دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في 24 تشرين الثاني الماضي نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تصريحاً للرئيس الأميركي دونالد ترامب جاء فيه أنه «أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الإدارة الأميركية ستتوقف عن تسليح أكراد سورية»،
وفي 25 تشرين الثاني نفسه أي بعد يوم، ذكر موقع قناة «إن بي سي نيوز» الأميركية أن أردوغان أبلغ ترامب عن «سروره من هذا القرار» في مكالمة هاتفية جرت بينهما، وبعد إعلان الإدارة الأميركية عن مخطط تشكيل ما أطلق عليه اسم «قوات أمن حدود – BSF» من وحدات الأكراد السوريين في شمال شرق سورية لحماية حدود تركيا مع الجانب السوري، سارع أردوغان إلى الإعلان في 15 كانون الثاني الجاري عن خطة للتوغل العسكري في عفرين ومنبج «لخنق هذه القوات» وشدد على رفضه لوجودها! وطلب من حلف الأطلسي دعمه في تحقيق هذا الهدف لأن أنقرة عضو فيه!
أمام هذه الصورة هل تعني تصريحات أردوغان بأنه سيفتح اشتباكاً مع الوحدات الأميركية التي تقوم بعملية تدريب وإنشاء هذا الجيش؟ أو إنه سيشن هجوماً بقواته على هذه الوحدات المسلحة الكردية؟
كشفت وكالات الأنباء التركية في مختلف مواقعها باللغة الإنكليزية أن أردوغان قال لوزرائه الذين حذروه من التوغل العسكري في منطقة عفرين: إنه لن يستخدم الجيش التركي مباشرة بل سوف يستخدم الميليشيات المسلحة للمعارضة السورية التي يقدم الدعم لها ضد المسلحين الأكراد في عفرين وبعد ذلك يسيطر على منطقة عفرين.
فأردوغان يريد إيجاد قواعد لعبته القديمة الجديدة في سفك دماء السوريين بيد معارضة تأتمر بأمره ووحدات مسلحة كردية يتهمها بالإرهابية، ويعرف أن حليفة الأميركي هو الذي يوظفها في مخططه لتقسيم سورية في منطقة شمال شرقها.
فهو في النهاية يستخدم حليفه الأميركي وحليفه من المعارضة السورية في المخطط نفسه ويدرك أنه لن يخسر شيئاً ما دامت سورية بجيشها وسيادتها هي التي ستتعرض للخسارة وهذا هو هدفه التكتيكي والاستراتيجي.
أردوغان أنشأ أفضل العلاقات مع قيادة رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني الحليف المشترك له وللولايات المتحدة ولم يندد برغبة بارزاني في الانفصال في أيلول الماضي عن السيادة العراقية، وأردوغان يجد مصلحة في تقسيم العراق مثلما يجد المصلحة نفسها في تقسيم سورية وخصوصاً في منطقتها الشمالية والشمالية الشرقية المتاخمة لحدود تركيا.
ولو كانت واشنطن ستلحق الضرر بمصالح أردوغان لما أعلنت عن مخططها بتشكيل قوات أمن حدودية من وحدات كردية سورية عند حدود تركيا، والكل يرى أن هناك لعبة أميركية أردوغانية تجري في تلك المنقطة يستغلها كل جانب من الجانبين باستخدام أراضي سورية ومجموعات من شعبها سواء أكانوا أكراداً أم غير أكراد، والسؤال هو: هل تستطيع لعبة ترامب- أردوغان أن تستمر وإلى متى؟
يقول السفير الأميركي السابق في العراق ستيوارت جونز في صحيفة «ذي أتلانتيك» الأميركية في تشرين الأول الماضي رداً على سؤال حول خذلان أميركا لقادة الأكراد العراقيين وعدم دعم انفصالهم: «لقد قلنا لمسعود بارزاني ولمسرور بارزاني خليفته في ذلك الوقت، أن واشنطن لا تستطيع ضمان نجاح الانفصال وتفضل تأجيله لأن العراق وإيران أصبحتا قادرتين على إحباطه، وأن هذا الحديث قلناه لهم قبل أربعة أشهر من استفتاء أيلول الماضي».
وهذه اللغة الصريحة لهزيمة مخطط تقسيم العراقي في ذلك الوقت تدل على أن المخطط الأميركي لتشكيل قوات أمن حدودية سيسهل إحباطه قبل أن يبدأ لأن سورية بكل قدراتها مع حلفائها في إيران وحزب الله وتقارب العراق وقدراته معها عند تلك الحدود المشتركة السورية العراقية، قادرة على مجابهته بكل الوسائل الممكنة وبغض النظر عن أردوغان ولعبته مع ترامب، لكن عدداً من المحللين الأميركيين وفي مقدمتهم باتريك بوكانان وهو مؤلف عدد من الكتب عن الفشل الأميركي والبريطاني في العصر الحديث يتساءلون: «ألم يرَ أكراد سورية كيف خذلت أميركا أكراد العراق الذين قاتلوا داعش ثم بعد قتالهم تخلت أميركا عنهم وهي التي كانت تدعم انفصالهم منذ عام 1965»؟
يتساءل آخرون «هل يعتقد من ينخرط في هذا المخطط لقوات الأمن الحدودية أن أميركا ستتخلى عن تركيا بكل ما تعنيه سياسياً لواشنطن والأطلسي مقابل دعم قادة أكراد سورية»؟
يعترف بوكانان أن المعترضين بشدة على تشكيل هذه القوات كثيرون جداً داخل سورية ومن المعارضة السورية التي يوظفها أردوغان لمصالحه ومن الجوار العراقي والإيراني، أوليس الأفضل أن يقوم قادة أكراد سورية بالتوجه نحو الجيش العربي السوري والوحدات الروسية التي تشرف على مناطق تخفيض التصعيد، والاتفاق مع سورية وروسيا بدلاً من أن يصبحوا فريسة حرب جديدة بين لعبة ترامب ولعبة أردوغان، وخصوصاً أن تحالف ترامب أردوغان هو الذي يولد كل متاعب المنطقة.
المصدر :
الوطن /تحسين الحلبي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة