دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
سيناريو تحرير الغوطة الشرقية من الجماعات المسلحة قد ينسحب على المنطقة الحدودية التي يحتلها المسلحون بالقرب من الحدود مع الأردن وفلسطين المحتلة. يبدو واضحاً أن الاتفاق المتبلور بين الروس والأميركيين أولاً، واللاعبين الإقليميين لاحقاً، لا يترك مجال مناورة لدى المسلحين الذين عليهم الاختيار ما بين الرحيل باتفاق، أو الترحيل بعد استخدام القوة العسكرية.
وإن كانت إسرائيل تحاول الإيحاء بأن «مساعيها السياسية» أثمرت نتائج إيجابية من ناحيتها، وأوصلت إلى معادلة «إبعاد الإيرانيين» عن الحدود في الجولان السوري المحتل، إلا أن الوقائع على الأرض توحي وتؤكد أن الاتفاق جاء بعد تسليم كل اللاعبين، ومن بينهم أميركا وإسرائيل والأردن، بأن إسقاط الدولة السورية بات خارج القدرة الفعلية، وأن المعاندة لم تعد تجدي نفعاً.
في واقع الأمر، يعدّ تسليم أعداء سوريا، وإن جاء على شكل «اتفاق تجميلي» أو تسوية، رضوخاً لواقع ونتيجة حرب دامت سبع سنوات، انتصرت في أعقابها سوريا وحلفاؤها على أعدائها، ليس نتيجة الانتصار على الأدوات على الأرض، أي المسلحين الوكلاء، بل أيضاً على الأعداء الأصيلين لتعذّر القدرة لديهم على تغيير النتائج المحققة. بسط سيادة الدولة السورية على الجنوب نتيجة تعدّ انتصاراً مزدوجاً لسوريا وحلفائها: بسط السيادة أولاً؛ والتسليم بها من قبل أعدائها، ثانياً.
وبرزت في اليومين الماضيين زيارتان لكبار المسؤولين الإسرائيليين لروسيا والولايات المتحدة. وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، استدعى وزير الأمن أفيغدور ليبرمان الى موسكو، الذي اصطحب معه رئيس الاستخبارات العسكرية في الجيش، تامير هايمان ورئيس القسم السياسي الأمني في وزارة الأمن زوهر بالتي؛ فيما توجه إلى واشنطن مستشار الأمن القومي، مئير بن شبات، للقاء نظيره جون بولتون. وبحسب ما تسرّب للإعلام العبري، أمس، الزيارتان معنيتان بـ«مناقشة» الاتفاقات في سوريا والتمركز الإيراني فيها، مع محاولة إسرائيلية مع الأميركيين لتحديث التفاهمات وتطويرها حول «صد إيران» بناءً على التطورات الأخيرة في سوريا والانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي.
الواضح أن الزيارتين ترتبطان بالتطور الجديد في الجنوب السوري والاتفاق المتبلور حوله. من ناحية موسكو، يعد استدعاء ليبرمان لتبليغه بالتفاصيل و«الضمانة» الروسية حوله، فيما تعد الزيارة لواشنطن مهمة أوسع لمواجهة مشتركة بين إسرائيل والإدارة الاميركية ضد إيران، وإن كان الوجود الإيراني في سوريا جزء لا يتجزأ من هذه المواجهة.
الوقائع تؤكد أن الاتفاق جاء بعد تسليم كل اللاعبين بأن المعاندة لم تعد مجدية
من ناحية "إسرائيل"، التي أعلنت عبر تسريبات مقصودة لإعلامها أنها «توافق» على الاتفاق المتبلور، بل عمدت الى تظهيره على أنه «إنجاز سياسي» وإن كانت من ناحية استراتيجية في موقع الخاسر للحرب أمام سوريا وحلفائها أولاً، وفي موقع المتلقّي والراضخ لعودة السيادة السورية على الحدود والمنطقة الجنوبية. مع ذلك، وعلى هذه الخلفية، انصب الجهد الإسرائيلي ومن أعلى المستويات، وتحديداً من قبل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، على التأكيد أن التسليم أمام الاتفاق كما هو وارد لا يعني تسليم إسرائيل بالوجود العسكري الإيراني في سوريا. محاولة لحفظ هامش القدرة على التحرك في الساحة السورية في مرحلة بدء التبلورات النهائية للحل السياسي المنشود، وإن كان هذا الحل مبنياً على واقع الانتصارات الميدانية للدولة السورية وحلفائها.
وقال نتنياهو إن موقف إسرائيل واضح بشأن التموضع العسكري الإيراني ولا مجال لمثل هذا التموضع في أي جزء من الأراضي السورية. وأضاف أن هذا هو الموقف المشترك لإسرائيل ولدول أخرى في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، في إشارة الى الدول العربية، على رأسها السعودية، التي تشارك إسرائيل في مصالحها.
القناة الثانية العبرية سرّبت مضموناً أولياً للاتفاق المتبلور، كما وصل إلى إسرائيل حول الجنوب السوري. والاتفاق ينص على:
عودة الجيش للسيطرة على جنوب سوريا، بما يشمل المناطق الحدودية مع إسرائيل والأردن.
وعد من قبل الجانب الروسي بأن تكون المناطق القريبة من الحدود خالية من أي وجود إيراني أو حزب الله أو حلفائهما (مع إشارة القناة إلى أن هذا الوجود مقلص جداً، وهو استشاري – استخباري فقط).
تلتزم إسرائيل بقبول عودة الجيش السوري للسيطرة على المناطق الحدودية بعد أن يتعهد الروس بأن تكون خالية من وجود إيراني وحزب الله.
على الخلفية نفسها، التسليم بالوقائع المتشكلة في سوريا وفي مقدمتها انتصار الدولة السورية وحلفائها وفقدان القدرة الفعلية على منع هذا الانتصار ومساره، سربت القناة العاشرة مضمون توجهات إسرائيلية إضافية، قد ينقلها ليبرمان إلى موسكو، وتتركز حول إحياء اتفاق وقف إطلاق النار لعام 1974، الذي سيكون الإطار القانوني الوحيد ذا الصلة، بما يشمل إعادة تمركز قوات الأندوف وتفعيل دورها في الجانبين من الحدود.
من ناحية المسلحين، وكما كان متوقعاً، تتخلى إسرائيل والأردن ومن ورائهما الولايات المتحدة، عن الجماعات المسلحة بعد «جيرة طيبة» لسبع سنوات خلت، كانت الإمرة والتبعية والتخادم بين الجانبين هي سمات العلاقة مع هذه الجماعات، وبما يشمل أيضاً الجماعات المنضوية والمبايعة لتنظيم «داعش». رغم كل المساعدة الاستخبارية واللوجستية والمالية والعسكرية طويلاً، تخلى الأصيل عن الوكيل بعدما انتهى دوره. هذه هي سمة واستراتيجية الاحتلال مهما كان مع أدواته، ولن تكون الجماعات المسلحة في الجنوب السوري استثناءً.
المصدر :
يحيى دبوق
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة