دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
عندما يظهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رغبته في تغيير سياسته اتجاه سورية يعتقد بعض السوريين، على مستوى المسؤولية، أن التدخل التركي في سورية بات في نهاياته. وكنا قد قلنا، وفي وقت مبكر، إن أردوغان ينتظر، او يتمنى، رسالة سورية ليجيب عليها فوراً بإيجابية. لكن على المدى البعيد، وحتى على المدى المتوسط، هذا لا يعني زوال الخصومة. وهناك عاملان حاسمان يظهران هذه النتيجة:
أولاً: الجو النفسي ليس مؤاتياً. يعني لا يستطيع أحد في سورية أن يقفز فوق دماء الشهداء ومشاعر عائلاتهم ومحبيهم.
ثانياً: نية أردوغان ليست في المصالحة التامة، أو بالأحرى حتى لو كانت نيته خالصة في إبرام المصالحة مع سورية، فإنه لن يلبث أن يتراجع عنها. ما يحصل هو أن عقل أردوغان، الذي يفكر بطريقة أحادية لا تتمكن من مقاربة عدة ملفات بآن معاً، يتمنى أن يحقق عكس ما حصل قبل عامين عندما تفاهم مع القوات الكردية على أساس الخصومة لدمشق، ولكنه غدر بالأكراد. والآن يريد أن يفعل نفس الشيء ولكن بالعكس؛ أي يريد التحالف مع دمشق ضد الأكراد مؤقتاً ريثما يسترد قوته فيعود لطعن دمشق مجدداً.
ما من شك في أن لدمشق من الكفاءة السياسية ما يجعلها منيعة ضد لعبة رخيصة كهذه، فهي بالنهاية الدولة التي خاضت غمار مفاوضات شاقة أنهكت كيان الاحتلال، وأنهكت رئيس أمريكا وقتها بيل كلينتون. والجهاز السياسي لها هو من أفشل عشرات مبادرات الاستسلام للصهاينة. لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى حسن الظن الزائد لدى من قد يعتقد بأنه يمكن طي الصفحة بهذه السهولة.
من جهة أخرى لا بد من بحث مسألة تسليح تركيا للتنظيمات المعارضة، ومن ضمنها التنظيمات التكفيرية كجبهة النصرة وأحرار الشام، والسؤال هنا هو هل أن أردوغان قادر فعلاً على إيقاف هذا التسليح؟
الجواب هو أن أردوغان، وحتى لو أراد مخلصاً ان يوقف تسليح بلاده للتنظيمات في سورية، فإنه غير قادر على ذلك؛ فقد صنع، خلال أوقات الجنون والهوس التركي بحلم إسقاط الرئيس بشار الأسد، آلة هائلة تمتد داخل الدولة التركية بمؤسساتها العسكرية والمدنية والأمنية، وفيها شبكات مصالح شخصية للكثير من كبار المسؤولين ممن لن يتوقفوا بسهولة عن ممارسة تجارة السلاح والمقاتلين المربحة. وسيكون صعباً على أردوغان محاربتهم كون جزء منهم هم من نفس دائرته الضيقة، بل قد يكونون من أقاربه كما توحي الكثير من المعطيات.
من هنا، ولأن أردوغان يعلم بأنه غير قادر على ترويض وحش التسليح الذي صنعه بنفسه، فهو لن يقبل بالإيقاف المباشر للتسليح، وسيحاول تقطيع الوقت مع السوريين عبر المماطلة وتشكيل اللجان المشتركة الطويلة، والتي سيطلب منها إجراء دراسات وتقديم مقترحات، سيصار إلى دراستها من قبل لجان أخرى، وستقدم هذه رأيها، الذي قد يتم نقضه وإعادة الدراسة من جديد، وهكذا وصولاً إلى عدم تحقيق شيء من الهدف الأساسي، وهو إيقاف التسليح. ولكن يكون أردوغان قد ربح وقتاً ثميناً تفرغ خلاله لمعالجة التمرد الكردي في جنوب شرق البلاد.
ولأن دمشق، بحسب ما يبدو، عالمة بنوايا أردوغان فقد أطلقت عمليات جديدة في حلب وريفها ضمن مجال النفوذ التقليدي لتركيا وحلفائها، وكأنها تقول له: الكلمة الفصل للسيف!
المصدر :
آسيا نيوز/سومر سلطان
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة