أصوات معركة ريف حلب الجنوبي المتواصلة، بين الجيش السوري من جهة وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) وحركة أحرار الشام من جهة أخرى، لم تحجب تصاعد الخلافات داخل الأخيرة، والتي بلغت مستويات عليا، رغم محاولة قادتها والداعمين الخارجيين لملمة الوضع، وبرز هذا واضحاً في الصورة المشتركة التي جمعت القائد العسكري السابق للحركة أبو صالح طحان، مع الشرعي السابق أبو محمد الصادق على جبهة ريف حلب. وكشفت هذه الصورة الكثير مما حاولت الحركة إخفاؤه خلال الفترة الاخيرة.

 المشترك بين الرجلين، هو أنهما يتبعان التيار “القاعدي” داخل احرار الشام، مقابل التيار “الاخواني”، وفق المصطلحات المتداولة لدى مؤيدي هذه الجماعة، والرجلان تم إقصاؤهما من قيادة الحركة، حيث كان طحان قائداً عسكرياً عاماً، وكان ابو محمد الشرعي العام، في إطار تحولات فكرية داخل أحرار الشام، ونزعها الثوب “السلفي”، والتوجه نحو “الإعتدال التركي”.

 وخلت أحرار الشام من وجوه التيار السلفي، بين “عزل” كأبو شعيب المصري، و “استقالة” كأبو صالح طحان، واغتيال في ظروف غامضة، كما حصل مع “ابو راتب الحمصي”، بعدما أشاد بعملية باريس، في مطلع العام الحالي، والتي تبناها تنظيم “داعش”.

 ورغم قرار الحركة “قبول استقالة” ابو صالح طحان، غير أن الأخير ظهر وبقوة في معارك ريف حلب الجنوبي الحالية، من خلال إدارته للعمليات، بالتزامن مع حملة للعديد من أنصار الحركة وقادتها على مواقع التواصل الإجتماعي، طالبت بعودته إلى منصبه.

 وبدا لافتا، مهاجمة أبو محمد الصادق خلال مشاركته على جبهة ريف حلب الجنوبي، من وصفه بالمرتد “الذي بدل طريقه، وترك ثوابته”. وفي كلمته التي كان يقف إلى جانبه فيها ابو صالح طحان، انتقد من وصفهم “اللائمين والمغرضين” و “أهل الرخص والتنازلات”، وقال إن هؤلاء “لا يبنون مجداً”. كلام أبو محمد والذي نشر في شريط فيديو حمل عنوان “طريق العز”، فُهم أنه رسالة إلى باقي الأجنحة داخل أحرار الشام، التي تسعى إلى مهادنة دول الإقليم والغرب، والدخول في لعبة السياسة، من خلال القبول بالهدنة الروسية – الأميركية، وفك الارتباط مع جبهة النصرة.

 لكن يبدو أن أبو محمد الصادق وأبو صالح طحان، ما زالا يتمتعان بنفوذ واسع داخل حركة أحرار الشام، خصوصاً لدى الجناح العسكري، والمعروف بولائه لفكر “القاعدة”، من خلال مشاركة العديد من الوية الحركة إلى جانب النصرة في معظم المعارك التي وقعت في الآونة الأخيرة، خصوصاً “لواء المدفعية”.

 مخالفة الحناج العسكري لقرار القيادة السياسية، أمر سيكون له تداعيات كبيرة على الوضع الداخلي للحركة، رغم ما تبديه ظاهرياً من تماسك، وسيؤدي بالطبع إلى خلخلة التركيبة البنيوية لها، وقد تشهد الأيام القادمة “نزوحاً” لبعض عناصر الحركة وقادتها من احرار الشام إلى جبهة النصرة.

 احرار الشام في الحضن التركي بالكامل

 

هذه التطورات أكدت حدوث إنشقاق كبير داخل حركة احرار الشام، بيد أن الحركة قد توجهت بشكل كلي إلى تركيا، وازاحت كل الشخصيات التي قد تتسبب بحرج لسياسة أنقرة، الساعية إلى تقديم احرار الشام كطرف مفاوض في جنيف، وكجهة معتدلة ومقبولة لدى الإدارة الأميركية.

 وقدمت الحركة أوراق اعتمداها إلى الجانب التركي، عبر حمل لواء محاربة الأكراد في حي الشيخ مقصود بحلب خصوصاً، وإلى الجانب الاميركي بمحاربة داعش في بعض مناطق الريف الشمالي، ما جعلها الطرف الأكثر مقبولية من قبل أنقرة، لا سيما في هذه المرحلة، حيث تتقاطع التوازنات الدولية في هذه المنطقة من سوريا، وسط حاجة تركية ملحة إلى طرف يدين لها بالولاء الكامل، وينفذ لها طموحها بمنطقة عازلة في الشمال السوري.

 وفي هذا الإطار، فإن القائد العسكري الجديد لاحرار الشام المعين بدلا عن طحان المدعو “ابو عبد الله الشامي”، هو من المكون التركماني في سوريا، والمعروف بولاء العديد من شخصياته القومي لتركيا. وبحسب المعلومات التي تناقستها حسابات مؤيدة لأحرار الشام، فإن الشامي يحمل فكر “الإخوان المسلمين”، ويعتبر من دعاة التقارب مع الدول الغربية.

 وبذلك، يكون “طحان” الثمن الذي دفعته احرار الشام، مقابل الرضى الدولي، وقطعت به أحد آخر نقاط الإلتقاء مع النصرة، في ظل دعوات روسية للجماعات المسلحة، إلى الإبتعاد عن الجبهة. فهل تُرك جناح القاعدة الرسمي في سوريا وحيداً بمواجهة مصيره الحتمي، أم أنه لا يزال في جعبة هذا التنظيم الإرهابي اوراق مناورة.

  • فريق ماسة
  • 2016-06-05
  • 15736
  • من الأرشيف

مليشيات(أحرار الشام) على أبواب الانقسام

أصوات معركة ريف حلب الجنوبي المتواصلة، بين الجيش السوري من جهة وجبهة النصرة (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) وحركة أحرار الشام من جهة أخرى، لم تحجب تصاعد الخلافات داخل الأخيرة، والتي بلغت مستويات عليا، رغم محاولة قادتها والداعمين الخارجيين لملمة الوضع، وبرز هذا واضحاً في الصورة المشتركة التي جمعت القائد العسكري السابق للحركة أبو صالح طحان، مع الشرعي السابق أبو محمد الصادق على جبهة ريف حلب. وكشفت هذه الصورة الكثير مما حاولت الحركة إخفاؤه خلال الفترة الاخيرة.  المشترك بين الرجلين، هو أنهما يتبعان التيار “القاعدي” داخل احرار الشام، مقابل التيار “الاخواني”، وفق المصطلحات المتداولة لدى مؤيدي هذه الجماعة، والرجلان تم إقصاؤهما من قيادة الحركة، حيث كان طحان قائداً عسكرياً عاماً، وكان ابو محمد الشرعي العام، في إطار تحولات فكرية داخل أحرار الشام، ونزعها الثوب “السلفي”، والتوجه نحو “الإعتدال التركي”.  وخلت أحرار الشام من وجوه التيار السلفي، بين “عزل” كأبو شعيب المصري، و “استقالة” كأبو صالح طحان، واغتيال في ظروف غامضة، كما حصل مع “ابو راتب الحمصي”، بعدما أشاد بعملية باريس، في مطلع العام الحالي، والتي تبناها تنظيم “داعش”.  ورغم قرار الحركة “قبول استقالة” ابو صالح طحان، غير أن الأخير ظهر وبقوة في معارك ريف حلب الجنوبي الحالية، من خلال إدارته للعمليات، بالتزامن مع حملة للعديد من أنصار الحركة وقادتها على مواقع التواصل الإجتماعي، طالبت بعودته إلى منصبه.  وبدا لافتا، مهاجمة أبو محمد الصادق خلال مشاركته على جبهة ريف حلب الجنوبي، من وصفه بالمرتد “الذي بدل طريقه، وترك ثوابته”. وفي كلمته التي كان يقف إلى جانبه فيها ابو صالح طحان، انتقد من وصفهم “اللائمين والمغرضين” و “أهل الرخص والتنازلات”، وقال إن هؤلاء “لا يبنون مجداً”. كلام أبو محمد والذي نشر في شريط فيديو حمل عنوان “طريق العز”، فُهم أنه رسالة إلى باقي الأجنحة داخل أحرار الشام، التي تسعى إلى مهادنة دول الإقليم والغرب، والدخول في لعبة السياسة، من خلال القبول بالهدنة الروسية – الأميركية، وفك الارتباط مع جبهة النصرة.  لكن يبدو أن أبو محمد الصادق وأبو صالح طحان، ما زالا يتمتعان بنفوذ واسع داخل حركة أحرار الشام، خصوصاً لدى الجناح العسكري، والمعروف بولائه لفكر “القاعدة”، من خلال مشاركة العديد من الوية الحركة إلى جانب النصرة في معظم المعارك التي وقعت في الآونة الأخيرة، خصوصاً “لواء المدفعية”.  مخالفة الحناج العسكري لقرار القيادة السياسية، أمر سيكون له تداعيات كبيرة على الوضع الداخلي للحركة، رغم ما تبديه ظاهرياً من تماسك، وسيؤدي بالطبع إلى خلخلة التركيبة البنيوية لها، وقد تشهد الأيام القادمة “نزوحاً” لبعض عناصر الحركة وقادتها من احرار الشام إلى جبهة النصرة.  احرار الشام في الحضن التركي بالكامل   هذه التطورات أكدت حدوث إنشقاق كبير داخل حركة احرار الشام، بيد أن الحركة قد توجهت بشكل كلي إلى تركيا، وازاحت كل الشخصيات التي قد تتسبب بحرج لسياسة أنقرة، الساعية إلى تقديم احرار الشام كطرف مفاوض في جنيف، وكجهة معتدلة ومقبولة لدى الإدارة الأميركية.  وقدمت الحركة أوراق اعتمداها إلى الجانب التركي، عبر حمل لواء محاربة الأكراد في حي الشيخ مقصود بحلب خصوصاً، وإلى الجانب الاميركي بمحاربة داعش في بعض مناطق الريف الشمالي، ما جعلها الطرف الأكثر مقبولية من قبل أنقرة، لا سيما في هذه المرحلة، حيث تتقاطع التوازنات الدولية في هذه المنطقة من سوريا، وسط حاجة تركية ملحة إلى طرف يدين لها بالولاء الكامل، وينفذ لها طموحها بمنطقة عازلة في الشمال السوري.  وفي هذا الإطار، فإن القائد العسكري الجديد لاحرار الشام المعين بدلا عن طحان المدعو “ابو عبد الله الشامي”، هو من المكون التركماني في سوريا، والمعروف بولاء العديد من شخصياته القومي لتركيا. وبحسب المعلومات التي تناقستها حسابات مؤيدة لأحرار الشام، فإن الشامي يحمل فكر “الإخوان المسلمين”، ويعتبر من دعاة التقارب مع الدول الغربية.  وبذلك، يكون “طحان” الثمن الذي دفعته احرار الشام، مقابل الرضى الدولي، وقطعت به أحد آخر نقاط الإلتقاء مع النصرة، في ظل دعوات روسية للجماعات المسلحة، إلى الإبتعاد عن الجبهة. فهل تُرك جناح القاعدة الرسمي في سوريا وحيداً بمواجهة مصيره الحتمي، أم أنه لا يزال في جعبة هذا التنظيم الإرهابي اوراق مناورة.

المصدر : موقع المنار/أحمد فرحات


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة