عقدت الأمم المتحدة يوم أمس الاثنين “قمة اللاجئين” على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث توالت الخطابات من على منبرها تبكي وتذرف الدموع الغزيرة على أحوال هؤلاء، وضرورة تقديم العون لهم وإيجاد حلول جذرية لمعالجة هذه المأساة، بما في ذلك خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولكن لم يتطرق أي من المتحدثين الى الجوهر الأساسي لهذه المأساة، وهو التدخلات العسكرية الغربية، وعقوق الدول الغنية.

الرئيس أوباما دعا المجتمع الدولي لبذل المزيد من الجهود لمساعدة اللاجئين الفارين من النزاع في سورية وغيرها من الدول المنكوبة من الحروب، ولكنه لم يتطرق مطلقا الى دور بلاده في هذه النزاعات، وفشلها في إيجاد حلول لها، واغلاق أبوابها في وجوههم، واستقبال اعداد محدودة فقط، ذرا للرماد في العيون.

يتطلع المشاركون في هذه القمة الى جمع ثلاثة مليارات دولار تكون نواة صندوق لمساعدة اللاجئين، وهو رقم متواضع جدا لان دولة واحدة من الدول المتدخلة في الصراع في سورية دفعت ضعفي هذا المبلغ على شكل مساعدات مالية وصفقات أسلحة، اما الولايات المتحدة فدفعت نصف مليار دولار تدريب اقل من 300 متطوع وتسليحهم، هرب معظمهم في اول مواجهة.

***

جميع الدول الغنية، باستثناء المانيا، أغلقت أبوابها في وجه اللاجئين السوريين، ورصدت دول الاتحاد الأوربي مبلغ ستة مليارات دولار “رشوة” لتركيا لإغلاق حدودها في وجههم، ومنع ركوبهم قوارب الموت عبر موانئها للتسلل الى أوروبا بحثا عن الأمان، ولقمة عيش كريمة.

أكثر من سبعة آلاف لاجئ غرقوا في المتوسط في العامين الماضيين فقط، لان عمليات “الإنقاذ” توقفت جزئيا، وهناك تقارير تقول بأن بعض القوارب جرى اغراقها عمدا، بمن فيها في عرض البحر، وتقول تقارير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان العام المقبل سيشهد زيادة كبيرة في اعداد الضحايا.

الأمير محمد بن نايف، ولي عهد السعودية، الذي مثل بلاده في هذه القمة، قال في كلمته التي القاها أمس، ان بلاده استوعبت مليونين ونصف المليون لاجئ سوري، ولا نعرف كيف وصل هؤلاء الى السعودية، على ظهر طيور ابابيل مثلا؟ فالحدود السعودية مع الأردن والعراق مغلقة بالكامل، ولا تستطيع ذبابة التسلل عبرها، والمملكة العربية السعودية من أكثر، ان لم تكن أكثر، الدول تدخلا عسكريا وسياسيا في الملف السوري، وانفقت المليارات في هذا الإطار، والشيء نفسه يقال عن قطر والكويت والامارات، وان كنا نعترف بان المسألة نسبية.

الدول العربية الفقيرة المعدمة هي التي فتحت أبوابها، وقلوب شعوبها للاجئين السوريين، مثل لبنان الذي يوجد مليونان منهم على ارضه، أي نصف عدد سكانه، والأردن الذي يستضيف مليونين آخرين، أي ثلث اعداد مواطنيه، وهناك ملايين من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين، ولا ننسى السودان أيضا الذي لم يغلق ابوابه في وجه أي لاجئ سوري، والقائمة تطول.

***

 

 

الرئيس أوباما اعترف بان أكبر خطأ ارتكبه في فترتي رئاسته هو التدخل عسكريا في ليبيا، وابدى ندمه، وقبل أسبوع كررت لجنة تحقيق تابعة للبرلمان البريطاني الندم نفسه، ولكن بطريقة تنطوي على الكثير من المراوغة وانتقاء الكلمات بعناية فائقة، على الطريقة الإنكليزية، ولكن الرئيس أوباما، وأعضاء البرلمان البريطاني، لم يقولوا كلمة تعاطف واحدة مع أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ ليبي يعيشون في ظروف معيشية سيئة في دولتين عربيتين فقيرتين أيضا، لا تملكان نفطا، ولا ذهبا، وهما تونس ومصر.

من يريد حل مشكلة اللاجئين، ومن المؤلم ان الغالبية الساحقة منهم عرب ومسلمين، عليه ان يتوقف عن التدخل عسكريا في شؤونهم، وارسال القوات الخاصة والعامة لتخريب دولهم، وتحويلها الى دول فاشلة تسودها الفوضى الدموية، وبذر بذور الفتن، الطائفية والعرقية فيها لتأجيج الصراعات والحروب الاهلية.

منطقة الشرق الأوسط كلها، ودون أي استثناء تتعرض لـ “مؤامرة” لتفتيتها، واغراقها في الحروب، ونهب ثرواتها، وتسليط سيف الإرهاب فوق رؤوسها، وملاحقتها قانونيا، لامتصاص ارصدتها أولا، ورهن نفطها وغازها لعقود قادمة.. والأيام بيننا.

  • فريق ماسة
  • 2016-09-19
  • 8826
  • من الأرشيف

يتباكون على مأساة اللاجئين في “قمة” نيويورك؟ فمن خلق هذه المأساة؟

عقدت الأمم المتحدة يوم أمس الاثنين “قمة اللاجئين” على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حيث توالت الخطابات من على منبرها تبكي وتذرف الدموع الغزيرة على أحوال هؤلاء، وضرورة تقديم العون لهم وإيجاد حلول جذرية لمعالجة هذه المأساة، بما في ذلك خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ولكن لم يتطرق أي من المتحدثين الى الجوهر الأساسي لهذه المأساة، وهو التدخلات العسكرية الغربية، وعقوق الدول الغنية. الرئيس أوباما دعا المجتمع الدولي لبذل المزيد من الجهود لمساعدة اللاجئين الفارين من النزاع في سورية وغيرها من الدول المنكوبة من الحروب، ولكنه لم يتطرق مطلقا الى دور بلاده في هذه النزاعات، وفشلها في إيجاد حلول لها، واغلاق أبوابها في وجوههم، واستقبال اعداد محدودة فقط، ذرا للرماد في العيون. يتطلع المشاركون في هذه القمة الى جمع ثلاثة مليارات دولار تكون نواة صندوق لمساعدة اللاجئين، وهو رقم متواضع جدا لان دولة واحدة من الدول المتدخلة في الصراع في سورية دفعت ضعفي هذا المبلغ على شكل مساعدات مالية وصفقات أسلحة، اما الولايات المتحدة فدفعت نصف مليار دولار تدريب اقل من 300 متطوع وتسليحهم، هرب معظمهم في اول مواجهة. *** جميع الدول الغنية، باستثناء المانيا، أغلقت أبوابها في وجه اللاجئين السوريين، ورصدت دول الاتحاد الأوربي مبلغ ستة مليارات دولار “رشوة” لتركيا لإغلاق حدودها في وجههم، ومنع ركوبهم قوارب الموت عبر موانئها للتسلل الى أوروبا بحثا عن الأمان، ولقمة عيش كريمة. أكثر من سبعة آلاف لاجئ غرقوا في المتوسط في العامين الماضيين فقط، لان عمليات “الإنقاذ” توقفت جزئيا، وهناك تقارير تقول بأن بعض القوارب جرى اغراقها عمدا، بمن فيها في عرض البحر، وتقول تقارير للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة ان العام المقبل سيشهد زيادة كبيرة في اعداد الضحايا. الأمير محمد بن نايف، ولي عهد السعودية، الذي مثل بلاده في هذه القمة، قال في كلمته التي القاها أمس، ان بلاده استوعبت مليونين ونصف المليون لاجئ سوري، ولا نعرف كيف وصل هؤلاء الى السعودية، على ظهر طيور ابابيل مثلا؟ فالحدود السعودية مع الأردن والعراق مغلقة بالكامل، ولا تستطيع ذبابة التسلل عبرها، والمملكة العربية السعودية من أكثر، ان لم تكن أكثر، الدول تدخلا عسكريا وسياسيا في الملف السوري، وانفقت المليارات في هذا الإطار، والشيء نفسه يقال عن قطر والكويت والامارات، وان كنا نعترف بان المسألة نسبية. الدول العربية الفقيرة المعدمة هي التي فتحت أبوابها، وقلوب شعوبها للاجئين السوريين، مثل لبنان الذي يوجد مليونان منهم على ارضه، أي نصف عدد سكانه، والأردن الذي يستضيف مليونين آخرين، أي ثلث اعداد مواطنيه، وهناك ملايين من اللاجئين الفلسطينيين والعراقيين، ولا ننسى السودان أيضا الذي لم يغلق ابوابه في وجه أي لاجئ سوري، والقائمة تطول. ***     الرئيس أوباما اعترف بان أكبر خطأ ارتكبه في فترتي رئاسته هو التدخل عسكريا في ليبيا، وابدى ندمه، وقبل أسبوع كررت لجنة تحقيق تابعة للبرلمان البريطاني الندم نفسه، ولكن بطريقة تنطوي على الكثير من المراوغة وانتقاء الكلمات بعناية فائقة، على الطريقة الإنكليزية، ولكن الرئيس أوباما، وأعضاء البرلمان البريطاني، لم يقولوا كلمة تعاطف واحدة مع أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ ليبي يعيشون في ظروف معيشية سيئة في دولتين عربيتين فقيرتين أيضا، لا تملكان نفطا، ولا ذهبا، وهما تونس ومصر. من يريد حل مشكلة اللاجئين، ومن المؤلم ان الغالبية الساحقة منهم عرب ومسلمين، عليه ان يتوقف عن التدخل عسكريا في شؤونهم، وارسال القوات الخاصة والعامة لتخريب دولهم، وتحويلها الى دول فاشلة تسودها الفوضى الدموية، وبذر بذور الفتن، الطائفية والعرقية فيها لتأجيج الصراعات والحروب الاهلية. منطقة الشرق الأوسط كلها، ودون أي استثناء تتعرض لـ “مؤامرة” لتفتيتها، واغراقها في الحروب، ونهب ثرواتها، وتسليط سيف الإرهاب فوق رؤوسها، وملاحقتها قانونيا، لامتصاص ارصدتها أولا، ورهن نفطها وغازها لعقود قادمة.. والأيام بيننا.

المصدر : عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة