دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
يبدو أن الثنائي الجديد في الإدارة الأميركية المتمثل بمستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو قد نجحا في استمهال الرئيس الأميركي دونالد ترامب تنفيذ قراره حول سحب قوات بلاده التي تحتل أراضي سورية.
إذ إن التحركات الأميركية في الميدان وخصوصاً منها في منطقة شرق الفرات امتداداً إلى الشمال السوري تشير إلى اعتماد إستراتيجية جديدة قائمة على اتجاهات عدة: أولها: العودة إلى الاستثمار في شتات المجموعات الإرهابية -داعش والنصرة- ودفعها إلى مهاجمة المواقع المشتركة للجيش العربي السوري والمستشارين الروس، بالتوازي مع استمرار رعايتها وقيادتها لما يسمى «قوات سورية الديمقراطية»، وذلك بهدف إبقاء تلك المنطقة ساحة إشغال مشتعلة لاستنزاف قوات الجيش والحلفاء. ثانيها: ممارسة الضغط على المحتل التركي لجره إلى القبول بصيغة «ربط نزاع» تؤدي إلى توسعة مساحة النفوذ الأميركي، كما تُحدِثُ شرخاً في التفاهمات الثلاثية الروسية-الإيرانية-التركية التي تبقي جبهة الشمال في حالة تهدئة مؤقتة. ثالثها: تغطية الاعتداءات الجوية الإسرائيلية وتبريرها باعتبارها حقاً استباقياً مشروعاً لكيان العدو لمنع قوى محور المقاومة من إنشاء بُنَاها العسكرية التحتية وتثبيتها في مواقع المواجهة المباشرة. رابعها: الضغط الإعلامي والسياسي من خلال المواقف والتصريحات التي تصدر بين الحين والآخر عن مراجع في الإدارة الأميركية وكذلك الإسرائيلية لاحتواء إطلاق الجيش العربي السوري وحلفائه معركة تحرير جنوب سورية، وهي مناورة مارسها الجانب الأميركي مباشرة وبالوساطة عبر قنوات أممية معنية بالأزمة في سورية لمنع تحرير الغوطتين الشرقية والغربية وكامل الريف الدمشقي من الإرهابيين.
يعلم الأميركي ومن خلفه الإسرائيلي أن القيادة السورية لن تتراجع عن قرارها الانتقال إلى معركة «الجنوب» في مسيرة تحرير جميع الأراضي السورية من المجموعات الإرهابية والقوى المحتلة التي تدعمها أميركية كانت أم تركية.
كما يعرف الأميركي ومعه حليفه الإسرائيلي أن محاولة تأجيل هذه المعركة من خلال التفاوض مع الجانب الروسي على ضمٍ غير مباشر لتلك المنطقة إلى منظومة مناطق «خفض التصعيد» المتفق عليها في أستانا، لن تمنع القرار السيادي السوري القاضي ببسط سلطة الدولة على مساحة الجغرافيا السورية مهما كانت الأثمان والتضحيات، وهو خيار أثبتت هذه القيادة قدرتها على تحقيقه في ظل ظروف أعقد وأصعب بكثير مما هو عليه الواقع الميداني السوري اليوم.
لاشك أن الحليفين الأميركي والإسرائيلي يعتقدان أن تجرع كأس التفاوض المُر مع الروسي حول صيغة توافقية ميدانية ما في منطقة جنوب سورية، يمكن أن يحد من الخسارة الكاملة المحتمة ومن تداعياتها على الاحتلال الأميركي في منطقة «التنف» من جهة كذلك على حرية حركة جيش العدو الإسرائيلي على أطراف الجولان المحتل، وأيضاً لجهة السيطرة على الحدود السورية مع الأردن وضمها إلى خط السيطرة الشرعية على معظم الحدود السورية، والأكثر أهمية تأمين العمق المباشر للعاصمة دمشق والذي شكل لسنوات طويلة ممراً بشرياً ولوجستياً وتسليحياً للتسلل إليها.
تصر واشنطن على ليّ ذراع طهران من البوابة السورية بعدما تعذر تحقيق ذلك من البوابتين العراقية واللبنانية أو من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي الغربي-الإيراني. على حين تخوض «تل أبيب» أصعب معاركها السياسية والعسكرية لمنع تكريس منظومة مقاومة متكاملة على امتداد حدود كيانها المصطنع تكون ركيزتها سورية كدولة مقاومة مركزية ترفد وتحتضن وتدعم قوى محور المقاومة في غير بلد عربي.
وفي الحالتين، يكمن الهدف في إعادة إحياء المشروع المستحيل: صياغة «شرق أوسط جديد» على أنقاض التدمير الممنهج لخيارات دول المواجهة المركزية في العالم العربي والذي نجت منه سورية.
معركة جنوب سورية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة في الحرب التي يخوضها محور المقاومة بمؤازرة الحليف الروسي لإسقاط تداعيات العدوان الدولي-الإقليمي على سورية، إلا أنها مفصل أساسي في استكشاف مستقبل التوازنات التي ستحكم تحرير ما تبقى من الأراضي السورية المحتلة ومن ضمنها الجولان، وخصوصاً أن ما سيتم تثبيته على الأرض هناك سيرسم هذا المستقبل.
المصدر :
بيروت – محمد عبيد
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة