تحول طرح الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حول «التسوية المتكاملة» الى عنصر استقطاب شبه وحيد، في الساحة الداخلية المنعدمة الوزن، والتي كانت الى ما قبل سلة «السيد»، تشكو من شح المبادرات في ظل انشغال مراكز القرار الدولي والاقليمي عن لبنان، وهي المتخصصة عادة، عبر المراحل التاريخية، في إنتاج التسويات للدول المصنفة تحت خط الفقر السياسي.

ولما كان لبنان لا يجد وسيلة لـ «ترحيل» نفاياته السياسية الى الخارج المستغرق في ملفات سوريا والعراق واليمن والارهاب، فإن الخيارات ضاقت الى الحد الذي فرض على أقطاب الصراع الداخلي الجلوس مرة أخرى حول طاولة حوار وطني، ما برحت تتنقل منذ إطلاقها عام 2006 بين المقار الرسمية، محاولة التعويض عن شغور المؤسسات الدستورية او الخلل في عملها.

ولكن التجارب أظهرت ان أقصى ما يستطيع فعله الجالسون الى هذه الطاولة «النازحة» هو الانحناء امام العواصف وشراء الوقت، في انتظار حكم «القضاء والقدر».. فهل يمكن ان يتفوق الاستثناء على القاعدة هذه المرة، بحيث يقتنص اللبنانيون لحظة «الإهمال الخارجي» للعبور الى زمن التسوية على التوقيت المحلي؟

يبدو واضحا ان الرئيس نبيه بري يحاول اقتباس تجربة مؤتمر الدوحة ولبننتها، من خلال طرح جدول أعمال مركب على هيئة الحوار التي يحلو للبعض وصفها بـ «دوحة ـ 2»، مع فارق جوهري لا يمكن تجاهله وهو ان قطر وايران سوريا والولايات المتحدة والسعودية التي رعت ولادة سلة التسوية عام 2007 على أساس تلازم مساري انتخاب رئيس الجمهورية وقانون الانتخابات النيابية، تبدو حاليا «خارج التغطية».

من هنا، فإن أهمية طرح نصرالله تكمن في انه أتى ليعطي قوة دفع ذاتية للمسعى الداخلي المبذول نحو إنجاز تسوية محلية الصنع، انطلاقا مما يمثله الحزب من «وزن» يسمح له بالتأثير في اتجاهات الريح.

ويؤكد العارفون ان مبادرة السيد هي بالدرجة الاولى «مبادرة حث»، تهدف الى تحفيز الاطراف السياسية على تفعيل الحوار والتعاطي معه بأعلى قدر من الجدية والمسؤولية، على قاعدة انه يمكن ان يكون منتجا، بدل إصدار الاحكام المسبقة بحقه، واعتباره سلفا مجرد وسيلة لاستهلاك الوقت الضائع.

وبهذا المعنى، فإن طرح نصرالله يرمي الى ضخ جرعات من الثقة في فرصة الحوار، انطلاقا من عرض «السلة المتكاملة» التي يمكن ان تتسع لهواجس الجميع دفعة واحدة، وإن تكن المشكلة تتمثل في كيفية التوفيق بين الاولويات داخل السلة، في ظل إصرار «تيار المستقبل» وحلفائه على انطلاق المعالجة من رئاسة الجمهورية يليها قانون الانتخاب، فيما يعتبر الحزب وحلفاؤه ان التفاهم على قانون الانتخاب هو المصعد الذي من شأنه ان ينقل لبنان الى طابق الرئاسة.

وهناك من يفترض ان التوقيت قد يساهم في إيجاد «بيئة مناسبة» لمبادرة نصرالله، لا سيما بعد التفجير الانتحاري المزدوج في برج البراجنة والذي ولّد شعورا عاما بالقلق والخطر، دفع حتى خصوم «حزب الله» الى التعاطف غير المشروط مع المنطقة المستهدفة ـ كما فعل الرئيس سعد الحريري على سبيل المثال ـ خلافا للخطاب السياسي الذي كان يُستخدم سابقا في حالات مماثلة، ما دفع الرئيس نبيه بري الى القول في أحد مجالسه الخاصة: لطالما كنت أعتبر انه يوجد في لبنان خصوم، لا أعداء.

ويعرب المتابعون لمسار مبادرة نصرالله عن اعتقادهم بأنها تشكل على الاقل فرصة لاستكشاف مدى إمكانية الدخول في مرحلة جديدة، لكنهم يلفتون الانتباه الى ان التحدي الصعب الذي يواجهها يكمن في ان الحريري يحاكيها انطلاقا من أولوية انتخاب رئيس الجمهورية في حين يرى الحزب ان نقاطها مترابطة، ولا تُفصل الواحدة عن الأخرى، آخذا بعين الاعتبار ان تنفيذ السلة الشاملة المتوافق عليها يبدأ من بند رئاسة الجمهورية.

ويؤكد أحد المقربين من الحزب ان منطق السلة الشاملة يحتمل البحث في كل شيء، من دون ان يعني ذلك ان الحزب يتخلى عن دعم ترشيح العماد ميشال عون، لافتا الانتباه الى ان من خصائص التسوية المتكاملة قابليتها لتوليد التنازلات المتبادلة بحيث ان ديناميتها قد تفضي، كأحد الاحتمالات، الى التوافق على انتخاب عون في مقابل حصول الطرف الآخر على أمور ترضيه في ملف آخر.

  • فريق ماسة
  • 2015-11-19
  • 16311
  • من الأرشيف

ماذا يقدِّم "حزب الله" ثمناً لإنتخاب عون؟

تحول طرح الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله حول «التسوية المتكاملة» الى عنصر استقطاب شبه وحيد، في الساحة الداخلية المنعدمة الوزن، والتي كانت الى ما قبل سلة «السيد»، تشكو من شح المبادرات في ظل انشغال مراكز القرار الدولي والاقليمي عن لبنان، وهي المتخصصة عادة، عبر المراحل التاريخية، في إنتاج التسويات للدول المصنفة تحت خط الفقر السياسي. ولما كان لبنان لا يجد وسيلة لـ «ترحيل» نفاياته السياسية الى الخارج المستغرق في ملفات سوريا والعراق واليمن والارهاب، فإن الخيارات ضاقت الى الحد الذي فرض على أقطاب الصراع الداخلي الجلوس مرة أخرى حول طاولة حوار وطني، ما برحت تتنقل منذ إطلاقها عام 2006 بين المقار الرسمية، محاولة التعويض عن شغور المؤسسات الدستورية او الخلل في عملها. ولكن التجارب أظهرت ان أقصى ما يستطيع فعله الجالسون الى هذه الطاولة «النازحة» هو الانحناء امام العواصف وشراء الوقت، في انتظار حكم «القضاء والقدر».. فهل يمكن ان يتفوق الاستثناء على القاعدة هذه المرة، بحيث يقتنص اللبنانيون لحظة «الإهمال الخارجي» للعبور الى زمن التسوية على التوقيت المحلي؟ يبدو واضحا ان الرئيس نبيه بري يحاول اقتباس تجربة مؤتمر الدوحة ولبننتها، من خلال طرح جدول أعمال مركب على هيئة الحوار التي يحلو للبعض وصفها بـ «دوحة ـ 2»، مع فارق جوهري لا يمكن تجاهله وهو ان قطر وايران سوريا والولايات المتحدة والسعودية التي رعت ولادة سلة التسوية عام 2007 على أساس تلازم مساري انتخاب رئيس الجمهورية وقانون الانتخابات النيابية، تبدو حاليا «خارج التغطية». من هنا، فإن أهمية طرح نصرالله تكمن في انه أتى ليعطي قوة دفع ذاتية للمسعى الداخلي المبذول نحو إنجاز تسوية محلية الصنع، انطلاقا مما يمثله الحزب من «وزن» يسمح له بالتأثير في اتجاهات الريح. ويؤكد العارفون ان مبادرة السيد هي بالدرجة الاولى «مبادرة حث»، تهدف الى تحفيز الاطراف السياسية على تفعيل الحوار والتعاطي معه بأعلى قدر من الجدية والمسؤولية، على قاعدة انه يمكن ان يكون منتجا، بدل إصدار الاحكام المسبقة بحقه، واعتباره سلفا مجرد وسيلة لاستهلاك الوقت الضائع. وبهذا المعنى، فإن طرح نصرالله يرمي الى ضخ جرعات من الثقة في فرصة الحوار، انطلاقا من عرض «السلة المتكاملة» التي يمكن ان تتسع لهواجس الجميع دفعة واحدة، وإن تكن المشكلة تتمثل في كيفية التوفيق بين الاولويات داخل السلة، في ظل إصرار «تيار المستقبل» وحلفائه على انطلاق المعالجة من رئاسة الجمهورية يليها قانون الانتخاب، فيما يعتبر الحزب وحلفاؤه ان التفاهم على قانون الانتخاب هو المصعد الذي من شأنه ان ينقل لبنان الى طابق الرئاسة. وهناك من يفترض ان التوقيت قد يساهم في إيجاد «بيئة مناسبة» لمبادرة نصرالله، لا سيما بعد التفجير الانتحاري المزدوج في برج البراجنة والذي ولّد شعورا عاما بالقلق والخطر، دفع حتى خصوم «حزب الله» الى التعاطف غير المشروط مع المنطقة المستهدفة ـ كما فعل الرئيس سعد الحريري على سبيل المثال ـ خلافا للخطاب السياسي الذي كان يُستخدم سابقا في حالات مماثلة، ما دفع الرئيس نبيه بري الى القول في أحد مجالسه الخاصة: لطالما كنت أعتبر انه يوجد في لبنان خصوم، لا أعداء. ويعرب المتابعون لمسار مبادرة نصرالله عن اعتقادهم بأنها تشكل على الاقل فرصة لاستكشاف مدى إمكانية الدخول في مرحلة جديدة، لكنهم يلفتون الانتباه الى ان التحدي الصعب الذي يواجهها يكمن في ان الحريري يحاكيها انطلاقا من أولوية انتخاب رئيس الجمهورية في حين يرى الحزب ان نقاطها مترابطة، ولا تُفصل الواحدة عن الأخرى، آخذا بعين الاعتبار ان تنفيذ السلة الشاملة المتوافق عليها يبدأ من بند رئاسة الجمهورية. ويؤكد أحد المقربين من الحزب ان منطق السلة الشاملة يحتمل البحث في كل شيء، من دون ان يعني ذلك ان الحزب يتخلى عن دعم ترشيح العماد ميشال عون، لافتا الانتباه الى ان من خصائص التسوية المتكاملة قابليتها لتوليد التنازلات المتبادلة بحيث ان ديناميتها قد تفضي، كأحد الاحتمالات، الى التوافق على انتخاب عون في مقابل حصول الطرف الآخر على أمور ترضيه في ملف آخر.

المصدر : السفير/ عماد مرمل


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة