هي الحرب المستمرة.

اليوم، بعد طول معاناة، يمكن فهم المعنى التاريخي لحرب تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000. يمكن فهم حالة السعار التي تتحكم بالعدوّين الأميركي والإسرائيلي، وكل القوى والحكومات المنخرطة الحليفة لهما، وهي الجهات التي يحكي لنا التاريخ عن حجم ارتباطها بالغرب وبإسرائيل منذ عقود طويلة. كل هؤلاء تعرضوا لضربة على الرأس في ذلك اليوم الذي ظن فيه العدو أنه أقفل بوابة لبنان على فلسطين.

من يجمع الوقائع السياسية والاقتصادية والأحداث التي توالت على لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، ثم على بقية العالم العربي، يفهم كيف أن عدوّنا عرف جيداً أن هناك من قرر إزالته من الوجود ولو بعد حين، وأن هناك من أظهر قدرة على القيام بهذه المهمة. ولما واجه العدو انتفاضة فلسطين الثانية عام 2001، ثم تحرير قطاع غزة عام 2005، ثم جاء فشل حرب تموز عام 2006، تيقن العالم المعادي كله أن الأمر لا يعبّر عن ضربة حظ، بل هو مسار له تتمته الأكيدة.

اليوم، يمكن استعادة شريط الأحداث والضغوط التي تتالت ضد الحكومتين الإيرانية والسورية وضد قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، في سياق العقوبات الانتقامية والحرب القاسية، وهي أحداث كانت ترافق المواجهة القائمة بين إسرائيل ومقاوميها. وكان الأعداء يلجأون، في كل مرحلة، الى أسلوب وإلى طريقة. ولم يتأخر بهم الوقت حتى تثبتوا من أن المعركة الأقسى هي في تمزيق البلاد من داخلها، وتعريض حياة مواطنين للخطر، فقط إن هم لم يبادروا الى معارضة حكومات وقوى تقاتل الأميركيين وحلفاءهم من إسرائيل وآخرين.

لم يتأخر الوقت، حتى أفرط الأميركيون بالثقة بالنفس، واعتقدوا أن بيانات وقرارات إدارية يمكنها إزالة أكبر حركة مقاومة في تاريخ الصراع مع "إسرائيل". وكان الرد إطلاق عملية مستمرة منذ ذلك الزمن، لعزل إيران وتجويعها، وتدمير العراق وقدراته، وتفتيت سوريا ومجتمعها، وحصار المقاومة في لبنان وفلسطين وضربها. ولأن العدو يعرف حقيقة الأمر، ربما أكثر من شعوب هذه المنطقة، فإن الحرب لم تعد تجري بالمفرق، بل هي الحرب الشاملة والواحدة ضد كل من شارك تخطيطاً وتمويلاً ودعماً وتنفيذاً في معركة المقاومة المستمرة لكل الاحتلال الأميركي والإسرائيلي لبلادنا. وفي هذا السياق، كان القرار بتدمير سوريا.

عدونا أمام خيارين: الانخراط مباشرة في المعركة أو الانسحاب وانتظار مصيره المشؤوم

في العقود المقبلة، ستكون هناك روايات ودراسات حول الجذر المحلي للأزمة في سوريا. وستصدر الإحصاءات والتقارير الساعية الى توزيع المسؤولية على أطراف المواجهة. وسيقول كل طرف الحقيقة على طريقته. لكن أحداً لن يقدر على مواجهة حقيقة أن الولايات المتحدة، بمشاركة ذيليها الفرنسي والبريطاني، ومعهما إسرائيل والسعودية، لم تتوقّف يوماً أو ساعة أو لحظة، عن الطعن في الجسد السوري بغية القضاء عليه. وهم لن يتوقفوا عن فعل ذلك في القريب العاجل.

عدوى الإفراط الأميركي في الثقة بالنفس، أصابت إسرائيل ودولاً عربية وإقليمية منخرطة في الحرب نفسها، كتركيا والسعودية وقطر والإمارات، وانعكس ذلك في رفع مستوى الجهود لدفع السوريين، أو من يقبل منهم، الى الاستمرار في عملية الانتحار المتواصلة. وهو ما يعكسه إصرار مجموعات مسلحة سورية (لا ثورة ولا ثوار ولا من يحزنون، بل مجموعة من عصابات اللصوصية والقتل) على عمليات تدمير بلادهم.

لكن ما الذي تغير، وما الذي يجعل الأمور تتعقّد أكثر؟

فعلياً، يمكن القول اليوم إن الولايات المتحدة، ومعها فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، ودولاً إقليمية كتركيا والسعودية، أو لاعبين صغاراً مثل قطر والأردن، كل هؤلاء بات عليهم العمل بأنفسهم، لمحاولة تحقيق نجاح أو نصر، أو لمنع تحويل انتصار خصومهم الى أساس تنطلق منه أكبر عملية لإزالة كل أنواع الاحتلالات، ومعها كل آثار الاستعمار وحروبه.

وما نسمع عنه هذه الفترة، من تهديدات بعمليات عسكرية ضخمة وشيكة ضد سوريا، إنما يعبر عن حقيقة أن عدونا أمام خيارين: إما الانخراط مباشرة في المعركة، أو الانسحاب وانتظار مصيره المشؤوم. ولأننا خبرنا أعداءنا ونعرفهم جيداً، فالأكثر احتمالا ومنطقية، هو لجوء العدو الى الخيار الأول. وهذا ما يستدعي التعامل مع التهديدات بدرجة عالية من الجدية والاستعداد، لمواجهة قد تكون نتائجها صورة جديدة للمنطقة ودولها وحدودها وسيادتها.

ما هو أكيد حتى اللحظة، أن إسرائيل حصلت على تعهد أميركي بالوقوف المباشر الى جانبها في أي حرب مقبلة، وأن الجيش الأميركي سيكون موجوداً على الأرض في لحظة الصدام. وما هو أكيد، أيضاً، أن الأميركيين ومعهم الفرنسيون والبريطانيون، سيجبرون على التورط المباشر في أعمال عسكرية وأمنية معادية للحكم وحلفائه في سوريا. وبحسب الظاهر من الإجراءات والتحضيرات، فإن الأميركيين يريدون القيام بضربة في سوريا، يكون لإسرائيل حصة فيها، وتستهدف إيلام النظام في سوريا مدنياً وسياسياً وعسكرياً، ما يعني تعرّض مقارّ ومؤسسات ترمز الى الدولة السورية لعمليات عسكرية قاسية، إضافة الى توجيه ضربات قاسية ضد الجيش السوري ومقارّه، بغية إضعافه ومنعه من استعادة سيطرة الدولة في مناطق أخرى من سوريا، ولرفع معنويات المسلحين ودفعهم الى استعادة بعض ما خسروه في العامين الماضيين.

الأسئلة الحقيقية اليوم هي: هل تقود مثل هذه العمليات العسكرية المنطقة الى مواجهة شاملة؟ وهل ستكون روسيا طرفاً فيها؟ وهل اتخذت الولايات المتحدة وإسرائيل ما يكفي من احتياطات لمنع تدحرج المواجهة الى حيث لا يتوقعون أو يرغبون، لجهة ساحات القتال ونوعيته؟

  • فريق ماسة
  • 2018-03-18
  • 13107
  • من الأرشيف

زمن المواجهة مع الأصيلين

هي الحرب المستمرة. اليوم، بعد طول معاناة، يمكن فهم المعنى التاريخي لحرب تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000. يمكن فهم حالة السعار التي تتحكم بالعدوّين الأميركي والإسرائيلي، وكل القوى والحكومات المنخرطة الحليفة لهما، وهي الجهات التي يحكي لنا التاريخ عن حجم ارتباطها بالغرب وبإسرائيل منذ عقود طويلة. كل هؤلاء تعرضوا لضربة على الرأس في ذلك اليوم الذي ظن فيه العدو أنه أقفل بوابة لبنان على فلسطين. من يجمع الوقائع السياسية والاقتصادية والأحداث التي توالت على لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، ثم على بقية العالم العربي، يفهم كيف أن عدوّنا عرف جيداً أن هناك من قرر إزالته من الوجود ولو بعد حين، وأن هناك من أظهر قدرة على القيام بهذه المهمة. ولما واجه العدو انتفاضة فلسطين الثانية عام 2001، ثم تحرير قطاع غزة عام 2005، ثم جاء فشل حرب تموز عام 2006، تيقن العالم المعادي كله أن الأمر لا يعبّر عن ضربة حظ، بل هو مسار له تتمته الأكيدة. اليوم، يمكن استعادة شريط الأحداث والضغوط التي تتالت ضد الحكومتين الإيرانية والسورية وضد قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، في سياق العقوبات الانتقامية والحرب القاسية، وهي أحداث كانت ترافق المواجهة القائمة بين إسرائيل ومقاوميها. وكان الأعداء يلجأون، في كل مرحلة، الى أسلوب وإلى طريقة. ولم يتأخر بهم الوقت حتى تثبتوا من أن المعركة الأقسى هي في تمزيق البلاد من داخلها، وتعريض حياة مواطنين للخطر، فقط إن هم لم يبادروا الى معارضة حكومات وقوى تقاتل الأميركيين وحلفاءهم من إسرائيل وآخرين. لم يتأخر الوقت، حتى أفرط الأميركيون بالثقة بالنفس، واعتقدوا أن بيانات وقرارات إدارية يمكنها إزالة أكبر حركة مقاومة في تاريخ الصراع مع "إسرائيل". وكان الرد إطلاق عملية مستمرة منذ ذلك الزمن، لعزل إيران وتجويعها، وتدمير العراق وقدراته، وتفتيت سوريا ومجتمعها، وحصار المقاومة في لبنان وفلسطين وضربها. ولأن العدو يعرف حقيقة الأمر، ربما أكثر من شعوب هذه المنطقة، فإن الحرب لم تعد تجري بالمفرق، بل هي الحرب الشاملة والواحدة ضد كل من شارك تخطيطاً وتمويلاً ودعماً وتنفيذاً في معركة المقاومة المستمرة لكل الاحتلال الأميركي والإسرائيلي لبلادنا. وفي هذا السياق، كان القرار بتدمير سوريا. عدونا أمام خيارين: الانخراط مباشرة في المعركة أو الانسحاب وانتظار مصيره المشؤوم في العقود المقبلة، ستكون هناك روايات ودراسات حول الجذر المحلي للأزمة في سوريا. وستصدر الإحصاءات والتقارير الساعية الى توزيع المسؤولية على أطراف المواجهة. وسيقول كل طرف الحقيقة على طريقته. لكن أحداً لن يقدر على مواجهة حقيقة أن الولايات المتحدة، بمشاركة ذيليها الفرنسي والبريطاني، ومعهما إسرائيل والسعودية، لم تتوقّف يوماً أو ساعة أو لحظة، عن الطعن في الجسد السوري بغية القضاء عليه. وهم لن يتوقفوا عن فعل ذلك في القريب العاجل. عدوى الإفراط الأميركي في الثقة بالنفس، أصابت إسرائيل ودولاً عربية وإقليمية منخرطة في الحرب نفسها، كتركيا والسعودية وقطر والإمارات، وانعكس ذلك في رفع مستوى الجهود لدفع السوريين، أو من يقبل منهم، الى الاستمرار في عملية الانتحار المتواصلة. وهو ما يعكسه إصرار مجموعات مسلحة سورية (لا ثورة ولا ثوار ولا من يحزنون، بل مجموعة من عصابات اللصوصية والقتل) على عمليات تدمير بلادهم. لكن ما الذي تغير، وما الذي يجعل الأمور تتعقّد أكثر؟ فعلياً، يمكن القول اليوم إن الولايات المتحدة، ومعها فرنسا وبريطانيا وإسرائيل، ودولاً إقليمية كتركيا والسعودية، أو لاعبين صغاراً مثل قطر والأردن، كل هؤلاء بات عليهم العمل بأنفسهم، لمحاولة تحقيق نجاح أو نصر، أو لمنع تحويل انتصار خصومهم الى أساس تنطلق منه أكبر عملية لإزالة كل أنواع الاحتلالات، ومعها كل آثار الاستعمار وحروبه. وما نسمع عنه هذه الفترة، من تهديدات بعمليات عسكرية ضخمة وشيكة ضد سوريا، إنما يعبر عن حقيقة أن عدونا أمام خيارين: إما الانخراط مباشرة في المعركة، أو الانسحاب وانتظار مصيره المشؤوم. ولأننا خبرنا أعداءنا ونعرفهم جيداً، فالأكثر احتمالا ومنطقية، هو لجوء العدو الى الخيار الأول. وهذا ما يستدعي التعامل مع التهديدات بدرجة عالية من الجدية والاستعداد، لمواجهة قد تكون نتائجها صورة جديدة للمنطقة ودولها وحدودها وسيادتها. ما هو أكيد حتى اللحظة، أن إسرائيل حصلت على تعهد أميركي بالوقوف المباشر الى جانبها في أي حرب مقبلة، وأن الجيش الأميركي سيكون موجوداً على الأرض في لحظة الصدام. وما هو أكيد، أيضاً، أن الأميركيين ومعهم الفرنسيون والبريطانيون، سيجبرون على التورط المباشر في أعمال عسكرية وأمنية معادية للحكم وحلفائه في سوريا. وبحسب الظاهر من الإجراءات والتحضيرات، فإن الأميركيين يريدون القيام بضربة في سوريا، يكون لإسرائيل حصة فيها، وتستهدف إيلام النظام في سوريا مدنياً وسياسياً وعسكرياً، ما يعني تعرّض مقارّ ومؤسسات ترمز الى الدولة السورية لعمليات عسكرية قاسية، إضافة الى توجيه ضربات قاسية ضد الجيش السوري ومقارّه، بغية إضعافه ومنعه من استعادة سيطرة الدولة في مناطق أخرى من سوريا، ولرفع معنويات المسلحين ودفعهم الى استعادة بعض ما خسروه في العامين الماضيين. الأسئلة الحقيقية اليوم هي: هل تقود مثل هذه العمليات العسكرية المنطقة الى مواجهة شاملة؟ وهل ستكون روسيا طرفاً فيها؟ وهل اتخذت الولايات المتحدة وإسرائيل ما يكفي من احتياطات لمنع تدحرج المواجهة الى حيث لا يتوقعون أو يرغبون، لجهة ساحات القتال ونوعيته؟

المصدر : الأخبار / ابراهيم الأمين


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة