دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
هل هي آخر مغامرات الرئيس سعد الحريري السياسية؟
قد يكون السؤال بالنسبة الى الذين يراهنون على أن موعد 16 كانون الأول الجاري هو موعد انتخاب رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، سؤالاً في غير محله، لأن الحريري أنجز تسوية لم يقدر عليها القادة اللبنانيون الآخرون، ولا سيما الزعماء المسيحيون منهم، ولأنه ينهي شغوراً رئاسياً عمره سنة ونصف سنة، ولأنه حظي برعاية أميركية ومباركة سعودية.
لكن من يرى أن لا رئيس للجمهورية في الوقت الراهن، وأن فرنجية لن يكون رئيساً، يشيرون الى أن موجة الترويج الأخير التي سادت الوسط السياسي، بأن التسوية السياسية أنجزت، «في غير محلها، وأن الحريري يقوم بآخر مغامرة سياسية له، وأن الأميركيين فرملوا كل اندفاعة، فيما يهتم الفرنسيون بملء الشغور الرئاسي فقط، ولم يدخلوا في أسماء أو تسويات».
في الساعات الأخيرة، ورغم كلام الحريري من باريس بعد لقاء الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، وبعده كلام السفير السعودي علي عواض العسيري، بدت المعطيات أكثر تشدداً في مقاربة لقاء باريس بين الحريري وفرنجية، وتداعياته واحتمال وصوله الى خاتمة إيجابية بالنسبة الى الطرفين:
أولاً: إن لقاء باريس كان عبارة عن لقاء أولي جرى فيه وضع اللمسات الأولى لاحتمال تسوية بين الحريري وفرنجية سرّب صدفة، أو سرّبه من أراد حرقه بكشف معالمه سريعاً. كشف الخبر بحيثياته، فتورط الطرفان اللذان ذهبا أكثر في حرق المراحل، الى حد وصف أحد المطلعين أن التسوية كانت إعلامية، وحين بدأ الكلام عنها تحولت الى «صفقة» كثر فيها البازار الحكومي والنيابي والمالي والاقتصادي والنفطي.
ثانياً: استغل الطرفان المعنيان اللقاء، كل لصالح حسابات مختلفة. لكنْ ثمة إجماع على أن الحريري وفرنجية حرقا المراحل. الأول حين وضع كل فريق 14 آذار المسيحي وأكثرية تيار المستقبل في خانة المعارضين له شخصياً كما لأي اقتراح يقدمه لتسويق هذه التسوية.
فوضع الحريري المسيحيين في خانة خصومه لترويج صفقة تفوق في خطورتها ذهابه الى دمشق، يشكل بالنسبة الى هؤلاء المسيحيين «خاتمة نهائية» لعلاقة استمرت منذ عام 2005. أما فرنجية، فقد حرق المراحل حين استعجل واستسهل خصومة عون وحذر حزب الله وإحالة الرئيس السوري بشار الأسد له على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله. ليس فرنجية، بالنسبة الى المطلعين على موقف حزب الله، هو الذي يقود قوى 8 آذار الى خطوة بهذا الحجم تضع الحزب أمام مفصل أساسي بحجم علاقته مع العماد ميشال عون، وخصوصاً بعد ما قاله من بيت النائب وليد وجنبلاط تحديداً. من يطلع على موقف الحزب يخشى من خطوات ناقصة تسجل في خانة فرنجية.
بالنسبة الى موقف الحزب، هو لا يريد استفراد فرنجية أو عزله، لا بل يريد الحفاظ عليه وعلى ما يمثل، وأن يحفظ له خط الرجعة داخل قوى 8 آذار، طالما أنه سبق أن نصحه بالحذر وعدم إعطاء أي تعهدات. ولا يريد في المقابل أن يصل عون الى النقطة التي يضطر فيها الى أن يقول لا علنية لفرنجية، ما دفعه الى الاستمهال والتريث والنصح بفتح قنوات الاتصال بينهما. لكن الحزب لم ينظر بإيجابية الى الدفع الحريري والسعودي الأخير، ولا الى أداء فرنجية، الأمر الذي سيضطر الحزب الى أن يقول «لا» في الوقت المناسب، أي بعد إعادة تقويم ما يجري في اليمن وتخوّف السعودية منه، والتطورات الروسية ــــ التركية، ليبني على الشيء مقتضاه. لذا، فالحزب « الرافض للتسوية» لا يستعجل قول كلمته في الوقت الحاضر. أي أن موعد 16 كانون الأول سيكون كسابقاته من المواعيد التي أعطيت لجلسات مجلس الوزراء.
ثالثاً: من قال إن حزب الله اليوم يريد انتخابات رئاسية بالمطلق؟ ومن قال إنه يريد إعطاء السعودية موطئ قدم في لبنان على توقيتها وهي التي تخسر أوراقها في سوريا واليمن؟ ومن قال إنه يريد عودة الحريري الى بيروت وإلى السرايا الحكومية؟ ولماذا يريد أن يقدم له هذه الفرصة. فالحريري خرج من الحكومة بتوافق ثلاثة أطراف، هم: الحزب وعون وفرنجية، إضافة الى بري، ولا يمكن أن يعود، بحسب مصدر سياسي مطلع، إلا برضى هذه الأطراف، ولا سيما حزب الله وعون بما يمثلان، علماً بأن الحزب سبق أن توترت علاقته مع عون، أو بالأحرى مع الوزير جبران باسيل، حين حصل لقاء روما مع الرئيس سعد الحريري وحصل بعده ما حصل، وأدى الى تشكيل الحكومة التوافقية، علماً بأن عون لم يعط تعهدات حينها بل توافق مع الحريري على موضوع الرئاسة وقيادة الجيش فقط. فهل يقاد الحزب الى تسوية ليس له فيها حق تقرير مصيرها وتعهداتها، ولا سيما ما يتعلق منها بقانون الانتخاب والتركيبة الحكومية؟
رابعاً: من قال إن حزب الله سيتخلى عن عون، وهو الذي وقف معه في التعيينات الأمنية، الى الحد الذي توافق معه على تعطيل الحكومة حتى إقرارها. وحتى الآن، وبعد مضيّ أشهر على آخر جلسة لمجلس الوزراء، لا يزال عون يعطل الحكومة، رغم كل المحاولات لتفعيلها. وهذا الأمر محسوم في حسابات الحزب.
من جهته، يعتبر التيار الوطني أن بري وجنبلاط صاغا التسوية المحلية التي حبك خيوطها الأميركيون والسعوديون. لكن في الساعات الأخيرة، رشح موقف لبري من خلال بعض المطلعين عليه يشير فيه الى أنه لن يعرقل التسوية إذا حصلت، لكنه يكتفي بالمجاملات حولها فقط، أي أنه لن يشجع عليها، ما يعكس تريث حزب الله ووقوفه المستمر الى جانب عون.
خامساً: إن الأطراف الدوليين الذين يمكن أن يوافقوا على مثل هذه التسوية، يهمهم في الدرجة الأولى استقرار لبنان. لكن ما حصل حتى الآن، هو أن هذا الاستقرار مرشح لأن يهتز، لأن الأمر لا يتعلق بعدد الذين يصوّتون مع أو ضد فرنجية، بل بالخضّة التي أثارها في الوسط المسيحي وحتى في الوسط السني، ترشيح الحريري لفرنجية.
سادساً: يتصرف الحريري كأنه لا يزال رئيساً للحكومة، أو على الأقل كما كان الرئيس رفيق الحريري يتصرف إبان الوجود السوري، أي أن يشارك في انتخاب الرئيس أو تسميته ليكون له حصة في كعكة الحكم، وهو يدفع الى تسريع الأمر واختصار المراحل. لكن الحريري الابن ينسى أن هناك زعيمين للمسيحيين، هما: العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع، وكلاهما لن يقبل أن يتم تجاوزه في تقرير مصير المسيحيين والرئيس المسيحي. والحريري بمغامرته هذه يلعب بوضعه السياسي المتأرجح أساساً، والذي تلقى أيضاً ضربة بفعل تفرده بتسويته مع فرنجية.
لا يكفي أن يقول الحريري نعم لفرنجية، فالمطلوب أن يبارك عون وجعجع المسعى الحريري، وأن يقول حزب الله نعم. وهذا ما لم يحصل ولن يحصل في الأمد القريب، بحسب المطلعين على موقف الحزب. والحريري وفرنجية مستعجلان.
المصدر :
الأخبار/ هيام القصيفي
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة