دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
بعدما فشل المشروع الأميركي في العراق وسورية عبر الجماعات التكفيرية بما يسمى "الربيع العربي" وغزوة "داعش" للعراق، ومحاولة أميركية للحدّ من الخسائر،
انقلبت الإدارة الأميركية على شعارات الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والتي ارتكزت على إعادة الجنود الأميركيين إلى الداخل، والتخلّي عن الغزو الخارجي، لكن صمود محور المقاومة انطلاقاً من سورية، وضعف الأدوات الأميركية؛ التركية والخليجية و"الإسرائيلية"، فرضا على أميركا الانزلاق للتدخُّل الخارجي الرمزي بداية، والحقيقي الآن، والمرشح للازدياد والغرق في أوحال ورمال الرقة والموصل واليمن..
لقد انقلبت الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة الرئيس ترامب وأطاحت بكل خطط الرئيس أوباما في الداخل والخارج، فأرسلت جنودها إلى اليمن لمساعدة السعودية والإمارات، وإلى شمال سورية لتامين الغطاء السياسي والعسكري للأكراد واستغلالهم، والبدء بتقسيم سورية عبر مشروع الحُكم الذاتي لأكراد العراق، بعدما نجحت في استثمارها لمشروع الكيان الكردي في العراق، وبعد الإرباك التركي، وخوفاً من تصادُم تحالف أدوات أميركا في الشمال السوري من "المعارضة وداعش وتركيا والأكراد، وقطر والسعودية وإسرائيل"، اضطرت أميركا للتدخُّل لضبط الأمور والتنسيق ميدانياً بين هؤلاء المرتزقة، حتى لا يأكل بعضهم بعضاً في إدلب والرقة وغيرهما، في لحظة مفصلية حساسة على مشارف نهاية الحرب والبدء بالحل السياسي، حتى لا تخسر أميركا ما تبقّى لها من أوراق ميدانية تستطيع مقايضتها على طاولة المفاوضات المقبلة عاجلاً أم آجلاً.
إن التدخّل الأميركي في الرقة يتكامل مع تدخُّله في الموصل بعد هزيمة مولوده التكفيري "داعش"، والتي أدّت إلى نتائج عكسية، فبدل أن يتمّ تفكيك العراق وتقسيمه، وإضعاف قوى المقاومة في العراق، فقد وُلد "الحشد الشعبي" العراقي، مما أفقد الأميركيين صوابهم، فساعدوا "داعش" بالجو والإدارة لإطالة صمودها والقضاء على الحشد الشعبي واستنهاض بعض الشخصيات السُّنية والكردية للمطالبة بتقسيم العراق، لكن حسابات الحقل الأميركي لم تتطابق مع حسابات "الحشد الشعبي"، الذي يقف على مشارف إلحاق الهزيمة بـ"داعش" وطردها من العراق إلى الرقة، بالتعاون مع الجيش العراقي ومحور المقاومة، مما استدعى حالة طوارئ أميركية للوصول إلى الرقة قبل الجيشين السوري والعراقي، وذلك لتأمين احتضان مقاتلي وقيادات "داعش" الهاربين من العراق، وإعادة تجميعهم لتأسيس منظمة أخرى بدلاً عن "داعش"؛ كما حصل مع "القاعدة" سابقاً، وقد بدأ سيناريو تبديل الأفعى، عبر تسريب أخبار عن انقلاب أو انقلابات داخلية في تنظيم "داعش"، تمهيداً لإعلان وفاتها وإشهار المولود التكفيري الجديد.
إن الهدف الرئيس لغزوة الموصل "الداعشية"، وقبلها الحرب على سورية، هو تفجير محور المقاومة على الجغرافيا السورية، وقطع الطريق الواصل بين طهران ولبنان مروراً بالعراق، لكن بعد انتصار العراقيين على "داعش" في الموصل سارعت أميركا للتدخُّل المباشر، لقطع الطريق وفصل الساحتين العراقية والسورية عن بعضهما البعض، وإقامة قاعدة عسكرية كبرى في الوسط الكردي و"الداعشي"، بانتظار اللحظة المناسبة للانقضاض على محور المقاومة مجدداً، لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد والكبير الذي حاولت أميركا تنفيذه من لبنان في حرب تموز عام 2006.
المرحلة المقبلة تتسم بالخطورة والدقة، إضافة إلى إمكانية المواجهة المباشرة مع الجيش الأميركي في سورية، أو القبول بالأمر الواقع عبر ترسيم منطقة آمنة كبرى في شمال سورية بحماية أميركية مباشرة بديلة عن الحماية التركية، وبمساحة جغرافية أكبر واوسع، بالتزامن مع أحداث أمنية وسياسية في المنطقة، سواء في لبنان وإيران والخليج، لإعادة خلط الأوراق، وتجاوز الهزيمة والفشل اللذين أصابا المشروع الأميركي - الصهيوني في محنة "الربيع العربي".
لقد دخلت المنطقة مرحلة جديدة وخطيرة، ستُستعمل فيها كل الأساليب غير المشروعة، خصوصاً الأمنية والاقتصادية، مما يستوجب حشد كل الطاقات، وتحصين مجتمع المقاومة حتى نحفظ ما أنجزه الشهداء والمقاومون.. وما النصر إلا صبر ساعة.
المصدر :
د. نسيب حطيط
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة