يكشف توافق القوى العظمى والاقليمية على اختيار الأردن لإعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية في سوريا عن ثقة بأجهزته ومعلوماته الأمنية.

لكن التكليف يطرح تساؤلات حول التداعيات المحتملة على مستقبل البلاد. ولا يبعث اختيار الأردن من قبل المجتمعين في مؤتمر فيينا لحل الأزمة السورية منذ أيام لإعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية المقاتلة في سوريا على الاستغراب لأسباب عدة منها:

1- قدرة الأردن على المحافظة على أجواء الأمن والاستقرار، وعدم تعرضه لأعمال إرهابية كبيرة، باستثناء حادثة تفجيرات فنادق عمان منذ نحو عشر سنوات، بالرغم من وجوده في وسط لا يتمتع بالاستقرار منذ عقود. وحافظ الأردن على استقراره النسبي رغم تركيبته السكانية المعقدة وزيادة التعقيد بتوافد مئات ألوف اللاجئين من العراق وسوريا، وتعرض المنطقة لزلزال احتلال العراق، وأخيرا الأزمة السورية وتحولها إلى حرب طاحنة، وبالطبع تأثيرات القضية الفلسطينية المتواصلة منذ نحو سبعة عقود.

 

2- المعلومات الاستخباراتية الكبيرة التي بحوزة الأجهزة الأمنية الأردنية مع تماسها المباشر مع قضايا المنطقة في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، واستقبالها لاجئين وسياسيين من هذه البلدان، إضافة إلى كونها البوابة لبلدان الخليج نحو جنوب سوريا.

3- التنسيق الامني المباشر للأجهزة الامنية الأردنية مع نظيراتها في المنطقة من دون استثناء، حتى مع إسرائيل للمحافظة على استقرار البلد صاحب أطول حدود معها، وكذلك التنسيق والتعاون الاستخباري مع الجانبين الروسي والأمريكي وغيرهما من القوى الكبرى عالميا، عبر تدريب القوى الأمنية للسلطة الفلسطينية، وعدد من البلدان العربية.

4- الموقف السياسي البراغماتي للقيادة الأردنية في التعامل مع قضايا المنطقة، وتعلمها الدروس من اصطفاف الأردن في حرب الخليج الثانية مع الرئيس الراحل صدام حسين، وماجرته من ويلات اقتصادية، وأجواء عدم استقرار إثر حصار بلدان الخليج وقطع جزء مهم من المعونات عقابا على موقف الملك الراحل الحسين بن طلال الداعم للعراق.

5- وفي الشأن السوري تحديدا فإن الأردن ظل محافظا على "شعرة معاوية" مع الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد، وأوردت بعض الصحف اللبنانية أخيرا خبر لقاء طويل بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الأسد. وفي ذات الوقت فإن الأردن يعد الساحة الخلفية لعمل التشكيلات العسكرية العاملة في الجنوب السوري، وتترد أنباء عن أن الأردن هو من منع سيطرة جبهة النصرة والجيش الحر على معبر نصيب الحدودي مع سوريا. كما يجب عدم إهمال التنسيق الأردني الإسرائيلي لمنع انتقال الشرارة السورية إلى شمال البلدين، مع اشتداد المعارك في جنوب سوريا، وسيطرة كتائب عسكرية ذات مشارب إيديولوجية وتبعيات مختلفة على المناطق المحاذية للجولان المحتل ومحافظة الرمثا.

 

6- ويجب عدم إغفال مشاركة الأردن في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لضرب تنظيم "داعش" في سوريا، وعدم اعتراضه على الضربات الجوية الروسية، ووجود مراكز تنسيق مشتركة مع البلدين.

التداعيات المحتملة

ويقابل وضوح أسباب اختيار الأردن لوضع قائمة المنظمات الإرهابية في سوريا والمكاسب السياسية لعمان غموض وتخوف من التداعيات المحتملة على أمن واستقرار البلاد. كما تطرح أسئلة حول انعكاسات ذلك على علاقات الأردن مع القوى الإقليمية ولعل أهمها:

1- صعوبة التوفيق بين نظرة مختلف وجهات النظر العالمية والإقليمية إلى طبيعة وتصنيف الأطراف المحاربة في سوريا، والرغبة في وسمها بالإرهاب من عدمه.

2- الخوف من أن تدرج المنظمات الإرهابية وخاصة "داعش" الأردن كهدف رئيس لعملياتها الانتقامية خاصة عقب اعتداءات باريس الإرهابية، وتهديد الولايات المتحدة وكل من يساهم في قصف مواقع التنظيم في سوريا، وتعاظم المخاوف من أعمال انتقامية مع الضربات الموجعة التي يتلقاها التنظيم ولجوئه إلى عمليات إرهابية للتخفيف من عزيمة البلدان المحاربة له، وكسر التأييد الشعبي لدحره.

3- الخشية من تحرك أنصار الجهادية السلفية في الأردن، خاصة أن تقديرات مختصين بالشؤون الإسلامية تقدر بالآلاف حجم مناصري التيار الذين انضموا مع عائلاتهم للمحاربة في صفوف "داعش" وتنظيمات إرهابية أخرى في العراق وسوريا. ويجب ألا نغفل ان أنصار السلفية الجهادية في الأردن هم بمثابة خلايا نائمة للقاعدة و"داعش". وأن عددهم يفوق بكثير نحو 250 معتقلا في السجون حاليا.

 

4- وقد يدخل الأردن في خلافات مع القوى الإقليمية "المستثمرة" في الأزمة السورية. فحسب المعلن، هناك توافق على محاربة "داعش" لكن هناك تداخلا كبيرا فيما يخص المنظمات الأخرى، ومعلوم أن لكل لاعب اقليمي قوى محسوبة عليه وتزوده بالمال والعتاد، وبالطبع فإن اللاعبين الإقليميين لا يرغبون بإدراج الأطراف الممثلة لمصالحهم ضمن قائمة الإرهاب الأردنية.

5- وتبرز أسئلة ومخاوف من النظرة إلى حزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية المقاتلة إلى جوار النظام في سوريا. وتكمن صعوبة الاختيار في أن إدراج هذه المنظمات والميليشيات قد يؤدي إلى توتير العلاقة بين عمان وبغداد وطهران، وحزب الله وقد يتسبب في خسائر اقتصادية وسياسية ويفرض مخاطر أمنية. وفي المقابل فإن عدم إدراجها يثير الشارع الأردني وخاصة أنصار السلفية والسلفية الجهادية، وكذلك بلدان الخليج وتركيا، وقد يتسبب أيضا في خسائر سياسية واقتصادية.

6- وربما كانت موافقة الأردن من تقديرات تؤكد رغبة اقليمية ودولية صادقة في دحر "داعش"، لكن عدم صدق أي طرف في محاربة "داعش" والإرهاب يجعل الأردن في مواجهة مفتوحة مع الإرهاب وهذه البلدان في الوقت ذاته. وواضح أن قبول الأردن وتصديه لهذه المهمة الصعبة يكشف عن حجم المعلومات المتوفرة لدى أجهزته الأمنية. ويعني قبول عمان بدور إقليمي وعالمي جديد، يضاف إلى الأدوار المركبة الحساسة للمملكة التي تعيش على صفيح ساخن منذ نكبة فلسطين في العام 1948، واستطاعت الصمود في وجه التغيرات العاصفة في المنطقة منذ الستينيات وحتى يومنا هذا.

 

  • فريق ماسة
  • 2015-11-17
  • 16279
  • من الأرشيف

لماذا اختير الأردن منسقا لقائمة المنظمات الإرهابية في سورية؟

يكشف توافق القوى العظمى والاقليمية على اختيار الأردن لإعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية في سوريا عن ثقة بأجهزته ومعلوماته الأمنية. لكن التكليف يطرح تساؤلات حول التداعيات المحتملة على مستقبل البلاد. ولا يبعث اختيار الأردن من قبل المجتمعين في مؤتمر فيينا لحل الأزمة السورية منذ أيام لإعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية المقاتلة في سوريا على الاستغراب لأسباب عدة منها: 1- قدرة الأردن على المحافظة على أجواء الأمن والاستقرار، وعدم تعرضه لأعمال إرهابية كبيرة، باستثناء حادثة تفجيرات فنادق عمان منذ نحو عشر سنوات، بالرغم من وجوده في وسط لا يتمتع بالاستقرار منذ عقود. وحافظ الأردن على استقراره النسبي رغم تركيبته السكانية المعقدة وزيادة التعقيد بتوافد مئات ألوف اللاجئين من العراق وسوريا، وتعرض المنطقة لزلزال احتلال العراق، وأخيرا الأزمة السورية وتحولها إلى حرب طاحنة، وبالطبع تأثيرات القضية الفلسطينية المتواصلة منذ نحو سبعة عقود.   2- المعلومات الاستخباراتية الكبيرة التي بحوزة الأجهزة الأمنية الأردنية مع تماسها المباشر مع قضايا المنطقة في العراق وسوريا وفلسطين ولبنان، واستقبالها لاجئين وسياسيين من هذه البلدان، إضافة إلى كونها البوابة لبلدان الخليج نحو جنوب سوريا. 3- التنسيق الامني المباشر للأجهزة الامنية الأردنية مع نظيراتها في المنطقة من دون استثناء، حتى مع إسرائيل للمحافظة على استقرار البلد صاحب أطول حدود معها، وكذلك التنسيق والتعاون الاستخباري مع الجانبين الروسي والأمريكي وغيرهما من القوى الكبرى عالميا، عبر تدريب القوى الأمنية للسلطة الفلسطينية، وعدد من البلدان العربية. 4- الموقف السياسي البراغماتي للقيادة الأردنية في التعامل مع قضايا المنطقة، وتعلمها الدروس من اصطفاف الأردن في حرب الخليج الثانية مع الرئيس الراحل صدام حسين، وماجرته من ويلات اقتصادية، وأجواء عدم استقرار إثر حصار بلدان الخليج وقطع جزء مهم من المعونات عقابا على موقف الملك الراحل الحسين بن طلال الداعم للعراق. 5- وفي الشأن السوري تحديدا فإن الأردن ظل محافظا على "شعرة معاوية" مع الحكومة السورية والرئيس بشار الأسد، وأوردت بعض الصحف اللبنانية أخيرا خبر لقاء طويل بين الملك عبد الله الثاني والرئيس الأسد. وفي ذات الوقت فإن الأردن يعد الساحة الخلفية لعمل التشكيلات العسكرية العاملة في الجنوب السوري، وتترد أنباء عن أن الأردن هو من منع سيطرة جبهة النصرة والجيش الحر على معبر نصيب الحدودي مع سوريا. كما يجب عدم إهمال التنسيق الأردني الإسرائيلي لمنع انتقال الشرارة السورية إلى شمال البلدين، مع اشتداد المعارك في جنوب سوريا، وسيطرة كتائب عسكرية ذات مشارب إيديولوجية وتبعيات مختلفة على المناطق المحاذية للجولان المحتل ومحافظة الرمثا.   6- ويجب عدم إغفال مشاركة الأردن في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لضرب تنظيم "داعش" في سوريا، وعدم اعتراضه على الضربات الجوية الروسية، ووجود مراكز تنسيق مشتركة مع البلدين. التداعيات المحتملة ويقابل وضوح أسباب اختيار الأردن لوضع قائمة المنظمات الإرهابية في سوريا والمكاسب السياسية لعمان غموض وتخوف من التداعيات المحتملة على أمن واستقرار البلاد. كما تطرح أسئلة حول انعكاسات ذلك على علاقات الأردن مع القوى الإقليمية ولعل أهمها: 1- صعوبة التوفيق بين نظرة مختلف وجهات النظر العالمية والإقليمية إلى طبيعة وتصنيف الأطراف المحاربة في سوريا، والرغبة في وسمها بالإرهاب من عدمه. 2- الخوف من أن تدرج المنظمات الإرهابية وخاصة "داعش" الأردن كهدف رئيس لعملياتها الانتقامية خاصة عقب اعتداءات باريس الإرهابية، وتهديد الولايات المتحدة وكل من يساهم في قصف مواقع التنظيم في سوريا، وتعاظم المخاوف من أعمال انتقامية مع الضربات الموجعة التي يتلقاها التنظيم ولجوئه إلى عمليات إرهابية للتخفيف من عزيمة البلدان المحاربة له، وكسر التأييد الشعبي لدحره. 3- الخشية من تحرك أنصار الجهادية السلفية في الأردن، خاصة أن تقديرات مختصين بالشؤون الإسلامية تقدر بالآلاف حجم مناصري التيار الذين انضموا مع عائلاتهم للمحاربة في صفوف "داعش" وتنظيمات إرهابية أخرى في العراق وسوريا. ويجب ألا نغفل ان أنصار السلفية الجهادية في الأردن هم بمثابة خلايا نائمة للقاعدة و"داعش". وأن عددهم يفوق بكثير نحو 250 معتقلا في السجون حاليا.   4- وقد يدخل الأردن في خلافات مع القوى الإقليمية "المستثمرة" في الأزمة السورية. فحسب المعلن، هناك توافق على محاربة "داعش" لكن هناك تداخلا كبيرا فيما يخص المنظمات الأخرى، ومعلوم أن لكل لاعب اقليمي قوى محسوبة عليه وتزوده بالمال والعتاد، وبالطبع فإن اللاعبين الإقليميين لا يرغبون بإدراج الأطراف الممثلة لمصالحهم ضمن قائمة الإرهاب الأردنية. 5- وتبرز أسئلة ومخاوف من النظرة إلى حزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية المقاتلة إلى جوار النظام في سوريا. وتكمن صعوبة الاختيار في أن إدراج هذه المنظمات والميليشيات قد يؤدي إلى توتير العلاقة بين عمان وبغداد وطهران، وحزب الله وقد يتسبب في خسائر اقتصادية وسياسية ويفرض مخاطر أمنية. وفي المقابل فإن عدم إدراجها يثير الشارع الأردني وخاصة أنصار السلفية والسلفية الجهادية، وكذلك بلدان الخليج وتركيا، وقد يتسبب أيضا في خسائر سياسية واقتصادية. 6- وربما كانت موافقة الأردن من تقديرات تؤكد رغبة اقليمية ودولية صادقة في دحر "داعش"، لكن عدم صدق أي طرف في محاربة "داعش" والإرهاب يجعل الأردن في مواجهة مفتوحة مع الإرهاب وهذه البلدان في الوقت ذاته. وواضح أن قبول الأردن وتصديه لهذه المهمة الصعبة يكشف عن حجم المعلومات المتوفرة لدى أجهزته الأمنية. ويعني قبول عمان بدور إقليمي وعالمي جديد، يضاف إلى الأدوار المركبة الحساسة للمملكة التي تعيش على صفيح ساخن منذ نكبة فلسطين في العام 1948، واستطاعت الصمود في وجه التغيرات العاصفة في المنطقة منذ الستينيات وحتى يومنا هذا.  

المصدر : سامر الياس/ روسيا اليوم


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة