الهجوم الواسع الذي كانت تعدّ له «جبهة النصرة» في ريف حلب الجنوبي، أمس الأول، والذي كان يفترض أن يكون نوعياً من حيث الخطة الموضوعة والسلاح المستخدم، أُحبط بشكل مفاجئ،

 

 

 وانقلب إلى كمين سقط جراءه عشرات القتلى، وهو ما دفع «جبهة النصرة» إلى فتح تحقيق سري بالحادثة للتوصل إلى جميع ملابساتها والأطراف المسؤولة عنها، وما هي الدوافع الحقيقية وراءها؟

وأكد مصدر من «جبهة النصرة»، لـ «السفير»، أن الهجوم الذي كان يجري وضع اللمسات الأخيرة على خطته قبل الشروع فيه، كان من المتوقع أن يشهد استخدام تكتيكات جديدة، تستخدم للمرة الأولى من قبل «جبهة النصرة»، وكان المفترض أن تشكل هذه التكتيكات مفاجأة للعدو تؤدي إلى انهيار صفوفه بسرعة، ليسهل بعدها على عناصر «الجبهة» التمدد في جميع أنحاء الريف الجنوبي.

لكن الجيش السوري سارع إلى الإيعاز لسلاحي الطيران والمدفعية بضرب حشود «جبهة النصرة» و«أجناد الشام» في محيط خان طومان، التي كانت تتجهز لاقتحام قرية الخالدية، وكذلك باستهداف خطوط تحرك عناصرهما على طول محاور القتال المتوقعة مثل زيتان وبرنة والقلعجية، ما أدّى إلى سقوط 30 قتيلاً من «جبهة النصرة» وعشرات الإصابات الأخرى، وتدمير دبابتين و3 سيارات دفع رباعي مزودة برشاشات ثقيلة، لتستحيل خطة الهجوم النوعي إلى واحد من أسوأ الكمائن التي تقع فيها «جبهة النصرة» منذ كميني العتيبة والقلمون.

وقد يكون السؤال الأبرز الذي شغل بال قادة «جبهة النصرة» المكلفين بإعداد الهجوم والتحضير له، هو كيف تسربت خطة الهجوم إلى الجيش السوري، وكيف حصل على معلومات تفصيلية عن أماكن انتشار مسلحيها والمحاور التي كان يفترض أن يتحركوا عليها، لأن دقة الاستهداف تدل على أن الجيش السوري كان على علم بكل تفاصيل الخطة، بما فيها تلك التي لا ترسم على الأوراق، بل يجري تداولها مشافهة بين القادة الميدانيين للهجوم؟.

وقد استبعدت «جبهة النصرة» من حساباتها الأولية أن يكون تسريب الخطة جاء نتيجة اختراق صفوفها من قبل جاسوس للنظام السوري، رغم أنها لم تلغ هذه الفرضية نهائياً. ولكن الملابسات التي أحاطت بالهجوم جعلت الشكوك تتجه إلى مكان آخر. فالعمل على الهجوم وخطته تم منذ الساعات الأولى لفشل الجيش السوري في استعادة تلة العيس، قبل حوالي عشرة أيام، وقد شاركت في وضع الخطة مجموعة من الفصائل، هي تقريباً نفسها التي شاركت في معركة تلة العيس. غير أن «جبهة النصرة» فوجئت بأن العديد من الفصائل، ومن بينها فصائل كبيرة ولها حجمها رفضت المشاركة في تنفيذ الخطة لأعذار واهية. وبالرغم من أن «الجبهة» بقيت شبه وحيدة، إلا أن ذلك لم يدفعها للتفكير بإلغاء العملية، بل أصرت على تنفيذها بمساعدة مجموعات صغيرة تدور في فلكها، معتقدةً أن الخطة المحكمة والانجازات السريعة التي ستحققها ستدفع باقي الفصائل إلى التراجع عن موقفها السابق، والمشاركة في إتمام العملية معها.

 

لكن ذلك كله تغير بعد الكمين الساحق الذي تعرضت له قواتها قبل البدء بالهجوم. لأن واقعة الكمين عززت لدى «الجبهة» أن تسريب الخطة قام به أحد الفصائل الكبيرة التي شاركت في وضعها قبل أن تستنكف عن المشاركة. وهو ما اعتبرته مصادر «جبهة النصرة» أمراً بالغ الخطورة بالنسبة إليها، فلم يعد مهماً الكمين وحجم الخسائر التي لحقت بها بسببه، فالأهم هو أن الحدث من حيث سياقه وملابساته يشكل مؤشراً مؤرقاً على أن أوامر وتعليمات جديدة وصلت إلى بعض الفصائل التي تصنفها «جبهة النصرة» على أنها مرتبطة بالخارج، ومضمون هذه الأوامر أنه ينبغي تهدئة جبهات القتال وعدم المبالغة في خرق الهدنة، وذلك بعد التصعيد العسكري خلال الأسبوعين الماضيين، والذي كاد أن يطيح بالهدنة، واستجلب تواصلاً أميركياً ـ روسياً على أعلى المستويات لتطويقه ومنعه من الخروج عن السيطرة.

 

وبالتالي صار السؤال الذي تسعى تحقيقات «جبهة النصرة» للإجابة عنه هو: هل بلغ التزام بعض الفصائل بهذه الأوامر درجة أن تخونها بهذا الشكل، وتسرب إلى عدوها خطة الهجوم؟.

  • فريق ماسة
  • 2016-04-21
  • 11520
  • من الأرشيف

«النصرة» تبحث عمن سرّب خطة الهجوم... ماذا حصل في ريف حلب الجنوبي؟

 الهجوم الواسع الذي كانت تعدّ له «جبهة النصرة» في ريف حلب الجنوبي، أمس الأول، والذي كان يفترض أن يكون نوعياً من حيث الخطة الموضوعة والسلاح المستخدم، أُحبط بشكل مفاجئ،      وانقلب إلى كمين سقط جراءه عشرات القتلى، وهو ما دفع «جبهة النصرة» إلى فتح تحقيق سري بالحادثة للتوصل إلى جميع ملابساتها والأطراف المسؤولة عنها، وما هي الدوافع الحقيقية وراءها؟ وأكد مصدر من «جبهة النصرة»، لـ «السفير»، أن الهجوم الذي كان يجري وضع اللمسات الأخيرة على خطته قبل الشروع فيه، كان من المتوقع أن يشهد استخدام تكتيكات جديدة، تستخدم للمرة الأولى من قبل «جبهة النصرة»، وكان المفترض أن تشكل هذه التكتيكات مفاجأة للعدو تؤدي إلى انهيار صفوفه بسرعة، ليسهل بعدها على عناصر «الجبهة» التمدد في جميع أنحاء الريف الجنوبي. لكن الجيش السوري سارع إلى الإيعاز لسلاحي الطيران والمدفعية بضرب حشود «جبهة النصرة» و«أجناد الشام» في محيط خان طومان، التي كانت تتجهز لاقتحام قرية الخالدية، وكذلك باستهداف خطوط تحرك عناصرهما على طول محاور القتال المتوقعة مثل زيتان وبرنة والقلعجية، ما أدّى إلى سقوط 30 قتيلاً من «جبهة النصرة» وعشرات الإصابات الأخرى، وتدمير دبابتين و3 سيارات دفع رباعي مزودة برشاشات ثقيلة، لتستحيل خطة الهجوم النوعي إلى واحد من أسوأ الكمائن التي تقع فيها «جبهة النصرة» منذ كميني العتيبة والقلمون. وقد يكون السؤال الأبرز الذي شغل بال قادة «جبهة النصرة» المكلفين بإعداد الهجوم والتحضير له، هو كيف تسربت خطة الهجوم إلى الجيش السوري، وكيف حصل على معلومات تفصيلية عن أماكن انتشار مسلحيها والمحاور التي كان يفترض أن يتحركوا عليها، لأن دقة الاستهداف تدل على أن الجيش السوري كان على علم بكل تفاصيل الخطة، بما فيها تلك التي لا ترسم على الأوراق، بل يجري تداولها مشافهة بين القادة الميدانيين للهجوم؟. وقد استبعدت «جبهة النصرة» من حساباتها الأولية أن يكون تسريب الخطة جاء نتيجة اختراق صفوفها من قبل جاسوس للنظام السوري، رغم أنها لم تلغ هذه الفرضية نهائياً. ولكن الملابسات التي أحاطت بالهجوم جعلت الشكوك تتجه إلى مكان آخر. فالعمل على الهجوم وخطته تم منذ الساعات الأولى لفشل الجيش السوري في استعادة تلة العيس، قبل حوالي عشرة أيام، وقد شاركت في وضع الخطة مجموعة من الفصائل، هي تقريباً نفسها التي شاركت في معركة تلة العيس. غير أن «جبهة النصرة» فوجئت بأن العديد من الفصائل، ومن بينها فصائل كبيرة ولها حجمها رفضت المشاركة في تنفيذ الخطة لأعذار واهية. وبالرغم من أن «الجبهة» بقيت شبه وحيدة، إلا أن ذلك لم يدفعها للتفكير بإلغاء العملية، بل أصرت على تنفيذها بمساعدة مجموعات صغيرة تدور في فلكها، معتقدةً أن الخطة المحكمة والانجازات السريعة التي ستحققها ستدفع باقي الفصائل إلى التراجع عن موقفها السابق، والمشاركة في إتمام العملية معها.   لكن ذلك كله تغير بعد الكمين الساحق الذي تعرضت له قواتها قبل البدء بالهجوم. لأن واقعة الكمين عززت لدى «الجبهة» أن تسريب الخطة قام به أحد الفصائل الكبيرة التي شاركت في وضعها قبل أن تستنكف عن المشاركة. وهو ما اعتبرته مصادر «جبهة النصرة» أمراً بالغ الخطورة بالنسبة إليها، فلم يعد مهماً الكمين وحجم الخسائر التي لحقت بها بسببه، فالأهم هو أن الحدث من حيث سياقه وملابساته يشكل مؤشراً مؤرقاً على أن أوامر وتعليمات جديدة وصلت إلى بعض الفصائل التي تصنفها «جبهة النصرة» على أنها مرتبطة بالخارج، ومضمون هذه الأوامر أنه ينبغي تهدئة جبهات القتال وعدم المبالغة في خرق الهدنة، وذلك بعد التصعيد العسكري خلال الأسبوعين الماضيين، والذي كاد أن يطيح بالهدنة، واستجلب تواصلاً أميركياً ـ روسياً على أعلى المستويات لتطويقه ومنعه من الخروج عن السيطرة.   وبالتالي صار السؤال الذي تسعى تحقيقات «جبهة النصرة» للإجابة عنه هو: هل بلغ التزام بعض الفصائل بهذه الأوامر درجة أن تخونها بهذا الشكل، وتسرب إلى عدوها خطة الهجوم؟.

المصدر : عبد الله سليمان علي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة