دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
تنظيم «داعش» المأزوم، يريد السيطرة على محور خناصر ـ أثريا لاتخاذه منطلقاً لخلط الأوراق فوق الساحة السورية، قبل أن يحين الموعد الذي يترقبه أكثر من غيره، وهو يوم السبت المقبل موعد الشروع بتنفيذ الهدنة الموعودة، حيث من المتوقع أن يؤدي رفع مظلة الهدنة فوق النصف الغربي من سوريا إلى حشر معاقل التنظيم في نصفها الشرقي بين نارين، ولن يكون أمامه متسع من الوقت للتلاعب بجغرافيا انتشاره.
وتتلخّص أهداف العملية الهجومية على خناصر، التي قادها حسان عبود السرميني، قائد «لواء داوود» سابقاً، بأمور عدة، أهمها: اتخاذ خطوة استباقية تهدف إلى عرقلة عملية الجيش السوري باتجاه محافظة الرقة، وهي عملية مستمرة وجدية، ويحشد الجيش لأجلها آلاف المقاتلين، ويتيح له ذلك تشتيت جهود القوات السورية على أكثر من محور، لمنعها من تحقيق أي تقدم استراتيجي على طريق أثريا ـ الطبقة.
كما يريد التنظيم أن يتفادى المخاطر التي يمكن أن تحيق به جراء تنفيذ الهدنة، لأنه يدرك أن الجميع حينها سيكون متفرغاً لقتاله، وأنه سيكون الهدف الأول للطائرات الروسية والأميركية من الجو ولقوات الجيش السوري و«قوات سوريا الديموقراطية» وبعض الفصائل المسلحة الأخرى من الأرض. وهو يحاول استباق تطبيق الهدنة لئلا يبقى محشوراً في النصف الشرقي الذي لن تشمله مظلة الهدنة.
كذلك من أهداف التنظيم محاولة استغلال هزيمة الفصائل على أكثر من جبهة، لاسيما في ريف حلب الشمالي، وإعادة شحن مغناطيسه بموجة جذب قوية، عبر تحقيق نصر في خناصر من أجل استقطاب بعض الفصائل وإقناعها بالقتال معه، أو على الأقل وضعها على الحياد.
واختيار طريق خناصر ـ أثريا، بالإضافة إلى أنه يقلب معادلة الحصار في حلب ويؤدي إلى إجهاض إنجازات الجيش السوري هناك، فإنه يحقق أهدافاً أخرى لا تقل أهمية، إذ سيكون التنظيم للمرة الأولى على مشارف محافظة إدلب، التي اضطر للخروج منها مطلع العام 2014 بسبب الاقتتال مع الفصائل الأخرى، وبالتالي سيكون لديه جسر يؤمن انتقال جزء من قواته إلى ضفة الهدنة في النصف الغربي من البلاد من دون أن يفقد هذا الجزء المنتقل خطوط اتصاله مع مناطق انتشار التنظيم الأخرى. ويكفي الإشارة إلى أن خناصر تبعد عن قرى ريف إدلب الشرقي أقل من 15 كيلومتراً، وعن مطار أبو الظهور العسكري 30 كيلومتراً.
وقد يكون وجود حسان عبود السرميني، ابن إدلب، على رأس الهجوم الذي يقوم به التنظيم في خناصر، ذا دلالة واضحة على نيات التنظيم بالعودة إلى المحافظة وإعادة تفعيل علاقاته مع بعض الفصائل والخلايا التي تضمّ الكثير من القادة والمسلحين المتعاطفين معه، مثل جناح «جند الأقصى»، الذي لم يبايع «جبهة النصرة»، و «لواء التوبة» و «القوقازيين»، وحتى خلايا ما تزال موجودة ضمن «جبهة النصرة» و «أحرار الشام».
وكان السرميني سابقاً يقود «لواء داوود»، ويتحالف مع «ألوية صقور الشام»، لكنه بايع تنظيم «داعش» أواخر العام 2013، وغادر إدلب إلى الرقة، مع كامل أسلحته الفردية والثقيلة وجميع عناصره الذين تُقدّر أعدادهم بحوالي ألف مسلح. والسرميني هو الأقدر على تحقيق هدف عودة التنظيم إلى إدلب، لكونه يستند إلى رصيد كبير من العلاقات الشخصية مع غالبية قادة الفصائل هناك.
ويكتفي التنظيم بهذه الأهداف، لأنه يدرك أن إفشال الهدنة ووأدها في مهدها يبدو مهمة مستحيلة في ظل التوافق الدولي عليها، لذلك يصبّ جهوده كلها في محاولة تخفيف مخاطرها المحتملة عليه قدر الإمكان.
ميدانياً، تستمر الاشــتباكات على مسافة 30 كيلومتراً من طريق أثريا ـ خناصر لليــوم الرابع على التوالي، وسط تضارب كبير في الأنباء الــواردة من أرض المعركة، سواء لناحية الأطـراف المشاركة أو لناحــية توزع خريطة السيطرة.
ورغم اتساع رقعة المعارك، وامتدادها شمالاً وجنوباً، بالنسبة لبلدة خناصر، إلا أن الخرق النوعي حصل على المحور الشمالي، حيث تقدّم «داعش» من رسم النفل بمحاذاة سبخة جبول وسيطر على قرى عدة، منها شلالة الكبيرة والراهب ورسم حمد والهواز والقرع، قبل أن يتمكّن في اليوم الثاني للهجوم من السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي على تل عبيدة غرب خناصر بمــسافة لا تتعدى 3 كيلومترات، ليقتحم بعدها خناصر ويسيطر على غالبية أجزائها، ما عدا بعض المباني في أطرافها الجنوبية والغربية حيث ما زال مقاتلو الجيش السوري المتحصنون هناك يقاتلون بشراسة حتى الآن. والسيطرة على تل عبيدة منحت التنظيم تفوقاً نارياً لإشرافه على خناصر، ولكن الأهم جعلته يقف على مشارف محافظة إدلب بمسافة لا تتعدى الكيلومترات القليلة.
وترجّح بعض المصادر أن تكون خطوة التنظيم المقبلة هي محاولة السيطرة على سلسلة جبال الحص الواقعة شمال غرب خناصر. وما يعزز ذلك أن «وكالة أعماق» أعلنت في خبر لها عن هجوم التنظيم على نقطة البوز. وتقع نقطة البوز على طرف جبال الحص من جهة الشرق، ويفصلها عن سبخة الجبول الطريق فقط. وهذا يعني أن الطريق الذي يستخدمه الجيش السوري لإرسال التعزيزات سيكون محصوراً لمسافة كيلومتر واحد بين السبخة (وهي بحيرة مياه) من جهة وبين استهدافات «داعش» من ناحية البوز في جبال الحص من جهة ثانية. كما أن اللجوء إلى جبال الحص، بما فيها من مغاور وكهوف ومساتر طبيعية، سيمكن التنظيم من تلافي الغارات الجوية والحدّ من خسائره جراءها. كما أن السعي للسيطرة على الحص سيؤدي إلى تمويه مسار اتجاهه المقبل، هل سيكون نحو مدينة السفيرة الواقعة تحت سيطرة الجيش السوري أم نحو إدلب معقل «جبهة النصرة» و «أحرار الشام»؟
غير أن الوقت يضيق أمام تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، فمن جهة يتابع الجيش السوري وحلفاؤه محاولة استعادة القرى التي سيطر عليها، وقد نجحوا حتى الآن بالسيطرة على قرية رسم النفل وبعض التلال المهمة. ومن جهة ثانية، في حال إقرار الهدنة السبت المقبل، سيكون بإمكان الجيش السوري استقدام تعزيزات من الجبهات التي ستشملها الهدنة إلى جبهة خناصر، بالإضافة إلى أن «داعش» سيكون قد دخل في مرحلة الاستهداف المزدوج من قبل الطائرات الروسية والأميركية معاً كما هو متوقع، ما سيؤدي إلى تقليل الخيارات أمامه للاستمرار في هجومه.
المصدر :
عبد الله سليمان علي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة