دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تسببت الحرب بدمار هائل أصاب البنى التحتية والمرافق الحيوية للدولة السورية، إلا أن تداعيات هذه الحرب، التي تخطت في نطاقها البعد المحلي إلى البعدين الإقليمي والدولي، فتحت «العيون» أكثر على عناصر الجذب الجيواقتصادية التي تتمتع بها سوريا
قد لا يكون مرفأ طرطوس قادراً على منافسة مرافئ متوسطية كثيرة لجهة الإمكانيات والتجهيزات والمعدات، لكن من المؤكد أن العديد من هذه المرافئ قد تتمنى لو أنها كانت مكان هذا المرفأ، أو على الأقل بديلاً عنه، كما تحاول «إسرائيل» أن تفعل عبر «أقلمة» مرفأ حيفا، وترويجه كمنفذ بحري لدول المنطقة غير المطلة على المتوسط، لا سيما مع خروج المعابر الحدودية لسورية مع كل من الأردن والعراق عن سيطرة الحكومة، وبالتالي تَعطّل الوظيفية الاستراتيجية لمرفأ طرطوس، والمتمثلة في نقل الترانزيت
الأمن القومي
يدعم تنافسية مرفأ المدينة الساحلية عدة عوامل لم تستطع الحرب مسحها، وإن كانت قد نجحت في تجميد تأثيرها لفترة من الزمن. فالموقع الجغرافي الخاص للبلاد، والذي جعل منها قناة جافة للنقل المتعدد الوسائط باتجاه العراق وما بعده، كان كفيلاً مع بنية تحتية مناسبة ليجعل من مرفأ طرطوس مرفأ ترانزيت بامتياز. وبحسب ما تذكر وزارة النقل السورية فإن «ارتباط مدينة طرطوس بشبكة خطوط حديدية وطرق برية مع المحافظات كافة والدول المجاورة وصولاً إلى الخليج العربي وإيران، أعطى المرفأ أهمية استثنائية في مجال الترانزيت إلى كل من العراق ولبنان والأردن ودول الخليج».
وعلى خلاف ما عملت عليه أطراف كثيرة في الحرب، فإن المرفأ يتهيأ اليوم لمرحلة استثمارية جديدة في حجمها وشكلها، وذلك تزامناً مع حدثين مفصلين، الأول وصول وحدات الجيش السوري إلى الحدود مع العراق، وما يعنيه ذلك من حتمية عودة التواصل البري بين البلدين. والثاني الحديث المتزايد عن إمكانية تسليم معبر نصيب الحدودي مع الأردن للحكومة السورية لفتحه أمام حركة العبور والتنقل.
هذه التطورات المدعومة بالمكاسب التي يحققها الجيش في الشرق والجنوب، دفعت شركات روسية وإيرانية إلى زيارة دمشق مؤخراً، والتباحث مع المؤسسات الحكومية حول سبل استثمار المرفأ. وبحسب ما قاله مصدر متابع لـ«الأخبار» فإن «الحكومة تنظر بإيجابية إلى الأمر، طالما أن هذا الاستثمار يخدم تطلعاتها في تطوير وتوسيع عمل المرفأ ليكون جاهزاً كقاعدة لوجستية لتخديم عملية إعادة الإعمار في كل من العراق وسوريا وإعادة ربط دول الشرق بالمتوسط». ويضيف أن «دخول شركات من دول صديقة على خط استثمار المرفأ سيتم تحت إشراف الحكومة وإدارتها للمرفأ، تماماً كما هو حال مرفأ اللاذقية الذي تقوم شركة خارجية باستثمار محطة حاوياته».
يعتقد مسؤولون أن الفرصة متاحة لتحويل المرفأ إلى قاعدة لوجستية ضخمة
وهي رؤية يبررها الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، الدكتور رسلان خضور، بالقول «إن المنشآت الحيوية كالمطارات والمرافئ هي جزء أساسي من الأمن القومي للدولة السورية، وعليه فإن أي نشاط استثماري يجب أن ينطلق من هذه الحقيقة، حتى لو كانت الدولة الراغبة بالاستثمار تنتمي إلى قائمة الدول الصديقة لسوريا».
أكثر من مرفأ
يعتقد بعض المسؤولين في قطاع النقل السوري أن الفرصة اليوم متاحة لتحويل مرفأ طرطوس من مجرد مرفأ للترانزيت إلى قاعدة لوجستية اقتصادية ضخمة تحوي على أنشطة استثمارية مختلفة، تبدأ بتطوير وتحديث محطة الحاويات ودعمها بالتجهيزات والمعدات اللازمة، فإحداث منطقة حرة متطورة بأنظمتها وتسهيلاتها، وصولاً إلى اعتماده كمركز جغرافي إقليمي لتأمين احتياجات دول المنطقة من بعض السلع والبضائع. وهنا يقترح مسؤول في وزارة النقل، رفض الكشف عن اسمه، «إمكانية العمل مثلاً مع الحكومة الروسية على الاستفادة من الموقع المتميز للمرفأ ليكون منطلقاً لصادرات موسكو من القمح إلى دول المنطقة، خاصة مع تعدد وظائف المرفأ من مرفأ حاويات إلى مرفأ بضائع عامة إلى مرفأ لإصلاح السفن».
لذلك فإن فكرة تطبيق تجربة مرفأ جبل علي (ميناء في دبي) على مرفأ طرطوس تبدو مواتية في المرحلة المقبلة، فكما يعتقد الخبير في شؤون الطاقة، الدكتور زياد أيوب عربش، فإن «الأزمات والحروب تتيح فرص هائلة للتغيير لا بدّ من التقاطها، وعلينا في سوريا التحضير لإعادة الاعمار الجدية، فالروس والهنود والصينيون سيأتون غداً باستثمارات هائلة، وبالتالي علينا أن نكون مستعدين لاحتضان تلك الاستثمارات». ويذهب عربش في حديثه مع «الأخبار» أبعد من ذلك، فيؤكد أن الأوروبيين «سيأتون غداً رغم أننا اليوم لا نقبل عودتهم لاعتبارات سياسية، لكن عندما سيغيرون موقفهم من الأزمة سيكون هناك كلام آخر، وسيأتي أيضاً المغترب العربي والسوري، إضافة طبعاً لمن صمد من صناعيين سوريين في الداخل، لهذا كله لا بد من (جبل علي) السوري».
وما يدعم مثل هذا التوجه أن العراق مقبل أيضاً على عملية إعادة إعمار كبيرة بعد هزيمة «داعش»، وخياره سيكون البوابة السورية بعد أن جرت محاولات فاشلة لجره إلى البوابة الاسرائيلية. كما أن هناك مؤشرات من داخل الأردن توحي برغبة شركات في الإطلالة على السوق السورية وفق ما يشير إليه خبير أممي تحدثت إليه «الأخبار»، والذي أكد أن «هناك جهات خاصة تستميت في خلق فرص استثمارية للدخول إلى السوق السورية أو الاستفادة منها». ويستدل على ذلك بإمكانية استثمار بعض المنشآت الاستثمارية الأردنية لتكون قاعدة خلفية للترانزيت القادم من الأراضي السورية، عبر مرفأ طرطوس أو من الأراضي اللبنانية.
لذلك لا يرى الدكتور خضور بديلاً عن التعاون مع شركاء استراتيجيين لتطوير عمل المرفأ، فمن جهة سيكون المرفأ قادراً على استعادة دوره الإقليمي والدولي والتحول تدريجياً إلى نقطة علام في النشاط الاقتصادي البحري الإقليمي، ومن جهة أخرى تفويت الفرصة على الكيان الصهيوني وبعض حكومات المنطقة التي تحاول تسويق مرفأ حيفا كبديل اضطراري للوصول إلى الأردن والخليج العربي.
وطرابلس أيضاً!
لكن يبدو أن إعادة ترتيب أوراق مرفأ طرطوس الاستثمارية لم يعد بإمكانها الانتظار أكثر، فكما تشير غرفة الملاحة البحرية فإن «المرافئ السورية تتعرض لمنافسة شديدة من قبل مرافئ الدول المجاورة، التي بدأ بعضها في رسم استراتيجيات خاصة لزيادة إيراداتها وتحقيق أرباح ومكاسب ضخمة من خلال المراهنة على مرحلة إعادة الإعمار في سوريا». وتضيف الغرفة في مذكرة وجهتها لرئيس الحكومة السورية أن القائمين على مرفأ طرابلس اللبناني يعولون على دراسة تقديرية مفادها «أن الحركة التجارية المرتبة على إعادة الإعمار في سوريا ستتراوح ما بين 40-50 مليون طن من البضائع المشحونة بحراً سنوياً، وهذه تفوق القدرة الاستيعابية الحالية للمرافئ السورية ومرفأ بيروت، وتالياً فإن هناك ما بين 20-30 مليون طن سيتم تأمينها عن طريق مرافئ أخرى، ناهيك عن فرص الاستثمار المستدامة التي يتوقع مرفأ طرابلس الحصول عليها بشحن البضائع إلى العراق سككياً». ولهذا تطالب غرفة الملاحة الحكومة السورية بالتحرك سريعاً لمواجهة المنافسة، سواء من الناحية اللوجستية أو التشريعية، لا بل تطرح عليها فكرة حصر الاستيراد بالمرافئ السورية «لزيادة الإنتاجية ودعم الكوادر الوطنية»، وإصدار قانون جمركي «متكامل يؤمن المرونة اللازمة والموائمة مع القوانين والأنظمة البحرية العالمية».
مرفأ طرطوس... بالأرقام
ـ يشغل مساحة 3 ملايين متر مربع، منها 1,2 مليون متر مربع المساحة البحرية، و1,8 مليون متر مربع المساحة البرية.
ــ عدد الأرصفة، 22 رصيفاً.
ــ عدد المستودعات، 15 مستودعاً مجاورة للأرصفة لاختصار الزمن والكلفة.
ــ أكبر سفينة يمكن استقبالها تبلغ حمولتها نحو 60 ألف طن.
ــ عدد العاملين في المرفأ يصل لنحو 3150 عاملاً من مختلف الفئات والاختصاصات.
ــ يحتوي المرفأ على محطة حاويات قادرة على تخديم ما بين 500 إلى 600 ألف حاوية كحد أعلى.
ــ يحتوي المرفأ على صومعة حبوب بسعة 85 ألف طن وهي مجهزة بأحدث التجهيزات الخاصة بالتعقيم والحفاظ على المحتويات.
ــ يحتوي المرفأ صومعة فوسفات بطاقة استيعابية قدرها 88 ألف طن.
المصدر :
زياد غصن/ الأخبار
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة