على وقع هزائمه المتتالية في سوريا والعراق دخل «داعش» في أضعف أطواره على الإطلاق، فيما تتزايد حمى العسكرتاريا الأميركيّة في تزامن أبعد ما يكون عن الاعتباطيّة.

 

وتكتسب «اللعبة» في سوريا تعقيدات إضافيّة في ضوء تمسّك الأطراف بالاستثمار في التناقضات واللعب «على كل الحبال»، في مرحلةٍ بالغة الحساسيّة من عمر الحرب

 

بات اندحارُ تنظيم «داعش» المتطرّف من محافظة حلب بأكملها مسألة وقت لا أكثر. وباستثناء دير حافر ومسكنة، تبدو نقاط انتشار التنظيم المتبقيّة شديدة الهشاشة وليست في حاجة إلى أكثر من تحرير المعقلين المذكورين. وفرض مسار العمليّات الذي انتهجه الجيش السوري حالة عزل لدير حافر، ما يجعلُها بحكم السّاقطة عسكريّاً، كما لا يُتوقّع أن تصمد مسكنة طويلاً.

 

ولا تقتصر مقدّمات هذا التهاوي على تراجع «داعش» المطّرد في ريف حلب الشرقي وتهاوي معاقله هناك تبعاً، بل ترتبط ارتباطاً عضويّاً بالضربات المتتالية التي مُني بها على غير جبهة (في سوريا، كما في العراق) ما قوّض أسطورة «التنظيم الذي لا يُقهر». ومن المسلم به أن مؤشّرات صعود وهبوط «داعش» في البلدين حافظت خلال السنوات الماضية على ترابط وشيج. وليس من قبيل المصادفة أن تتصاعد مع هذه الانكسارات مساعي اللاعبين المنخرطين في الحرب السوريّة إلى تصدّر مشهد «محاربة الإرهاب» متمثّلاً بالتنظيم في ظاهر الأمر، وإلى البحث عن حصص في «حفلة تقاسم التركة» في عمقه. من هذه الزاوية تغدو التحركات الأميركيّة الأخيرة (سياسياً وعسكريّاً) مفهومة ومتوقّعة، لا سيّما وأنّ «محاربة الإرهاب» يشكّل واحداً من العناوين البرّاقة في سجّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه. وبعد أن تركت الإدارة الأميركيّة مسافة زمنيّة ليست قصيرة بين تسلمها مقاليد الحكم وبين عودتها إلى المشهد السوري بشكل مُعلن، سجّلت خلال الأيام الأخيرة نشاطاً لافتاً. أبرز ملامح هذا التحرك أنّه يأتي بالمجمل على «ظهور الدبابات» بما يتناسب مع النهج الأميركي المعهود في معظم ملفّات المنطقة وأيّاً تكن الإدارة التي تتنطح لها (في واقع الأمر تشكّل العسكرتاريا ركناً أساسيّاً من أركان قيام الولايات المتحدة في حد ذاته، لا في سياساتها في المنطقة فحسب).

 

 

ينصبّ اهتمام دمشق وحلفائها على تحرير أكبر مساحة ممكنة من التنظيم

 

وعلاوةً على الزيارات الأميركية المتتالية (ما أُعلن منها وما لم يُعلن) إلى مناطق سيطرة «قوّات سوريا الديمقراطيّة» جاء اجتماع رئيس الأركان جوزيف دانفورد إلى نظيريه الروسي والتركي قبل يومين في أنطاليا، وتلته أمس زيارة بارزة لدانفورد إلى الأردن. وبالتزامن جاء الإعلان عن «إرسال مزيد من قوات مشاة البحرية الذين يعملون على إنشاء موقع للمدفعيّة» لتكتمل الصورة مع الكشف عن اجتماع تستضيفه الخارجيّة الأميركية لـ«68 دولة منخرطة في التحالف الدولي» وفي موعد يحمل دلالات هامّة إذ يتزامن مع الموعد المفترض لجولة «جنيف» القادمة. ويبدو من السذاجة الركون إلى أنّ الأنياب الأميركية تُشحذ بهدف القضاء على «داعش» كُرمى لعيون طرفٍ أو جهة، خاصّة وأن «المارينز» لم يسبق لهم أن دخلوا أرضاً وخرجوا منها «بسلام». وتنبغي الإشارة إلى الإصرار الأميركي على الاستثمار في العداوة بين حليفيها الأساسيين في الملف السوري حتى النّفس الأخير (أنقرة والأكراد)، والظهور في مظهر الساعي إلى «اتخاذ خطوات لمنع احتمالات الصدام» بين الطرفين على حد تعبير قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل. ويأتي ذلك فيما يتنامى التبني العسكري الأميركي لـ«قسد» وتتعاظم معه المخاوف التركيّة، من دون أن تتضّح معالم الخطوة التركيّة القادمة. ويمنح إصرار كلّ من موسكو وواشنطن على اجتذاب أنقرة فرصةً للأخيرة للتمايل بين الطرفين، وتشكّل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحاليّة إلى موسكو حلقةً جديدة في هذا الإطار. وتستثمر أنقرة الوقت في تجذير احتلالها العسكري لأراضٍ جديدة في الشمال السوري، مستفيدةً في الوقت نفسه من اعتبار دمشق أنّ الاحتلال التركي مسألة يمكن التفرّغ لحلّها في وقت لاحق، على ما يبدو.

وينصب اهتمام دمشق وحلفائها الميدانيين في الوقت الراهن على تحرير أكبر مساحة ممكنة من تنظيم «داعش» والاستعداد تالياً للانخراط في معركة تحرير الرقّة، وهو أمرٌ دونَه عقباتٌ يقتضي تذليلُها جهداً روسيّاً في التنسيق مع الولايات المتحدة. وعلى نحوٍ مماثلٍ تحرص «قوات سوريا الديمقراطية» على قضم أكبر مساحة ممكنة من ريفي الرقة الشمالي والشرقي قبل أن تدق الساعة الصفر لمعركة الرقّة الموعودة. وتحرص دمشق بدورها على اللعب بورقة العداء الوجودي بين أنقرة والأكراد، من دون أن يغيب عن الذهن أنّ اللعبة محفوفةٌ بالمخاطر. ورغم أنّ العلاقة مع «قسد» لا تُنذر باشتباك قريب بين الجيش السوري وبينها في المدى المنظور غير أنّ إصرار «مجلس سوريا الديمقراطيّة» على «إعلان الفيدراليّة في الوقت المناسب» قد يُشكّل بذرةً لواقعٍ مختلفٍ في العلاقة بين الطرفين. وتحرص «قسد» على اعتبار تحالفها مع الولايات المتحدة الأولوية الأبرز، ولا تستشعر «أي مخاطر» منه وفقاً لما أكّده غيرَ مرّة متحدثون باسمها لـ«الأخبار». ولا يبتعد «مجلس سوريا الديمقراطيّة» (الجسم السياسي) عن هذه «الرؤيا». ويسلّم «الرئيس المشترك للمجلس» رياض درار بأنّ «الدول الكبرى لها حساباتها ومصالحها، وعلينا أن نتابع حركتها لنرى أين نقف ومع من نتحالف»، لكنّه يرى أن التحالف مع الولايات المتحدة «مصلحةٌ مشتركة للطرفين». يقول درار لـ«الأخبار» إنّ «الأميركيين يريدون شريكًا أصيلاً من المنطقة في مواجهة الإرهاب ونحن نريدها فرصة لتمتين العلاقات العربية الكردية عبر مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية». يشرح درار خطط «المجلس» لتثمير «انتصارات الميدان سياسيّاً» بالقول إنّ «الإنجاز على الأرض يجعل الالتفاف حولك أكبر، ونحن نسعى لنكون نقطة جذب وتواصل لتحقيق أهداف كبرى من هزيمة الإرهاب والتطرف إلى بناء الدولة الديمقراطية على أسس متينة». ووسط هذه المعمعة ينبغي التنبّه إلى أنّ «داعش» بدوره يُعتبر واحداً من «أمهر» اللاعبين على التناقضات على امتداد الحرب السوريّة. وسبق للتنظيم المتطرّف أن رزح تحت سلسلة ضربات متتالية في كل من سوريا والعراق إلى حدّ أوحى بأنّه بدأ مسيرةً تنازليّة في مطلع العام 2015  قبل أن يعاود الانتفاض مستفيداً من تضارب مصالح اللاعبين. ورغم اختلاف الظروف الميدانيّة والسياسيّة بين المرحلتين، غير أنّ احتمالات تلقّي التنظيم دفعاً جديداً بالإفادة من «إنعاش» غير مباشر يقدمه أحد اللاعبين بغية إعادة خلط الأوراق يبقى أمراً وارداً في مشهديّة مماثلة بالغة التعقيد.

 

  • فريق ماسة
  • 2017-03-09
  • 13151
  • من الأرشيف

الجيش يُصفّي «داعش» في حلب ... وترامب قادم من «فوهة مدفع»!

 على وقع هزائمه المتتالية في سوريا والعراق دخل «داعش» في أضعف أطواره على الإطلاق، فيما تتزايد حمى العسكرتاريا الأميركيّة في تزامن أبعد ما يكون عن الاعتباطيّة.   وتكتسب «اللعبة» في سوريا تعقيدات إضافيّة في ضوء تمسّك الأطراف بالاستثمار في التناقضات واللعب «على كل الحبال»، في مرحلةٍ بالغة الحساسيّة من عمر الحرب   بات اندحارُ تنظيم «داعش» المتطرّف من محافظة حلب بأكملها مسألة وقت لا أكثر. وباستثناء دير حافر ومسكنة، تبدو نقاط انتشار التنظيم المتبقيّة شديدة الهشاشة وليست في حاجة إلى أكثر من تحرير المعقلين المذكورين. وفرض مسار العمليّات الذي انتهجه الجيش السوري حالة عزل لدير حافر، ما يجعلُها بحكم السّاقطة عسكريّاً، كما لا يُتوقّع أن تصمد مسكنة طويلاً.   ولا تقتصر مقدّمات هذا التهاوي على تراجع «داعش» المطّرد في ريف حلب الشرقي وتهاوي معاقله هناك تبعاً، بل ترتبط ارتباطاً عضويّاً بالضربات المتتالية التي مُني بها على غير جبهة (في سوريا، كما في العراق) ما قوّض أسطورة «التنظيم الذي لا يُقهر». ومن المسلم به أن مؤشّرات صعود وهبوط «داعش» في البلدين حافظت خلال السنوات الماضية على ترابط وشيج. وليس من قبيل المصادفة أن تتصاعد مع هذه الانكسارات مساعي اللاعبين المنخرطين في الحرب السوريّة إلى تصدّر مشهد «محاربة الإرهاب» متمثّلاً بالتنظيم في ظاهر الأمر، وإلى البحث عن حصص في «حفلة تقاسم التركة» في عمقه. من هذه الزاوية تغدو التحركات الأميركيّة الأخيرة (سياسياً وعسكريّاً) مفهومة ومتوقّعة، لا سيّما وأنّ «محاربة الإرهاب» يشكّل واحداً من العناوين البرّاقة في سجّل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريقه. وبعد أن تركت الإدارة الأميركيّة مسافة زمنيّة ليست قصيرة بين تسلمها مقاليد الحكم وبين عودتها إلى المشهد السوري بشكل مُعلن، سجّلت خلال الأيام الأخيرة نشاطاً لافتاً. أبرز ملامح هذا التحرك أنّه يأتي بالمجمل على «ظهور الدبابات» بما يتناسب مع النهج الأميركي المعهود في معظم ملفّات المنطقة وأيّاً تكن الإدارة التي تتنطح لها (في واقع الأمر تشكّل العسكرتاريا ركناً أساسيّاً من أركان قيام الولايات المتحدة في حد ذاته، لا في سياساتها في المنطقة فحسب).     ينصبّ اهتمام دمشق وحلفائها على تحرير أكبر مساحة ممكنة من التنظيم   وعلاوةً على الزيارات الأميركية المتتالية (ما أُعلن منها وما لم يُعلن) إلى مناطق سيطرة «قوّات سوريا الديمقراطيّة» جاء اجتماع رئيس الأركان جوزيف دانفورد إلى نظيريه الروسي والتركي قبل يومين في أنطاليا، وتلته أمس زيارة بارزة لدانفورد إلى الأردن. وبالتزامن جاء الإعلان عن «إرسال مزيد من قوات مشاة البحرية الذين يعملون على إنشاء موقع للمدفعيّة» لتكتمل الصورة مع الكشف عن اجتماع تستضيفه الخارجيّة الأميركية لـ«68 دولة منخرطة في التحالف الدولي» وفي موعد يحمل دلالات هامّة إذ يتزامن مع الموعد المفترض لجولة «جنيف» القادمة. ويبدو من السذاجة الركون إلى أنّ الأنياب الأميركية تُشحذ بهدف القضاء على «داعش» كُرمى لعيون طرفٍ أو جهة، خاصّة وأن «المارينز» لم يسبق لهم أن دخلوا أرضاً وخرجوا منها «بسلام». وتنبغي الإشارة إلى الإصرار الأميركي على الاستثمار في العداوة بين حليفيها الأساسيين في الملف السوري حتى النّفس الأخير (أنقرة والأكراد)، والظهور في مظهر الساعي إلى «اتخاذ خطوات لمنع احتمالات الصدام» بين الطرفين على حد تعبير قائد القيادة المركزية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل. ويأتي ذلك فيما يتنامى التبني العسكري الأميركي لـ«قسد» وتتعاظم معه المخاوف التركيّة، من دون أن تتضّح معالم الخطوة التركيّة القادمة. ويمنح إصرار كلّ من موسكو وواشنطن على اجتذاب أنقرة فرصةً للأخيرة للتمايل بين الطرفين، وتشكّل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحاليّة إلى موسكو حلقةً جديدة في هذا الإطار. وتستثمر أنقرة الوقت في تجذير احتلالها العسكري لأراضٍ جديدة في الشمال السوري، مستفيدةً في الوقت نفسه من اعتبار دمشق أنّ الاحتلال التركي مسألة يمكن التفرّغ لحلّها في وقت لاحق، على ما يبدو. وينصب اهتمام دمشق وحلفائها الميدانيين في الوقت الراهن على تحرير أكبر مساحة ممكنة من تنظيم «داعش» والاستعداد تالياً للانخراط في معركة تحرير الرقّة، وهو أمرٌ دونَه عقباتٌ يقتضي تذليلُها جهداً روسيّاً في التنسيق مع الولايات المتحدة. وعلى نحوٍ مماثلٍ تحرص «قوات سوريا الديمقراطية» على قضم أكبر مساحة ممكنة من ريفي الرقة الشمالي والشرقي قبل أن تدق الساعة الصفر لمعركة الرقّة الموعودة. وتحرص دمشق بدورها على اللعب بورقة العداء الوجودي بين أنقرة والأكراد، من دون أن يغيب عن الذهن أنّ اللعبة محفوفةٌ بالمخاطر. ورغم أنّ العلاقة مع «قسد» لا تُنذر باشتباك قريب بين الجيش السوري وبينها في المدى المنظور غير أنّ إصرار «مجلس سوريا الديمقراطيّة» على «إعلان الفيدراليّة في الوقت المناسب» قد يُشكّل بذرةً لواقعٍ مختلفٍ في العلاقة بين الطرفين. وتحرص «قسد» على اعتبار تحالفها مع الولايات المتحدة الأولوية الأبرز، ولا تستشعر «أي مخاطر» منه وفقاً لما أكّده غيرَ مرّة متحدثون باسمها لـ«الأخبار». ولا يبتعد «مجلس سوريا الديمقراطيّة» (الجسم السياسي) عن هذه «الرؤيا». ويسلّم «الرئيس المشترك للمجلس» رياض درار بأنّ «الدول الكبرى لها حساباتها ومصالحها، وعلينا أن نتابع حركتها لنرى أين نقف ومع من نتحالف»، لكنّه يرى أن التحالف مع الولايات المتحدة «مصلحةٌ مشتركة للطرفين». يقول درار لـ«الأخبار» إنّ «الأميركيين يريدون شريكًا أصيلاً من المنطقة في مواجهة الإرهاب ونحن نريدها فرصة لتمتين العلاقات العربية الكردية عبر مجلس سوريا الديمقراطية وقوات سوريا الديمقراطية». يشرح درار خطط «المجلس» لتثمير «انتصارات الميدان سياسيّاً» بالقول إنّ «الإنجاز على الأرض يجعل الالتفاف حولك أكبر، ونحن نسعى لنكون نقطة جذب وتواصل لتحقيق أهداف كبرى من هزيمة الإرهاب والتطرف إلى بناء الدولة الديمقراطية على أسس متينة». ووسط هذه المعمعة ينبغي التنبّه إلى أنّ «داعش» بدوره يُعتبر واحداً من «أمهر» اللاعبين على التناقضات على امتداد الحرب السوريّة. وسبق للتنظيم المتطرّف أن رزح تحت سلسلة ضربات متتالية في كل من سوريا والعراق إلى حدّ أوحى بأنّه بدأ مسيرةً تنازليّة في مطلع العام 2015  قبل أن يعاود الانتفاض مستفيداً من تضارب مصالح اللاعبين. ورغم اختلاف الظروف الميدانيّة والسياسيّة بين المرحلتين، غير أنّ احتمالات تلقّي التنظيم دفعاً جديداً بالإفادة من «إنعاش» غير مباشر يقدمه أحد اللاعبين بغية إعادة خلط الأوراق يبقى أمراً وارداً في مشهديّة مماثلة بالغة التعقيد.  

المصدر : صهيب عنجريني- الاخبار |


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة