لاجدوى من الكلام مع أي سياسي انتشى ببعض الهتافات والمهرجانات ونسي أن يترك القنابل التي كان يحملها خارج بيته .. وأردوغان كان ذلك السياسي الذي يتحزّم بالقنابل وهو يصول ويجول في دروب الشرق الأوسط وجحيم الربيع العربي ..

 كان كل من يراه يستغرب أن هذا الرجل يسير وهو يضع القنابل حول خصره ويتمشى في وسط النار قبل أن يدخل منزله مع قنابله التي وقع بعضها في ممرات بيته وهو يختال منتشيا بأحلام السلطنة التي خرجت من القبر مع هتافات الاسلاميين .. كل من كان يناديه بأن لايحمل القنابل فشل في أن يسمع صوته للسلطان .. واليوم اذا صحت كلمة في شأن تركيا فهي أنها بلد مملوء بقنابل موقوتة وقعت من خصر أردوغان الذي حملها وهو بكامل وعيه وقواه العقلية وجنون عظمته .. ولكن تكبيرات الاسلاميين وهدير الفضائيات المجلجل بالمديح له جعله لايسمع ولايكترث بالنصائح ودروس التاريخ .. وكان يسير متبجحا مزهوا فيما القنابل التي كانت على حزامه وقعت منه في بيته وتدحرجت تحت الأسرّة والكراسي وفي غرفة النوم وغرفة أولاده ..

 كل العالم وجميع الأتراك يعلمون بتلك القنابل التي تدحرجت في تركيا ولكن لاأحد يعرف متى ستنفجر وأين ستنفجر .. هل هي قنبلة الأكراد الأتراك أم قنبلة المذاهب أم القنبلة الاقتصادية المأزومة أم عداوته لجميع جيرانه .. ولكن هناك قنبلة موقوتة لم يعرف أردوغان خطورتها الا لاحقا وهو لايعرف كيف يتخلص منها .. وهي الكتلة السورية السكانية التي دخلت تركيا تحت اسم اللاجئين السوريين .. بعض هؤلاء اسلامي الهوى وعثماني الأماني .. ولكن بعضهم لاهوى له الا لقمة عيشه ومصالحه ..

 كان أردوغان يتباهى أنه مثل الرجل الطيب الشهم الذي فتح بلاده للاجئين السوريين المساكين الذين يطاردهم الشبيحة لينجوا بأرواحهم .. وبمجرد وصول السوريين الهاربين   الى معسكرات اللجوء هرع اليهم أردوغان والتقط الصور التذكارية معهم في الخيام وصافحهم عبر الأسلاك والحواجز .. ثم جعل يتسابق مع زوجته أمينة وابنائه للظهور في المهرجانات الاستعراضية حيث يهتف له اللاجئون ويتهافتون لتقبيل يديه ويدي أمينة .. والزوجان السلجوقيان يبدوان سعيدين في الصور أو يبكيان من شدة التأثر بشدة الوفاء الذي يبديه اللاجئون .. رغم أن عمليات التصوير والدموع فيها لمسات دعائية تلفزيونية لانقاش فيها .. يبرع فيها اردوغان كممثل أفّاق ومحتال غدار ..

 لكن القصة تبدأ هنا ولاتنتهي كما يتحدث مثقفون أتراك نلتقيهم ولديهم قلق كبير من المستقبل بسبب الوجود السوري السكاني المهم على أرضهم .. المشكلة كما يقولون هي أن اردوغان سيرحل وعصابته ستنحل ولكن المشروع الذي أراده لاجتياح سورية انتهى باجتياح سوري للأراضي التركية فحسب احصاءات تركية يوجد أكثر من مليونين من السوريين يتركز معظمهم على الحدود الجنوبية لتركيا وفي بعض المدن التي صارت فيها غالبية سورية .. وتقول بعض التقديرات ان العدد ربما يصل الى ثلاثة ملايين - وهو رقم كبير - وجلّهم ممن دفعتهم الحرب للخروج من مدنهم وقراهم مرغمين بعد أن تمترس المسلحون في بيوت الفلاحين ومزارعهم وحولوها الى جبهات قتال ومتاريس ضد الجيش السوري الذي جاء لاخراج مسلحي أردوغان منها وتخليص الشعب منهم .. ففرّ كثير من الناس لتجنب الوقوع بين نيران الجيش ومسلحي أردوغان ..وكثير من هؤلاء النازحين خرجوا يبحثون عن رزق جديد وأمان في البلد القريب المستقر تركيا .. وكثيرون منهم ليسوا مسيّسين ولاينتمون الى المعارضة ولا الى تركيا بل الى لقمة عيشهم أوّلا ..

الوضع الديموغرافي للسوريين في تركيا سيتحول قريبا الى أزمة هامة جدا فيها كما بدأت بعض الأصوات تشير اليه لأن هذه الكتلة السكانية الكبيرة اذا لم تعد الى سورية فانها ستستقر في المدن التركية في غيتوهات أو تجمعات كبرى .. وبعضها حصل فعلا على الجنسية التركية التي سهّلها لهم أعضاء حزب العدالة والتنمية من اجل استعمال أصواتهم لصالح الحزب في أي انتخابات تركية .. وتقدر أعداد هؤلاء الأتراك السوريين بعشرات الآلاف على أقل تقدير .. وهؤلاء سيصبحون وفق المتوالية الهندسية مئات الآلاف خلال خمس سنوات .. مما سيوجد مشكلة تركية لم تكن في الحسبان وهي أن التوتر العرقي سينفتح بين الأتراك والسوريين بشكل حتمي لأن منطق الأشياء أن الذاكرة العرقية تتفتح في الاختناقات الاقتصادية والسياسية .. وهي اختناقات بدأت في المجتمع التركي المأزوم وستتحول الى مناوشات وتنافر اجتماعيين حاد لأن العنصر التركي الشوفيني سينسى الرومانسية الاسلامية قريبا .. وسينسى المجتمع المحلي التركي في المدن الجنوبية خطاب أردوغان الطوباوي عن المهاجرين والأنصار وسيتذكر أن هؤلاء ليسوا اتراكا بل مهاجرون وافدون استولوا على حصتهم في المدن والعمل والتجارة .. والأدهى من ذلك ان مجتمع المهاجرين السوريين الذي نشأ جزء كبير منه في المخيمات المحرومة أو في هوامش المدن التركية وأحزمتها الفقيرة بدأ يكبر فيه جيل من العاطلين والمهمشين وغير المتعلمين بل والمنحرفين الذين سيتسببون بسلوكهم باحتكاكات اجتماعية دامية .. وهؤلاء الهائمون على وجوههم سيشكلون بيئة حاضنة للجريمة والعنف خاصة أن منهم من جاء من بيئات المقاتلين وبيئات الاعدام والذبح للخصم والعدو .. وكثير من هؤلاء الناشئين في المخيمات أيتام وفقدوا آباءهم ومعيلهم وشاهدوا الاذلال الذي تعانيه أمهاتهم في تركيا لاعالتهم .. وهذا الغضب والكراهية ضد (النظام السوري) الذي باعتقادهم تسبب في مأساتهم سينمو كره مواز له ضد المجتمع التركي المضيف الذي مارس على العائلات سادية وعنصرية واستغلالا ستتضاعف قريبا .. وسيكون مشهد التركي الذي عاقب طفلا سوريا في السوق بقسوة مفرطة ورفعه ثم ضرب به الارض كما لو كان جرذا أو حجرا ماهو الا مجرد مشهد واحد من ملايين المشاهد التي سيراها هؤلاء في ذاكرة اللجوء ..

 ولذلك يقول المثقفون الأتراك ممن يتابعون كل نشاطات حزب العدالة والتنمية بأن بعض مثقفي الحزب قدموا دراسة خطرة جدا لأردوغان عما سموه خطر "الاجتياح الديموغرافي السوري للجنوب التركي" والذي أقل مايوصف به أنه قنبلة موقوتة ستنفجر بعد خمس الى عشر سنوات وستشعل جنوب تركيا بالأزمات لأن هؤلاء في غالبيتهم لن يعودوا الى سوريا بعد أن توطنوا في تركيا وبدؤوا مرحلة استقرار لم يخططوا لها ولكنها صارت بحكم الأمر الواقع من تطاول الأزمة السورية .. والتوتر العرقي سينفجر بشكل طبيعي مع العنصر التركي ان عاجلا أو آجلا .. وهذه مشكلة كل المجتمعات غير المستقرة والتي يتفشى فيها الجهل والفقر والدين .. وقد تظهر نزعة عند هؤلاء للمطالبة بالحكم الذاتي وربما الاستقلال اذا مادخلت الحكومات السورية المتعاقبة على الخط وشجعتهم على التمرد .. تماما كما حدث مع الأكراد الأتراك الذين فروا من جنوب تركيا الى شمال سورية واستقروا هناك بتسهيلات الحكومة السورية التي عاملتهم كلاجئين وأعطتهم أراضي لاستثمارها والعيش منها .. واذا بهؤلاء اللاجئين اليوم يطالبون بالحكم الذاتي والاستقلال عن الدولة السورية بحجة وجودهم الطويل هناك بعد أن شجعتهم قوى اقليمية وغربية على ذلك (اسرائيل والغرب) .. وسيكون أمام تركيا مشكلة خطرة جدا لاتقل عن المشكلة العرقية الكردية ان لم تكن أكبر من مشكلة الأكراد .. وهي التجمع السكاني السوري المنتشر في الجنوب الذي سيكون عمليا ممتدا من لواء اسكندرون الى جرابلس .. وهؤلاء اذا ماوقع التوتر العرقي اثر غياب العامل الديني الجامع فانهم سيتعاطفون مع بعضهم ضد أي عنف من الدولة أو المجتمع التركي وسيتكتلون في رد فعل لاشعوري كمجموعة سكانية تجمعها صفات مشتركة كما هي الحال بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن لدى ممارسة أي تمييز أو ضغط حكومي أو اجتماعي .. أي أن تركيا ستكون كتلة من الصراعات العرقية اذا نجت من التوترات المذهبية الحالية .. وتخلص نصائح الدراسة التركية الى أن من الأفضل التعامل مع اللجوء السوري الدموغرافي بجدية مطلقة وازالته كخطر جدي محتمل .. بل ان تبريد الوضع في سورية صار مصلحة للشعب التركي وفق هذه الملاحظات ليعاد اللاجئون الى سورية بدل بقائهم قنبلة موقوتة في تركيا ..

 وهذه الدراسة وفق مصادر تركية صديقة تقترح في حال عدم حل الأزمة السورية قريبا اما ابعاد اللاجئين السوريين الى مناطق الأكراد داخل سورية أو عبر منطقة عازلة خاضعة للأمم المتحدة يتم تجميعهم فيها بالقوة وابعادهم عن تركيا والاستفادة منهم ككتلة سكانية عازلة بينهم وبين الأكراد وجيبا متقيحا مواليا لتركيا داخل الجسد السوري يتم استخدامه للضغط السياسي والعسكري كلما حدث توتر مع الحكومة السورية .. الا ان عبقرية "حقان فيدان" رئيس الاستخبارات التركية اقترحت حلا سريعا وهو ترحيلهم الى أوروبة طوعا .. وهذا ماحدث عندما تم فجأة دفع الجميع الى زوارق البحر نحو اليونان ..حيث نشطت المخابرات التركية التي شجعت اللاجئين على القفز في البحر نحو أوروبة وزينت لهم الهجرة الثانية وحاصرت من لم يرغب في لقمة عيشه وهددته احيانا باعاده الى سورية حيث عليه الاختيار بين داعش أو انتقام النظام الذي يعرف كل من غدر به في تركيا ..فكانت موجات المهاجرين التي حاول فيها أردوغان التخلص من عبء الوجود السكاني الديموغرافي السوري وتشتيته .. ومن ثم اعادة بيعه لاوروبة لصالح الخزينة التركية التي قبضت ثمن تجارة الرقيق السوري .. ولكن الغاية الرئيسية كانت الدعوة لاقامة منطقة عازلة أهم وظيفة لها هي أن تجمع فيها هذه "أكوام القمامة الوافدة" - كما يصفها حقان فيدان - وترمى فيها وتنظيف تركيا منها كما نظف أردوغان استانبول من مكبات القمامة عندما كان رئيس بلدية استانبول .. وبذلك تتخلص تركيا من مشكلة قادمة كبيرة ..

 هذه المشكلة من التوتر العرقي لايمكن أن توجد في سورية التي شهدت موجات نزوح ضخمة اليها سابقا .. لأن موجات اللجوء اليها تمت ضمن العرق الواحد والبيئة الواحدة ولذلك تحمل السوريون هجرة ونزوح الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين .. ولم تبد توترات عرقية بينهم بسبب التشابه بين هذه المكونات .. وسيكون ذات الأمر بالنسبة للاجئين السوريين في الاردن ولبنان والعراق .. لكنه سيختلف كثيرا في تركيا التي لاتشبههم ولايشبهونها الا في مقدار التدين والجهل ..

 هذا مايحدث دوما للساسة المراهقين الذين لايعرفون أن السياسة ليست مجرد صور تذكارية مع الفقراء واللاجئين بل هي استقراء للمستقبل وكل خطوة غير مرئية في المستقبل يجب معاملتها على أنها كمين .. والسياسي الذي لايكترث الا للهتاف والمديح لايختلف عن بائع الجرائد وبائع المواشي .. ولذلك نجد أحدهم مزهوا بانجازاته لكنه يدرك متأخرا أنه كان ذا أذنين كبيرتين كأذني الحمار .. هؤلاء يعتقدون أن اللعب في دماء الجغرافيا هو مجرد لعب مع الخطوط والحدود والتراب .. ولكن من يلعب بدم الجغرافيا عليه أن يعلم ان الجغرافيا ستلعب بدمه ورأسه ..

الحكومة السورية تدرك أن انهاء الحرب سيعيد اليها كثيرا من مواطنيها الذين أرغمتهم ظروف كثيرة على الرحيب وخاصة في الشمال .. ولن يبقى في تركيا الا المجرمون والقتلة و السوريون العثمانيون في قلوبهم الذين في الحقيقة لانود عودتهم ونبارك لتركيا حصولها عليهم الى الأبد فنحن لسنا بحاجة الى قلوب متعثمنة وعقول متعفنة ..

 كلما مر يوم سيكتشف الأتراك أن حماقة وسوء تقدير زعامتهم لأزمات المنطقة ومغامرتهم العثمانية المجنونة سيدفع ثمنها أبناؤهم الذين تنتظرهم أيام سوداء .. وسيكتشف الأتراك أن أكبر فرصة لهم في التاريخ كانت أمامهم بتحالف ومشروع ربط البحار الخمسة الذي عرضه السوريون .. وقد ضيعها طيش أردوغان الذي سيترك منصبه وسيترك للأتراك أعداء في كل محيطهم .. وأعداء في داخل تركيا وغرف نومها وتحت الأسرة والكراسي وتحت الوسائد .. وأزمات مع الأكراد ومع الجالية السورية الجديدة والقديمة .. ومع الأرمن الذين نكأ جرحهم من جديد ..

 واذا كان أحد السياسيين المعارضين الاتراك قد قال بأن كل قبر في سورية قد فتح بيدي أردوغان فان الصواب القول الآن بأن كل قبر قادم في تركيا ايضا فتح بيدي أردوغان .. حفار القبور ..

 فمن سيحفر قبر حفار القبور ؟؟ هل هم الأتراك الذين صدقوا حكاية المهاجرين والانصار .. أم السوريون المهاجرون الذين كانوا يقبلون يده وكادوا يغنون له : "طلع البدر علينا ".. أولئك الذين جاؤوه لاجئين مصدقين أنه خليفة النبي؟؟ أم أن قبره سيحفر في معركة حلب التي ستعلن نهاية مغامرته؟؟

  • فريق ماسة
  • 2016-04-22
  • 14222
  • من الأرشيف

القنبلة السورية الموقوتة في تركيا .. هاجس حفار القبور...بقلم نارام سرجون

لاجدوى من الكلام مع أي سياسي انتشى ببعض الهتافات والمهرجانات ونسي أن يترك القنابل التي كان يحملها خارج بيته .. وأردوغان كان ذلك السياسي الذي يتحزّم بالقنابل وهو يصول ويجول في دروب الشرق الأوسط وجحيم الربيع العربي ..  كان كل من يراه يستغرب أن هذا الرجل يسير وهو يضع القنابل حول خصره ويتمشى في وسط النار قبل أن يدخل منزله مع قنابله التي وقع بعضها في ممرات بيته وهو يختال منتشيا بأحلام السلطنة التي خرجت من القبر مع هتافات الاسلاميين .. كل من كان يناديه بأن لايحمل القنابل فشل في أن يسمع صوته للسلطان .. واليوم اذا صحت كلمة في شأن تركيا فهي أنها بلد مملوء بقنابل موقوتة وقعت من خصر أردوغان الذي حملها وهو بكامل وعيه وقواه العقلية وجنون عظمته .. ولكن تكبيرات الاسلاميين وهدير الفضائيات المجلجل بالمديح له جعله لايسمع ولايكترث بالنصائح ودروس التاريخ .. وكان يسير متبجحا مزهوا فيما القنابل التي كانت على حزامه وقعت منه في بيته وتدحرجت تحت الأسرّة والكراسي وفي غرفة النوم وغرفة أولاده ..  كل العالم وجميع الأتراك يعلمون بتلك القنابل التي تدحرجت في تركيا ولكن لاأحد يعرف متى ستنفجر وأين ستنفجر .. هل هي قنبلة الأكراد الأتراك أم قنبلة المذاهب أم القنبلة الاقتصادية المأزومة أم عداوته لجميع جيرانه .. ولكن هناك قنبلة موقوتة لم يعرف أردوغان خطورتها الا لاحقا وهو لايعرف كيف يتخلص منها .. وهي الكتلة السورية السكانية التي دخلت تركيا تحت اسم اللاجئين السوريين .. بعض هؤلاء اسلامي الهوى وعثماني الأماني .. ولكن بعضهم لاهوى له الا لقمة عيشه ومصالحه ..  كان أردوغان يتباهى أنه مثل الرجل الطيب الشهم الذي فتح بلاده للاجئين السوريين المساكين الذين يطاردهم الشبيحة لينجوا بأرواحهم .. وبمجرد وصول السوريين الهاربين   الى معسكرات اللجوء هرع اليهم أردوغان والتقط الصور التذكارية معهم في الخيام وصافحهم عبر الأسلاك والحواجز .. ثم جعل يتسابق مع زوجته أمينة وابنائه للظهور في المهرجانات الاستعراضية حيث يهتف له اللاجئون ويتهافتون لتقبيل يديه ويدي أمينة .. والزوجان السلجوقيان يبدوان سعيدين في الصور أو يبكيان من شدة التأثر بشدة الوفاء الذي يبديه اللاجئون .. رغم أن عمليات التصوير والدموع فيها لمسات دعائية تلفزيونية لانقاش فيها .. يبرع فيها اردوغان كممثل أفّاق ومحتال غدار ..  لكن القصة تبدأ هنا ولاتنتهي كما يتحدث مثقفون أتراك نلتقيهم ولديهم قلق كبير من المستقبل بسبب الوجود السوري السكاني المهم على أرضهم .. المشكلة كما يقولون هي أن اردوغان سيرحل وعصابته ستنحل ولكن المشروع الذي أراده لاجتياح سورية انتهى باجتياح سوري للأراضي التركية فحسب احصاءات تركية يوجد أكثر من مليونين من السوريين يتركز معظمهم على الحدود الجنوبية لتركيا وفي بعض المدن التي صارت فيها غالبية سورية .. وتقول بعض التقديرات ان العدد ربما يصل الى ثلاثة ملايين - وهو رقم كبير - وجلّهم ممن دفعتهم الحرب للخروج من مدنهم وقراهم مرغمين بعد أن تمترس المسلحون في بيوت الفلاحين ومزارعهم وحولوها الى جبهات قتال ومتاريس ضد الجيش السوري الذي جاء لاخراج مسلحي أردوغان منها وتخليص الشعب منهم .. ففرّ كثير من الناس لتجنب الوقوع بين نيران الجيش ومسلحي أردوغان ..وكثير من هؤلاء النازحين خرجوا يبحثون عن رزق جديد وأمان في البلد القريب المستقر تركيا .. وكثيرون منهم ليسوا مسيّسين ولاينتمون الى المعارضة ولا الى تركيا بل الى لقمة عيشهم أوّلا .. الوضع الديموغرافي للسوريين في تركيا سيتحول قريبا الى أزمة هامة جدا فيها كما بدأت بعض الأصوات تشير اليه لأن هذه الكتلة السكانية الكبيرة اذا لم تعد الى سورية فانها ستستقر في المدن التركية في غيتوهات أو تجمعات كبرى .. وبعضها حصل فعلا على الجنسية التركية التي سهّلها لهم أعضاء حزب العدالة والتنمية من اجل استعمال أصواتهم لصالح الحزب في أي انتخابات تركية .. وتقدر أعداد هؤلاء الأتراك السوريين بعشرات الآلاف على أقل تقدير .. وهؤلاء سيصبحون وفق المتوالية الهندسية مئات الآلاف خلال خمس سنوات .. مما سيوجد مشكلة تركية لم تكن في الحسبان وهي أن التوتر العرقي سينفتح بين الأتراك والسوريين بشكل حتمي لأن منطق الأشياء أن الذاكرة العرقية تتفتح في الاختناقات الاقتصادية والسياسية .. وهي اختناقات بدأت في المجتمع التركي المأزوم وستتحول الى مناوشات وتنافر اجتماعيين حاد لأن العنصر التركي الشوفيني سينسى الرومانسية الاسلامية قريبا .. وسينسى المجتمع المحلي التركي في المدن الجنوبية خطاب أردوغان الطوباوي عن المهاجرين والأنصار وسيتذكر أن هؤلاء ليسوا اتراكا بل مهاجرون وافدون استولوا على حصتهم في المدن والعمل والتجارة .. والأدهى من ذلك ان مجتمع المهاجرين السوريين الذي نشأ جزء كبير منه في المخيمات المحرومة أو في هوامش المدن التركية وأحزمتها الفقيرة بدأ يكبر فيه جيل من العاطلين والمهمشين وغير المتعلمين بل والمنحرفين الذين سيتسببون بسلوكهم باحتكاكات اجتماعية دامية .. وهؤلاء الهائمون على وجوههم سيشكلون بيئة حاضنة للجريمة والعنف خاصة أن منهم من جاء من بيئات المقاتلين وبيئات الاعدام والذبح للخصم والعدو .. وكثير من هؤلاء الناشئين في المخيمات أيتام وفقدوا آباءهم ومعيلهم وشاهدوا الاذلال الذي تعانيه أمهاتهم في تركيا لاعالتهم .. وهذا الغضب والكراهية ضد (النظام السوري) الذي باعتقادهم تسبب في مأساتهم سينمو كره مواز له ضد المجتمع التركي المضيف الذي مارس على العائلات سادية وعنصرية واستغلالا ستتضاعف قريبا .. وسيكون مشهد التركي الذي عاقب طفلا سوريا في السوق بقسوة مفرطة ورفعه ثم ضرب به الارض كما لو كان جرذا أو حجرا ماهو الا مجرد مشهد واحد من ملايين المشاهد التي سيراها هؤلاء في ذاكرة اللجوء ..  ولذلك يقول المثقفون الأتراك ممن يتابعون كل نشاطات حزب العدالة والتنمية بأن بعض مثقفي الحزب قدموا دراسة خطرة جدا لأردوغان عما سموه خطر "الاجتياح الديموغرافي السوري للجنوب التركي" والذي أقل مايوصف به أنه قنبلة موقوتة ستنفجر بعد خمس الى عشر سنوات وستشعل جنوب تركيا بالأزمات لأن هؤلاء في غالبيتهم لن يعودوا الى سوريا بعد أن توطنوا في تركيا وبدؤوا مرحلة استقرار لم يخططوا لها ولكنها صارت بحكم الأمر الواقع من تطاول الأزمة السورية .. والتوتر العرقي سينفجر بشكل طبيعي مع العنصر التركي ان عاجلا أو آجلا .. وهذه مشكلة كل المجتمعات غير المستقرة والتي يتفشى فيها الجهل والفقر والدين .. وقد تظهر نزعة عند هؤلاء للمطالبة بالحكم الذاتي وربما الاستقلال اذا مادخلت الحكومات السورية المتعاقبة على الخط وشجعتهم على التمرد .. تماما كما حدث مع الأكراد الأتراك الذين فروا من جنوب تركيا الى شمال سورية واستقروا هناك بتسهيلات الحكومة السورية التي عاملتهم كلاجئين وأعطتهم أراضي لاستثمارها والعيش منها .. واذا بهؤلاء اللاجئين اليوم يطالبون بالحكم الذاتي والاستقلال عن الدولة السورية بحجة وجودهم الطويل هناك بعد أن شجعتهم قوى اقليمية وغربية على ذلك (اسرائيل والغرب) .. وسيكون أمام تركيا مشكلة خطرة جدا لاتقل عن المشكلة العرقية الكردية ان لم تكن أكبر من مشكلة الأكراد .. وهي التجمع السكاني السوري المنتشر في الجنوب الذي سيكون عمليا ممتدا من لواء اسكندرون الى جرابلس .. وهؤلاء اذا ماوقع التوتر العرقي اثر غياب العامل الديني الجامع فانهم سيتعاطفون مع بعضهم ضد أي عنف من الدولة أو المجتمع التركي وسيتكتلون في رد فعل لاشعوري كمجموعة سكانية تجمعها صفات مشتركة كما هي الحال بين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن لدى ممارسة أي تمييز أو ضغط حكومي أو اجتماعي .. أي أن تركيا ستكون كتلة من الصراعات العرقية اذا نجت من التوترات المذهبية الحالية .. وتخلص نصائح الدراسة التركية الى أن من الأفضل التعامل مع اللجوء السوري الدموغرافي بجدية مطلقة وازالته كخطر جدي محتمل .. بل ان تبريد الوضع في سورية صار مصلحة للشعب التركي وفق هذه الملاحظات ليعاد اللاجئون الى سورية بدل بقائهم قنبلة موقوتة في تركيا ..  وهذه الدراسة وفق مصادر تركية صديقة تقترح في حال عدم حل الأزمة السورية قريبا اما ابعاد اللاجئين السوريين الى مناطق الأكراد داخل سورية أو عبر منطقة عازلة خاضعة للأمم المتحدة يتم تجميعهم فيها بالقوة وابعادهم عن تركيا والاستفادة منهم ككتلة سكانية عازلة بينهم وبين الأكراد وجيبا متقيحا مواليا لتركيا داخل الجسد السوري يتم استخدامه للضغط السياسي والعسكري كلما حدث توتر مع الحكومة السورية .. الا ان عبقرية "حقان فيدان" رئيس الاستخبارات التركية اقترحت حلا سريعا وهو ترحيلهم الى أوروبة طوعا .. وهذا ماحدث عندما تم فجأة دفع الجميع الى زوارق البحر نحو اليونان ..حيث نشطت المخابرات التركية التي شجعت اللاجئين على القفز في البحر نحو أوروبة وزينت لهم الهجرة الثانية وحاصرت من لم يرغب في لقمة عيشه وهددته احيانا باعاده الى سورية حيث عليه الاختيار بين داعش أو انتقام النظام الذي يعرف كل من غدر به في تركيا ..فكانت موجات المهاجرين التي حاول فيها أردوغان التخلص من عبء الوجود السكاني الديموغرافي السوري وتشتيته .. ومن ثم اعادة بيعه لاوروبة لصالح الخزينة التركية التي قبضت ثمن تجارة الرقيق السوري .. ولكن الغاية الرئيسية كانت الدعوة لاقامة منطقة عازلة أهم وظيفة لها هي أن تجمع فيها هذه "أكوام القمامة الوافدة" - كما يصفها حقان فيدان - وترمى فيها وتنظيف تركيا منها كما نظف أردوغان استانبول من مكبات القمامة عندما كان رئيس بلدية استانبول .. وبذلك تتخلص تركيا من مشكلة قادمة كبيرة ..  هذه المشكلة من التوتر العرقي لايمكن أن توجد في سورية التي شهدت موجات نزوح ضخمة اليها سابقا .. لأن موجات اللجوء اليها تمت ضمن العرق الواحد والبيئة الواحدة ولذلك تحمل السوريون هجرة ونزوح الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين .. ولم تبد توترات عرقية بينهم بسبب التشابه بين هذه المكونات .. وسيكون ذات الأمر بالنسبة للاجئين السوريين في الاردن ولبنان والعراق .. لكنه سيختلف كثيرا في تركيا التي لاتشبههم ولايشبهونها الا في مقدار التدين والجهل ..  هذا مايحدث دوما للساسة المراهقين الذين لايعرفون أن السياسة ليست مجرد صور تذكارية مع الفقراء واللاجئين بل هي استقراء للمستقبل وكل خطوة غير مرئية في المستقبل يجب معاملتها على أنها كمين .. والسياسي الذي لايكترث الا للهتاف والمديح لايختلف عن بائع الجرائد وبائع المواشي .. ولذلك نجد أحدهم مزهوا بانجازاته لكنه يدرك متأخرا أنه كان ذا أذنين كبيرتين كأذني الحمار .. هؤلاء يعتقدون أن اللعب في دماء الجغرافيا هو مجرد لعب مع الخطوط والحدود والتراب .. ولكن من يلعب بدم الجغرافيا عليه أن يعلم ان الجغرافيا ستلعب بدمه ورأسه .. الحكومة السورية تدرك أن انهاء الحرب سيعيد اليها كثيرا من مواطنيها الذين أرغمتهم ظروف كثيرة على الرحيب وخاصة في الشمال .. ولن يبقى في تركيا الا المجرمون والقتلة و السوريون العثمانيون في قلوبهم الذين في الحقيقة لانود عودتهم ونبارك لتركيا حصولها عليهم الى الأبد فنحن لسنا بحاجة الى قلوب متعثمنة وعقول متعفنة ..  كلما مر يوم سيكتشف الأتراك أن حماقة وسوء تقدير زعامتهم لأزمات المنطقة ومغامرتهم العثمانية المجنونة سيدفع ثمنها أبناؤهم الذين تنتظرهم أيام سوداء .. وسيكتشف الأتراك أن أكبر فرصة لهم في التاريخ كانت أمامهم بتحالف ومشروع ربط البحار الخمسة الذي عرضه السوريون .. وقد ضيعها طيش أردوغان الذي سيترك منصبه وسيترك للأتراك أعداء في كل محيطهم .. وأعداء في داخل تركيا وغرف نومها وتحت الأسرة والكراسي وتحت الوسائد .. وأزمات مع الأكراد ومع الجالية السورية الجديدة والقديمة .. ومع الأرمن الذين نكأ جرحهم من جديد ..  واذا كان أحد السياسيين المعارضين الاتراك قد قال بأن كل قبر في سورية قد فتح بيدي أردوغان فان الصواب القول الآن بأن كل قبر قادم في تركيا ايضا فتح بيدي أردوغان .. حفار القبور ..  فمن سيحفر قبر حفار القبور ؟؟ هل هم الأتراك الذين صدقوا حكاية المهاجرين والانصار .. أم السوريون المهاجرون الذين كانوا يقبلون يده وكادوا يغنون له : "طلع البدر علينا ".. أولئك الذين جاؤوه لاجئين مصدقين أنه خليفة النبي؟؟ أم أن قبره سيحفر في معركة حلب التي ستعلن نهاية مغامرته؟؟

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة