هل وصل الروس متأخرين إلى إثبات علاقة تركيا بتنظيم «داعش»؟ بالطبع لا.

لكن الأزمة الأخيرة الناجمة عن إسقاط تركيا لطائرة «سوخوي» روسية في 24 تشرين الثاني الماضي أتاحت لروسيا فرصة تقديم الأدلة على العلاقة النفطية بين أسرة رجب طيب أردوغان وتنظيم «داعش».


هذه العلاقة ليست جديدة ولا تقتصر على أسرة الرئيس التركي. بل هي موجودة منذ بدايات ظهور «داعش» كتنظيم في سوريا في مطلع العام 2014، والذي انفجر وجوده تمدداً إلى العراق في حزيران من العام الماضي.

ومع أن هذا السجل الطويل والعميق من العلاقة بين الطرفين بات موجوداً في الأرشيف وفي ثنايا مئات الصفحات من التقارير والوثائق، كما في طيات المواقف والتصريحات، فإنه من المفيد التذكير ببعض العناوين التي هي غيض من فيض:

1 ـ علاقة «حزب العدالة والتنمية» بـ «داعش» هي أولا علاقة فكرية. لا يجد المسؤولون الأتراك، لا سيما أردوغان ورئيس حكومته احمد داود اوغلو، في ظهور «داعش» سوى انه ردة فعل طبيعية على الاستبداد الموجود في بغداد وفي دمشق نتيجة الاضطهاد الذي يعاني منه (السنّة) في البلدين. بالطبع لا يريد قادة «حزب العدالة والتنمية» أن يقفوا إلى جانب المضطهَدين. فلو أنهم كذلك لوقفوا إلى جانب المضطهَدين في بلادهم أولاً وعلى رأسهم العلويون والأكراد، ولا يريدون أيضا الدفاع عن أهل السنة في سوريا والعراق، ولو كانوا كذلك، لما وقفوا مثلا ضد الأكراد السوريين السنة في الأساس، وهم يعرفون أيضاً أن جزءا كبيرا من أهل السنة في سوريا يقفون إلى جانب النظام.

كان المسؤولون الأتراك يريدون تبرير لجوئهم إلى التنظيمات الأكثر تطرفاً لتحقيق ما عجزوا عنه مع التنظيمات السابقة مثل «الجيش الحر» لإسقاط النظام. وهكذا كان نموذج «الإسلام المعتدل» لا يجد سوى في الهروب إلى التنظيمات التكفيرية أداة لإنجاح مشاريعه التي غرقت في المستنقع السوري.

الحماية الفكرية لـ «داعش» هي التي وفرت لهذا التنظيم بيئة حاضنة في المجتمع التركي تقدر، وفقا لدراسات علمية صدرت في تركيا، كرعاية مباشرة بثلاثة ملايين منتسب إلى «حزب العدالة والتنمية».

ولقد وفر الحزب الحماية لكل مظاهر النشاط لهذا التنظيم في تركيا، فله مكاتب معروفة في اسطنبول وأنقرة لتجنيد الشبان واستقبال القادمين إلى تركيا ومنها إلى سوريا. وبويع أبو بكر البغدادي «خليفة» في تركيا علناً في صلاة عيد الفطر في إحدى ضواحي اسطنبول العام الماضي.

أما «خط الجهاد» المفتوح من آدي يمان إلى حلب فيعرفه القاصي والداني. وليس أبلغ على هذا الارتباط العضوي من أن السلطات التركية تملك أسماء وصور العشرات من الانتحاريين المحتملين، ومعظمهم مقيم في آدي يمان وغازي عنتاب وبعضهم فجر نفسه في سوروتش وفي أنقرة من دون أن تحرك السلطات القضائية ساكناً أو تعترف في التحقيقات بهذه الحقيقة.

أما إمدادات الأسلحة التركية إلى «داعش» و «جبهة النصرة» وكل الفصائل الأخرى في المعارضة، فأيضاً مثبتة بالصوت والصورة. وكانت إستراتيجية السلطة التعمية أولاً ومن ثم النفي ومن ثم تحدي إثبات ذلك، وحين يتم إثبات ذلك، كان الاعتقال مصير من يقدم الدليل واتهامه بالخيانة وإفشاء أسرار الدولة. وليس من دليل أبلغ على ما نقول من اعتقال رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» جان دوندار وزميله أرديم غول قبل أسبوع لأنه نشر في أيار الماضي فيلماً مصوراً للشاحنات التي كانت تنقل أسلحة إلى مسلحي «داعش» و «النصرة» وكانت السلطات تقول إنها مواد غذائية للتركمان في سوريا الذين صرحوا حينها انه لم يصلهم منها شيء.

والتواطؤ التركي مع «داعش» بدا في أكثر من مناسبة، أبرزها إطلاق سراح رهائن القنصلية التركية في الموصل الـ49 بعد شهرين على اعتقالهم، من دون أن يمسوا بأي أذى، وبعدما أمضوا فترة اعتقال بخمسة نجوم على حد اعترافاتهم، في وقت كان «داعش» يعمل الذبح وقطع الرؤوس في كل أسراه ورهائنه. كما يتساءل المرء عن السبب الذي يجعل التنظيم لا يرد على إعلان تركيا الحرب عليه في تموز الماضي، والقيام بغارات ضده، ومن الغريب فعلاً أن تنسب تركيا لـ «داعش» القيام بعمليتي سوروتش وأنقرة فيما «داعش» نفسه حتى الآن لم يتبنَّ العمليتَين. كما يتساءل المرء إنه لو أن التنظيم قام بهما فعلاً فلماذا تستهدف الأكراد المعارضين في تركيا ولا تستهدف مصالح الدولة والنظام الذي أعلن الحرب عليها ولو شكلا؟. ولم يتأخر الكثير من المعلقين الأتراك عن الإشارة إلى تبادل الخدمات بين «داعش» و «حزب العدالة والتنمية»: «داعش» يقدم الانتحاريين ضد الأكراد خدمة للحملة الانتخابية لـ «حزب العدالة والتنمية» فيما الأخير يقدم الحاضنة الفكرية والسياسية والدعم العسكري واللوجستي للتنظيم.

ليست الصور التي عرضتها روسيا لقوافل الصهاريج المحملة نفطاً من «داعش» الى تركيا سوى تأكيد للمؤكد، حيث أن هذا ليس سرا، فديفيد كوهين، مساعد رئيس الاستخبارات الأميركية، قال، عندما كان مساعداً لوزير الخزانة الأميركي إن المعلومات التي بحوزتهم هي أن النفط ينقل من أماكن سيطرة «داعش» ويباع عبر أشخاص في تركيا بأسعار زهيدة، وأن قسماً من هذا النفط يأتي مباشرة إلى تركيا وقسماً يذهب إلى شمال العراق ومن ثم يعاد تصديره إلى تركيا. وفي هذا الإطار لا يعني تصريح «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني شيئا عندما يقول إن الصور التي عرضتها روسيا هي لشاحنات تنقل نفط شمال العراق وليس لـ «داعش». وفي جميع الأحوال، فإنه حتى نفط شمال العراق هو نفط متنازع عليه، ولا يحق لتركيا استيراده من دون موافقة الحكومة المركزية في بغداد.

كذلك فإن محاضر لجنة التحقيق في النفط المهرب من سوريا إلى تركيا في البرلمان التركي تؤكد على تهريب النفط من «داعش» وبيعه في تركيا.

لذا فإنه في ظل اعترافات الأميركيين أنفسهم ومحاضر لجنة التحقيق التركية البرلمانية، فليس من المنطقي أن ينكر أردوغان ولا الأميركيون الآن أن النفط المسروق من «داعش» لا يذهب إلى تركيا أو لا علاقة لأنقرة به. ومثل هذا الكلام يأتي في الإطار السياسي، رغم أن تعاون تركيا مع «داعش» في قطاع النفط ليس سوى الجزء الأقل أهمية من دعمها له على الصعد اللوجستية والعسكرية والإعلامية.

لا شك أن روسيا تتصرف على قاعدة أنها طعنت من الخلف من جانب أنقرة، فهذه التركيا التي تجرأت على ما لم تتجرأ عليه كل دول حلف شمال الأطلسي خلال الحرب الباردة وحتى الآن، لا يمكن أن تقوم بذلك إلا انطلاقاً من حماقة أعمى بصيرتَها فشلُها في إسقاط النظام في سوريا وتفاجؤها بالنزول الروسي على الساحة السورية وإسقاط رهانات تركيا على المنطقة العازلة والأمل بإسقاط النظام، أو استجابة لإشارة الولايات المتحدة في خضم السباق المحموم على النفوذ في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط.

تتصرف روسيا إجمالاً كما لو أن تركيا قد تصرفت في حادثة إسقاط الطائرة بمفردها، ولذا فهي تركز الهجوم عليها حتى لا تقع في فخ المواجهة مع حلف شمال الأطلسي. وانطلاقا من هذه النظرة، فإن روسيا بلسان الرئيس فلاديمير بوتين تصعّد إلى درجة غير مسبوقة، ومست الاتهامات أردوغان شخصيا وعائلته، بل وصف بوتين اردوغان بأنه فقد عقله.

الرد الروسي كان بالفعل استراتيجياً، لا سيما لجهة وضع سوريا تحت الحماية الكاملة لروسيا، في خطوة تفقد تركيا المبادرة العسكرية في سوريا. أما العقوبات الاقتصادية فأيضاً كانت شبه شاملة، وهي تُلحِق بتركيا على امتداد السنة المقبلة في حال طبقت فعلياً خسائر لا تقل عن 20 مليار دولار. لذا فإن قول بوتين إن تركيا ستندم وتخدع نفسها إذا ظنت أن روسيا ستكتفي بالعقوبات الاقتصادية يطرح أسئلة كثيرة وكبيرة، لا يمكن توقع الإجابة عنها. هل هي في المجال السياسي أم في المجال العسكري أم في اتخاذ مواقف كبيرة ـ على غرار ضم القرم ـ في قضايا إقليمية ودولية مثل المسألة الأرمنية أو الكردية أو ناغورني قره باخ أو قبرص الجنوبية، أم أن الأمر يتعلق بالتشهير بتركيا في المحافل الدولية والقانونية والدعوة لمحاكمتها بتهمة دعم الإرهاب؟

لكن في ظل كل هذا التهديد، فإن تطوير المواجهة مع تركيا عسكرياً لن يكون في حسابات روسيا، إذ إن الغرب لن يترك أنقرة وحيدة عندما يتعلق الأمر بموسكو، العدو المشترك للطرفين، ففي النهاية تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي الذي لن يسمح بتغييرات دراماتيكية في المنطقة تجعلها منطقة نفوذ حصرية لروسيا في وقت لا تزال تركيا حاجة للغرب، وفي وقت أظهرت أنقرة لا سيما بعد إسقاط الطائرة الروسية ارتماء شديدا في حضن حلف شمال الأطلسي، وظهرت، بعيداً عن هذيانات العثمانية الجديدة وتهويمات الهيمنة الفارغة، كما انها من دون الغرب وحلف شمال الأطلسي لا تساوي نقيرا، بل مجرد أداة ودولة وظيفية لا يبقى منها ومن «إسلامها المعتدل» سوى أطلسيتها.

إنها ساحة حرب

يقول رئيس تحرير الصحيفة الموالية لـ «حزب العدالة والتنمية» إن الوقت حان لنضع اسما لما يجري: إنها الحرب التي تقودها إيران وروسيا ضد تركيا عبر سوريا.

لا يوفر البلدان فرصة لكي يستكملا سيطرتهما على المنطقة من طهران إلى البحر المتوسط. هدفهما ضرب المصالح التركية، ووضع الحدود التركية الجنوبية تحت سيطرتهما. هما لم يعلنا الحرب على تركيا، ولكنهما يقودانها.

في هذه اللحظة جاء إسقاط الطائرة الروسية. كانا لا يعتبران تركيا موجودة، ويريدان دفعها خارج اللعبة. وهنا دور «حزب العمال الكردستاني» وقوات الحماية الكردية.

من هنا، فإن منطقة جرابلس ـ أعزاز يجب أن تبقى تحت سيطرة تركيا حتى لا يتمدد الوجود الكردي إلى البحر المتوسط، ويكون ذلك سببا للحرب. في المحصلة، إسقاط الطائرة ليس سببا للحرب بل نتيجة لها، فهي بدأت منذ وقت طويل وهدفها إسقاط تركيا. وتركيا لها حق المدافعة.إبراهيم قره غول ـ «يني شفق»

  • فريق ماسة
  • 2015-12-04
  • 11708
  • من الأرشيف

تركيا بين فكّي «داعش» و«الأطلسي»

هل وصل الروس متأخرين إلى إثبات علاقة تركيا بتنظيم «داعش»؟ بالطبع لا. لكن الأزمة الأخيرة الناجمة عن إسقاط تركيا لطائرة «سوخوي» روسية في 24 تشرين الثاني الماضي أتاحت لروسيا فرصة تقديم الأدلة على العلاقة النفطية بين أسرة رجب طيب أردوغان وتنظيم «داعش». هذه العلاقة ليست جديدة ولا تقتصر على أسرة الرئيس التركي. بل هي موجودة منذ بدايات ظهور «داعش» كتنظيم في سوريا في مطلع العام 2014، والذي انفجر وجوده تمدداً إلى العراق في حزيران من العام الماضي. ومع أن هذا السجل الطويل والعميق من العلاقة بين الطرفين بات موجوداً في الأرشيف وفي ثنايا مئات الصفحات من التقارير والوثائق، كما في طيات المواقف والتصريحات، فإنه من المفيد التذكير ببعض العناوين التي هي غيض من فيض: 1 ـ علاقة «حزب العدالة والتنمية» بـ «داعش» هي أولا علاقة فكرية. لا يجد المسؤولون الأتراك، لا سيما أردوغان ورئيس حكومته احمد داود اوغلو، في ظهور «داعش» سوى انه ردة فعل طبيعية على الاستبداد الموجود في بغداد وفي دمشق نتيجة الاضطهاد الذي يعاني منه (السنّة) في البلدين. بالطبع لا يريد قادة «حزب العدالة والتنمية» أن يقفوا إلى جانب المضطهَدين. فلو أنهم كذلك لوقفوا إلى جانب المضطهَدين في بلادهم أولاً وعلى رأسهم العلويون والأكراد، ولا يريدون أيضا الدفاع عن أهل السنة في سوريا والعراق، ولو كانوا كذلك، لما وقفوا مثلا ضد الأكراد السوريين السنة في الأساس، وهم يعرفون أيضاً أن جزءا كبيرا من أهل السنة في سوريا يقفون إلى جانب النظام. كان المسؤولون الأتراك يريدون تبرير لجوئهم إلى التنظيمات الأكثر تطرفاً لتحقيق ما عجزوا عنه مع التنظيمات السابقة مثل «الجيش الحر» لإسقاط النظام. وهكذا كان نموذج «الإسلام المعتدل» لا يجد سوى في الهروب إلى التنظيمات التكفيرية أداة لإنجاح مشاريعه التي غرقت في المستنقع السوري. الحماية الفكرية لـ «داعش» هي التي وفرت لهذا التنظيم بيئة حاضنة في المجتمع التركي تقدر، وفقا لدراسات علمية صدرت في تركيا، كرعاية مباشرة بثلاثة ملايين منتسب إلى «حزب العدالة والتنمية». ولقد وفر الحزب الحماية لكل مظاهر النشاط لهذا التنظيم في تركيا، فله مكاتب معروفة في اسطنبول وأنقرة لتجنيد الشبان واستقبال القادمين إلى تركيا ومنها إلى سوريا. وبويع أبو بكر البغدادي «خليفة» في تركيا علناً في صلاة عيد الفطر في إحدى ضواحي اسطنبول العام الماضي. أما «خط الجهاد» المفتوح من آدي يمان إلى حلب فيعرفه القاصي والداني. وليس أبلغ على هذا الارتباط العضوي من أن السلطات التركية تملك أسماء وصور العشرات من الانتحاريين المحتملين، ومعظمهم مقيم في آدي يمان وغازي عنتاب وبعضهم فجر نفسه في سوروتش وفي أنقرة من دون أن تحرك السلطات القضائية ساكناً أو تعترف في التحقيقات بهذه الحقيقة. أما إمدادات الأسلحة التركية إلى «داعش» و «جبهة النصرة» وكل الفصائل الأخرى في المعارضة، فأيضاً مثبتة بالصوت والصورة. وكانت إستراتيجية السلطة التعمية أولاً ومن ثم النفي ومن ثم تحدي إثبات ذلك، وحين يتم إثبات ذلك، كان الاعتقال مصير من يقدم الدليل واتهامه بالخيانة وإفشاء أسرار الدولة. وليس من دليل أبلغ على ما نقول من اعتقال رئيس تحرير صحيفة «جمهورييت» جان دوندار وزميله أرديم غول قبل أسبوع لأنه نشر في أيار الماضي فيلماً مصوراً للشاحنات التي كانت تنقل أسلحة إلى مسلحي «داعش» و «النصرة» وكانت السلطات تقول إنها مواد غذائية للتركمان في سوريا الذين صرحوا حينها انه لم يصلهم منها شيء. والتواطؤ التركي مع «داعش» بدا في أكثر من مناسبة، أبرزها إطلاق سراح رهائن القنصلية التركية في الموصل الـ49 بعد شهرين على اعتقالهم، من دون أن يمسوا بأي أذى، وبعدما أمضوا فترة اعتقال بخمسة نجوم على حد اعترافاتهم، في وقت كان «داعش» يعمل الذبح وقطع الرؤوس في كل أسراه ورهائنه. كما يتساءل المرء عن السبب الذي يجعل التنظيم لا يرد على إعلان تركيا الحرب عليه في تموز الماضي، والقيام بغارات ضده، ومن الغريب فعلاً أن تنسب تركيا لـ «داعش» القيام بعمليتي سوروتش وأنقرة فيما «داعش» نفسه حتى الآن لم يتبنَّ العمليتَين. كما يتساءل المرء إنه لو أن التنظيم قام بهما فعلاً فلماذا تستهدف الأكراد المعارضين في تركيا ولا تستهدف مصالح الدولة والنظام الذي أعلن الحرب عليها ولو شكلا؟. ولم يتأخر الكثير من المعلقين الأتراك عن الإشارة إلى تبادل الخدمات بين «داعش» و «حزب العدالة والتنمية»: «داعش» يقدم الانتحاريين ضد الأكراد خدمة للحملة الانتخابية لـ «حزب العدالة والتنمية» فيما الأخير يقدم الحاضنة الفكرية والسياسية والدعم العسكري واللوجستي للتنظيم. ليست الصور التي عرضتها روسيا لقوافل الصهاريج المحملة نفطاً من «داعش» الى تركيا سوى تأكيد للمؤكد، حيث أن هذا ليس سرا، فديفيد كوهين، مساعد رئيس الاستخبارات الأميركية، قال، عندما كان مساعداً لوزير الخزانة الأميركي إن المعلومات التي بحوزتهم هي أن النفط ينقل من أماكن سيطرة «داعش» ويباع عبر أشخاص في تركيا بأسعار زهيدة، وأن قسماً من هذا النفط يأتي مباشرة إلى تركيا وقسماً يذهب إلى شمال العراق ومن ثم يعاد تصديره إلى تركيا. وفي هذا الإطار لا يعني تصريح «رئيس» إقليم كردستان مسعود البرزاني شيئا عندما يقول إن الصور التي عرضتها روسيا هي لشاحنات تنقل نفط شمال العراق وليس لـ «داعش». وفي جميع الأحوال، فإنه حتى نفط شمال العراق هو نفط متنازع عليه، ولا يحق لتركيا استيراده من دون موافقة الحكومة المركزية في بغداد. كذلك فإن محاضر لجنة التحقيق في النفط المهرب من سوريا إلى تركيا في البرلمان التركي تؤكد على تهريب النفط من «داعش» وبيعه في تركيا. لذا فإنه في ظل اعترافات الأميركيين أنفسهم ومحاضر لجنة التحقيق التركية البرلمانية، فليس من المنطقي أن ينكر أردوغان ولا الأميركيون الآن أن النفط المسروق من «داعش» لا يذهب إلى تركيا أو لا علاقة لأنقرة به. ومثل هذا الكلام يأتي في الإطار السياسي، رغم أن تعاون تركيا مع «داعش» في قطاع النفط ليس سوى الجزء الأقل أهمية من دعمها له على الصعد اللوجستية والعسكرية والإعلامية. لا شك أن روسيا تتصرف على قاعدة أنها طعنت من الخلف من جانب أنقرة، فهذه التركيا التي تجرأت على ما لم تتجرأ عليه كل دول حلف شمال الأطلسي خلال الحرب الباردة وحتى الآن، لا يمكن أن تقوم بذلك إلا انطلاقاً من حماقة أعمى بصيرتَها فشلُها في إسقاط النظام في سوريا وتفاجؤها بالنزول الروسي على الساحة السورية وإسقاط رهانات تركيا على المنطقة العازلة والأمل بإسقاط النظام، أو استجابة لإشارة الولايات المتحدة في خضم السباق المحموم على النفوذ في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط. تتصرف روسيا إجمالاً كما لو أن تركيا قد تصرفت في حادثة إسقاط الطائرة بمفردها، ولذا فهي تركز الهجوم عليها حتى لا تقع في فخ المواجهة مع حلف شمال الأطلسي. وانطلاقا من هذه النظرة، فإن روسيا بلسان الرئيس فلاديمير بوتين تصعّد إلى درجة غير مسبوقة، ومست الاتهامات أردوغان شخصيا وعائلته، بل وصف بوتين اردوغان بأنه فقد عقله. الرد الروسي كان بالفعل استراتيجياً، لا سيما لجهة وضع سوريا تحت الحماية الكاملة لروسيا، في خطوة تفقد تركيا المبادرة العسكرية في سوريا. أما العقوبات الاقتصادية فأيضاً كانت شبه شاملة، وهي تُلحِق بتركيا على امتداد السنة المقبلة في حال طبقت فعلياً خسائر لا تقل عن 20 مليار دولار. لذا فإن قول بوتين إن تركيا ستندم وتخدع نفسها إذا ظنت أن روسيا ستكتفي بالعقوبات الاقتصادية يطرح أسئلة كثيرة وكبيرة، لا يمكن توقع الإجابة عنها. هل هي في المجال السياسي أم في المجال العسكري أم في اتخاذ مواقف كبيرة ـ على غرار ضم القرم ـ في قضايا إقليمية ودولية مثل المسألة الأرمنية أو الكردية أو ناغورني قره باخ أو قبرص الجنوبية، أم أن الأمر يتعلق بالتشهير بتركيا في المحافل الدولية والقانونية والدعوة لمحاكمتها بتهمة دعم الإرهاب؟ لكن في ظل كل هذا التهديد، فإن تطوير المواجهة مع تركيا عسكرياً لن يكون في حسابات روسيا، إذ إن الغرب لن يترك أنقرة وحيدة عندما يتعلق الأمر بموسكو، العدو المشترك للطرفين، ففي النهاية تركيا هي عضو في حلف شمال الأطلسي الذي لن يسمح بتغييرات دراماتيكية في المنطقة تجعلها منطقة نفوذ حصرية لروسيا في وقت لا تزال تركيا حاجة للغرب، وفي وقت أظهرت أنقرة لا سيما بعد إسقاط الطائرة الروسية ارتماء شديدا في حضن حلف شمال الأطلسي، وظهرت، بعيداً عن هذيانات العثمانية الجديدة وتهويمات الهيمنة الفارغة، كما انها من دون الغرب وحلف شمال الأطلسي لا تساوي نقيرا، بل مجرد أداة ودولة وظيفية لا يبقى منها ومن «إسلامها المعتدل» سوى أطلسيتها. إنها ساحة حرب يقول رئيس تحرير الصحيفة الموالية لـ «حزب العدالة والتنمية» إن الوقت حان لنضع اسما لما يجري: إنها الحرب التي تقودها إيران وروسيا ضد تركيا عبر سوريا. لا يوفر البلدان فرصة لكي يستكملا سيطرتهما على المنطقة من طهران إلى البحر المتوسط. هدفهما ضرب المصالح التركية، ووضع الحدود التركية الجنوبية تحت سيطرتهما. هما لم يعلنا الحرب على تركيا، ولكنهما يقودانها. في هذه اللحظة جاء إسقاط الطائرة الروسية. كانا لا يعتبران تركيا موجودة، ويريدان دفعها خارج اللعبة. وهنا دور «حزب العمال الكردستاني» وقوات الحماية الكردية. من هنا، فإن منطقة جرابلس ـ أعزاز يجب أن تبقى تحت سيطرة تركيا حتى لا يتمدد الوجود الكردي إلى البحر المتوسط، ويكون ذلك سببا للحرب. في المحصلة، إسقاط الطائرة ليس سببا للحرب بل نتيجة لها، فهي بدأت منذ وقت طويل وهدفها إسقاط تركيا. وتركيا لها حق المدافعة.إبراهيم قره غول ـ «يني شفق»

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة