دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
خلال حرب جنونية لامست الأربع سنوات، خاض الجيش واللجان الشعبية في اليمن الكثير من المعارك الشرسة، بمواجهة تحالف العدوان بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وذلك في مختلف مواقع المواجهة التي توزعت على جغرافية البلاد الواسعة، وعلى حدودها الشمالية والشمالية الغربية وما ورائها، وحيث فشل هذا التحالف في أغلبها، مع بعض الاستثناءات جنوبا وشرقا، تبقى محاولته الأخيرة الفاشلة في السيطرة على مدينة الحُديدة الساحلية على البحر الأحمر، تُمَثّل المعركة الأكثر حساسية وأهمية، استناداً لما تحمله من أبعاد ميدانية واستراتيجية، وستشكل بلا شك نقطة مفصلية في الحرب على اليمن.
ميدانيا
في معركته الأخيرة، وكهدف رئيس للوصول إلى مدينة الحديدة والسيطرة عليها، نفذ التحالف هجوما واسعا على محور رئيس ساحلي من الجنوب باتجاه الشمال، انطلاقا من المخا باتجاه الحديدة، ومستفيدا من تغطية جوية ومدفعية واسعة، ومن جغرافية مكشوفة ومفتوحة مناسبة لحركة المدرعات ولحاملات الجند المصفحة السريعة، تقدم في بعض المناطق الساحلية، ما بين مفرق المخا – تعز – الحديدة، مرورا بالحيس حتى النخيلة 30 كلم جنوب الحديدة.
استنادا لعناصر وظروف معركته الهجومية كما ذُكر اعلاه، بالإضافة للاستفادة القصوى من دعم ومساندة نيران مدافع وصواريخ السفن والزوارق البحرية على كامل امتداد الواجهة البحرية الساحلية، كان مُنتظراً وطبيعياً أن تُحرز وحدات التحالف هذا التقدم المحدود ولكن..
في دراسة عسكرية وتكتيكية لكامل معارك الميدان اليمني، يمكن اعتبار أن المواقع التي وصل إليها تحالف العدوان جنوب الحديدة، بين مفرق تعز- المخا – الحديدة نقطة أولى، ومنطقة العكيش – بيت مغارى نقطة ثانية، والتُحيتا نقطة ثالثة، وجبهة الدريهمي – نخيلة على التخوم الجنوبية المباشرة لمدينة الحديدة كنقطة أخيرة، أصبحت مماثلة في خصوصيتها القتالية والجغرافية والميدانية لأغلب جبهات المواجهة التي عجزت وحداته عن اختراقها حتى الآن، مثل نهم شمال شرق صنعاء، والجوف والمتون شمال صنعاء، وجنوب شرق تعز باتجاه لحج، وحرض وميدي الحدودية شمال غرب حجة، بالإضافة طبعا لكامل مواقع المواجهة في جبهة الحدود اليمنية السعودية وما وراءها في نجران وجيزان وعسير.
من هنا، يمكن أن نستنتج سبب توقف التحالف عن التقدم باتجاه الحديدة، وعجزه عن تحقيق أي خرق بعد ما وصل اليه مؤخرا، رغم أنه قد ضاعف من جهوده العسكرية في المرحلة الأخيرة من المعركة بشكل لافت، وزاد من إدخال وزج الوحدات وأسلحة الدعم الجوي والمدفعي في المواجهة، والذي يؤكد عجزه إكمال العملية الهجومية وشبه استسلامه، اللجوء للطلب المباشر من الأميركيين التدخل مباشرة بوحداتهم الخاصة، لمساعدة وحدات التحالف على الخروج من ورطة الفشل في الحديدة، والتي هي كارثية لهم نظرا لما سخروه من جهود عسكرية وإعلامية لمعركة السيطرة على المدينة الساحلية الاستراتييجة.
استراتيجيا
حتى الآن، يمكن الاستنتاج أن الأميركيين لن يتدخلوا مباشرة في المعركة، وذلك استنادا للكثير من المعطيات التي يمكن تلخيصها بالتالي:
– لو كان الأميركيون يريدون التدخل بوحداتهم البرية مباشرة، كنا رأينا ذلك سابقا، قبل وصول السعوديون والإماراتيون إلى هذه الورطة الميدانية والعسكرية في اليمن.
– من الواضح أن الأميركيين يفضلون في قرارة نفسهم، المراوحة في الوضع الميداني والعسكري الحالي في اليمن، نظرا لما يحقق لهم ذلك من استنزاف متواصل للطرفين، لدول التحالف المعتدي من جهة، وللجيش واللجان الشعبية اليمنية من جهة اخرى.
– استمرار العدوان يؤمن للأميركيين الاستمرار بالاستفادة من بيع الاسلحة والتجهيزات العسكرية، والحصول على التعويضات المادية الضخمة كبدل للاستشارات الفنية والعسكرية والاستعلامية المقدمة لوحدات التحالف.
– أيضا من الأسباب المهمة لعدم رغبة الأميركيين في حسم الحرب، متابعة فرض الضغوط والاستغلال الاستراتيجي على دول التحالف من جهة، وطبعا على إيران أيضا، من خلال اتهامها بمساعدة أنصار الله بالخبرات وبالصواريخ الباليستية، الأمر الذي ساهم ويساهم في تبرير انسحابهم من الاتفاق النووي مع إيران.
للأسباب الميدانية والاستراتيجية المذكورة، يمكن القول أن التحالف قد يُجبر للسير بالتفاوض للوصول إلى تسوية سياسية، طالما نادى بها اليمنيون (الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله)، وهذا التفاوض من ناحية، يكون مخرجا لورطة هذا التحالف وفشله في كامل معاركه في اليمن وخاصة في الحديدة مؤخرا، ومن ناحية ثانية يكون حلا لورطة اخرى، أقسى من ورطة المستنقع داخل اليمن، وهي أشد تأثيرا على جبهته الداخلية وعلى مواقعه الاستراتيجية، العسكرية والاقتصادية، في الامارات او في السعودية، الا وهي الصواريخ الباليستية اليمنية، والتي يبدو أنه وضعها حاليا في أساس نقاط التفاوض المرتقبة لأي تسوية سياسية.
المصدر :
العهد/شارل ابي نادر
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة