تتبلور يوما بعد يوم طبيعة الانقسام داخل الإدارة الأميركية حيال التطورات المتسارعة في مصر، مع وجود تيارين رئيسيين ينعكسان في أجنحة متنازعة في مراكز الأبحاث والكونغرس ومجموعات الضغط رغم قرار البيت الأبيض رفع الغطاء عن الرئيس المصري حسني مبارك وبدء التفكير العملي بتـفاصيل المرحلة الانتقالية.

هذه الرسالة الحازمة أوصلها المبعوث الأميركي والسفير السابق لدى مصر فرانك ويزنر إلى حسني مبارك في القاهرة بعدما اقتنع البيت الأبيض بأن الرئيس المصري لن يتخذ أي خطوة جدية بعد أيام من الأزمة المصرية، واكتملت الصورة الأميركية مع افتتاحية رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جون كيري في صحيفة الـ«نويورك تايمز» رأى فيها أن على مبارك أن «يقبل بأن استقرار بلده يتوقف على استعداده للتنحي»، ودعاه إلى الإعلان انه لن يترشح أو ابنه جمال إلى ولاية رئاسية هذا العام. وهنا لم يتجاوز كيري موقف الإدارة، أي لم يطالب برحيل فوري لمبارك، بل تحدث عن ضرورة إجراء نظام مبارك لانتخابات «صادقة ومفتوحة» والتنحي بطريقة «مشرفة» تمهيدا لـ«بنية سياسية جديدة».

لكن لم يتضح بعد من سيلعب الدور الرئيسي في المرحلة المقبلة مع بدء الإدارة الأميركية بلورة مفهومها لتعبير «انتقال منتظم للسلطة»، بحيث تحدث كيري عن مرحلة انتقالية بالتنسيق مع الجيش المصري والمجتمع المدني، بسبب إدراك واشنطن أن تظاهرات الامس في ميدان التحرير كانت حاسمة وأن الوقت ليس لصالحها. ومع استمرار القلق الأميركي من دور جماعة «الأخوان المسلمين»، لا يبدو أن هناك فيتو لمشــاركة محــتملة لها في الحكومة. وتركيز الادارة الاميركية في هذه المرحلة يبدو على دور نائب الرئيس عمر سليمان، في مقاربة تتفادى دفع مبارك فورا خارج السلطة، لأنه لم يكن لديها بكل بساطة خطة طوارئ لانهيار سريع لنظام مبارك.

وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اقترحت اسم ويزنر، المعروف بعلاقته الوثيقة مع مبارك، على مستشار الأمن القومي توم دونيلون، رغم أنه حاول منذ العام 2009 تشكيل فريق عمل من الباحثين والأكاديميين لتعزيز الروابط بين واشنطن ونظام مبارك، بمواجهة مجموعة ثانية من الباحثين والأكاديميين تضم اليوت ابرامز وميشال دان تريد مقاربة أميركية أكثر تصلبا حيال مبارك. وكان لافتا في هذا السياق تحقيق لصحيفة «واشنطن بوست» بالأمس تحدثت فيه عن دور مجموعات الضغط في واشنطن الموالية لنظام مبارك، مشيرة في هذا السياق إلى مجموعة «بي ال ام» التي تتألف من النائب الديموقراطي السابق توبي موفيت والنائب الجمهوري السابق والسياسي الديموقراطي المقرب من الرئيس باراك اوباما جون بوديستا. وقد حصلت هذه المجموعة على 1.1 مليون دولار سنويا منذ العام 2007، كما تمنح الحكومات المصريات اموالا لشركات علاقات عامة لتعزيز المساعدات العسكرية وعدم عرقلتها من الكونغرس مع دور المقاولين الاميركيين الذين لهم مكاسب رئيسية في العقود العسكرية التي توقع. وذكرت الصحيفة ان مجموعة الضغط هذه تعمل على تهدئة التوتر في الكونغرس حول ما يجري في مصر، بالتنسيق مع السفير المصري لدى واشنطن سامح شكري، وأكد موفيت في هذا السياق تمسك مجموعات الضغط بمساعدة مبارك.

ورغم محاولة البيت الابيض التقاط انفاسه ليستعيد تركيزه على الاقتصاد الاميركي، يدور النقاش حول المدى الذي سينخرط اوباما فيه في متابعة التطورات في الشرق الاوسط في مرحلة كان يفترض فيها ان يكون دخل في ذهنية الانتخابات الرئاسية، وبالتالي الى أي مدى ترك مسألة التعامل مع المنطقة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لكن القلق هو سيناريو اغلاق قناة السويس وتأثير هذا الامر الفوري على الاقتصاد الاميركي، ما يعني مضاعفات سلبية لا يحتاج اليها اوباما في هذه الفترة. وعقد اوباما بالامس اجتماعات متتالية مع نائبه جو بايدن وكلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس وفريق مستشاريه للامن القومي لبحث التطورات في مصر. واجرى غيتس اتصالا ثانيا بالامس بنظيره المصري المشير محمد حسين طنطاوي للتأكيد على حياد الجيش حيال التظاهرات الشعبية، في وقت أمرت فيه وزارة الخارجية الاميركية بمغادرة جميع الموظفين غير الضروريين وعائلاتهم من مصر في ضوء التطورات على الارض.

اما القيادات الجمهورية في الكونغرس فتبدو متمهلة وتحاول عدم اتخاذ المواقف الحاسمة وتترك لاوباما مهمة المغامرة والتعثر في هذه القضية الشائكة التي فيها حقوق الانسان ومصالح اسرائيل الاستراتيجية. وكانت الادارة الاميركية اوجزت لرئيس مجلس النواب جون بونر ورئيس الاقلية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل طبيعة ما يجري في مصر. وذكرت مصادر لـ«بوليتيكو» ان الادارة ابلغت قيادات الكونغرس انها لا تعتقد أن القيادي المصري المعارض محمد البرادعي سيكون في السلطة في نهاية المطاف، بينما طالب النائبان غاريك اكيرمان ودينيس كوتسينيتش بتعليق المساعدات لمصر كوسيلة للضغط على حسني مبارك للتنحي، ما يعكس كالعادة تحفظ القاعدة اليسارية عن سياسة اوباما الخارجية.
  • فريق ماسة
  • 2011-02-01
  • 11421
  • من الأرشيف

البيت الأبيض يطوي صفحة مبارك والتفكير بدأ بالمرحلة الانتقالية

تتبلور يوما بعد يوم طبيعة الانقسام داخل الإدارة الأميركية حيال التطورات المتسارعة في مصر، مع وجود تيارين رئيسيين ينعكسان في أجنحة متنازعة في مراكز الأبحاث والكونغرس ومجموعات الضغط رغم قرار البيت الأبيض رفع الغطاء عن الرئيس المصري حسني مبارك وبدء التفكير العملي بتـفاصيل المرحلة الانتقالية. هذه الرسالة الحازمة أوصلها المبعوث الأميركي والسفير السابق لدى مصر فرانك ويزنر إلى حسني مبارك في القاهرة بعدما اقتنع البيت الأبيض بأن الرئيس المصري لن يتخذ أي خطوة جدية بعد أيام من الأزمة المصرية، واكتملت الصورة الأميركية مع افتتاحية رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ السيناتور جون كيري في صحيفة الـ«نويورك تايمز» رأى فيها أن على مبارك أن «يقبل بأن استقرار بلده يتوقف على استعداده للتنحي»، ودعاه إلى الإعلان انه لن يترشح أو ابنه جمال إلى ولاية رئاسية هذا العام. وهنا لم يتجاوز كيري موقف الإدارة، أي لم يطالب برحيل فوري لمبارك، بل تحدث عن ضرورة إجراء نظام مبارك لانتخابات «صادقة ومفتوحة» والتنحي بطريقة «مشرفة» تمهيدا لـ«بنية سياسية جديدة». لكن لم يتضح بعد من سيلعب الدور الرئيسي في المرحلة المقبلة مع بدء الإدارة الأميركية بلورة مفهومها لتعبير «انتقال منتظم للسلطة»، بحيث تحدث كيري عن مرحلة انتقالية بالتنسيق مع الجيش المصري والمجتمع المدني، بسبب إدراك واشنطن أن تظاهرات الامس في ميدان التحرير كانت حاسمة وأن الوقت ليس لصالحها. ومع استمرار القلق الأميركي من دور جماعة «الأخوان المسلمين»، لا يبدو أن هناك فيتو لمشــاركة محــتملة لها في الحكومة. وتركيز الادارة الاميركية في هذه المرحلة يبدو على دور نائب الرئيس عمر سليمان، في مقاربة تتفادى دفع مبارك فورا خارج السلطة، لأنه لم يكن لديها بكل بساطة خطة طوارئ لانهيار سريع لنظام مبارك. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون اقترحت اسم ويزنر، المعروف بعلاقته الوثيقة مع مبارك، على مستشار الأمن القومي توم دونيلون، رغم أنه حاول منذ العام 2009 تشكيل فريق عمل من الباحثين والأكاديميين لتعزيز الروابط بين واشنطن ونظام مبارك، بمواجهة مجموعة ثانية من الباحثين والأكاديميين تضم اليوت ابرامز وميشال دان تريد مقاربة أميركية أكثر تصلبا حيال مبارك. وكان لافتا في هذا السياق تحقيق لصحيفة «واشنطن بوست» بالأمس تحدثت فيه عن دور مجموعات الضغط في واشنطن الموالية لنظام مبارك، مشيرة في هذا السياق إلى مجموعة «بي ال ام» التي تتألف من النائب الديموقراطي السابق توبي موفيت والنائب الجمهوري السابق والسياسي الديموقراطي المقرب من الرئيس باراك اوباما جون بوديستا. وقد حصلت هذه المجموعة على 1.1 مليون دولار سنويا منذ العام 2007، كما تمنح الحكومات المصريات اموالا لشركات علاقات عامة لتعزيز المساعدات العسكرية وعدم عرقلتها من الكونغرس مع دور المقاولين الاميركيين الذين لهم مكاسب رئيسية في العقود العسكرية التي توقع. وذكرت الصحيفة ان مجموعة الضغط هذه تعمل على تهدئة التوتر في الكونغرس حول ما يجري في مصر، بالتنسيق مع السفير المصري لدى واشنطن سامح شكري، وأكد موفيت في هذا السياق تمسك مجموعات الضغط بمساعدة مبارك. ورغم محاولة البيت الابيض التقاط انفاسه ليستعيد تركيزه على الاقتصاد الاميركي، يدور النقاش حول المدى الذي سينخرط اوباما فيه في متابعة التطورات في الشرق الاوسط في مرحلة كان يفترض فيها ان يكون دخل في ذهنية الانتخابات الرئاسية، وبالتالي الى أي مدى ترك مسألة التعامل مع المنطقة لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، لكن القلق هو سيناريو اغلاق قناة السويس وتأثير هذا الامر الفوري على الاقتصاد الاميركي، ما يعني مضاعفات سلبية لا يحتاج اليها اوباما في هذه الفترة. وعقد اوباما بالامس اجتماعات متتالية مع نائبه جو بايدن وكلينتون ووزير الدفاع روبرت غيتس وفريق مستشاريه للامن القومي لبحث التطورات في مصر. واجرى غيتس اتصالا ثانيا بالامس بنظيره المصري المشير محمد حسين طنطاوي للتأكيد على حياد الجيش حيال التظاهرات الشعبية، في وقت أمرت فيه وزارة الخارجية الاميركية بمغادرة جميع الموظفين غير الضروريين وعائلاتهم من مصر في ضوء التطورات على الارض. اما القيادات الجمهورية في الكونغرس فتبدو متمهلة وتحاول عدم اتخاذ المواقف الحاسمة وتترك لاوباما مهمة المغامرة والتعثر في هذه القضية الشائكة التي فيها حقوق الانسان ومصالح اسرائيل الاستراتيجية. وكانت الادارة الاميركية اوجزت لرئيس مجلس النواب جون بونر ورئيس الاقلية في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل طبيعة ما يجري في مصر. وذكرت مصادر لـ«بوليتيكو» ان الادارة ابلغت قيادات الكونغرس انها لا تعتقد أن القيادي المصري المعارض محمد البرادعي سيكون في السلطة في نهاية المطاف، بينما طالب النائبان غاريك اكيرمان ودينيس كوتسينيتش بتعليق المساعدات لمصر كوسيلة للضغط على حسني مبارك للتنحي، ما يعكس كالعادة تحفظ القاعدة اليسارية عن سياسة اوباما الخارجية.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة