اخيرا التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره التركي مولود جاويش اوغلو في بلغراد لمدة 45 دقيقة على هامش مؤتمر منظمة الامن والتعاون في اوروبا، وكان لافتا ان اجهزة الاعلام الرسمية الروسية تجاهلت هذا اللقاء كليا، وركزت في المقابل على التهديدات التي اعاد الرئيس بوتين توجيهها الى تركيا، ولكن بقوة اكبر، في خطاب القاه اليوم الخميس.

اللقاء تم تلبية لطلب من الجانب التركي، وبعد الحاح من قبل وزير الخارجية جاوش اوغلو، ولم يصدر اي تعليق حول نتائجه، او القضايا التي تمت مناقشتها، حيث التزم الطرفان التركي والروسي الصمت، مما يوحي بأن الخلافات ما زالت على حالها، ان لم يكن قد تطورت للأسوأ.

من الواضح ان الطرف الروسي هو الذي يلجأ الى التصعيد، وصب المزيد من “الزيت الحار” على جرح العلاقات الملتهبة اصلا، لان حادث اسقاط الطائرة الروسية من طراز سوخوي 24 قرب الحدود السورية التركية قبل اسبوع احدث هذا الجرح الذي قد يحتاج الى وقت طويل، وجهد دبلوماسي غير محدود قبل ان يلتئم.

الرئيس بوتين اكد في خطابه اليوم (الخميس) ان بلاده “لا يمكن ان تنسى مطلقا اسقاط الطائرة الروسية”، واعتبرها “جريمة حرب، وخيانه مروعة، والاتراك سيندمون اشد الندم على ما فعلوه”، وكرر هذه العبارة ثلاث مرات في خطابه، وقال “سنعاقب انقرة بالمزيد من العقوبات ولن نكتفي بذلك”، وتوعد الرئيس الروسي بأن الرد “لن يكون عصبيا او هستيريا او خطيرا علينا وعلى العالم اجمع.. فلن نشهر السلاح”.

العقوبات الاضافية التي هدد بها بوتين بدأت امس بتجميد بناء خط انابيب الغاز “تركيش ستريم”، الذي من المفترض ان ينقل الغاز الروسي الى تركيا ومنها الى اوروبا، والعديد من مشاريع البنى التحتية الاخرى.

هناك ورقتان اخريان يمكن ان يلجأ اليهما بوتين، رجل المخابرات الروسية السابق (كي جي بي)، الاولى، هي ورقة الارهاب، والثانية، دعم حزب العمال الكردستاني، ونشرت صحيفة “برافدا” قبل اسبوعين تقريبا مقالا هددت فيه صراحة، ودون مواربة، دول المثلث التركي السعودي القطري بعمليات انتقامية ارهابية، وذكر كاتب المقال بتدمير غروزني، وهزيمة النازية، وقتل سليم خان بندراون رئيس شيشاني اسبق معارض لروسيا في قلب العاصمة القطرية في عز النهار عام 2004.

الرئيس بوتين قد لا يشهر السلاح التقليدي في وجه تركيا، او يوجه طائراته لقصف انقرة، ولكن من غير المستبعد ان يوظف سلاح الارهاب، الذي يعرفه جيدا بطريقة غير مباشرة ويوظف جهات عديدة تحت مظلته، وما اكثرها في المنطقة، الامر الذي قد يؤدي الى زعزعة استقرار تركيا وامنها، وضرب صناعة السياحة فيها التي تدر على خزينة الدولة 36 مليار دولار سنويا، ويتضح هذا الخطر من خلال منع خمسة ملايين سائح روسي من زيارة تركيا فورا.

التهديدات التركية هذه اعطت مفعولها، واحدثت حالة من القلق في الدول المعنية، وخاصة دولتي قطر والمملكة العربية السعودية، وقد عبر الكاتب السعودي جمال خاشقجي عن هذا القلق بكل وضوح في مقالة نشرها يوم السبت الماضي في صحيفة “الحياة” السعودية، وطالب فيها بأخذ هذه التهديدات الروسية بكل الجدية، ولوحظ ان المملكة العربية السعودية لم تتضامن مطلقا مع تركيا في وجه التهديدات الروسية بأشكالها كافة.

الرئيس رجب طيب اردوغان طار الى الدوحة بعد اختتام قمة المناخ في باريس، ووقع اتفاقات مع سلطاتها لاستيراد الغاز السائل عبر ناقلات عملاقة، ولكن الغاز القطري لن يكون بديلا لنظيره الروسي في المستقبل المنظور لانه يحتاج الى تجهيزات خاصة، وارصفة جديدة في الموانيء التركية، وهذا غير متوفر الآن، وتركيا تستورد 60 بالمئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وقد تؤدي مثل هذه الاتفاقات الى توتير العلاقات الروسية القطرية المتوترة اساسا.

الجنرال جنز ستولتنبرغ، امين عام حلف الناتو وجه رسالة قوية الى تركيا بمطالبته اياها باللجوء الى التهدئة، وتخفيض حدة التوتر مع روسيا والتركيز على حرب المتطرفين الاسلاميين (الدولة الاسلامية) باعتبارهم العدو المشترك للجميع، والرئيس اوباما قال امس الشيء نفسه.

لا نعرف كيف ستلجأ تركيا للتهدئة والحرب الكلامية متصاعدة بين الرئيس اردوغان ونظيره الروسي، حيث يتهم كل منهما الآخر بالاتجار بنفط “الدولة الاسلامية”، مع التنويه ان الرئيس بوتين كان الاكثر قسوة عندما اتهم نجل الرئيس اردوغان وصهره بالمتربحين الحقيقيين من هذا النفط المسروق من سورية والعراق، على حد وصفه.

الامر المؤكد ان التكتم على لقاء لافروف وجاوش اوغلو لن يدوم طويلا، وقد تظهر الحقائق في الايام القليلة المقبلة، فإما ان يؤدي الى تطويق الازمة بعد استعداد الطرف التركي لتقديم اعتذار عن اسقاط الطائرة، وإما ان يستمر التصعيد والتدهور اللذان ليسا في صالح الطرفين، بل والمنطقة بأسرها.

ولعل اعلان وزير الخارجية التركي تقديم تعازيه الى روسيا بمقتل الطيار وجندي آخر سقط اثناء البحث عن الطيار الثاني هو مقدمة لهذا الاعتذار، وخطوة ولو صغيرة على طريق التهدئة المرجوة.

  • فريق ماسة
  • 2015-12-02
  • 8937
  • من الأرشيف

أخيرا التقى لافروف نظيره التركي جاوش..فهل تم تطويق الأزمة وحصل الروس على الاعتذار الذي يطلبونه؟

اخيرا التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره التركي مولود جاويش اوغلو في بلغراد لمدة 45 دقيقة على هامش مؤتمر منظمة الامن والتعاون في اوروبا، وكان لافتا ان اجهزة الاعلام الرسمية الروسية تجاهلت هذا اللقاء كليا، وركزت في المقابل على التهديدات التي اعاد الرئيس بوتين توجيهها الى تركيا، ولكن بقوة اكبر، في خطاب القاه اليوم الخميس. اللقاء تم تلبية لطلب من الجانب التركي، وبعد الحاح من قبل وزير الخارجية جاوش اوغلو، ولم يصدر اي تعليق حول نتائجه، او القضايا التي تمت مناقشتها، حيث التزم الطرفان التركي والروسي الصمت، مما يوحي بأن الخلافات ما زالت على حالها، ان لم يكن قد تطورت للأسوأ. من الواضح ان الطرف الروسي هو الذي يلجأ الى التصعيد، وصب المزيد من “الزيت الحار” على جرح العلاقات الملتهبة اصلا، لان حادث اسقاط الطائرة الروسية من طراز سوخوي 24 قرب الحدود السورية التركية قبل اسبوع احدث هذا الجرح الذي قد يحتاج الى وقت طويل، وجهد دبلوماسي غير محدود قبل ان يلتئم. الرئيس بوتين اكد في خطابه اليوم (الخميس) ان بلاده “لا يمكن ان تنسى مطلقا اسقاط الطائرة الروسية”، واعتبرها “جريمة حرب، وخيانه مروعة، والاتراك سيندمون اشد الندم على ما فعلوه”، وكرر هذه العبارة ثلاث مرات في خطابه، وقال “سنعاقب انقرة بالمزيد من العقوبات ولن نكتفي بذلك”، وتوعد الرئيس الروسي بأن الرد “لن يكون عصبيا او هستيريا او خطيرا علينا وعلى العالم اجمع.. فلن نشهر السلاح”. العقوبات الاضافية التي هدد بها بوتين بدأت امس بتجميد بناء خط انابيب الغاز “تركيش ستريم”، الذي من المفترض ان ينقل الغاز الروسي الى تركيا ومنها الى اوروبا، والعديد من مشاريع البنى التحتية الاخرى. هناك ورقتان اخريان يمكن ان يلجأ اليهما بوتين، رجل المخابرات الروسية السابق (كي جي بي)، الاولى، هي ورقة الارهاب، والثانية، دعم حزب العمال الكردستاني، ونشرت صحيفة “برافدا” قبل اسبوعين تقريبا مقالا هددت فيه صراحة، ودون مواربة، دول المثلث التركي السعودي القطري بعمليات انتقامية ارهابية، وذكر كاتب المقال بتدمير غروزني، وهزيمة النازية، وقتل سليم خان بندراون رئيس شيشاني اسبق معارض لروسيا في قلب العاصمة القطرية في عز النهار عام 2004. الرئيس بوتين قد لا يشهر السلاح التقليدي في وجه تركيا، او يوجه طائراته لقصف انقرة، ولكن من غير المستبعد ان يوظف سلاح الارهاب، الذي يعرفه جيدا بطريقة غير مباشرة ويوظف جهات عديدة تحت مظلته، وما اكثرها في المنطقة، الامر الذي قد يؤدي الى زعزعة استقرار تركيا وامنها، وضرب صناعة السياحة فيها التي تدر على خزينة الدولة 36 مليار دولار سنويا، ويتضح هذا الخطر من خلال منع خمسة ملايين سائح روسي من زيارة تركيا فورا. التهديدات التركية هذه اعطت مفعولها، واحدثت حالة من القلق في الدول المعنية، وخاصة دولتي قطر والمملكة العربية السعودية، وقد عبر الكاتب السعودي جمال خاشقجي عن هذا القلق بكل وضوح في مقالة نشرها يوم السبت الماضي في صحيفة “الحياة” السعودية، وطالب فيها بأخذ هذه التهديدات الروسية بكل الجدية، ولوحظ ان المملكة العربية السعودية لم تتضامن مطلقا مع تركيا في وجه التهديدات الروسية بأشكالها كافة. الرئيس رجب طيب اردوغان طار الى الدوحة بعد اختتام قمة المناخ في باريس، ووقع اتفاقات مع سلطاتها لاستيراد الغاز السائل عبر ناقلات عملاقة، ولكن الغاز القطري لن يكون بديلا لنظيره الروسي في المستقبل المنظور لانه يحتاج الى تجهيزات خاصة، وارصفة جديدة في الموانيء التركية، وهذا غير متوفر الآن، وتركيا تستورد 60 بالمئة من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وقد تؤدي مثل هذه الاتفاقات الى توتير العلاقات الروسية القطرية المتوترة اساسا. الجنرال جنز ستولتنبرغ، امين عام حلف الناتو وجه رسالة قوية الى تركيا بمطالبته اياها باللجوء الى التهدئة، وتخفيض حدة التوتر مع روسيا والتركيز على حرب المتطرفين الاسلاميين (الدولة الاسلامية) باعتبارهم العدو المشترك للجميع، والرئيس اوباما قال امس الشيء نفسه. لا نعرف كيف ستلجأ تركيا للتهدئة والحرب الكلامية متصاعدة بين الرئيس اردوغان ونظيره الروسي، حيث يتهم كل منهما الآخر بالاتجار بنفط “الدولة الاسلامية”، مع التنويه ان الرئيس بوتين كان الاكثر قسوة عندما اتهم نجل الرئيس اردوغان وصهره بالمتربحين الحقيقيين من هذا النفط المسروق من سورية والعراق، على حد وصفه. الامر المؤكد ان التكتم على لقاء لافروف وجاوش اوغلو لن يدوم طويلا، وقد تظهر الحقائق في الايام القليلة المقبلة، فإما ان يؤدي الى تطويق الازمة بعد استعداد الطرف التركي لتقديم اعتذار عن اسقاط الطائرة، وإما ان يستمر التصعيد والتدهور اللذان ليسا في صالح الطرفين، بل والمنطقة بأسرها. ولعل اعلان وزير الخارجية التركي تقديم تعازيه الى روسيا بمقتل الطيار وجندي آخر سقط اثناء البحث عن الطيار الثاني هو مقدمة لهذا الاعتذار، وخطوة ولو صغيرة على طريق التهدئة المرجوة.

المصدر : راي اليوم / عبد الباري عطوان


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة