هاجم الصحفي الأميركي الشهير "روبرت باري" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كاشفًا حقيقة الجرائم التي اقترفها ونسبها الى الرئيس السوري بشار الأسد،

لا سيّما الهجوم باستخدام غاز السارين عام 2013. واعتبر "روبرت باري" أنّ "العلاقات المزعومة بين الرئيس التركي أردوغان والإرهابيين الإسلاميين في سوريا، تسبب إحراجًا لإدارة أوباما ولوسائل الإعلام الأمريكية، التي تفضل أن تنظر في الاتجاه الآخر بدلًا من مواجهة الخطر الناشئ عن "حليف" الناتو الخارج عن السيطرة".

وفي مقالٍ له في موقع "consortiumnews"، قال باري بأسلوبٍ استهزائي:

"نظريًا، ستكون مادة دسمة للصحافة الأمريكية: حاكم مستبد مهووس بالإطاحة بزعيم بلدٍ مجاور، يخوّل أجهزة مخابراته التعاون مع الإرهابيين لتنظيم هجومٍ بغاز السارين القاتل، ومن ثمّ إلقاء اللوم على عدوّه، وبالتالي خداع القوى الكبرى لإطلاق الغارات العقابية ضد جيش العدو.

 

وبعد فشل هذا المخطط لتحقيق التدخل المطلوب، لا تزال أجهزة مخابرات الحاكم المستبد تساعد الإرهابيين داخل البلد المجاور، من خلال توفير الأسلحة والعبور الآمن لقوافل الشاحنات التي تحمل نفط الإرهابيين إلى السوق. أما عصارة القصة، فهي أنّ نجل هذا الحاكم متّهم بالاستفادة من أرباح النفط.

 

لجعل القصة أكثر إلحاحًا، أحد زعماء المعارضة الشجعان يتحدى غضب الحاكم المستبد، من خلال السعي إلى فضح مخططات المخابرات هذه، متستّرًا في الوقت نفسه على أدلة رئيسية. ثم سعى حكومة الحاكم المستبد لمحاكمة الناقد بتهمة "الخيانة"".

 

ويضيف باري: "ولكن المشكلة مع هذه القصة، بالإضافة الى كون الحكومة الأميركية والصحافة معنيتين، هي أنّ الزعيم المستبد، الرئيس رجب طيب أردوغان، هو المسؤول عن تركيا وهي حليف الناتو، وجاره هو الرئيس السوري بشار الأسد الذي كثيرًا ما جرت شيطنة صورته. وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية والقادة السياسيون صدّقوا أيضًا خدعة السارين، وهم ببساطة لا يستطيعون تحمّل فكرة الاعتراف بأنهم ضلّلوا الشعب الأمريكي مرة أخرى بشأن مسألة متعلّقة بالحرب".

 

وفنّد باري حقيقة هجوم غاز السارين، مذكّرًا بأنّ "القصة الرسمية للهجوم - كما وردت على لسان وزير الخارجية جون كيري، هيومن رايتس ووتش وغيرها من المصادر "المحترمة" - وضعت بحزم اللوم على الرئيس الأسد، في الهجوم الوحشي الذي حصل في 21 آب/أغسطس 2013، والذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين خارج دمشق. هذه الجهات أصبحت "مجموعة تفكير" قوية في واشنطن.

 

وعلى الرغم من أنّ عددًا قليلًا من وسائل الإعلام المستقلة، بما في ذلك Consortiumnews، تحدت عن تسرّعٍ في الحكم، وأشارت إلى عدم وجود أدلة تثبت تورّط الأسد، فإنّ تلك الشكوك قد تُركت جانبًا.

 

ومع ذلك، كما هو الحال مع "اليقين" حول أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل عقدٍ من الزمن، فإنّ كل شخص مهم ينضم الى "مجموعة التفكير" التي تؤمن بأنّ "الأسد هو الفاعل". وهذا يعني أنّ الأسد قد تخطى "الخط الأحمر" للرئيس باراك أوباما، حول استخدام الأسلحة الكيماوية، ما نتج عنه حديثٌ جدي عن ضربة أميركية انتقامية بعد أيام.

 

لكن أوباما - في اللحظة الأخيرة - ابتعد عن فكرة شنّ هذه الهجمات العسكرية، فاعتبرته واشنطن "ضعيفًا" لعدم استكمال الخطوات. أما ما لم يتمّ الكشف عنه، هو أنّ محلّلي الاستخبارات الأمريكية كانت لديهم شكوك حول تورّط الأسد، واشتبهوا بأنّه الحقيقة فخٌ نصبه المتطرفون.

 

وعلى الرغم من تلك الأسئلة الداخلية، واصلت الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الرئيسية دعمها لبروباغندا "الأسد فعلها". وفي خطابٍ رسمي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 أيلول/سبتمبر 2013، اعتبر أوباما، "إنها إهانة للعقل البشري ولشرعية هذه المؤسسة الإشارة إلى أنّ أي شخص غير النظام هو من نفّذ هذا الهجوم".

 

أما الدليل القاطع ضد الأسد، فقد جاء في "تحليلٍ للمتجهات" وضعته هيومن رايتس ووتش في نيويورك تايمز، عبر رسم مساري الصاروخين حتى القاعدة العسكرية السورية شمال غرب دمشق. ولكن هذا التحليل انهار عندما أصبح واضحًا أنّ صاروخًا واحدًا فقط من الصاورخين كان يحمل مادة السارين وكان مداه أقل من ثلث المسافة بين قاعدة للجيش ونقطة التأثير. وهذا يعني أنّ الصاروخ الذي كان يحمل السارين على ما يبدو قد أطلق من مناطق المتمردين.

 

ولكن "مجموعة التفكير" رفضت جميع الأدلة التجريبية. كانت قوية لدرجة أنه حتى عندما تم كشف المؤامرة التركية عبر الصحفي الاستقصائي الأسطوري سيمور هيرش، رفضت مجلة نيويوركر نشر مقاله".

 

الطريق الأسهل

 

وتابع باري معتبرًا أنه "لا يزال من الأسهل لصحيفة نيويورك تايمز، واشنطن بوست وغيرها من وكالات الأنباء الرئيسية تجاهل القصة المقنعة لإمكانية التواطؤ التركي في جريمة حربٍ خطيرة. في النهاية، ماذا سيعتقد الشعب الأمريكي - بعد فشل وسائل الإعلام في حماية البلاد ضد الأكاذيب التي أدت إلى الحرب الكارثية في العراق - إذا قامت مصادر الأخبار نفسها بعملٍ مماثل في سوريا، من خلال تجاهل طرح الأسئلة الصعبة؟".

 

وأضاف الصحافي الأميركي أنّه لو أصدر أوباما أوامره بضرب سوريا عام 2013، لكان تنظيما "داعش" و"النصرة" أكثر المستفيدين، ولأدى ذلك الى استلامهما زمام الأمور في دمشق ما كان سيؤدي حتمًا الى نتائج كارثية على الإنسانية، معتبرًا أنّ الحل "الذكي" البديل كان في شيطنية صورة الرئيس الأسد واتهامه بمهاجمة شعبه بالغاز، ممّا سيعزز موقع الأصوات المنادية برحيله.

 

بناءً عليه، فإنّ "على وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية أيضًا تجاهل التصريحات الجريئة لـ"إرين اردم"، وهو نائب من حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، والذي اتهم علنًا حكومة أردوغان بعرقلة التحقيق في دور تركيا في تأمين غاز السارين وتسليمه للإرهابيين المرتبطين بالقاعدة، لاستخدامه داخل سوريا"، بحسب الكاتب.

 

وكان اردم قد استشهد بلائحة اتهامٍ أصدرها مكتب المدعي العام في مدينة أضنة بجنوب تركيا، فيما يتعلّق بالقضية الجنائية رقم 2013/120، وذلك في تصريحاتٍ أمام البرلمان والصحفيين.

 

وقال اردم إنّ مكتب المدعي العام، مستخدمًا المراقبة التقنية"، اكتشف أنّ الجهادي في تنظيم القاعدة، المدعو حيام كسب، حصل على السارين.

 

وأضاف اردم، في المؤتمر الصحفي، أنّ "التنصت على محادثات هاتفية كشف عملية شراء الغاز في عناوين محددة، فضلًا عن عملية شراء الصواريخ التي ستطلق الكبسولات التي تحتوي على الغازات السامة. ومع ذلك، على الرغم من هذه الأدلة الصلبة لم يكن هناك أي اعتقال في القضية. وألقي القبض على ثلاثة عشر شخصًا خلال المرحلة الأولى من التحقيق لكن أفرج عنهم في وقت لاحق، ما يدحض إدعاء الحكومة بأنها تحارب الإرهاب".

 

من جهته، أشار نائب آخر من حزب الشعب الجمهوري، يدعى علي سيكير، أنّ الحكومة التركية ضلّلت الشعب من خلال اتهامها روسيا بتقديم السارين وأنّ "الأسد قتل شعبه بالغاز، ما يتطلّب التدخل العسكري الأمريكي في سوريا".

 

إفصاحات اردم، والتي كررها في مقابلة حديثة مع "روسيا اليوم"، دفعت مكتب النيابة في أنقرة الى فتح تحقيقٍ بحق اردم بتهمة الخيانة".

 

تهريب نفط "داعش"

 

أما عن تهريب نفط تنظيم "داعش" الإرهابي، قال باري: "وفي الوقت نفسه، يواجه الرئيس أردوغان المزاعم المتزايدة بشأن تسامحه بتهريب نفط تنظيم "الدولة الإسلامية"، المستخرج من الآبار في سوريا، من خلال المعابر الحدودية في تركيا. وقد تمّ قصف قوافل النفط المهرّب الشهر الماضي، بعد أن طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس أوباما بضرورة اتخاذ إجراءات ضد هذا المصدر الهام لإيرادات التنظيم.

 

وعلى الرغم من بدء أوباما بحملة القصف ضد أهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا في صيف عام 2014، فإنه كان بمنأى عن منع تهريب النفط بصورة غير مشروعة لأكثر من سنة، حيث سعت الحكومة الأمريكية الى التعاون مع أردوغان، الذي اعترف مؤخرًا بأنّ الجماعات الجهادية في تنظيم "داعش" وغيره تستخدم ما يقارب المئة كيلومتر من الحدود التركية لنقل المسلحين والإمدادات.

 

من جهتهم، أعرب مسؤولون روس عن صدمتهم بالسماح لداعش بمواصلة تشغيل نظام التسليم ذي النمط الصناعي، الذي تشارك فيها المئات من الشاحنات التي تحمل النفط إلى تركيا. كما اتهمت موسكو نجل اردوغان البالغ من العمر 34 عامًا، بلال أردوغان، بالاستفادة من تجارة نفط داعش، وهو ما نفاه نجل أردوغان.

 

يقول الروس إنّ بلال أردوغان هو واحد من ثلاثة شركاء في مجموعة "BMZ"، وهي شركة النفط والشحن التركية التي اشترت النفط من تنظيم "الدولة الإسلامية". وذكرت صحيفة مالطا المستقلة أنّ "BMZ" اشترت ناقلتي نفط من شركة لنقل النفط وخدمات الشحن، ومقرها في مالطا، والتي يملكها الملياردير الاذربيجاني مبارز مانسيموف. كما أنه تمّ الحصول على آخر ثلاث ناقلات للنفط من وكالة "Palmali" للشحن والنقل، التي يملكها أيضًا مانسيموف.

 

ويؤكد الروس على أنّ إسقاط تركيا للقاذفة الروسية على طول الحدود السورية التركية يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر، والذي أدى إلى مقتل أحد الطيارين، سببه غضب أردوغان جرّاء تدمير عملية نقل نفط داعش، التي يستفيد منها نجله، وهو الأمر الذي نفاه أردوغان".

 

وحول موقف أوباما والصحافة الأميركية من الحادث، أشار "باري" الى "إنحياز أوباما والصحافة السائدة في الولايات المتحدة الى جانب تركيا"، ملمحًا الى غياب أي تعاطف مع الضحايا الروس حتى في حادث سقوط الطائرة الروسية، في وقتٍ سابق، في سيناء".

 

إنحياز

 

وعن انحياز وسائل الإعلام الأميركية، كتب باري: "الاحتقار المتعجرف الذي يظهره التيار الرئيسي لوسائل الاعلام الامريكية بشكلٍ روتيني تجاه أي شيء يشمل روسيا أو بوتين، قد يساعد في تفسير عدم الاهتمام في السلوك المتهوّر لتركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي. على الرغم من أنّ تركيا تعمدت إطلاق النار وإسقاط الطائرة الروسية التي لم تهدد تركيا،فإنّ انتقاد أردوغان كان فاترًا على الأغلب.

 

وبالمثل، لا إدارة أوباما ولا وسائل الإعلام تريد معالجة الأدلة الدامغة التي تؤكد أنّ تركيا - بالإضافة الى "حلفاء" أمريكيين آخرين مثل المملكة العربية السعودية وقطر - تقدّم المساعدة وتحرّض الجماعات الجهادية السنية، بما في ذلك تنظيم القاعدة و"الدولة الإسلامية"، لسنوات. بدلًا من ذلك، تحاول واشنطن تصديق وهم أنّ المملكة العربية السعودية وتركيا وغيرها تهدف بجد لمكافحة الإرهاب.

 

إلّا أنّ الواقع المتعارض يظهر في بعض الأحيان على لسان أحد المسؤولين الأمريكيين، عندما يحصل تسريب لتقريرٍ من تقارير المخابرات الامريكية السرية. على سبيل المثال، في عام 2009، اعتبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مذكرة دبلوماسية سرية، كشف عنها موقع ويكيليكس، أنّ "الجهات المانحة في المملكة العربية السعودية تشكل أهم مصدر لتمويل الجماعات الارهابية السنية في جميع أنحاء العالم".

 

من جهةٍ ثانية، أشار تقرير لوكالة استخبارات الدفاع في آب/أغسطس 2012، الى أنّ "تنظيم القاعدة في العراق [والذي تحولت فيما بعد إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"] يدعم المعارضة السورية منذ البداية، سواء فكريًا أو عبر وسائل الإعلام... وقد أعلن تنظيم القاعدة في العراق معارضته لحكومة الأسد، لأنه يعتبره نظام طائفي يستهدف السنة". وأضاف التقرير أنّ "السلفيين، وجماعة الإخوان المسلمين، والقاعدة، هي القوى الرئيسية الدافعة للتمرد في سوريا... كما أنّ الغرب ودول الخليج وتركيا يدعمون المعارضة".

 

في تشرين الأول/أكتوبر 2014، قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للطلاب في كلية هارفارد كينيدي إنّ "السعوديين، والإماراتين، الخ... مصممون على تنحية الأسد، وخصوصًا خوض حرب بالوكالة بين السنة والشيعة... وإنهم يدفعون مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة العسكرية إلى أي شخص سيقاتل ضد الأسد".

 

على الرغم من هذه الرشقات النارية "الصادقة" بين الحين والآخر، فإنّ الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام قد وضعت هدفًا جديدًا لـ"تغيير النظام" - في سوريا هذه المرة - بالإضافة الى وضع احتقارها لبوتين فوق أي تعاون ملموس قد يساهم في هزيمة داعش والقاعدة".

 

وخلص الكاتب الى القول إنّ "هذا الترتيب للأولويات يعني أنه لا يوجد سبب عملي لإعادة البحث عمّن كان مسؤولًا عن الهجوم بغاز السارين في 21 آب/أغسطس 2013. فإذا كانت حكومة الأسد بريئة، وحكومة أردوغان متواطئة، فإنّ ذلك يمثل مشكلة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، التي سيتعين عليها أن تقرر إذا ما كانت تركيا قد تخطّت "خطًا أحمر" وتستحق على إثره الطرد من التحالف العسكري".

 

وربما الأكثر من ذلك، إنّ الاعتراف بأنّ الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الأمريكية قد هرعت الى حكمٍ آخر غير صحيح في الشرق الأوسط - وأنّ سياسة حرب أخرى كانت تقودها الدعاية بدلًا من الحقائق - يمكن أن يدمر ما تبقى من ثقة لدى الشعب الأمريكي بتلك المؤسسات. على المستوى الشخصي، فإنه ذلك قد يعني أنّ النقاد والسياسيين الذين أخطأوا حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، لا بدّ أن يعترفوا بأنهم لم يتعلموا شيئًا من تلك الكارثة.

 

بل إنّ هذا الأمر قد يجدّد دعوات للبعض منهم - أمثال "فريدمان" في نيويورك تايمز ومحرر صفحة الرأي في صحيفة واشنطن بوست فريد هيات - بأن يكونوا مسؤولين عن التضليل المستمر للشعب الأميركي.

 

لذلك، على الأقل الآن - من وجهة نظر المصلحة الذاتية - إنه من المنطقي بالنسبة لإدارة أوباما ووسائل الإعلام الكبرى تجاهل قصة تطوير علاقات حليف الناتو مع الإرهاب، بما في ذلك تورّطه بجريمة حربٍ خطيرة، أي الهجوم بغاز السارين خارج دمشق.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-18
  • 6889
  • من الأرشيف

روبرت باري: إلى متى غضّ النظر عن جرائم أردوغان في سورية؟

هاجم الصحفي الأميركي الشهير "روبرت باري" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، كاشفًا حقيقة الجرائم التي اقترفها ونسبها الى الرئيس السوري بشار الأسد، لا سيّما الهجوم باستخدام غاز السارين عام 2013. واعتبر "روبرت باري" أنّ "العلاقات المزعومة بين الرئيس التركي أردوغان والإرهابيين الإسلاميين في سوريا، تسبب إحراجًا لإدارة أوباما ولوسائل الإعلام الأمريكية، التي تفضل أن تنظر في الاتجاه الآخر بدلًا من مواجهة الخطر الناشئ عن "حليف" الناتو الخارج عن السيطرة". وفي مقالٍ له في موقع "consortiumnews"، قال باري بأسلوبٍ استهزائي: "نظريًا، ستكون مادة دسمة للصحافة الأمريكية: حاكم مستبد مهووس بالإطاحة بزعيم بلدٍ مجاور، يخوّل أجهزة مخابراته التعاون مع الإرهابيين لتنظيم هجومٍ بغاز السارين القاتل، ومن ثمّ إلقاء اللوم على عدوّه، وبالتالي خداع القوى الكبرى لإطلاق الغارات العقابية ضد جيش العدو.   وبعد فشل هذا المخطط لتحقيق التدخل المطلوب، لا تزال أجهزة مخابرات الحاكم المستبد تساعد الإرهابيين داخل البلد المجاور، من خلال توفير الأسلحة والعبور الآمن لقوافل الشاحنات التي تحمل نفط الإرهابيين إلى السوق. أما عصارة القصة، فهي أنّ نجل هذا الحاكم متّهم بالاستفادة من أرباح النفط.   لجعل القصة أكثر إلحاحًا، أحد زعماء المعارضة الشجعان يتحدى غضب الحاكم المستبد، من خلال السعي إلى فضح مخططات المخابرات هذه، متستّرًا في الوقت نفسه على أدلة رئيسية. ثم سعى حكومة الحاكم المستبد لمحاكمة الناقد بتهمة "الخيانة"".   ويضيف باري: "ولكن المشكلة مع هذه القصة، بالإضافة الى كون الحكومة الأميركية والصحافة معنيتين، هي أنّ الزعيم المستبد، الرئيس رجب طيب أردوغان، هو المسؤول عن تركيا وهي حليف الناتو، وجاره هو الرئيس السوري بشار الأسد الذي كثيرًا ما جرت شيطنة صورته. وسائل الإعلام الأميركية الرئيسية والقادة السياسيون صدّقوا أيضًا خدعة السارين، وهم ببساطة لا يستطيعون تحمّل فكرة الاعتراف بأنهم ضلّلوا الشعب الأمريكي مرة أخرى بشأن مسألة متعلّقة بالحرب".   وفنّد باري حقيقة هجوم غاز السارين، مذكّرًا بأنّ "القصة الرسمية للهجوم - كما وردت على لسان وزير الخارجية جون كيري، هيومن رايتس ووتش وغيرها من المصادر "المحترمة" - وضعت بحزم اللوم على الرئيس الأسد، في الهجوم الوحشي الذي حصل في 21 آب/أغسطس 2013، والذي أسفر عن مقتل مئات المدنيين خارج دمشق. هذه الجهات أصبحت "مجموعة تفكير" قوية في واشنطن.   وعلى الرغم من أنّ عددًا قليلًا من وسائل الإعلام المستقلة، بما في ذلك Consortiumnews، تحدت عن تسرّعٍ في الحكم، وأشارت إلى عدم وجود أدلة تثبت تورّط الأسد، فإنّ تلك الشكوك قد تُركت جانبًا.   ومع ذلك، كما هو الحال مع "اليقين" حول أسلحة الدمار الشامل في العراق قبل عقدٍ من الزمن، فإنّ كل شخص مهم ينضم الى "مجموعة التفكير" التي تؤمن بأنّ "الأسد هو الفاعل". وهذا يعني أنّ الأسد قد تخطى "الخط الأحمر" للرئيس باراك أوباما، حول استخدام الأسلحة الكيماوية، ما نتج عنه حديثٌ جدي عن ضربة أميركية انتقامية بعد أيام.   لكن أوباما - في اللحظة الأخيرة - ابتعد عن فكرة شنّ هذه الهجمات العسكرية، فاعتبرته واشنطن "ضعيفًا" لعدم استكمال الخطوات. أما ما لم يتمّ الكشف عنه، هو أنّ محلّلي الاستخبارات الأمريكية كانت لديهم شكوك حول تورّط الأسد، واشتبهوا بأنّه الحقيقة فخٌ نصبه المتطرفون.   وعلى الرغم من تلك الأسئلة الداخلية، واصلت الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الرئيسية دعمها لبروباغندا "الأسد فعلها". وفي خطابٍ رسمي إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 24 أيلول/سبتمبر 2013، اعتبر أوباما، "إنها إهانة للعقل البشري ولشرعية هذه المؤسسة الإشارة إلى أنّ أي شخص غير النظام هو من نفّذ هذا الهجوم".   أما الدليل القاطع ضد الأسد، فقد جاء في "تحليلٍ للمتجهات" وضعته هيومن رايتس ووتش في نيويورك تايمز، عبر رسم مساري الصاروخين حتى القاعدة العسكرية السورية شمال غرب دمشق. ولكن هذا التحليل انهار عندما أصبح واضحًا أنّ صاروخًا واحدًا فقط من الصاورخين كان يحمل مادة السارين وكان مداه أقل من ثلث المسافة بين قاعدة للجيش ونقطة التأثير. وهذا يعني أنّ الصاروخ الذي كان يحمل السارين على ما يبدو قد أطلق من مناطق المتمردين.   ولكن "مجموعة التفكير" رفضت جميع الأدلة التجريبية. كانت قوية لدرجة أنه حتى عندما تم كشف المؤامرة التركية عبر الصحفي الاستقصائي الأسطوري سيمور هيرش، رفضت مجلة نيويوركر نشر مقاله".   الطريق الأسهل   وتابع باري معتبرًا أنه "لا يزال من الأسهل لصحيفة نيويورك تايمز، واشنطن بوست وغيرها من وكالات الأنباء الرئيسية تجاهل القصة المقنعة لإمكانية التواطؤ التركي في جريمة حربٍ خطيرة. في النهاية، ماذا سيعتقد الشعب الأمريكي - بعد فشل وسائل الإعلام في حماية البلاد ضد الأكاذيب التي أدت إلى الحرب الكارثية في العراق - إذا قامت مصادر الأخبار نفسها بعملٍ مماثل في سوريا، من خلال تجاهل طرح الأسئلة الصعبة؟".   وأضاف الصحافي الأميركي أنّه لو أصدر أوباما أوامره بضرب سوريا عام 2013، لكان تنظيما "داعش" و"النصرة" أكثر المستفيدين، ولأدى ذلك الى استلامهما زمام الأمور في دمشق ما كان سيؤدي حتمًا الى نتائج كارثية على الإنسانية، معتبرًا أنّ الحل "الذكي" البديل كان في شيطنية صورة الرئيس الأسد واتهامه بمهاجمة شعبه بالغاز، ممّا سيعزز موقع الأصوات المنادية برحيله.   بناءً عليه، فإنّ "على وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية أيضًا تجاهل التصريحات الجريئة لـ"إرين اردم"، وهو نائب من حزب الشعب الجمهوري المعارض في تركيا، والذي اتهم علنًا حكومة أردوغان بعرقلة التحقيق في دور تركيا في تأمين غاز السارين وتسليمه للإرهابيين المرتبطين بالقاعدة، لاستخدامه داخل سوريا"، بحسب الكاتب.   وكان اردم قد استشهد بلائحة اتهامٍ أصدرها مكتب المدعي العام في مدينة أضنة بجنوب تركيا، فيما يتعلّق بالقضية الجنائية رقم 2013/120، وذلك في تصريحاتٍ أمام البرلمان والصحفيين.   وقال اردم إنّ مكتب المدعي العام، مستخدمًا المراقبة التقنية"، اكتشف أنّ الجهادي في تنظيم القاعدة، المدعو حيام كسب، حصل على السارين.   وأضاف اردم، في المؤتمر الصحفي، أنّ "التنصت على محادثات هاتفية كشف عملية شراء الغاز في عناوين محددة، فضلًا عن عملية شراء الصواريخ التي ستطلق الكبسولات التي تحتوي على الغازات السامة. ومع ذلك، على الرغم من هذه الأدلة الصلبة لم يكن هناك أي اعتقال في القضية. وألقي القبض على ثلاثة عشر شخصًا خلال المرحلة الأولى من التحقيق لكن أفرج عنهم في وقت لاحق، ما يدحض إدعاء الحكومة بأنها تحارب الإرهاب".   من جهته، أشار نائب آخر من حزب الشعب الجمهوري، يدعى علي سيكير، أنّ الحكومة التركية ضلّلت الشعب من خلال اتهامها روسيا بتقديم السارين وأنّ "الأسد قتل شعبه بالغاز، ما يتطلّب التدخل العسكري الأمريكي في سوريا".   إفصاحات اردم، والتي كررها في مقابلة حديثة مع "روسيا اليوم"، دفعت مكتب النيابة في أنقرة الى فتح تحقيقٍ بحق اردم بتهمة الخيانة".   تهريب نفط "داعش"   أما عن تهريب نفط تنظيم "داعش" الإرهابي، قال باري: "وفي الوقت نفسه، يواجه الرئيس أردوغان المزاعم المتزايدة بشأن تسامحه بتهريب نفط تنظيم "الدولة الإسلامية"، المستخرج من الآبار في سوريا، من خلال المعابر الحدودية في تركيا. وقد تمّ قصف قوافل النفط المهرّب الشهر الماضي، بعد أن طالب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس أوباما بضرورة اتخاذ إجراءات ضد هذا المصدر الهام لإيرادات التنظيم.   وعلى الرغم من بدء أوباما بحملة القصف ضد أهداف تنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق وسوريا في صيف عام 2014، فإنه كان بمنأى عن منع تهريب النفط بصورة غير مشروعة لأكثر من سنة، حيث سعت الحكومة الأمريكية الى التعاون مع أردوغان، الذي اعترف مؤخرًا بأنّ الجماعات الجهادية في تنظيم "داعش" وغيره تستخدم ما يقارب المئة كيلومتر من الحدود التركية لنقل المسلحين والإمدادات.   من جهتهم، أعرب مسؤولون روس عن صدمتهم بالسماح لداعش بمواصلة تشغيل نظام التسليم ذي النمط الصناعي، الذي تشارك فيها المئات من الشاحنات التي تحمل النفط إلى تركيا. كما اتهمت موسكو نجل اردوغان البالغ من العمر 34 عامًا، بلال أردوغان، بالاستفادة من تجارة نفط داعش، وهو ما نفاه نجل أردوغان.   يقول الروس إنّ بلال أردوغان هو واحد من ثلاثة شركاء في مجموعة "BMZ"، وهي شركة النفط والشحن التركية التي اشترت النفط من تنظيم "الدولة الإسلامية". وذكرت صحيفة مالطا المستقلة أنّ "BMZ" اشترت ناقلتي نفط من شركة لنقل النفط وخدمات الشحن، ومقرها في مالطا، والتي يملكها الملياردير الاذربيجاني مبارز مانسيموف. كما أنه تمّ الحصول على آخر ثلاث ناقلات للنفط من وكالة "Palmali" للشحن والنقل، التي يملكها أيضًا مانسيموف.   ويؤكد الروس على أنّ إسقاط تركيا للقاذفة الروسية على طول الحدود السورية التركية يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر، والذي أدى إلى مقتل أحد الطيارين، سببه غضب أردوغان جرّاء تدمير عملية نقل نفط داعش، التي يستفيد منها نجله، وهو الأمر الذي نفاه أردوغان".   وحول موقف أوباما والصحافة الأميركية من الحادث، أشار "باري" الى "إنحياز أوباما والصحافة السائدة في الولايات المتحدة الى جانب تركيا"، ملمحًا الى غياب أي تعاطف مع الضحايا الروس حتى في حادث سقوط الطائرة الروسية، في وقتٍ سابق، في سيناء".   إنحياز   وعن انحياز وسائل الإعلام الأميركية، كتب باري: "الاحتقار المتعجرف الذي يظهره التيار الرئيسي لوسائل الاعلام الامريكية بشكلٍ روتيني تجاه أي شيء يشمل روسيا أو بوتين، قد يساعد في تفسير عدم الاهتمام في السلوك المتهوّر لتركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي. على الرغم من أنّ تركيا تعمدت إطلاق النار وإسقاط الطائرة الروسية التي لم تهدد تركيا،فإنّ انتقاد أردوغان كان فاترًا على الأغلب.   وبالمثل، لا إدارة أوباما ولا وسائل الإعلام تريد معالجة الأدلة الدامغة التي تؤكد أنّ تركيا - بالإضافة الى "حلفاء" أمريكيين آخرين مثل المملكة العربية السعودية وقطر - تقدّم المساعدة وتحرّض الجماعات الجهادية السنية، بما في ذلك تنظيم القاعدة و"الدولة الإسلامية"، لسنوات. بدلًا من ذلك، تحاول واشنطن تصديق وهم أنّ المملكة العربية السعودية وتركيا وغيرها تهدف بجد لمكافحة الإرهاب.   إلّا أنّ الواقع المتعارض يظهر في بعض الأحيان على لسان أحد المسؤولين الأمريكيين، عندما يحصل تسريب لتقريرٍ من تقارير المخابرات الامريكية السرية. على سبيل المثال، في عام 2009، اعتبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في مذكرة دبلوماسية سرية، كشف عنها موقع ويكيليكس، أنّ "الجهات المانحة في المملكة العربية السعودية تشكل أهم مصدر لتمويل الجماعات الارهابية السنية في جميع أنحاء العالم".   من جهةٍ ثانية، أشار تقرير لوكالة استخبارات الدفاع في آب/أغسطس 2012، الى أنّ "تنظيم القاعدة في العراق [والذي تحولت فيما بعد إلى تنظيم "الدولة الإسلامية"] يدعم المعارضة السورية منذ البداية، سواء فكريًا أو عبر وسائل الإعلام... وقد أعلن تنظيم القاعدة في العراق معارضته لحكومة الأسد، لأنه يعتبره نظام طائفي يستهدف السنة". وأضاف التقرير أنّ "السلفيين، وجماعة الإخوان المسلمين، والقاعدة، هي القوى الرئيسية الدافعة للتمرد في سوريا... كما أنّ الغرب ودول الخليج وتركيا يدعمون المعارضة".   في تشرين الأول/أكتوبر 2014، قال نائب الرئيس الأميركي جو بايدن للطلاب في كلية هارفارد كينيدي إنّ "السعوديين، والإماراتين، الخ... مصممون على تنحية الأسد، وخصوصًا خوض حرب بالوكالة بين السنة والشيعة... وإنهم يدفعون مئات الملايين من الدولارات وعشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة العسكرية إلى أي شخص سيقاتل ضد الأسد".   على الرغم من هذه الرشقات النارية "الصادقة" بين الحين والآخر، فإنّ الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام قد وضعت هدفًا جديدًا لـ"تغيير النظام" - في سوريا هذه المرة - بالإضافة الى وضع احتقارها لبوتين فوق أي تعاون ملموس قد يساهم في هزيمة داعش والقاعدة".   وخلص الكاتب الى القول إنّ "هذا الترتيب للأولويات يعني أنه لا يوجد سبب عملي لإعادة البحث عمّن كان مسؤولًا عن الهجوم بغاز السارين في 21 آب/أغسطس 2013. فإذا كانت حكومة الأسد بريئة، وحكومة أردوغان متواطئة، فإنّ ذلك يمثل مشكلة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، التي سيتعين عليها أن تقرر إذا ما كانت تركيا قد تخطّت "خطًا أحمر" وتستحق على إثره الطرد من التحالف العسكري".   وربما الأكثر من ذلك، إنّ الاعتراف بأنّ الحكومة الأمريكية ووسائل الإعلام الأمريكية قد هرعت الى حكمٍ آخر غير صحيح في الشرق الأوسط - وأنّ سياسة حرب أخرى كانت تقودها الدعاية بدلًا من الحقائق - يمكن أن يدمر ما تبقى من ثقة لدى الشعب الأمريكي بتلك المؤسسات. على المستوى الشخصي، فإنه ذلك قد يعني أنّ النقاد والسياسيين الذين أخطأوا حول أسلحة الدمار الشامل في العراق، لا بدّ أن يعترفوا بأنهم لم يتعلموا شيئًا من تلك الكارثة.   بل إنّ هذا الأمر قد يجدّد دعوات للبعض منهم - أمثال "فريدمان" في نيويورك تايمز ومحرر صفحة الرأي في صحيفة واشنطن بوست فريد هيات - بأن يكونوا مسؤولين عن التضليل المستمر للشعب الأميركي.   لذلك، على الأقل الآن - من وجهة نظر المصلحة الذاتية - إنه من المنطقي بالنسبة لإدارة أوباما ووسائل الإعلام الكبرى تجاهل قصة تطوير علاقات حليف الناتو مع الإرهاب، بما في ذلك تورّطه بجريمة حربٍ خطيرة، أي الهجوم بغاز السارين خارج دمشق.

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة