عندما يخسر أردوغان في سوريا فهذا يعني أيضًا هزيمة الأخوان المسلمين، وهي في المناسبة الهزيمة الثانية الكبيرة للأخوان المسلمين في سوريا بعد هزيمة حماه في الثمانينيات،

 

فما حصل في حلب بعد تحرير الأحياء الشرقية كان مدويًّا وكبيرًا لجهة الهزيمة التي لحقت بالجماعات المدعومة من أردوغان الذي كانت خياراته خلال معركة الأحياء الشرقية محصورة بتدبير تفاهم مع الروس يضمن خروج فلول الجماعات، وهو ما حصل بالفعل حيث تمت إضافة بند لخروج موازٍ لأعداد كبيرة من بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين.

 

وفي نظرة الى واقع السيطرة حينها نرى بوضوح قدرة اردوغان على فرض اجراءات على الجماعات الإرهابية بما فيها جبهة النصرة وتلك المحسوبة على منهج الأخوان المسلمين.

مباشرةً بعد هزيمة جماعات اردوغان في حلب، بدأت القوات التركية تتقدم على جبهة مدينة الباب للتعويض عمّا خسره الأتراك في حلب، وهذا ما تنبهت له القيادة السورية وكانت تضعه في حسبانها، حيث بدأ الجيش السوري عمليات تقدم نحو مدرسة المشاة شمال مدينة حلب باتجاه الشرق لتشكل هذه العمليات بداية المرحلة التي نعيشها حتى اللحظة في جبهة ريف حلب الشرقي الشمالي والجنوبي.

 

كان واضحًا منذ بداية هذه العمليات أنّ خيارات الجيش السوري تذهب بالإتجاه نحو شرق حلب لتحقيق اوسع حزام أمان من الجهة الشرقية لحلب، وتشكيل خط صد بمواجهة قوات درع الفرات والقوات التركية ليتحول هذا الخط الآن الى جبهة صد بعمق يصل الى 30 كلم من مشارف مدينة الباب حتى مشارف دير حافر وعرض 60 كلم من ضفاف بحيرة الأسد شرقًا وحتى مشارف مدينة حلب غربًا، إضافةً الى سيطرة الجيش السوري على قرى جنوب غرب منبج بموجب اتفاق مع مجلس منبج العسكري ترعاه روسيا. ما يعني أنّ إمكانية قيام القوات التركية نحو الرقة باتت معدومة حيث عليها الدخول بمواجهة مع الجيش السوري، وهو خط احمر روسي حيث تتواجد قوات روسية رمزية مع قوات حرس الحدود السورية او مع القوات الكردية، وهو خط احمر اميركي حيث توجد قوات اميركية رمزية مع القوات الكردية. وانطلاقًا من هذا المشهد الميداني يبدو الى أي مدىً وصلت الأمور مع اردوغان، حيث كان الأميركيون واضحين في اجرائهم الذي يتجه نحو لجم اندفاعة حليفهم التركي وطمأنة حليفهم الآخر الكردي.

 

لهذا كانت خيارات اردوغان تتجه نحو الموافقة على استانة حيث يرغب في الحصول لجماعاته على مكتسبات لم يستطيعوا الحصول عليها في الميدان، لكن ما يريده الروس والإيرانيون كان ولا يزال مختلفًا حيث أحدث مؤتمر أستانة شرخًا كبيرًا ومقدمات لفرز واسع بين التيارين "الأخواني والجهادي"، وهو ما تمّت ترجمته بمواجهات دامية في ادلب واريافها وبعض مواقع سيطرة الجماعات الإرهابية في الجنوب السوري.

 

إنّ حالة الإحتراب الناتجة عن أستانة ستتفاعل اكثر في قادم الأيام، وسيكون لها تداعيات سلبية كبيرة على وضع الجماعات الإرهابية كلها، لهذا رأينا العرقلة التي تقوم بها الجماعات التي ذهبت الى أستانة في المرات السابقة والهدف هو الضغط للحصول على مكاسب اعتقد انهم لم يحصلوا عليها إلّا ضمن ما تسمح به موازين القوى الواقعية وليس الرغبات والتمنيات.

 

الأصعب والأكبر في أزمة أردوغان انه خلال ست سنوات من عمر الحرب في سوريا انتقل بتركيا من دولة الصفر مشاكل الى دولة تعيش العديد من المشاكل، فجميع دول الجوار لتركيا ليست على علاقة جيدة بها بسبب دعم تركيا للجماعات الإرهابية التي يرتد جزء منها الى الداخل التركي، حيث يعاني الوضع الأمني من اهتزازات أثّرت في الإقتصاد وتحديدًا قطاع السياحة إضافةً الى الأزمة القائمة حاليًا بين تركيا واوروبا والتي وصلت حد تبادل الأوصاف الشنيعة كالفاشية والنازية، وهو أمر سيزيد من تعميق الخلاف بين تركيا واوروبا اذا لم يتم تدارك الأمور.

تركيا هذه الأيام بحاجة الى قيادة حكيمة تعتمد سياسة الإقتراب الإيجابي من كل جوارها بالتوازي مع التخلي عن الأحلام الطموحة واعتماد سياسات واقعية لا تنظر الى الخلف بما يرتبط بالجنوع الى استعادة الأمجاد.

 

إنّ عدم ادراك تركيا لطبيعة التحولات سيفاقم خسارتها ويضعها في العزلة اكثر ويؤثر في بنيتها الإقتصادية، وان كنا لسنا معنيين بتقديم اقتراحات للأتراك كونهم يشكلون حتى اللحظة إحدى القوى الداعمة للإرهاب إلّا اننا ننصح بالذهاب نحو العقلانية عبر اعادة الحوار مع الأكراد في تركيا بشكل اساسي واستعادة العلاقة الطبيعية مع سوريا بشكل خاص، واندماج تركيا في المحيط الإقليمي والتخلي عن الشغب مع اوروبا والإتجاه بواقعية نحو الولوج في العالم الذي تتشكل معالمه بغير ما يرغب الأتراك ولا حتى الأميركيين.

لهذا يبدو اردوغان حتى اللحظة أقلّ الرابحين واكبر الخاسرين، واذا ما استمر اردوغان بسياسته الحالية فسيكون الخاسر الأكبر دون اية ارباح تذكر.

  • فريق ماسة
  • 2017-03-15
  • 13715
  • من الأرشيف

أردوغان أقلّ الرابحين وأكبر الخاسرين

عندما يخسر أردوغان في سوريا فهذا يعني أيضًا هزيمة الأخوان المسلمين، وهي في المناسبة الهزيمة الثانية الكبيرة للأخوان المسلمين في سوريا بعد هزيمة حماه في الثمانينيات،   فما حصل في حلب بعد تحرير الأحياء الشرقية كان مدويًّا وكبيرًا لجهة الهزيمة التي لحقت بالجماعات المدعومة من أردوغان الذي كانت خياراته خلال معركة الأحياء الشرقية محصورة بتدبير تفاهم مع الروس يضمن خروج فلول الجماعات، وهو ما حصل بالفعل حيث تمت إضافة بند لخروج موازٍ لأعداد كبيرة من بلدتي الفوعة وكفريا المحاصرتين.   وفي نظرة الى واقع السيطرة حينها نرى بوضوح قدرة اردوغان على فرض اجراءات على الجماعات الإرهابية بما فيها جبهة النصرة وتلك المحسوبة على منهج الأخوان المسلمين. مباشرةً بعد هزيمة جماعات اردوغان في حلب، بدأت القوات التركية تتقدم على جبهة مدينة الباب للتعويض عمّا خسره الأتراك في حلب، وهذا ما تنبهت له القيادة السورية وكانت تضعه في حسبانها، حيث بدأ الجيش السوري عمليات تقدم نحو مدرسة المشاة شمال مدينة حلب باتجاه الشرق لتشكل هذه العمليات بداية المرحلة التي نعيشها حتى اللحظة في جبهة ريف حلب الشرقي الشمالي والجنوبي.   كان واضحًا منذ بداية هذه العمليات أنّ خيارات الجيش السوري تذهب بالإتجاه نحو شرق حلب لتحقيق اوسع حزام أمان من الجهة الشرقية لحلب، وتشكيل خط صد بمواجهة قوات درع الفرات والقوات التركية ليتحول هذا الخط الآن الى جبهة صد بعمق يصل الى 30 كلم من مشارف مدينة الباب حتى مشارف دير حافر وعرض 60 كلم من ضفاف بحيرة الأسد شرقًا وحتى مشارف مدينة حلب غربًا، إضافةً الى سيطرة الجيش السوري على قرى جنوب غرب منبج بموجب اتفاق مع مجلس منبج العسكري ترعاه روسيا. ما يعني أنّ إمكانية قيام القوات التركية نحو الرقة باتت معدومة حيث عليها الدخول بمواجهة مع الجيش السوري، وهو خط احمر روسي حيث تتواجد قوات روسية رمزية مع قوات حرس الحدود السورية او مع القوات الكردية، وهو خط احمر اميركي حيث توجد قوات اميركية رمزية مع القوات الكردية. وانطلاقًا من هذا المشهد الميداني يبدو الى أي مدىً وصلت الأمور مع اردوغان، حيث كان الأميركيون واضحين في اجرائهم الذي يتجه نحو لجم اندفاعة حليفهم التركي وطمأنة حليفهم الآخر الكردي.   لهذا كانت خيارات اردوغان تتجه نحو الموافقة على استانة حيث يرغب في الحصول لجماعاته على مكتسبات لم يستطيعوا الحصول عليها في الميدان، لكن ما يريده الروس والإيرانيون كان ولا يزال مختلفًا حيث أحدث مؤتمر أستانة شرخًا كبيرًا ومقدمات لفرز واسع بين التيارين "الأخواني والجهادي"، وهو ما تمّت ترجمته بمواجهات دامية في ادلب واريافها وبعض مواقع سيطرة الجماعات الإرهابية في الجنوب السوري.   إنّ حالة الإحتراب الناتجة عن أستانة ستتفاعل اكثر في قادم الأيام، وسيكون لها تداعيات سلبية كبيرة على وضع الجماعات الإرهابية كلها، لهذا رأينا العرقلة التي تقوم بها الجماعات التي ذهبت الى أستانة في المرات السابقة والهدف هو الضغط للحصول على مكاسب اعتقد انهم لم يحصلوا عليها إلّا ضمن ما تسمح به موازين القوى الواقعية وليس الرغبات والتمنيات.   الأصعب والأكبر في أزمة أردوغان انه خلال ست سنوات من عمر الحرب في سوريا انتقل بتركيا من دولة الصفر مشاكل الى دولة تعيش العديد من المشاكل، فجميع دول الجوار لتركيا ليست على علاقة جيدة بها بسبب دعم تركيا للجماعات الإرهابية التي يرتد جزء منها الى الداخل التركي، حيث يعاني الوضع الأمني من اهتزازات أثّرت في الإقتصاد وتحديدًا قطاع السياحة إضافةً الى الأزمة القائمة حاليًا بين تركيا واوروبا والتي وصلت حد تبادل الأوصاف الشنيعة كالفاشية والنازية، وهو أمر سيزيد من تعميق الخلاف بين تركيا واوروبا اذا لم يتم تدارك الأمور. تركيا هذه الأيام بحاجة الى قيادة حكيمة تعتمد سياسة الإقتراب الإيجابي من كل جوارها بالتوازي مع التخلي عن الأحلام الطموحة واعتماد سياسات واقعية لا تنظر الى الخلف بما يرتبط بالجنوع الى استعادة الأمجاد.   إنّ عدم ادراك تركيا لطبيعة التحولات سيفاقم خسارتها ويضعها في العزلة اكثر ويؤثر في بنيتها الإقتصادية، وان كنا لسنا معنيين بتقديم اقتراحات للأتراك كونهم يشكلون حتى اللحظة إحدى القوى الداعمة للإرهاب إلّا اننا ننصح بالذهاب نحو العقلانية عبر اعادة الحوار مع الأكراد في تركيا بشكل اساسي واستعادة العلاقة الطبيعية مع سوريا بشكل خاص، واندماج تركيا في المحيط الإقليمي والتخلي عن الشغب مع اوروبا والإتجاه بواقعية نحو الولوج في العالم الذي تتشكل معالمه بغير ما يرغب الأتراك ولا حتى الأميركيين. لهذا يبدو اردوغان حتى اللحظة أقلّ الرابحين واكبر الخاسرين، واذا ما استمر اردوغان بسياسته الحالية فسيكون الخاسر الأكبر دون اية ارباح تذكر.

المصدر : عمر معربوني


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة