في المنظور المبني على التلاشي في الفضائح والدسائس، يمكن رسم الموقف الروسي الصيني من الأحداث الجارية في سوريا ورفضهما التدخل العسكري فيها من أي طرف كان. وقد فهمت أميركا بقدر كبير من التراجع هذا المواقف، لذلك رفضت التدخل في الحل السوري بل إنها دفعت تركيا والسعودية وقطر إلى المحرقة، وبقيت هي تتفرّج من بعيد.

أما أوروبا فقد ظلّت تناور من بعيد من أجل كسب ولو مساحة بسيطة في التحوّلات الجديدة التي تسعى روسيا مع الصين إلى توصيفها وترسيمها في الواقع بعيداً عن ضجيج الحرب ومؤثّراتها. ولكن بمواقف مشفوعة بإشارات واضحة أنها لن تترك الساحة السورية ولو اقتضى الأمر الدخول في حرب باردة أكثر من الحرب الباردة السابقة، أو في حرب عسكرية وقالتها مؤخراً صراحة.

مُخطئ إذن مَن يؤمن أو حتى مَن يظن أن سوريا ستسقط وأن النظام فيها سيكون على شاكلة الأنظمة الأخرى في المنطقة التي تورث نفسها لنفسها وتتعامل مع الأحداث بمنطق الماضي الجاهلي. وعلى الأرحج لن تكون هناك بعد الصراع الذي عرفته سوريا والدماء التي سالت مجرّد نقطة في خارطة هي أكثر الجغرافيا حساسية في العالم. فالذين يراهنون على تذويب المقاومة من خلال تذويب سوريا باعتبارها قلبها النابض يراهنون على الفشل المُسبَق. وإنهم بالتالي لم يقرؤا التاريخ ولا تعقيدات الجغرافيا السياسية التي تحكم المنطقة انطلاقاً من سوريا. والدول الخليجية التي تحاول المراهنة على الصين وروسيا من أجل تغيير موقفهما لا تدرك جيداً هذا الموقف منهما. فالعالم في حالات تغيّر والحالات هذه في صالح الدول الناشئة، وهي تعلم ذلك جيداً فقد تمكّنت روسيا والصين لحد الآن من رسم خارطة التحوّل الجديد فأخذت روسيا المربّع الآسيوي سياسياً والصين اقتصادياً، يضاف إليهما مجموعة "بريكس "و إيران و سوريا.

العالم يتغيّر وسوريا هي التي ترسم معالم هذا التغيير، بل إنها قلبه النابض. وقد أخذت فعلاً هذه الميزة الحضارية الجديدة بصمودها في وجه الإعصار الكوني. وحين تتّفق هاتان الدولتان على قيامهما بالاشتراك الثنائي أو بمفردها برفض أي قرار ضد سوريا في مجلس الأمن الدولي، فإن ذلك يبدو جزءاً من التصوّر المرسوم للخارطة السياسية الجديدة للنظام الدولي. إنها هي مبعث هذه المُتغيّرات و- بالتالي - فهي جزء من حالات استثنائية في التاريخ.

لقد أخطأت إذن قطر وانتحرت السعودية وألّبت عليها كل دول العالم نتيجة تصوّرها ، حتى من بعض دول التحالف الخليجي ودول الشمال الإفريقي. وما محاولاتها رصّ الصفوف حولها بما فرّخت من أحلاف لا قِبَل لها وجودياً مع وضع بعض تعقيدات للحجّاج من دول عربية وإسلامية الرافضة للسير في رغباتها السياسية، إلا دليل إفلاس سياسي لمنظومتها السياسية المُرتبطة بمفهوم التعالي الديني الذي ترسمه لنفسها بمذهبها الوهّابي، وبناء على معلومات وتصوّرات غير دقيقة للموقف الدولي ولما يجري بعيداً عنها وعن قطر وتحت الطاولة. الدولتان في منعرج سياسي خطير بين الخضوع لمنطق الديمقراطية والتخلّي نهائياً عن الحكم السلالي، وبين تكرار منطق البؤس السياسي الذي يتحكّم في سياستهما بعيداً عن الآخرين. وبعد أن تحالفت الدولتان ضد سوريا وغيرها فقد أصبحتا اليوم عدوّتين لبعضهما، فصارالاتّهام بينهما في مقر الجامعة العربية أسوأ مما يُذكر. فقد لعب الإعلام لديهما لعبة المُحرّض على القتل ما دفع محمّد عفيفي المتحدّث باسم الأمين العام للجامعة العربية للقول أنّ "بعض منابر الإعلام العربية صارت للأسف جزءاً من الأزمات بدلاً من أن تفتح باباً للخروج منها، ولعبت دوراً سلبيّاً في بعض الأزمات التي شهدها عدد من البلدان العربية عوضاً من أن تكون سنداً للمواطن العربي في فَهْم واقعه المُعقّد".

نحن نعاني مع هؤلاء من الانفجاريات ومن الطائفية حتى الطائفية الدينية التي فتحت فمها. فحروب السلفية هنا وحروب "الأصولية " هناك. والحرب ضد الشيعة بتفجير الأنفس داخل المساجد هنا وهناك. والكل على ضلال مبين .. والكل من الفكر المُبتذل للوهّابية ودُعاتها يسلخ وينسخ !!...أكيد لقد صار للفراغ السياسي والديني عند هؤلاء نافذتان..واحدة للغبار وأخرى للبكاء، وللعذاب فيما مذاق آخر.

 

  • فريق ماسة
  • 2017-07-17
  • 16019
  • من الأرشيف

هل تحصد دول خليجية زرعها في سورية؟

في المنظور المبني على التلاشي في الفضائح والدسائس، يمكن رسم الموقف الروسي الصيني من الأحداث الجارية في سوريا ورفضهما التدخل العسكري فيها من أي طرف كان. وقد فهمت أميركا بقدر كبير من التراجع هذا المواقف، لذلك رفضت التدخل في الحل السوري بل إنها دفعت تركيا والسعودية وقطر إلى المحرقة، وبقيت هي تتفرّج من بعيد. أما أوروبا فقد ظلّت تناور من بعيد من أجل كسب ولو مساحة بسيطة في التحوّلات الجديدة التي تسعى روسيا مع الصين إلى توصيفها وترسيمها في الواقع بعيداً عن ضجيج الحرب ومؤثّراتها. ولكن بمواقف مشفوعة بإشارات واضحة أنها لن تترك الساحة السورية ولو اقتضى الأمر الدخول في حرب باردة أكثر من الحرب الباردة السابقة، أو في حرب عسكرية وقالتها مؤخراً صراحة. مُخطئ إذن مَن يؤمن أو حتى مَن يظن أن سوريا ستسقط وأن النظام فيها سيكون على شاكلة الأنظمة الأخرى في المنطقة التي تورث نفسها لنفسها وتتعامل مع الأحداث بمنطق الماضي الجاهلي. وعلى الأرحج لن تكون هناك بعد الصراع الذي عرفته سوريا والدماء التي سالت مجرّد نقطة في خارطة هي أكثر الجغرافيا حساسية في العالم. فالذين يراهنون على تذويب المقاومة من خلال تذويب سوريا باعتبارها قلبها النابض يراهنون على الفشل المُسبَق. وإنهم بالتالي لم يقرؤا التاريخ ولا تعقيدات الجغرافيا السياسية التي تحكم المنطقة انطلاقاً من سوريا. والدول الخليجية التي تحاول المراهنة على الصين وروسيا من أجل تغيير موقفهما لا تدرك جيداً هذا الموقف منهما. فالعالم في حالات تغيّر والحالات هذه في صالح الدول الناشئة، وهي تعلم ذلك جيداً فقد تمكّنت روسيا والصين لحد الآن من رسم خارطة التحوّل الجديد فأخذت روسيا المربّع الآسيوي سياسياً والصين اقتصادياً، يضاف إليهما مجموعة "بريكس "و إيران و سوريا. العالم يتغيّر وسوريا هي التي ترسم معالم هذا التغيير، بل إنها قلبه النابض. وقد أخذت فعلاً هذه الميزة الحضارية الجديدة بصمودها في وجه الإعصار الكوني. وحين تتّفق هاتان الدولتان على قيامهما بالاشتراك الثنائي أو بمفردها برفض أي قرار ضد سوريا في مجلس الأمن الدولي، فإن ذلك يبدو جزءاً من التصوّر المرسوم للخارطة السياسية الجديدة للنظام الدولي. إنها هي مبعث هذه المُتغيّرات و- بالتالي - فهي جزء من حالات استثنائية في التاريخ. لقد أخطأت إذن قطر وانتحرت السعودية وألّبت عليها كل دول العالم نتيجة تصوّرها ، حتى من بعض دول التحالف الخليجي ودول الشمال الإفريقي. وما محاولاتها رصّ الصفوف حولها بما فرّخت من أحلاف لا قِبَل لها وجودياً مع وضع بعض تعقيدات للحجّاج من دول عربية وإسلامية الرافضة للسير في رغباتها السياسية، إلا دليل إفلاس سياسي لمنظومتها السياسية المُرتبطة بمفهوم التعالي الديني الذي ترسمه لنفسها بمذهبها الوهّابي، وبناء على معلومات وتصوّرات غير دقيقة للموقف الدولي ولما يجري بعيداً عنها وعن قطر وتحت الطاولة. الدولتان في منعرج سياسي خطير بين الخضوع لمنطق الديمقراطية والتخلّي نهائياً عن الحكم السلالي، وبين تكرار منطق البؤس السياسي الذي يتحكّم في سياستهما بعيداً عن الآخرين. وبعد أن تحالفت الدولتان ضد سوريا وغيرها فقد أصبحتا اليوم عدوّتين لبعضهما، فصارالاتّهام بينهما في مقر الجامعة العربية أسوأ مما يُذكر. فقد لعب الإعلام لديهما لعبة المُحرّض على القتل ما دفع محمّد عفيفي المتحدّث باسم الأمين العام للجامعة العربية للقول أنّ "بعض منابر الإعلام العربية صارت للأسف جزءاً من الأزمات بدلاً من أن تفتح باباً للخروج منها، ولعبت دوراً سلبيّاً في بعض الأزمات التي شهدها عدد من البلدان العربية عوضاً من أن تكون سنداً للمواطن العربي في فَهْم واقعه المُعقّد". نحن نعاني مع هؤلاء من الانفجاريات ومن الطائفية حتى الطائفية الدينية التي فتحت فمها. فحروب السلفية هنا وحروب "الأصولية " هناك. والحرب ضد الشيعة بتفجير الأنفس داخل المساجد هنا وهناك. والكل على ضلال مبين .. والكل من الفكر المُبتذل للوهّابية ودُعاتها يسلخ وينسخ !!...أكيد لقد صار للفراغ السياسي والديني عند هؤلاء نافذتان..واحدة للغبار وأخرى للبكاء، وللعذاب فيما مذاق آخر.  

المصدر : محمّد لواتي /رئيس تحرير يومية المُستقبل المغاربي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة