دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
في صيف 1998 زار رونالد لاودر، الصديق الشخصي لرئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، زار دمشق تسع مرات سراً والتقى الرئيس حافظ الأسد ودائرة صغيرة في الحكم ناقلاً رغبة نتنياهو بإقامة علاقات سلام مع سورية وإعادة الجولان السوري إليها.
السؤال المستحق اليوم هو ما الذي تغيّر بحيث يتجرأ نتنياهو على أن يعلن أن إسرائيل تعتبر الجولان إسرائيلية ولن تعيدها إلى سورية؟
في ذلك الوقت كانت عملية السلام تعاني من الركود وربما اعتقد نتنياهو الذي كان في سنته الأولى، أنه قادر على إنجاز ما يخفف من ضغط الولايات المتحدة على تل أبيب لأن بل كلينتون كان غاضباً من عدم تحقيق أي تقدم في عملية السلام. ولكن في السنوات التي تلت، أنكر نتنياهو إحداث هذه القناة مع سورية حيث صرّح في حوار تلفزيوني في نيسان عام 1999 أنه "لن يعطي الرئيس الأسد ما كان إيهود باراك مستعداً لأن يعطي رئيس سورية".
ولكنّ موردخاي الذي كان على اطلّاع على مجريات القناة السريّة تحدّى نتنياهو أن يعيد هذه الجملة وينظر في عيني مردخاي. لقد نقل لاودر للرئيس الأسد أنّ نتنياهو مهتم بالسلام مع سورية وأنه قادر على أن يصنع السلام معها وأنه مستعد للانسحاب من الجولان السوري من دون أن يحدد خط الرابع من حزيران 1967، الأمر الذي حدا بالرئيس الأسد أن يشرح الفرق بين حدود 1923 وحدود 1967.لم يكن لاودر ليستوعب لماذا يركز الرئيس الأسد على هذا الفرق بين خطيّ الحدود بما أن حدود 1967 تعطي سورية فقط 25 ميلاً مربعاً إضافياً من الأرض، غير مدرك أنه بالنسبة لحافظ الأسد فإن الأرض مقدسة من وجهة نظر وطنية: "هذه أرضنا يا سيد لاودر. قال الرئيس حافظ الأسد" ليس بإمكانك أن تضع شروطاً ثم توحي بأن هذه تنازلات إسرائيلية. أود أن أذكرك يا سيد لاودر أن الجولان سورية وليست إسرائيلية".ومازالت الأرض قضية وطنية ومقدسة للسيد الرئيس بشار الأسد كما هي للشعب السوري برمته، ماعدا اللهم عدد من الخونة، عبيد المال الحرام، وعملاء المخابرات الأجنبية المتخفين تحت عباءة المعارضة الخارجية، ومازالت الجولان أرضاً سورية وستبقى سورية حتى وإن دنستها اجتماعات المحتلين والمعتدين في الذكرى السبعين لجلاء آخر محتل فرنسي عن الأرض السورية. في الحقيقة إن اختيار هذا اليوم للتأكيد على صفاقة الاحتلال يحمل كفنه بين يديه، إذ إن رمزية يوم الجلاء تقول للمعتدي المحتل إن جلاءك عن هذ الأرض الطاهرة قادم ومؤكد بالرغم من ظلام المرحلة الراهنة، لأن هذا الشعب لا يسكت على ضيم ولا يرضخ لاحتلال مهما طال الزمن، ولا يتخلى عن ذرة تراب من أرضه، لأن الأرض هي عنوان عزته وكرامته. لكن السؤال المستحق اليوم هو ما الذي تغيّر بحيث يتجرأ نتنياهو، والذي حاول بنفسه قبل سنوات فتح قناة لإعادة الجولان إلى سورية، ما الذي تغير بحيث يجرؤ على أن يعلن الجولان ليست سورية وأن إسرائيل تعتبر الجولان إسرائيلية ولن تعيدها إلى سورية؟الأرض السورية لم يطرأ عليها أي تغيير، وتمسك القيادة والشعب السوري بأرضه حازم اليوم كما كان حازماً في أي وقت مضى، وقرار مجلس الأمن الدولي 497 للعام 1981 الرافض لقرار الكنيست الاسرائيلي سيئ الصيت بضّم الجولان السوري الذي لم تعترف به دولة واحدة من دول العالم مازال سارياً حيث نصّ هذا القرار على أنّ "الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة"، واعتبر قرار إسرائيل بضّم الجولان السوري وفرض قوانينه وفرض سلطته وإرادته عليه "لاغياً وباطلاً ومن دون فعالية قانونية على الصعيد الدولي"، كما طالب مجلس الأمن في هذا القرار ((إسرائيل "القوة المحتلة" بأن تلغي قرارها فوراً))، معلناً في هذا السياق أن جميع أحكام اتفاقية جنيف التي عقدت بتاريخ 12 آب 1949 والمتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب مازالت سارية المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل اسرائيل.ما الذي تغير إذاً كي يعطي الكيان الصهيوني هذه الجرعة من التجرؤ على الحقائق والأرض والوقائع والقرارات والقوانين الدولية؟ هنا نعود إلى الربيع العربي وإلى مجرياته على الجولان بشكل خاص، حيث عمدت إسرائيل بالتعاون مع قطر إلى خطف قوات الأمم المتحدة أكثر من مرة إلى أن انسحبت قوات الأمم المتحدة من الجولان، وتزامن ذلك مع دعم إسرائيل المادي واللوجستي والتدريب والتسليح للإرهابيين الوهابيين الذين هاجموا القرى والمدن السورية المحاذية للجولان. كما أن إدخال أكثر من بلد عربي وتحديداً سورية والعراق وليبيا واليمن في حروب تقودها عصابات وهابية إرهابية تدعمها وتغذيها وتموّلها الصهيونية وأعوانها من دول إقليمية، كل هذا أعطى العدوّ الصهيوني فرصة سانحة ليمارس إعدامات ميدانية بحق الفلسطينيين وليقضم المزيد من الأرض الفلسطينية ويتجرأ على الأقصى والقدس والمقدسات والأرض العربية ومنها الجولان السوري المحتل. إن عقد الكيان الصهيوني اجتماعاً له على تراب الجولان الطاهر يجب أن يكون جرس إنذار لكلّ عربي مؤمن بعروبته أن هذا الكيان طامع في أرضنا وتاريخنا وسمائنا وهوائنا. وأن النظام الدولي يعاني من الترهل والنفاق بحيث تبقى قراراته حبراً على ورق حيث يشاء، بينما يستخدم القوة لتطبيق قرارات أخرى انتقائية أساسها قوة أو ضعف المعنيين بقراراته. والاستنتاج المنطقي هو أن الإرهاب الوهابي الذي يضرب في أنحاء سورية والعراق واليمن وليبيا لم يسقط من الفضاء بل هو أداة للدول الاستعمارية ذاتها ومشاريع مستقبلية بعيدة المدى لاستبعاد العرب وأنه لا اجتثاث لهذا الارهاب الوهابي إلا بفهم العرب العميق لحقيقته، واتخاذهم القرار بالزود عن كل ذرة تراب في فلسطين وسورية والعراق وكل أنحاء هذه الأرض المقدسة. فيما يخطط أعداؤنا لمئة سنة قادمة لا يجوز أن تبقى أعمال العرب مجرد ردود أفعال على هذه المخططات. وها هو الجولان السوري المحتل يثبت للمرة الألف أن الاحتلال الصهيوني والإرهاب الوهابي وجهان لعملة واحدة وأن مقاومتهما ودحرهما واجب مقدس على كل عربي وكل حرّ شريف في العالم. تحرك الصهاينة على أرض الجولان يجب أن يدفع العرب على الأقل إلى إعادة النظر في مجريات الأحداث في منطقتهم منذ الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 وأن يعيدوا قراءة الأحداث الداخلية لكل قطر، كجزء من الصورة الشاملة التي يتعرض لها هذا الوطن العربي والذي يجب أن يكون ويبقى وطناً عربياً حقيقاً لكلّ المؤمنين بالعروبة بعيداً عن المتواطئين والمتآمرين على مستقبله وهويته تحت مسميات مختلفة.
المصدر :
بثينة شعبان / الميادين
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة