تصادف هذه الايام الذكرى الثالثة لتنازل الامير السابق حمد بن خليفة آل ثاني عن العرش لنجله الشيخ تميم بن حمد، وادى هذا التغيير الطوعي الى خروج رجل قطر القوي في حينها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني من جميع مناصبه في الدولة،

  بما في ذلك رئاسة الوزراء ووزراة الخارجية، ورئاسة الصندوق القطري للاستشمار، وتفرغ لاعماله التجارية، حيث تقدر ثروته واستثماراته في حدود 13 مليار دولار، وهناك من يقول بأن الرقم اكبر، واكتفى بمنصب “صوري” وهو وزير مفوض، او مستشار، في السفارة القطرية في لندن للتمتع بحصانة دبلوماسية تحميه من اي ملاحقات قضائية، وتسهل اقامته وتحركاته في الوقت نفسه.

 السؤال المحير الذي كان يتردد في الديوانيات داخل قطر، وعلى السنة البعض خارجها، هو عن اسباب صمت الشيخ بن جاسم طوال السنوات الثلاث الماضية، وهو الذي كان شاغل الكرة الارضية، عندما كان في الحكم؟ وهل تم هذا الصمت في اطار اتفاق “عائلي” لتسهيل مهمة الامير الشاب تميم، واعفائه من تبعات سياسات تلك المرحلة من سياسات قطر الاكثر صخبا وضجيجا؟

 من الصعب الاجابة على هذه التساؤلات المهمة والملحة في آن، وكل ما يمكن قوله ان العلاقة التي تربطه بصديقه الامير السابق حمد بن خليفة ما زالت قوية، وبعض جوانبها اقتصادي، ويلتقيان بصفة دورية داخل قطر وخارجها، ولكن مع فارق اساسي، وهو ان الامير السابق ما زال “في الصورة”، ويدير “مجلس حكم” من خلف الستار لمساعدة الامير الابن، وتقديم “استشارات” له حين يريدها في بعض الشؤون الداخلية والخارجية، وبات يحمل لقبا رسميا في الدولة وهو “الامير الوالد”، اما الشيخ بن جاسم فأصبح بعيدا بشكل مباشر او غير مباشر عن الحكم ودوائره، ومتفرغا لاستثماراته واعماله التجارية.

 مصادر قطرية قالت في جلسة خاصة، وصلت بعض خيوطها العريضة لـ”راي اليوم”، ان الشيخ بن جاسم بدأ يشعر بحالة من الملل والحنين في الوقت نفسه للعودة الى دائرة الاضواء مجددا، وقال وزير خليجي انه اتصل به ليهنئه بمقدم شهر رمضان المبارك ومازحه قائلا: “انا لم اعد في الحكم، ولذلك ابادر بالاتصال بكم كمواطن لابقاء اواصر الصداقة”.

 خطوتان رئيسيتان اقدم عليهما حمد بن جاسم في الايام القليلة الماضية عكسا هذا الحنين الى العودة والرغبة في كسر حاجز الصمت:

 الاولى: اعطائه حديثا مطولا مع الصحافية رولا خلف، نائبة رئيس تحرير صحيفة “الفايننشال تايمز″ نشرته على صفحة كاملة قبل شهر، وتحدث فيه عن التدخل الخليجي والقطري بالذات في سوريا وكشف كيف تولت السعودية مقعد القيادة من قطر واحالتها الى المقاعد الخلفية، واشاد بدهاء المفاوض الايراني، وانحاز الى جانب الرئيس الاميركي باراك اوباما فيما يتعلق بإحباطه من العرب، واعترف بدعم بلاده احد الفصائل الليبية.

 الثانية: ظهور الشيخ بن جاسم في محاضرة في المعهد الملكي للدرسات الاستراتيجية (تشاتام هاوس)، والقائه محاضرة تحدث فيها عن الشؤون الدولية في 25 تشرين الثاني (نوفمير) الماضي، وفاجأ الحضور بامتداح التدخل الروسي العسكري في سوريا، وشدد على ضرورة ارسال دول الخليج  قوات لمحاربة “داعش” في سوريا، وانتقد استبعاد هذه الدول من مفاوضات الدول الكبرى مع ايران حول برنامجها النووي. ومن المفارقة ان من رتب هذه المحاضرة هو نفسه الذي رتب المقابلة الاخيرة مع “الفايننشال تايمز″.

 الثالثة: ارسال حمد بن جاسم بيانا الى وكالة “رويترز″ للأنباء قبل يومين اعرب فيه عن امله، وهو ابرز كبار المستثمرين في لندن، ان يصوت البريطانيون للبقاء في الاتحاد الاوروبي في الاستفتاء الذي سيجري في هذا المضمار في 23 حزيران (يونيو) الحالي، وبرر ذلك بقوله “في الشرق الاوسط نريد جميعا ان نرى اوروبا قوية ونعتقد ان التكامل الاقتصادي امر حيوي لتعزيز قوتها”.

 هذه الاطلالات الاعلامية والسياسية الثلاث، وفي لندن على وجه الخصوص، توحي بأن الرجل يبحث عن “دور ما” في منطقة حافلة بالاحداث والمتغيرات في منطقة مثل “الشرق الاوسط”، ولكن من الصعب معرفة هذا الدور، ولكن ليس من الصعب محاولة التكهن به.

 مصادر خليجية قالت لـ”راي اليوم” ان الرجل كان يبحث، او بالاحرى يطمح بمركزين: الاول ان يتولى منصب الامين العام لجامعة الدول العربية، والثاني منصب الامين العام للامم المتحدة.

 المنصب الاول “طار” منه بفضل الانقلاب العسكري المدعوم باحتجاجات شعبية، الذي اطاح بحكم الرئيس الاخواني محمد مرسي، وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، وجرى اختيار السيد احمد ابو الغيط وزير خارجية مصر الاسبق كأمين عام جديد للجامعة خلفا للسيد نبيل العربي، الذي فضل المغادرة وعدم التجديد، ولذلك لم يبق الا منصب الامين العام للامم المتحدة، حيث اوشكت فترة الامين العام الحالي بان كي مون على الانتهاء في ايلول (سبتمبر) المقبل.

 فرص الشيخ بن جاسم بتولي الامانة العامة للامم المتحدة ربما ستكون افضل او شبه مؤكدة ان الامور في سوريا ومصر واليمن سارت وفق رياح السياسة الخليجية والقطرية بشكل خاص، ولكنها لم تكن كذلك الا اذا حدثت “معجزة ما”.

  بن جاسم سيواصل المحاولات قطعا، والاكثار من الظهور الاعلامي، لانه يعلم جيدا، وهو الذي يعتبر من ابرز مؤسسي قناة “الجزيرة” القطرية بعد الشيخ حمد بن خليفة “الامير الوالد”، مدى اهمية الاعلام ونفوذه في الوقت الراهن.

  • فريق ماسة
  • 2016-06-04
  • 14308
  • من الأرشيف

هل يصبح حمد بن جاسم أميناً عاماً للامم المتحدة؟!

تصادف هذه الايام الذكرى الثالثة لتنازل الامير السابق حمد بن خليفة آل ثاني عن العرش لنجله الشيخ تميم بن حمد، وادى هذا التغيير الطوعي الى خروج رجل قطر القوي في حينها الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني من جميع مناصبه في الدولة،   بما في ذلك رئاسة الوزراء ووزراة الخارجية، ورئاسة الصندوق القطري للاستشمار، وتفرغ لاعماله التجارية، حيث تقدر ثروته واستثماراته في حدود 13 مليار دولار، وهناك من يقول بأن الرقم اكبر، واكتفى بمنصب “صوري” وهو وزير مفوض، او مستشار، في السفارة القطرية في لندن للتمتع بحصانة دبلوماسية تحميه من اي ملاحقات قضائية، وتسهل اقامته وتحركاته في الوقت نفسه.  السؤال المحير الذي كان يتردد في الديوانيات داخل قطر، وعلى السنة البعض خارجها، هو عن اسباب صمت الشيخ بن جاسم طوال السنوات الثلاث الماضية، وهو الذي كان شاغل الكرة الارضية، عندما كان في الحكم؟ وهل تم هذا الصمت في اطار اتفاق “عائلي” لتسهيل مهمة الامير الشاب تميم، واعفائه من تبعات سياسات تلك المرحلة من سياسات قطر الاكثر صخبا وضجيجا؟  من الصعب الاجابة على هذه التساؤلات المهمة والملحة في آن، وكل ما يمكن قوله ان العلاقة التي تربطه بصديقه الامير السابق حمد بن خليفة ما زالت قوية، وبعض جوانبها اقتصادي، ويلتقيان بصفة دورية داخل قطر وخارجها، ولكن مع فارق اساسي، وهو ان الامير السابق ما زال “في الصورة”، ويدير “مجلس حكم” من خلف الستار لمساعدة الامير الابن، وتقديم “استشارات” له حين يريدها في بعض الشؤون الداخلية والخارجية، وبات يحمل لقبا رسميا في الدولة وهو “الامير الوالد”، اما الشيخ بن جاسم فأصبح بعيدا بشكل مباشر او غير مباشر عن الحكم ودوائره، ومتفرغا لاستثماراته واعماله التجارية.  مصادر قطرية قالت في جلسة خاصة، وصلت بعض خيوطها العريضة لـ”راي اليوم”، ان الشيخ بن جاسم بدأ يشعر بحالة من الملل والحنين في الوقت نفسه للعودة الى دائرة الاضواء مجددا، وقال وزير خليجي انه اتصل به ليهنئه بمقدم شهر رمضان المبارك ومازحه قائلا: “انا لم اعد في الحكم، ولذلك ابادر بالاتصال بكم كمواطن لابقاء اواصر الصداقة”.  خطوتان رئيسيتان اقدم عليهما حمد بن جاسم في الايام القليلة الماضية عكسا هذا الحنين الى العودة والرغبة في كسر حاجز الصمت:  الاولى: اعطائه حديثا مطولا مع الصحافية رولا خلف، نائبة رئيس تحرير صحيفة “الفايننشال تايمز″ نشرته على صفحة كاملة قبل شهر، وتحدث فيه عن التدخل الخليجي والقطري بالذات في سوريا وكشف كيف تولت السعودية مقعد القيادة من قطر واحالتها الى المقاعد الخلفية، واشاد بدهاء المفاوض الايراني، وانحاز الى جانب الرئيس الاميركي باراك اوباما فيما يتعلق بإحباطه من العرب، واعترف بدعم بلاده احد الفصائل الليبية.  الثانية: ظهور الشيخ بن جاسم في محاضرة في المعهد الملكي للدرسات الاستراتيجية (تشاتام هاوس)، والقائه محاضرة تحدث فيها عن الشؤون الدولية في 25 تشرين الثاني (نوفمير) الماضي، وفاجأ الحضور بامتداح التدخل الروسي العسكري في سوريا، وشدد على ضرورة ارسال دول الخليج  قوات لمحاربة “داعش” في سوريا، وانتقد استبعاد هذه الدول من مفاوضات الدول الكبرى مع ايران حول برنامجها النووي. ومن المفارقة ان من رتب هذه المحاضرة هو نفسه الذي رتب المقابلة الاخيرة مع “الفايننشال تايمز″.  الثالثة: ارسال حمد بن جاسم بيانا الى وكالة “رويترز″ للأنباء قبل يومين اعرب فيه عن امله، وهو ابرز كبار المستثمرين في لندن، ان يصوت البريطانيون للبقاء في الاتحاد الاوروبي في الاستفتاء الذي سيجري في هذا المضمار في 23 حزيران (يونيو) الحالي، وبرر ذلك بقوله “في الشرق الاوسط نريد جميعا ان نرى اوروبا قوية ونعتقد ان التكامل الاقتصادي امر حيوي لتعزيز قوتها”.  هذه الاطلالات الاعلامية والسياسية الثلاث، وفي لندن على وجه الخصوص، توحي بأن الرجل يبحث عن “دور ما” في منطقة حافلة بالاحداث والمتغيرات في منطقة مثل “الشرق الاوسط”، ولكن من الصعب معرفة هذا الدور، ولكن ليس من الصعب محاولة التكهن به.  مصادر خليجية قالت لـ”راي اليوم” ان الرجل كان يبحث، او بالاحرى يطمح بمركزين: الاول ان يتولى منصب الامين العام لجامعة الدول العربية، والثاني منصب الامين العام للامم المتحدة.  المنصب الاول “طار” منه بفضل الانقلاب العسكري المدعوم باحتجاجات شعبية، الذي اطاح بحكم الرئيس الاخواني محمد مرسي، وتولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم، وجرى اختيار السيد احمد ابو الغيط وزير خارجية مصر الاسبق كأمين عام جديد للجامعة خلفا للسيد نبيل العربي، الذي فضل المغادرة وعدم التجديد، ولذلك لم يبق الا منصب الامين العام للامم المتحدة، حيث اوشكت فترة الامين العام الحالي بان كي مون على الانتهاء في ايلول (سبتمبر) المقبل.  فرص الشيخ بن جاسم بتولي الامانة العامة للامم المتحدة ربما ستكون افضل او شبه مؤكدة ان الامور في سوريا ومصر واليمن سارت وفق رياح السياسة الخليجية والقطرية بشكل خاص، ولكنها لم تكن كذلك الا اذا حدثت “معجزة ما”.   بن جاسم سيواصل المحاولات قطعا، والاكثار من الظهور الاعلامي، لانه يعلم جيدا، وهو الذي يعتبر من ابرز مؤسسي قناة “الجزيرة” القطرية بعد الشيخ حمد بن خليفة “الامير الوالد”، مدى اهمية الاعلام ونفوذه في الوقت الراهن.

المصدر : الماسة السورية/ رأي اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة