أسقطت السلطات التركية مقاتلة روسية، فتوقّف العالم بانتظار ردّ بوتين. الأميركيون برّروا للأتراك، والروس منزعجون من جار طعنهم في الظهر. كيف ستردّ موسكو؟ بالاقتصاد أم بالنفظ أم بالصواريخ؟ لا حرب عالمية في الأفق، لكن «الإمبراطورَين» مستنفرَان

هو «صراع الجبابرة» و«كباش» إمبراطورَين، ومواجهة «القيصر والسلطان» وأوّل هجوم لـ«حلف شمال الأطلسي» على روسيا منذ ٦٠ عاماً... حدثُ إسقاط تركيا مقاتلة روسية هو الخبر العاجل والخطير الذي استدعى ردود فعل متفاوتة بين المحللين الغربيين، وفيما تسارعت الى الأذهان فرضية «حرب عالمية ثالثة» يكاد يجمع المحللون على أن فرضية اشتعال حرب عالمية جديدة لا تزال بعيدة ولا أحد من اللاعبين يريدها.

بعض الإعلام الأميركي السائد فضّل «النأي بالنفس» عن الحدث الروسي ـ التركي فيما مال الباقون الى «تبرير الفعل التركي» واتهام روسيا بالتحرّش بـ«جارتها» وتخطّي الحدود المسموح بها. افتتاحية «ذي واشنطن بوست» مثلاً شرحت «الأسباب الموجبة» لإسقاط المقاتلة الروسية، وتوّلت «قول ما لم يقله أعضاء الناتو صراحة حول تحديد المسؤولية في ما جرى». الصحيفة رأت أن «الاستفزازات الروسية هي التي دفعت تركيا لإسقاط المقاتلة»، إذ ذكّرت بـ«الخروقات المتكررة للأجواء التركية من قبل الطائرات الحربية الروسية»، ولفتت الى «قصف الروس قرى التركمان الحدودية مع سوريا». «ظنّ (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين أن تركيا، كحال باقي دول الأطلسي لن تتجرّأ على الردّ على استفزازاته» قالت «بوست» في افتتاحيتها، وتابعت أن تركيا «أثبتت أنه على خطأ» وها هو «يتلقى ضربة غير متوقعة». وفيما لفت رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» ريتشار هاس الى أن «الرابح الوحيد من المواجهة الروسية ـ التركية هو داعش»، ألقى بدوره اللوم على بوتين «الذي يريد لبلده دوراً خارجياً أكبر». هاس «طمأن» قرّاءه إلى أن «روسيا ليست قوة عظمى» لذا لا يجوز «تضخيم» الخطر الذي تمثّله على الغرب بل «التعامل معه» كما يجب فقط.

معظم التحليلات حول إسقاط الطائرة سألت بترقّب عن الردّ الروسي. فالكلّ ذكّّر أن موسكو وأنقرة «ترتبطان اقتصادياً وتجارياً ونفظياً»، و«شريكا السوق» اجتمعا قبل عام فقط ليوقعا المزيد من الاتفاقات الاقتصادية. فتركيا تستورد ٦٠٪ من الغاز الطبيعي من الجارة الروسية، وتحاول أخيراً فتح الأسواق الروسية أمام منتجاتها، كما أن موسكو تساهم بتمويل مشروع محطة تركية لتوليد الطاقة الكهربائية بلغت قيمته ٢٠ مليار دولار... لهذه الأسباب ولغيرها سأل المتابعون «هل سيستخدم بوتين السلاح الاقتصادي ـ النفطي ضد تركيا؟». الجواب يبقى رهن الأيام المقبلة. «سلاح» آخر يمكن لموسكو استخدامه «لإزعاج» أنقرة وهو قرار بدعم وتسليح المقاتلين الأكراد، أضاف البعض الآخر.

الجواب الروسي السريع الذي لم ينتظر اقتراحات المحللين الغربيين جاء بنشر المضادات الدفاعية الصاروخية «إس ٤٠٠» (أرض ـ جو) في القاعدة الروسية في اللاذقية. وهذا ما دفع البعض الى التحذير من أن هذه الصواريخ قادرة على استهداف أي طيران في عمق الأجواء التركية. خطوة أثارت اهتمام الصحافة الأميركية التي أجمعت على أن هذا «يدلّ على مدى خطورة الأوضاع الحالية وتفجّرها وخصوصاً مع كثافة السلاح الثقيل والطيران والصواريخ التي تعجّ بها سماء سوريا».

لكن رغم كل الأجواء المحمومة التي تحدّث عنها معظم الصحافيين الا أن بعض المقالات جاءت لتحسم أن ذلك «ليس مؤشراً لاندلاع حرب عالمية ثالثة». لماذا؟ مقالات في «ذي فورين بوليسي» و«إن بي سي نيوز» و«ذي غارديان» وغيرها ذكّرت بأن الصراع الروسي ـ التركي «يعود الى قرون» وهو «كباش» بين «رجلين غاضبين يطمحان لإعادة إحياء الإرث الإمبراطوري». بعض المحللين عادوا الى القرن التاسع عشر والمعارك التركية ـ الروسية على القرم. آخرون ذكروا بإطلاق القيصر الروسي نيكولاي الأول لقب «الرجل المريض» على الإمبراطورية العثمانية، بينما حسم البعض أن «الصراع الروسي ـ التركي الآن ليس صراعاً على إسقاط طائرة، ولا على داعش، ولا حتى حول الناتو... بل هو الصراع الأزلي بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية ورجلين يعدّان نفسيهما حاملا الإرث الامبراطوري ذاك».

من جهة أخرى، عدّد البعض أسباباً «واقعية» لترجيح عدم وقوع حرب عالمية جديدة بسبب الحدث التركي ـ الروسي الأخير. فقالوا إنه حتى لو أن تركيا هي عضو في «الناتو» الا أن التلميح الى استخدام البند الخامس (الذي يستدعي ردّاً عسكرياً من قبل دول الحلف على أي اعتداء خارجي يستهدف أحد أعضائه) كما قال بعض الصحافيين «ليس وارداً»، إذ إن «الخرق الجوي لا يعد اعتداءً» والسبب الآخر هو أنه «لا أوروبا ولا دول الأطلسي ولا حتى روسيا تريد فتح جبهة عالمية في الوقت الراهن». إذاً بحسب هؤلاء، فإن الفترة المقبلة ستشهد «عرض عضلات» فقط بين المتنازعين من دون الرغبة ولا القدرة على شنّ حرب كبرى.

... وفي روسيا

«الطعن في الظهر» هو أكثر ما علّق عليه الصحافيون الروس، ليس فقط لأن الرئيس بوتين استخدم ذلك الوصف بل أيضا لأنهم يعرفون جيداً ما الذي يعنيه أن «يطعنهم جار في الظهر» وما قد يترتّب على ذلك من تداعيات. إسقاط تركيا مقاتلة روسية كانت في مهمة لمحاربة الإرهاب هو بكل صراحة «عمل إرهابي» بحسب بعض الصحافيين. «لا يجيد الأتراك سوى أمر واحد: الفرار كالجبناء، تماماً كما فعلوا بعدما هاجم إسرائيليون سفينتهم في غزة»، كتب تيموثي بانكروفت هينتشي في «برافدا»، وتابع: «وها هم الآن يختبئون في تنورة الناتو ويعلنون إسقاط مقاتلة روسية كانت في مهمة لمحاربة الإرهاب»، وفيما أعلن البعض صراحة أن إسقاط الطائرة الروسية هو «إعلان حرب من قبل الأطلسي»، ركّز آخرون على مسألة «تمويل تركيا للمقاتلين المتطرفين في سوريا واحتضانها لهم». وعن «الطعن في الظهر» شرح البعض أن تلك «عادة أردوغانية»، إذ إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «طعن سابقاً حليفه الرئيس السوري بشار الأسد وقاد استراتيجية كارثية ضده في سوريا».

  • فريق ماسة
  • 2015-11-26
  • 11791
  • من الأرشيف

مواجهة «القيصر والسلطان»: الغرب يترقّب والروس يسخرون من الاختباء في «تنورة الناتو»

أسقطت السلطات التركية مقاتلة روسية، فتوقّف العالم بانتظار ردّ بوتين. الأميركيون برّروا للأتراك، والروس منزعجون من جار طعنهم في الظهر. كيف ستردّ موسكو؟ بالاقتصاد أم بالنفظ أم بالصواريخ؟ لا حرب عالمية في الأفق، لكن «الإمبراطورَين» مستنفرَان هو «صراع الجبابرة» و«كباش» إمبراطورَين، ومواجهة «القيصر والسلطان» وأوّل هجوم لـ«حلف شمال الأطلسي» على روسيا منذ ٦٠ عاماً... حدثُ إسقاط تركيا مقاتلة روسية هو الخبر العاجل والخطير الذي استدعى ردود فعل متفاوتة بين المحللين الغربيين، وفيما تسارعت الى الأذهان فرضية «حرب عالمية ثالثة» يكاد يجمع المحللون على أن فرضية اشتعال حرب عالمية جديدة لا تزال بعيدة ولا أحد من اللاعبين يريدها. بعض الإعلام الأميركي السائد فضّل «النأي بالنفس» عن الحدث الروسي ـ التركي فيما مال الباقون الى «تبرير الفعل التركي» واتهام روسيا بالتحرّش بـ«جارتها» وتخطّي الحدود المسموح بها. افتتاحية «ذي واشنطن بوست» مثلاً شرحت «الأسباب الموجبة» لإسقاط المقاتلة الروسية، وتوّلت «قول ما لم يقله أعضاء الناتو صراحة حول تحديد المسؤولية في ما جرى». الصحيفة رأت أن «الاستفزازات الروسية هي التي دفعت تركيا لإسقاط المقاتلة»، إذ ذكّرت بـ«الخروقات المتكررة للأجواء التركية من قبل الطائرات الحربية الروسية»، ولفتت الى «قصف الروس قرى التركمان الحدودية مع سوريا». «ظنّ (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين أن تركيا، كحال باقي دول الأطلسي لن تتجرّأ على الردّ على استفزازاته» قالت «بوست» في افتتاحيتها، وتابعت أن تركيا «أثبتت أنه على خطأ» وها هو «يتلقى ضربة غير متوقعة». وفيما لفت رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» ريتشار هاس الى أن «الرابح الوحيد من المواجهة الروسية ـ التركية هو داعش»، ألقى بدوره اللوم على بوتين «الذي يريد لبلده دوراً خارجياً أكبر». هاس «طمأن» قرّاءه إلى أن «روسيا ليست قوة عظمى» لذا لا يجوز «تضخيم» الخطر الذي تمثّله على الغرب بل «التعامل معه» كما يجب فقط. معظم التحليلات حول إسقاط الطائرة سألت بترقّب عن الردّ الروسي. فالكلّ ذكّّر أن موسكو وأنقرة «ترتبطان اقتصادياً وتجارياً ونفظياً»، و«شريكا السوق» اجتمعا قبل عام فقط ليوقعا المزيد من الاتفاقات الاقتصادية. فتركيا تستورد ٦٠٪ من الغاز الطبيعي من الجارة الروسية، وتحاول أخيراً فتح الأسواق الروسية أمام منتجاتها، كما أن موسكو تساهم بتمويل مشروع محطة تركية لتوليد الطاقة الكهربائية بلغت قيمته ٢٠ مليار دولار... لهذه الأسباب ولغيرها سأل المتابعون «هل سيستخدم بوتين السلاح الاقتصادي ـ النفطي ضد تركيا؟». الجواب يبقى رهن الأيام المقبلة. «سلاح» آخر يمكن لموسكو استخدامه «لإزعاج» أنقرة وهو قرار بدعم وتسليح المقاتلين الأكراد، أضاف البعض الآخر. الجواب الروسي السريع الذي لم ينتظر اقتراحات المحللين الغربيين جاء بنشر المضادات الدفاعية الصاروخية «إس ٤٠٠» (أرض ـ جو) في القاعدة الروسية في اللاذقية. وهذا ما دفع البعض الى التحذير من أن هذه الصواريخ قادرة على استهداف أي طيران في عمق الأجواء التركية. خطوة أثارت اهتمام الصحافة الأميركية التي أجمعت على أن هذا «يدلّ على مدى خطورة الأوضاع الحالية وتفجّرها وخصوصاً مع كثافة السلاح الثقيل والطيران والصواريخ التي تعجّ بها سماء سوريا». لكن رغم كل الأجواء المحمومة التي تحدّث عنها معظم الصحافيين الا أن بعض المقالات جاءت لتحسم أن ذلك «ليس مؤشراً لاندلاع حرب عالمية ثالثة». لماذا؟ مقالات في «ذي فورين بوليسي» و«إن بي سي نيوز» و«ذي غارديان» وغيرها ذكّرت بأن الصراع الروسي ـ التركي «يعود الى قرون» وهو «كباش» بين «رجلين غاضبين يطمحان لإعادة إحياء الإرث الإمبراطوري». بعض المحللين عادوا الى القرن التاسع عشر والمعارك التركية ـ الروسية على القرم. آخرون ذكروا بإطلاق القيصر الروسي نيكولاي الأول لقب «الرجل المريض» على الإمبراطورية العثمانية، بينما حسم البعض أن «الصراع الروسي ـ التركي الآن ليس صراعاً على إسقاط طائرة، ولا على داعش، ولا حتى حول الناتو... بل هو الصراع الأزلي بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية ورجلين يعدّان نفسيهما حاملا الإرث الامبراطوري ذاك». من جهة أخرى، عدّد البعض أسباباً «واقعية» لترجيح عدم وقوع حرب عالمية جديدة بسبب الحدث التركي ـ الروسي الأخير. فقالوا إنه حتى لو أن تركيا هي عضو في «الناتو» الا أن التلميح الى استخدام البند الخامس (الذي يستدعي ردّاً عسكرياً من قبل دول الحلف على أي اعتداء خارجي يستهدف أحد أعضائه) كما قال بعض الصحافيين «ليس وارداً»، إذ إن «الخرق الجوي لا يعد اعتداءً» والسبب الآخر هو أنه «لا أوروبا ولا دول الأطلسي ولا حتى روسيا تريد فتح جبهة عالمية في الوقت الراهن». إذاً بحسب هؤلاء، فإن الفترة المقبلة ستشهد «عرض عضلات» فقط بين المتنازعين من دون الرغبة ولا القدرة على شنّ حرب كبرى. ... وفي روسيا «الطعن في الظهر» هو أكثر ما علّق عليه الصحافيون الروس، ليس فقط لأن الرئيس بوتين استخدم ذلك الوصف بل أيضا لأنهم يعرفون جيداً ما الذي يعنيه أن «يطعنهم جار في الظهر» وما قد يترتّب على ذلك من تداعيات. إسقاط تركيا مقاتلة روسية كانت في مهمة لمحاربة الإرهاب هو بكل صراحة «عمل إرهابي» بحسب بعض الصحافيين. «لا يجيد الأتراك سوى أمر واحد: الفرار كالجبناء، تماماً كما فعلوا بعدما هاجم إسرائيليون سفينتهم في غزة»، كتب تيموثي بانكروفت هينتشي في «برافدا»، وتابع: «وها هم الآن يختبئون في تنورة الناتو ويعلنون إسقاط مقاتلة روسية كانت في مهمة لمحاربة الإرهاب»، وفيما أعلن البعض صراحة أن إسقاط الطائرة الروسية هو «إعلان حرب من قبل الأطلسي»، ركّز آخرون على مسألة «تمويل تركيا للمقاتلين المتطرفين في سوريا واحتضانها لهم». وعن «الطعن في الظهر» شرح البعض أن تلك «عادة أردوغانية»، إذ إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان «طعن سابقاً حليفه الرئيس السوري بشار الأسد وقاد استراتيجية كارثية ضده في سوريا».

المصدر : الاخبار/ صباح أيوب


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة