موارد "داعش" المتنوعة، جعلته من أكثر التنظيمات الإرهابية "ثراءا" على مر العصور، فتحرك التنظيم صوب سوريا والعراق هي خطوة مدروسة بعد أن أغوته رائحة النفط من أجل تثبيت أعمدة "دولته".

من المعلوم أن تنظيم "داعش" تربع على عرش من الثراء الفاحش بفضل إدارته لمنظومة اقتصادية كاملة أراد منها الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ليفرض واقع وجود دولته، بعد أن استشرى في هذه المنطقة المنكوبة بالفوضى والاقتتال والانقسام.

 

ومن هذا المنطلق، كان لزاما على دول التحالف تجفيف منابع موارد التنظيم، وقطع طرق إمداداته لتقليص نفوذه وكبح جماح "مخططه الشيطاني" لنشر الرعب وسفك الدماء في كل مكان يصل إليه. وربما بمقتل "أبو سياف التونسي"، المسؤول الأول عن العمليات المالية وعمليات بيع وتهريب النفط والغاز للتنظيم الإرهابي كانت الضربة الكبيرة التي قلبت مجرى المعركة، وبدأ منذ تلك الفترة انحسار تنظيم "داعش"، وتقهقره الواضح.

 

أبو سياف زعيم مافيا النفط

ليس خفيا أن تجارة النفط أدرت على تنظيم "داعش" ثروة ضخمة، وزادت من نفوذه بعد سيطرته على مناطق تزخر بآبار نفطية جعلته حارسا على "الذهب الأسود" في مناطق سيطرته، فالنفط وحده يساهم بنسبة 72% من كل دخل "داعش" من الموارد الطبيعية البالغ 289.5 مليون دولار خلال الأشهر الستة التي انتهت بنهاية فبراير/شباط 2015.

 

وبعد عام من تصفية وزير النفط أبو سياف التونسي، سربت وثائق تابعة لتنظيم "داعش" تلقي الضوء على كيفية إدارة التنظيم عملية بيع النفط ومعالجته، وكشفت عن اتهامات بالفساد وسط كبار مسؤوليه.

 

هذه الوثائق التي سلطت عليها الضوء صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، هي في الحقيقة وثائق حصلت عليها القوات الأمريكية، بعد غارة على المقر الرئيسي لإدارة نفط التنظيم في دير الزور، وقتلها المسؤول الأول عن إدارة النفط أبو سياف العام الماضي.

 

وعلى الرغم من أن هذه الضربة أضعفت "داعش" نسبيا إلا أن خطره لا يزال قائما حتى الآن، فالشبكة التي حاكها التنظيم أشبه بعمليات "المافيا" وزعماء الجريمة المنظمة، إذ نجح "داعش" في تنظيم عملية متعددة الجنسيات لبيع النفط، حسبما نقلت الصحيفة عن أحد فنيي التنقيب بالتنظيم الذي فر من سوريا العام الماضي.

 

حقول النفط مسارح للرعب

 

أبو سياف التونسي اعتمد على التخويف والترهيب ليحكم قبضته على العاملين تحت إشرافه، نظرا لأهمية هذا القطاع الحيوي والحساس في الوقت نفسه، هذا ما أدلى به فني التنقيب الهارب، مضيفا أن "أبو سياف" ومساعديه يديرون العمل بتشدد مخيف، إذ يهددون العاملين باستمرار بالنقل إلى العراق كأخف عقوبة، وإن المنطقة حول حقول النفط بسوريا أصبحت مسرحا للرعب في بعض الأحيان، إذ "تذهب للعمل أحيانا لتجد أحد زملائك مقطوع الرأس"، كما قال الفني الهارب من "داعش".

 

فداعش تخلى عن نظام التسويق الذي كانت تعتمده دمشق سابقا، حيث كانت أنابيب ناقلة وصهاريج تستخدم لبيع النفط. وأضحى التنظيم يتعامل مع مهربين صغار يشترون النفط من الحقل مباشرة وينقلونه بالشاحنات، بعد استيلائه على 95% من حقول وآبار النفط السوري.

 

الفساد ينخر القطاع

 

نجح أبو سياف التونسي في خلق "إمبراطورية نفطية" في أثناء توليه مسؤولية القطاع، وأقام مقره الرئيسي بحقل العمر النفطي الضخم بدير الزور في سوريا، وكان يعمل تحت إمرته 152 شخصا، بينهم مديرون من دول عربية نفطية، مثل السعودية، والعراق، والجزائر، وأيضا تونس.

واتخذ أبو سياف أيضا خطوات لتوسيع المبيعات إلى تجار معروفين في سوريا والعراق، واستبدل عملة التداول بالدولار الأمريكي عوضا عن الليرة السورية، لتسهيل تحويلاته إلى الخارج والدفع لمشترياته عبر شبكته الدولية التي تقوم بعمليات غسل أمواله.

 

بيد أن الوثائق المسربة أثبتت أنه كانت هناك اتهامات لـ" أبو سياف ومعاونيه" بالفساد المالي والتلاعب بأسعار النفط المهرب بواسطة الشاحنات لحسابه الخاص.

 

أبو سياف من سجين في أبو غريب إلى أمير الانتحاريين

 

يطلق البعض على أبو سياف لقب "وزير النفط"، المسؤول عن العمليات المالية وعمليات بيع وتهريب النفط والغاز، أو "رأس الثعبان". و"أبو سياف" هو الأسم الحركي لـ "طارق بن الطاهر الحرزي" الذي سبق وأن صنفته وزارة الخزانة الأمريكية ضمن قائمة المطلوبين، ووضعت جائزة مالية بلغت 8 ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات تفيد بإلقاء القبض عليه.

 

وتصنف التقارير الأمنية أبو سياف كأحد أخطر قادة "داعش" ومن الأوائل الذين التحقوا بالتنظيم، إلا أنه التحق في بادئ الأمر بتنظيم القاعدة في العراق عام 2004، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه والزج به في سجن أبو غريب في ضواحي بغداد.

 

غير أن اقتحام السجن من قبل مسلحي داعش عام 2012، مكن أبو سياف من الهرب والالتحاق بالتنظيم مباشرة ليعرف بلقب "أمير الانتحاريين"، لتدريبه في تلك الفترة الانتحاريين. ولكن توسعت مهامه لاحقا إلى قيادة عمليات تهريب النفط من الآبار التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق.

 

وعلى الرغم من أن تكثيف الضربات على "مواقع داعش النفطية" أفقده شيئا من سطوته، إلا أنه ليس بالنفط وحده "يحيا" داعش، إذ يعول على موارد أخرى، بينها تهريب الآثار وتجارة المخدرات والنخاسة وغيرها ليضمن بقاءه واستمرار شروره.

  • فريق ماسة
  • 2016-04-25
  • 14618
  • من الأرشيف

مافيا "الذهب الأسود" في سورية

موارد "داعش" المتنوعة، جعلته من أكثر التنظيمات الإرهابية "ثراءا" على مر العصور، فتحرك التنظيم صوب سوريا والعراق هي خطوة مدروسة بعد أن أغوته رائحة النفط من أجل تثبيت أعمدة "دولته". من المعلوم أن تنظيم "داعش" تربع على عرش من الثراء الفاحش بفضل إدارته لمنظومة اقتصادية كاملة أراد منها الوصول إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي، ليفرض واقع وجود دولته، بعد أن استشرى في هذه المنطقة المنكوبة بالفوضى والاقتتال والانقسام.   ومن هذا المنطلق، كان لزاما على دول التحالف تجفيف منابع موارد التنظيم، وقطع طرق إمداداته لتقليص نفوذه وكبح جماح "مخططه الشيطاني" لنشر الرعب وسفك الدماء في كل مكان يصل إليه. وربما بمقتل "أبو سياف التونسي"، المسؤول الأول عن العمليات المالية وعمليات بيع وتهريب النفط والغاز للتنظيم الإرهابي كانت الضربة الكبيرة التي قلبت مجرى المعركة، وبدأ منذ تلك الفترة انحسار تنظيم "داعش"، وتقهقره الواضح.   أبو سياف زعيم مافيا النفط ليس خفيا أن تجارة النفط أدرت على تنظيم "داعش" ثروة ضخمة، وزادت من نفوذه بعد سيطرته على مناطق تزخر بآبار نفطية جعلته حارسا على "الذهب الأسود" في مناطق سيطرته، فالنفط وحده يساهم بنسبة 72% من كل دخل "داعش" من الموارد الطبيعية البالغ 289.5 مليون دولار خلال الأشهر الستة التي انتهت بنهاية فبراير/شباط 2015.   وبعد عام من تصفية وزير النفط أبو سياف التونسي، سربت وثائق تابعة لتنظيم "داعش" تلقي الضوء على كيفية إدارة التنظيم عملية بيع النفط ومعالجته، وكشفت عن اتهامات بالفساد وسط كبار مسؤوليه.   هذه الوثائق التي سلطت عليها الضوء صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، هي في الحقيقة وثائق حصلت عليها القوات الأمريكية، بعد غارة على المقر الرئيسي لإدارة نفط التنظيم في دير الزور، وقتلها المسؤول الأول عن إدارة النفط أبو سياف العام الماضي.   وعلى الرغم من أن هذه الضربة أضعفت "داعش" نسبيا إلا أن خطره لا يزال قائما حتى الآن، فالشبكة التي حاكها التنظيم أشبه بعمليات "المافيا" وزعماء الجريمة المنظمة، إذ نجح "داعش" في تنظيم عملية متعددة الجنسيات لبيع النفط، حسبما نقلت الصحيفة عن أحد فنيي التنقيب بالتنظيم الذي فر من سوريا العام الماضي.   حقول النفط مسارح للرعب   أبو سياف التونسي اعتمد على التخويف والترهيب ليحكم قبضته على العاملين تحت إشرافه، نظرا لأهمية هذا القطاع الحيوي والحساس في الوقت نفسه، هذا ما أدلى به فني التنقيب الهارب، مضيفا أن "أبو سياف" ومساعديه يديرون العمل بتشدد مخيف، إذ يهددون العاملين باستمرار بالنقل إلى العراق كأخف عقوبة، وإن المنطقة حول حقول النفط بسوريا أصبحت مسرحا للرعب في بعض الأحيان، إذ "تذهب للعمل أحيانا لتجد أحد زملائك مقطوع الرأس"، كما قال الفني الهارب من "داعش".   فداعش تخلى عن نظام التسويق الذي كانت تعتمده دمشق سابقا، حيث كانت أنابيب ناقلة وصهاريج تستخدم لبيع النفط. وأضحى التنظيم يتعامل مع مهربين صغار يشترون النفط من الحقل مباشرة وينقلونه بالشاحنات، بعد استيلائه على 95% من حقول وآبار النفط السوري.   الفساد ينخر القطاع   نجح أبو سياف التونسي في خلق "إمبراطورية نفطية" في أثناء توليه مسؤولية القطاع، وأقام مقره الرئيسي بحقل العمر النفطي الضخم بدير الزور في سوريا، وكان يعمل تحت إمرته 152 شخصا، بينهم مديرون من دول عربية نفطية، مثل السعودية، والعراق، والجزائر، وأيضا تونس. واتخذ أبو سياف أيضا خطوات لتوسيع المبيعات إلى تجار معروفين في سوريا والعراق، واستبدل عملة التداول بالدولار الأمريكي عوضا عن الليرة السورية، لتسهيل تحويلاته إلى الخارج والدفع لمشترياته عبر شبكته الدولية التي تقوم بعمليات غسل أمواله.   بيد أن الوثائق المسربة أثبتت أنه كانت هناك اتهامات لـ" أبو سياف ومعاونيه" بالفساد المالي والتلاعب بأسعار النفط المهرب بواسطة الشاحنات لحسابه الخاص.   أبو سياف من سجين في أبو غريب إلى أمير الانتحاريين   يطلق البعض على أبو سياف لقب "وزير النفط"، المسؤول عن العمليات المالية وعمليات بيع وتهريب النفط والغاز، أو "رأس الثعبان". و"أبو سياف" هو الأسم الحركي لـ "طارق بن الطاهر الحرزي" الذي سبق وأن صنفته وزارة الخزانة الأمريكية ضمن قائمة المطلوبين، ووضعت جائزة مالية بلغت 8 ملايين دولار لكل من يدلي بمعلومات تفيد بإلقاء القبض عليه.   وتصنف التقارير الأمنية أبو سياف كأحد أخطر قادة "داعش" ومن الأوائل الذين التحقوا بالتنظيم، إلا أنه التحق في بادئ الأمر بتنظيم القاعدة في العراق عام 2004، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه والزج به في سجن أبو غريب في ضواحي بغداد.   غير أن اقتحام السجن من قبل مسلحي داعش عام 2012، مكن أبو سياف من الهرب والالتحاق بالتنظيم مباشرة ليعرف بلقب "أمير الانتحاريين"، لتدريبه في تلك الفترة الانتحاريين. ولكن توسعت مهامه لاحقا إلى قيادة عمليات تهريب النفط من الآبار التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق.   وعلى الرغم من أن تكثيف الضربات على "مواقع داعش النفطية" أفقده شيئا من سطوته، إلا أنه ليس بالنفط وحده "يحيا" داعش، إذ يعول على موارد أخرى، بينها تهريب الآثار وتجارة المخدرات والنخاسة وغيرها ليضمن بقاءه واستمرار شروره.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة