتحمها ثقافة التدمير، لكنها دفعت ثمنا باهظا من أبنائها في القتال على امتداد الجغرافية السورية من أجل وحدة التراب السوري كما يقول أهل الشهداء من ضباط وجنود الجيش العربي السوري من أبناء المحافظة حتى سماها السوريون “أم الشهداء “. صور الشهداء وقصص العائلات التي فقدت ابناءها، واعداد الجرحى فيها لم يطبعها بطابع الحزن مطلقا. هي مدينة للفرح والثقافة والسياحة برغم كل شيء جرى خلال السنوات الصعبة. ورغم محاولات المجموعات المتطرفة استهدافها عبر المفخخات والانتحاريين.  على راحة البحر تستلقي مدينة طرطوس الساحلية السورية، هي لا تشبه كثيرا المدن السورية إذ لا ضجيج فيها، إنما تبدو وادعة هادئة، إلا أن الحركة الثقافية والفعليات الأهلية فيها لا تهدأ، نسبة من حصلوا على التعليم العالي فيها مرتفعة، في حين تبلغ نسبة الأمية صفر. قد تكون الطيبة والاحتفاء بالضيوف هي السمة الغالبة على سكان هذه المدينة، ذات الميناء الحيوي، والقاعدة الروسية البحرية، يطبعها من لا يعرفها ومن قاتل ضد الجيش السوري بطابع طائفي وينسبونها إلى الطائفة العلوية المؤيدة للرئيس السوري بشار الأسد، لكنها في الحقيقة مدينة فيها من التنوع ما هو موجود في أغلب المدن السورية، وأسباب الحقد عليها يعود إلى كونها أمنت الخزان البشري للجيش السوري، وآثر أبناؤها القتال على الجبهات من أقصى الشمال السوري إلى آخر نقطة على الحدود جنوبا، وأظهرت تماسكا اجتماعيا رافضا للفوضى في عموم المحافظة مدينة وريفا.  خلال سنوات الحرب استقبلت المدينة إعداد كبيرة من النازحين من المدن المجاورة، بعضهم تم تأمين مراكز إيواء لائقة لهم، وآخرين استأجروا أو تملكوا بيوت فيها، وأقاموا فيها نشاطات تجارية كبيرة، زادت من ازدهارها، يفاجئك الكورنيش البحري بجمال هندسته واتساع مساحته بما يضاهي أجمل المدن الساحلية في العالم بلا اية مبالغة، لها سحرها الخاص ورائحة البحر فيها تطغى في كل الأمكنة وقعت الحكومة السورية مع الحكومة الأردنية، أواخر الشهر الماضي، اتفاقية تقضي بتسهيل إعادة تصدير الخضار والفواكه الأردنية إلى أوروبا الشرقية وروسيا عبر ميناء طرطوس. حيث قدمت سوريا بموجب تلك الاتفاقية تسهيلات كبيرة للجانب الأردني، وإعفاء البضائع الأردنية المعاد تصديرها عبر ميناء طرطوس بنسبة 80 % من رسومها المعتادة. وبعد توقيع تلك الاتفاقية بدأت أصوات مصدري الخضار والفواكه في الأردن تعلو مطالبة الحكومة الأردنية باستبدال ميناء حيفا؛ الواقع تحت سيطرة الاحتلال الاسرائيلي، بميناء طرطوس، ليكون المعبر الرسمي للصادرات من الأردن الى أوروبا الشرقية، وفقاً لما نشرته صحيفة الغد الأردنية. النفوذ الروسي في المياه الدافئة، وتمدد الأسطول الروسي عبر المتوسط، يرتكز إلى القاعدة البحرية في طرطوس، وهذا ما يزيد من أهمية المدينة في معادلة صراع القوى الكبرى على النفوذ في البحار والمضائق. وإذا ما القينا نظرة نحو المستقبل، لجهة التحضيرات لإعادة الاعمار في سوريا، فإن ميناء طرطوس البحري، يشكل بوابة الشركات الكبرى نحو المشروعات في مجال البناء وإنشاء البنى التحتية ونقل المعدات، وقد يوفر ذلك فرص عمل كبيرة لقطاع واسع من سكان المحافظة، فضلا عن ازدهار القطاعات الأخرى. الساحل السوري عموما ومدينة طرطوس على وجه الخصوص على موعد مع مستقبل واعد كذلك في مجال الطاقة، مع تزايد التقارير حول الثروة النفطية قبالة السواحل السورية، والحوض الشرقي للمتوسط عموما، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الامريكية عام 2010 وجود (122 تريليون قدم مكعب) أو 3455 مليار متر مكعب من الغاز وكذا 1.7 مليار برميل من النفط قبالة سواحل فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان. في 25 كانون الأول/ديسمبر من عام 2013 تم التوقيع على اتفاق بين روسيا وسوريا يسمح بالتنقيب والحفر في منطقة قبالة طرطوس، وإذا تم اكتشاف النفط أو الغاز الطبيعي، فإن المجموعة الروسية “سيوزنفتاغاز” سوف تمتلك حصة مسيطرة لمدة خمسة وعشرين عاماً. وتفيد التقارير بأن الاتفاقية بين روسيا وسوريا تتعلق بمنطقة تبلغ مساحتها 845 ميلاً بحرياً مربعاً وهي جزء من منطقة “البلوك 2” الأكبر، التي تقع تقريباً بين مينائي بانياس وطرطوس السوريين. جمال مدينة طرطوس على كتف البحر المتوسط، قد يضاف إليه مستقبلا واعدا وازدهارا اقتصاديا، تستحقه ويستحقه ابناؤها الطيبين الدافئين. و تختصر قصة “الأخوين رحباني” بعد زيارتهما المدينة وتاثرهما برونق المكان، حيث كتبا اغنية مطلعها “وقفلي خليني بوس الشبابيك الحلوه بطرطوس “وغناها الراحل” نصري شمس الدين ” تختصر تلك الكلمات إحساس أي زائر للمدينة.

المصدر : الماسة السورية/ راي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة