مفاوضات «جنيف 3» السورية بدأت، ولكنها لم تنطلق. اجتماع واحد مع مجموعة الرياض، كان كافياً لكي يعلن الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، وسط مؤتمر صحافي، أن «جنيف 3» قد بدأ.

 وباستياء استقبل بعض أعضاء وفد مجموعة الرياض، كلام دي ميستورا في مؤتمره الصحافي، عن بدء المفاوضات. إذ لا تزال معارضة الرياض بعيدة عن الإيقاع الدولي، وهجوم التفاؤل الذي بدأه دي ميستورا، فور انتهاء الساعة الأولى من اختلائه بالوفد.

 ويقول مصدر إن الوسيط الدولي ذهب ابعد مما ينبغي في التفاؤل، وأنهم جاؤوا إلى جنيف لإبلاغه هواجسهم فقط، وليس لإجراء أية مفاوضات.

ولا تزال المسافة إلى المفاوضات تتطلب، ليس فقط تجاوز الخلاف على البندين 12 و13، اللذين تحولا إلى حاجز أمام قطار جنيف، للكشف عن حاجة المعارضة إلى تحقيق أي انجاز في جنيف، يخفف عنها الضغوط التي تتعرض لها من الفصائل المسلحة، وهو ما يعكسه حتى الآن رفضها إسباغ صفة التفاوض، أو التحادث على ما جاءت إليه في جنيف، وإنما مجرد لقاءات مع الأمم المتحدة، لفرض شروطها.

وتقول مصادر ديبلوماسية إن وفد الرياض كان أكثر ايجابية خلال اللقاء مع دي ميستورا مما تشيعه تصريحات ناطقيه بالتشدد، والتهديد بالعودة إلى الرياض، أو فرض الشروط المسبقة، وأن أعضاءه أصغوا لسيناريو التفاوض كما عرضه الوسيط الدولي، فيما أعادوا عرض هواجسهم عن الأوضاع الإنسانية.

 لكن السيناريو الذي نص على رحلات مكوكية بين قاعات الأمم المتحدة في جنيف ليس مطابقاً لما سيجري بدءا من اليوم. إذ لا تزال البداية هشّة ومعرّضة للمفاجآت. وخلال الصباح يبدأ «جنيف 3» بلقاء مع الوفد الحكومي السوري الذي يقوده السفير بشار الجعفري. وفي القاعة ذاتها، والى المقاعد نفسها حول دي ميستورا، سيجلس بعد الظهر، وفد مجموعة الرياض.

وكان الأميركيون قد بذلوا جهودا كبيرة لإقناع وفد مجموعة الرياض بالذهاب ابعد من مجرد القدوم إلى سويسرا، والدخول إلى قصر الأمم المتحدة، وأن «عليهم أن يطرحوا على الطاولة كل مطالبهم، وليس في خارجها، كما ابلغهم مسؤول أميركي في جنيف، وأن عدم حضورهم هدية مجانية للدولة السورية، وأن حضورهم إلى جنيف أفضل من البقاء في الرياض». ويقول مصدر إن مسؤولاً غربياً التقى الوفد المعارض، ونصحهم بالعمل على التقارب مع الروس، أو ترتيب لقاء معهم، بل قال لهم إن عليهم الانفتاح على الإيرانيين الذين يملكون أوراقاً مهمة في المنطقة، وفي التسوية السياسية، من دون إن يلقى جوابا منهم.

وكان دي ميستورا نفسه قد تخفف من كل الأعباء التي يلقيها وفد الرياض عليه بمطالبته بالعمل من اجل وقف إطلاق النار، فضلاً عن المطالبة بتطبيق البندين 12 و13 من القرار الدولي 2254، قبل الدخول في المفاوضات، وتتعلق برفع الحصار عن 18 بلدة ومدينة كما قال المتحدث باسم الوفد سالم المسلط، ووقف عمليات قصف المدنيين، وإطلاق المعتقلين. وأعاد دي ميستورا الكرة إلى ملعب الروس والأميركيين، موضحاً أن دوره «لا يتضمن وقف إطلاق النار، وأن على القوى الكبرى مباشرة البحث بشأن كيفية فرضه».

وعمل دي ميستورا ما أمكنه لطمأنة الوفد، وحماية الانجاز المتواضع الذي انتزعه بعد أسبوع من انتظار أن يتخذ أعضاؤه في الرياض قرار العبور إلى جنيف. فقال انه على الحكومة السورية أن «تتعاون لإخراج المدنيين المحاصرين».

وجعل دي ميستورا اشتراط مجموعة الرياض تنفيذ البندين 12 و13 من القرار، مجرد هواجس «وقلق لا يمكن تجاهله، وقد عبرت عنه المعارضة وأتمنى أن يلقى رداً ايجابيا». وعملت إدارة الفندق الذي ينزل فيه وفد مجموعة الرياض على طمأنتهم أيضا بإزالة تمثالين عاريين من احد قاعات الفندق.

وبحسب مسؤول أميركي فقد طلبت مساعدة الخارجية الأميركية آن باترسون من نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف، خلال اجتماعهما الأول في جنيف أمس، الضغط على الحكومة السورية، كي تقدم على بادرة ايجابية، تساعد المفاوضات وأن تطلق بعض السجناء.

ويبدو أن السوريين ودي ميستورا، يخففون من وقع وصول محمد علوش إلى جنيف، ومشاركة مليشيات «جيش الإسلام» الذي يمثله في وفد مجموعة الرياض،.. إذ يعتبر الوفد الحكومي انه لا يحاور الوفد المعارض، ولكن الأمم المتحدة، كما أن دي ميستورا غسل يديه من مسؤولية حضور ممثل مليشيات «جيش الإسلام» الذي استعرض مئات المعتقلين في أقفاص في دوما، واستخدمهم كدروع بشرية. وقال دي ميستورا «إني مجرد وسيط، وأنا لا أناقش الناس الذين أراهم أمامي، وإنما أناقش ما يقال لي، ولا أناقش هؤلاء وحدهم».

المفاوضات بدأت ولم تنطلق، إذ لا يزال التوافق على انطلاق المفاوضات، ينتظر صياغة تفاهم روسي ـ أميركي جولة اثر جولة لتأمين استمرارية اللقاءات في جنيف، وعدم انسحاب وفد مجموعة الرياض الذي يعلق مشاركته في الحوار، بتنفيذ ما يعتبره مقدمة للحوار في تحقيق البندين 12 و13.

وتقول مصادر غربية إن لقاء غاتيلوف ـ باترسون تطور إلى أكثر من البحث بإطلاق سجناء، أو اعتراض الأميركيين على مساواة ما يحاصره الجيش السوري في 18 بلدة ومدينة، بحصار كفريا والفوعة أو نبل والزهراء، إلى البحث في صلب العملية السياسية، والإسراع في إدراج الخطة الأساسية التي يحملها القرار 2254 على لائحة جنيف. ويحاول الروس والأميركيون التقدم بسرعة وانتزاع التزامات من جميع الأطراف في صلب العملية، كي لا يذهب «جنيف 3» إلى ما ذهب إليه «جنيف 2» ويغرق في لجة الشروط المسبقة والأولويات. وتقول المصادر إن الأميركيين والروس يريدون تجاوز هذه المرحلة، ومباشرة البحث بخريطة الطريق التي تبدأ بحكومة موسعة، ووقف إطلاق النار، وتعديلات دستورية وانتخابات رئاسية يشارك فيها الرئيس بشار الأسد.

ومن المنتظر أن يحسم الروس اليوم قضية وفد العلمانيين الديموقراطيين، الذي فقد ركنه الثاني، بعد إعلان رئيس «مجلس سوريا الديموقراطية» هيثم مناع، استنكافه عن المشاركة في الجولة الحالية للمفاوضات، طالما استمر استبعاد الأكراد منها. وخلال الصباح يلتقي غاتيلوف رئيسة «حركة المجتمع التعددي» رندا قسيس، والأمين العام في «حزب الإرادة الشعبية» قدري جميل، وهيثم مناع.

  • فريق ماسة
  • 2016-02-01
  • 11625
  • من الأرشيف

«جنيف السوري»: اجتماع.. لا تفاوض!...بقلم محمد بلوط

مفاوضات «جنيف 3» السورية بدأت، ولكنها لم تنطلق. اجتماع واحد مع مجموعة الرياض، كان كافياً لكي يعلن الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا، وسط مؤتمر صحافي، أن «جنيف 3» قد بدأ.  وباستياء استقبل بعض أعضاء وفد مجموعة الرياض، كلام دي ميستورا في مؤتمره الصحافي، عن بدء المفاوضات. إذ لا تزال معارضة الرياض بعيدة عن الإيقاع الدولي، وهجوم التفاؤل الذي بدأه دي ميستورا، فور انتهاء الساعة الأولى من اختلائه بالوفد.  ويقول مصدر إن الوسيط الدولي ذهب ابعد مما ينبغي في التفاؤل، وأنهم جاؤوا إلى جنيف لإبلاغه هواجسهم فقط، وليس لإجراء أية مفاوضات. ولا تزال المسافة إلى المفاوضات تتطلب، ليس فقط تجاوز الخلاف على البندين 12 و13، اللذين تحولا إلى حاجز أمام قطار جنيف، للكشف عن حاجة المعارضة إلى تحقيق أي انجاز في جنيف، يخفف عنها الضغوط التي تتعرض لها من الفصائل المسلحة، وهو ما يعكسه حتى الآن رفضها إسباغ صفة التفاوض، أو التحادث على ما جاءت إليه في جنيف، وإنما مجرد لقاءات مع الأمم المتحدة، لفرض شروطها. وتقول مصادر ديبلوماسية إن وفد الرياض كان أكثر ايجابية خلال اللقاء مع دي ميستورا مما تشيعه تصريحات ناطقيه بالتشدد، والتهديد بالعودة إلى الرياض، أو فرض الشروط المسبقة، وأن أعضاءه أصغوا لسيناريو التفاوض كما عرضه الوسيط الدولي، فيما أعادوا عرض هواجسهم عن الأوضاع الإنسانية.  لكن السيناريو الذي نص على رحلات مكوكية بين قاعات الأمم المتحدة في جنيف ليس مطابقاً لما سيجري بدءا من اليوم. إذ لا تزال البداية هشّة ومعرّضة للمفاجآت. وخلال الصباح يبدأ «جنيف 3» بلقاء مع الوفد الحكومي السوري الذي يقوده السفير بشار الجعفري. وفي القاعة ذاتها، والى المقاعد نفسها حول دي ميستورا، سيجلس بعد الظهر، وفد مجموعة الرياض. وكان الأميركيون قد بذلوا جهودا كبيرة لإقناع وفد مجموعة الرياض بالذهاب ابعد من مجرد القدوم إلى سويسرا، والدخول إلى قصر الأمم المتحدة، وأن «عليهم أن يطرحوا على الطاولة كل مطالبهم، وليس في خارجها، كما ابلغهم مسؤول أميركي في جنيف، وأن عدم حضورهم هدية مجانية للدولة السورية، وأن حضورهم إلى جنيف أفضل من البقاء في الرياض». ويقول مصدر إن مسؤولاً غربياً التقى الوفد المعارض، ونصحهم بالعمل على التقارب مع الروس، أو ترتيب لقاء معهم، بل قال لهم إن عليهم الانفتاح على الإيرانيين الذين يملكون أوراقاً مهمة في المنطقة، وفي التسوية السياسية، من دون إن يلقى جوابا منهم. وكان دي ميستورا نفسه قد تخفف من كل الأعباء التي يلقيها وفد الرياض عليه بمطالبته بالعمل من اجل وقف إطلاق النار، فضلاً عن المطالبة بتطبيق البندين 12 و13 من القرار الدولي 2254، قبل الدخول في المفاوضات، وتتعلق برفع الحصار عن 18 بلدة ومدينة كما قال المتحدث باسم الوفد سالم المسلط، ووقف عمليات قصف المدنيين، وإطلاق المعتقلين. وأعاد دي ميستورا الكرة إلى ملعب الروس والأميركيين، موضحاً أن دوره «لا يتضمن وقف إطلاق النار، وأن على القوى الكبرى مباشرة البحث بشأن كيفية فرضه». وعمل دي ميستورا ما أمكنه لطمأنة الوفد، وحماية الانجاز المتواضع الذي انتزعه بعد أسبوع من انتظار أن يتخذ أعضاؤه في الرياض قرار العبور إلى جنيف. فقال انه على الحكومة السورية أن «تتعاون لإخراج المدنيين المحاصرين». وجعل دي ميستورا اشتراط مجموعة الرياض تنفيذ البندين 12 و13 من القرار، مجرد هواجس «وقلق لا يمكن تجاهله، وقد عبرت عنه المعارضة وأتمنى أن يلقى رداً ايجابيا». وعملت إدارة الفندق الذي ينزل فيه وفد مجموعة الرياض على طمأنتهم أيضا بإزالة تمثالين عاريين من احد قاعات الفندق. وبحسب مسؤول أميركي فقد طلبت مساعدة الخارجية الأميركية آن باترسون من نائب وزير الخارجية الروسية غينادي غاتيلوف، خلال اجتماعهما الأول في جنيف أمس، الضغط على الحكومة السورية، كي تقدم على بادرة ايجابية، تساعد المفاوضات وأن تطلق بعض السجناء. ويبدو أن السوريين ودي ميستورا، يخففون من وقع وصول محمد علوش إلى جنيف، ومشاركة مليشيات «جيش الإسلام» الذي يمثله في وفد مجموعة الرياض،.. إذ يعتبر الوفد الحكومي انه لا يحاور الوفد المعارض، ولكن الأمم المتحدة، كما أن دي ميستورا غسل يديه من مسؤولية حضور ممثل مليشيات «جيش الإسلام» الذي استعرض مئات المعتقلين في أقفاص في دوما، واستخدمهم كدروع بشرية. وقال دي ميستورا «إني مجرد وسيط، وأنا لا أناقش الناس الذين أراهم أمامي، وإنما أناقش ما يقال لي، ولا أناقش هؤلاء وحدهم». المفاوضات بدأت ولم تنطلق، إذ لا يزال التوافق على انطلاق المفاوضات، ينتظر صياغة تفاهم روسي ـ أميركي جولة اثر جولة لتأمين استمرارية اللقاءات في جنيف، وعدم انسحاب وفد مجموعة الرياض الذي يعلق مشاركته في الحوار، بتنفيذ ما يعتبره مقدمة للحوار في تحقيق البندين 12 و13. وتقول مصادر غربية إن لقاء غاتيلوف ـ باترسون تطور إلى أكثر من البحث بإطلاق سجناء، أو اعتراض الأميركيين على مساواة ما يحاصره الجيش السوري في 18 بلدة ومدينة، بحصار كفريا والفوعة أو نبل والزهراء، إلى البحث في صلب العملية السياسية، والإسراع في إدراج الخطة الأساسية التي يحملها القرار 2254 على لائحة جنيف. ويحاول الروس والأميركيون التقدم بسرعة وانتزاع التزامات من جميع الأطراف في صلب العملية، كي لا يذهب «جنيف 3» إلى ما ذهب إليه «جنيف 2» ويغرق في لجة الشروط المسبقة والأولويات. وتقول المصادر إن الأميركيين والروس يريدون تجاوز هذه المرحلة، ومباشرة البحث بخريطة الطريق التي تبدأ بحكومة موسعة، ووقف إطلاق النار، وتعديلات دستورية وانتخابات رئاسية يشارك فيها الرئيس بشار الأسد. ومن المنتظر أن يحسم الروس اليوم قضية وفد العلمانيين الديموقراطيين، الذي فقد ركنه الثاني، بعد إعلان رئيس «مجلس سوريا الديموقراطية» هيثم مناع، استنكافه عن المشاركة في الجولة الحالية للمفاوضات، طالما استمر استبعاد الأكراد منها. وخلال الصباح يلتقي غاتيلوف رئيسة «حركة المجتمع التعددي» رندا قسيس، والأمين العام في «حزب الإرادة الشعبية» قدري جميل، وهيثم مناع.

المصدر : السفير/ محمد بلوط


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة