عنوان مقالي اليوم ليس لي، هو عنوان لمقال افتتاحي للصحفي الروسي المقرب من الكرملين (ميخائيل ليونتيف) في عدد مجلة «آدناكا» الشهيرة بتاريخ 5/12/2011 أي بعد أشهر من بدء الأحداث في سورية،

 وقد كتب ما يلي: «ليس الشرق الأوسط بمشكلة محلية، أو إقليمية، وفي الحقيقة طوال الألفي سنة الأخيرة لم يكن يوماً كذلك، ناهيك عن الستين سنة الأخيرة… ولكن حتى ضمن هذا السياق إن الوضع الراهن المركّز على سورية غير مسبوق من حيث ارتداداته على المستوى العالمي.. اليوم وتحديداً في سورية، تم إشعال فتيل يؤدي إلى حرب كبيرة جداً، وفي حال نجاح المحاولة قد يؤدي إلى حرب عالمية!!!»..

وأما الصحفيان الروسيان اللذان نشرا تحقيقهما عن الأوضاع في سورية آنذاك في العدد ذاته من المجلة فقد وضعا عنواناً: «يجب سماع سورية.. إن روسيا بدفاعها عن دمشق إنما تحمي نفسها».

لم يتوقع كثيرون أن تنهج موسكو هذا النهج القوي، والمباشر مؤخراً، إذ راهن بعض الأعراب على «بيعٍ وشراء» كعادتهم، فهم بلا شرف، ولا أخلاق، وقد اعتادوا أن يفعلوا ذلك مع بعض الساسة الغربيين، والصحافة الغربية، والعربية وبعض أشباه المثقفين، وحملة الشهادات، والألقاب، من دون أن يحللوا أو يفهموا أبعاد السياسة الروسية، وأهمية دمشق بالنسبة لموسكو، وخاصة بعد دخول «الجيش الأحمر» إلى قلب جورجيا في آب 2008 رداً على استفزازات حلف شمال الأطلسي على حدود روسيا، لأن الكيل قد طفح في الساحة الحمراء وأميركا جربت أن تختبر «صبر الحليم»، وكان الجواب ضد ميخائيل ساكا شفيللي الرئيس الجورجي آنذاك قاسياً، وحاسماً… ومنذ ذلك الحادث الشهير قال الرئيس الروسي آنذاك «ديميتري ميدفيديف» إن روسيا ما بعد آب 2008 هي غيرها ما قبل آب 2008.

ولم تكن «موسكو» لتتردد في رفع البطاقة الحمراء الأولى في وجه الولايات المتحدة عبر استخدام حق «الفيتو» للمرة الأولى لمنع تسخين مجلس الأمن كممر لشرعنة التدخل العسكري المباشر في سورية، كما فعلت في الحالة الليبية، وأعادت «موسكو» الكرة مرتين أخريين لإفهام واشنطن والغرب عموماً أن سورية خط أحمر، ولن أسمح بتكرار ما فعلتموه في العراق، وليبيا، وبلدان أخرى، وعزز موقف موسكو- موقف الصين التي استخدمت حق الفيتو أيضاً في سابقة نادرة في تاريخها، وتاريخ الأمم المتحدة..

سعت موسكو خلال تلك الفترة مدعومة بالصين لإغلاق بوابة الأمم المتحدة التي استباحتها واشنطن في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 بهدف إعادة ترتيب خريطة أوروبا، ومن ثم الشرق الأوسط بما يتفق مع مشاريعها في الهيمنة على الشعوب، والثروات، وإسقاط أنظمة، ودول، وتركيب حكومات تابعة، خانعة على النمط الخليجي، ترى في واشنطن قضاءً، وقدراً، وقوة لا إمكانية لمواجهتها.

كما عملت بكل قوتها، وعلاقاتها، وتأثيرها لإنجاز حل سياسي مقتنعة بأنه لا أفق للعمل العسكري، وقد أعلنت موسكو ضمن هذا الإطار دعمها لوثيقة جنيف «30 حزيران 2012» التي أعدتها مع واشنطن كإطار للحل السياسي، كما نزعت فتيل عدوان أميركي مباشر عام 2013 من خلال إنجاز (ملف السلاح الكيميائي السوري) وسعت لدعم مؤتمري «جنيف1»، و«جنيف2» اللذين فشلا في تحقيق أي تقدم يذكر لأن هدف واشنطن والغرب كان محاولة فرض نظام سياسي جديد عبر استغلال ما جاء في «وثيقة جنيف».

لاحقاً سعت موسكو لاستقبال كل أطياف، وأنواع، وأطباق المعارضة السورية في محاولة لجعلها تتفق على أجندة وطنية تُمكن من دفع الحوار السوري- السوري نحو الأمام، لتكتشف أمرين: الأول: إنه لا وجود لمعارضة سورية موحدة- بل معارضات، والثاني: إن هناك أطيافاً في هذه المعارضات مخلصة لكل شيء آخر- باستثناء القضية الوطنية السورية.

لكن موسكو، كما هو الحال في دمشق مقتنعة أن هناك حاجة ماسة لإصلاحات في بنية النظام السياسي في سورية لإشراك المعارضة (البناءة) أو «الصحية»، حسب المصطلح الروسي في رسم مستقبل سورية، والمشاركة في الحكم، إلا أن الأولويات تختلف مع الغرب إذ بدا واضحاً جداً أن واشنطن وحلفاءها الغربيين، والإقليميين يريدون الاستمرار برفع شعار «الإصلاح» كواجهة مخادعة لتمرير أجندتهم التي تصل إلى حد فرض واقع تقسيمي في سورية عبر استثمار حجة «مكافحة الإرهاب»، و«داعش»، وهو ما سوف يعني تحقيق الهدف الاستراتيجي أي «إزاحة سورية»، وإضعافها كقوة إقليمية عربية مستقلة مقاومة، وتركيب نظام سياسي مهلهل وضعيف على الطريقة «اللبنانية أو العراقية»، يتحول إلى نظام منتج للأزمات والمشاكل، وليس نظاماً سياسياً مستقراً، وقوياً قادراً على تحقيق التنمية، والازدهار، والمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار.

باختصار جربت موسكو كل الطرق، والاحتمالات، والوسائل، والأدوات علها تنجح في إقناع خصومها، وخصوم سورية، ولكن عبثاً، حتى وصل الأمر بوزير الخارجية لدى آل سعود عادل الجبير أن يعلن بكل وقاحة وقلة أدب في موسكو: «أن على الرئيس بشار الأسد الرحيل بالوسائل السياسية، وإن لم تنجح فبالوسائل العسكرية!!!» إذاً: تهديد ووعيد من قلب موسكو، وبلغة غير مقبولة دبلوماسياً، وسياسياً، على الرغم من محاولات روسيا إقناع آل سعود أن هناك طرقاً أقصر لإيجاد الحلول، وأننا سنساعد في ذلك، لكن من دون جدوى..

طوال هذه السنوات كان الجيش السوري، والشعب السوري، والقيادة السورية تدفع ثمن محاربة الإرهاب عن كل العالم، وتواجه جيوشاً مدربة في معسكرات الناتو، وحصاراً اقتصادياً قاسياً، وهجمات إعلامية شرسة، وحرباً نفسية مخيفة لكسر إرادة الشعب والقيادة، والجيش، ولكن من دون أي فائدة، كما استجابت دمشق بكل مرونة للمبادرات السياسية وفق أسس واضحة:

– احترام سيادة سورية، واستقلالها.

– وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية.

– الشرعية، والمشروعية الشعبية.

أدركت موسكو أن ما وصلت إليه الأمور بلغ مرحلة خطيرة للغاية، وأن الغرب يناور في السعي لحل سياسي، كما أن السياسة المتبعة تهف للمزيد من استنزاف الدولة السورية، والجيش السوري، ولذلك لابد من قلب الطاولة على الجميع باتجاه إنتاج حلف حقيقي لمحاربة الإرهاب، بديل من الحلف الاصطناعي الذي تتزعمه واشنطن، ووضع كل دول العالم أمام استحقاقات لا يمكن تأجيلها نظراً لخطورتها، وتداعياتها.

وتتالت تصريحات القادة الروس حول الاستراتيجية الجديدة، والتي لخصها السيد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي بمعادلة (أمن دمشق من أمن موسكو) وليعلن الرئيس بوتين بكلمته أمام مؤتمر قمة (منظمة الأمن الجماعي) في طاجكستان بتاريخ 15/9/2015، مايلي:

1- الوضع في سورية جدي للغاية، وداعش تسيطر على مساحات مهمة من أراضي سورية والعراق.

2- خطر داعش يتجاوز سورية، والعراق ويقلق موسكو عودة المقاتلين إلى أراضيها.

3- الإرهابيون يقولون علناً إنهم يريدون أخذ مكة والمدينة (رسالة للسعودية)، وضمن خططهم نشر نشاطاتهم في أوروبا، روسيا، وسط وجنوب شرق آسيا.

4- توحيد جهود المجتمع الدولي ضد هذا التهديد، ووضع كل الخلافات جانباً.

5- دعم موسكو للحكومة السورية يتم لمواجهة (عدوان إرهابي)- وهذا مصطلح جديد يستخدمه بوتين- أي سورية تتعرض لعدوان- وليس أزمة كما يحلو لكثير من المحللين استخدام مصطلح (الأزمة) في سورية.

6- لا إمكانية لمكافحة (داعش)، والإرهابيين بشكل عام، الذين يقومون بأعمال بربرية دون مشاركة الجيش السوري على الأرض..

7- تدفق اللاجئين سببه الإرهاب، ولا إمكانية لإيجاد حلول للمشاكل الحالية أو المستقبلية بما في ذلك قضية اللاجئين من دون توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب.

8- لابد من توحيد جهود كل القوى السياسية السورية في مواجهة الإرهاب.

9- موسكو تدعم الرئيس بشار الأسد كرئيس شرعي، وحكومته، وتؤمن بالحل السياسي، ومشاركة المعارضة السورية البناءة..

10- موسكو قدمت، وسوف تقدم المساعدة العسكرية اللازمة، والضرورية ولولا ذلك لكان الوضع في سورية أسوأ مما هو في ليبيا.

تلك هي معالم إستراتيجية بوتين الجديدة المدعومة إيرانياً، وصينياً، ومن دول كثيرة في العالم، لأن إستراتيجية أوباما وغارات (الدلع) و(الطبطبة) ضد داعش وفقاً لتعبير أحد الصحفيين المصريين لا يمكن لها أن تنتج إلا مزيداً من انتشار الإرهاب، وتوسعه، وفي هذا خطر كبير على أمن سورية، وروسيا، والعديد من دول العالم.

ما يجري الآن هو التحضير لما قبل ربع الساعة الأخير لإنهاء مسلسل (إزاحة سورية) التي ستزيح بمساعدة حلفائها أكبر خطر عرفته البشرية منذ القضاء على النازية في الحرب العالمية الثانية، والدبابات لا تحتاج إلى تأشيرة دخول- كما قال أحد المسؤولين الروس لزميل له في حلف الناتو، فالخطر داهم، والكيل قد طفح لدى الشعب السوري الذي دفع شهداء، وضحايا، وصبراً، وإيماناً، وتحملاً للصعاب والشدائد من أجل أن يؤكد مقولة واحدة (سورية تُزيل ولا تُزال)..

  • فريق ماسة
  • 2015-09-16
  • 6962
  • من الأرشيف

موسكو: سورية تواجه عدواناً إرهابياً… بوتين والخطة الجديدة

عنوان مقالي اليوم ليس لي، هو عنوان لمقال افتتاحي للصحفي الروسي المقرب من الكرملين (ميخائيل ليونتيف) في عدد مجلة «آدناكا» الشهيرة بتاريخ 5/12/2011 أي بعد أشهر من بدء الأحداث في سورية،  وقد كتب ما يلي: «ليس الشرق الأوسط بمشكلة محلية، أو إقليمية، وفي الحقيقة طوال الألفي سنة الأخيرة لم يكن يوماً كذلك، ناهيك عن الستين سنة الأخيرة… ولكن حتى ضمن هذا السياق إن الوضع الراهن المركّز على سورية غير مسبوق من حيث ارتداداته على المستوى العالمي.. اليوم وتحديداً في سورية، تم إشعال فتيل يؤدي إلى حرب كبيرة جداً، وفي حال نجاح المحاولة قد يؤدي إلى حرب عالمية!!!».. وأما الصحفيان الروسيان اللذان نشرا تحقيقهما عن الأوضاع في سورية آنذاك في العدد ذاته من المجلة فقد وضعا عنواناً: «يجب سماع سورية.. إن روسيا بدفاعها عن دمشق إنما تحمي نفسها». لم يتوقع كثيرون أن تنهج موسكو هذا النهج القوي، والمباشر مؤخراً، إذ راهن بعض الأعراب على «بيعٍ وشراء» كعادتهم، فهم بلا شرف، ولا أخلاق، وقد اعتادوا أن يفعلوا ذلك مع بعض الساسة الغربيين، والصحافة الغربية، والعربية وبعض أشباه المثقفين، وحملة الشهادات، والألقاب، من دون أن يحللوا أو يفهموا أبعاد السياسة الروسية، وأهمية دمشق بالنسبة لموسكو، وخاصة بعد دخول «الجيش الأحمر» إلى قلب جورجيا في آب 2008 رداً على استفزازات حلف شمال الأطلسي على حدود روسيا، لأن الكيل قد طفح في الساحة الحمراء وأميركا جربت أن تختبر «صبر الحليم»، وكان الجواب ضد ميخائيل ساكا شفيللي الرئيس الجورجي آنذاك قاسياً، وحاسماً… ومنذ ذلك الحادث الشهير قال الرئيس الروسي آنذاك «ديميتري ميدفيديف» إن روسيا ما بعد آب 2008 هي غيرها ما قبل آب 2008. ولم تكن «موسكو» لتتردد في رفع البطاقة الحمراء الأولى في وجه الولايات المتحدة عبر استخدام حق «الفيتو» للمرة الأولى لمنع تسخين مجلس الأمن كممر لشرعنة التدخل العسكري المباشر في سورية، كما فعلت في الحالة الليبية، وأعادت «موسكو» الكرة مرتين أخريين لإفهام واشنطن والغرب عموماً أن سورية خط أحمر، ولن أسمح بتكرار ما فعلتموه في العراق، وليبيا، وبلدان أخرى، وعزز موقف موسكو- موقف الصين التي استخدمت حق الفيتو أيضاً في سابقة نادرة في تاريخها، وتاريخ الأمم المتحدة.. سعت موسكو خلال تلك الفترة مدعومة بالصين لإغلاق بوابة الأمم المتحدة التي استباحتها واشنطن في مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 بهدف إعادة ترتيب خريطة أوروبا، ومن ثم الشرق الأوسط بما يتفق مع مشاريعها في الهيمنة على الشعوب، والثروات، وإسقاط أنظمة، ودول، وتركيب حكومات تابعة، خانعة على النمط الخليجي، ترى في واشنطن قضاءً، وقدراً، وقوة لا إمكانية لمواجهتها. كما عملت بكل قوتها، وعلاقاتها، وتأثيرها لإنجاز حل سياسي مقتنعة بأنه لا أفق للعمل العسكري، وقد أعلنت موسكو ضمن هذا الإطار دعمها لوثيقة جنيف «30 حزيران 2012» التي أعدتها مع واشنطن كإطار للحل السياسي، كما نزعت فتيل عدوان أميركي مباشر عام 2013 من خلال إنجاز (ملف السلاح الكيميائي السوري) وسعت لدعم مؤتمري «جنيف1»، و«جنيف2» اللذين فشلا في تحقيق أي تقدم يذكر لأن هدف واشنطن والغرب كان محاولة فرض نظام سياسي جديد عبر استغلال ما جاء في «وثيقة جنيف». لاحقاً سعت موسكو لاستقبال كل أطياف، وأنواع، وأطباق المعارضة السورية في محاولة لجعلها تتفق على أجندة وطنية تُمكن من دفع الحوار السوري- السوري نحو الأمام، لتكتشف أمرين: الأول: إنه لا وجود لمعارضة سورية موحدة- بل معارضات، والثاني: إن هناك أطيافاً في هذه المعارضات مخلصة لكل شيء آخر- باستثناء القضية الوطنية السورية. لكن موسكو، كما هو الحال في دمشق مقتنعة أن هناك حاجة ماسة لإصلاحات في بنية النظام السياسي في سورية لإشراك المعارضة (البناءة) أو «الصحية»، حسب المصطلح الروسي في رسم مستقبل سورية، والمشاركة في الحكم، إلا أن الأولويات تختلف مع الغرب إذ بدا واضحاً جداً أن واشنطن وحلفاءها الغربيين، والإقليميين يريدون الاستمرار برفع شعار «الإصلاح» كواجهة مخادعة لتمرير أجندتهم التي تصل إلى حد فرض واقع تقسيمي في سورية عبر استثمار حجة «مكافحة الإرهاب»، و«داعش»، وهو ما سوف يعني تحقيق الهدف الاستراتيجي أي «إزاحة سورية»، وإضعافها كقوة إقليمية عربية مستقلة مقاومة، وتركيب نظام سياسي مهلهل وضعيف على الطريقة «اللبنانية أو العراقية»، يتحول إلى نظام منتج للأزمات والمشاكل، وليس نظاماً سياسياً مستقراً، وقوياً قادراً على تحقيق التنمية، والازدهار، والمساهمة في تحقيق الأمن والاستقرار. باختصار جربت موسكو كل الطرق، والاحتمالات، والوسائل، والأدوات علها تنجح في إقناع خصومها، وخصوم سورية، ولكن عبثاً، حتى وصل الأمر بوزير الخارجية لدى آل سعود عادل الجبير أن يعلن بكل وقاحة وقلة أدب في موسكو: «أن على الرئيس بشار الأسد الرحيل بالوسائل السياسية، وإن لم تنجح فبالوسائل العسكرية!!!» إذاً: تهديد ووعيد من قلب موسكو، وبلغة غير مقبولة دبلوماسياً، وسياسياً، على الرغم من محاولات روسيا إقناع آل سعود أن هناك طرقاً أقصر لإيجاد الحلول، وأننا سنساعد في ذلك، لكن من دون جدوى.. طوال هذه السنوات كان الجيش السوري، والشعب السوري، والقيادة السورية تدفع ثمن محاربة الإرهاب عن كل العالم، وتواجه جيوشاً مدربة في معسكرات الناتو، وحصاراً اقتصادياً قاسياً، وهجمات إعلامية شرسة، وحرباً نفسية مخيفة لكسر إرادة الشعب والقيادة، والجيش، ولكن من دون أي فائدة، كما استجابت دمشق بكل مرونة للمبادرات السياسية وفق أسس واضحة: – احترام سيادة سورية، واستقلالها. – وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية. – الشرعية، والمشروعية الشعبية. أدركت موسكو أن ما وصلت إليه الأمور بلغ مرحلة خطيرة للغاية، وأن الغرب يناور في السعي لحل سياسي، كما أن السياسة المتبعة تهف للمزيد من استنزاف الدولة السورية، والجيش السوري، ولذلك لابد من قلب الطاولة على الجميع باتجاه إنتاج حلف حقيقي لمحاربة الإرهاب، بديل من الحلف الاصطناعي الذي تتزعمه واشنطن، ووضع كل دول العالم أمام استحقاقات لا يمكن تأجيلها نظراً لخطورتها، وتداعياتها. وتتالت تصريحات القادة الروس حول الاستراتيجية الجديدة، والتي لخصها السيد ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي بمعادلة (أمن دمشق من أمن موسكو) وليعلن الرئيس بوتين بكلمته أمام مؤتمر قمة (منظمة الأمن الجماعي) في طاجكستان بتاريخ 15/9/2015، مايلي: 1- الوضع في سورية جدي للغاية، وداعش تسيطر على مساحات مهمة من أراضي سورية والعراق. 2- خطر داعش يتجاوز سورية، والعراق ويقلق موسكو عودة المقاتلين إلى أراضيها. 3- الإرهابيون يقولون علناً إنهم يريدون أخذ مكة والمدينة (رسالة للسعودية)، وضمن خططهم نشر نشاطاتهم في أوروبا، روسيا، وسط وجنوب شرق آسيا. 4- توحيد جهود المجتمع الدولي ضد هذا التهديد، ووضع كل الخلافات جانباً. 5- دعم موسكو للحكومة السورية يتم لمواجهة (عدوان إرهابي)- وهذا مصطلح جديد يستخدمه بوتين- أي سورية تتعرض لعدوان- وليس أزمة كما يحلو لكثير من المحللين استخدام مصطلح (الأزمة) في سورية. 6- لا إمكانية لمكافحة (داعش)، والإرهابيين بشكل عام، الذين يقومون بأعمال بربرية دون مشاركة الجيش السوري على الأرض.. 7- تدفق اللاجئين سببه الإرهاب، ولا إمكانية لإيجاد حلول للمشاكل الحالية أو المستقبلية بما في ذلك قضية اللاجئين من دون توحيد الجهود لمحاربة الإرهاب. 8- لابد من توحيد جهود كل القوى السياسية السورية في مواجهة الإرهاب. 9- موسكو تدعم الرئيس بشار الأسد كرئيس شرعي، وحكومته، وتؤمن بالحل السياسي، ومشاركة المعارضة السورية البناءة.. 10- موسكو قدمت، وسوف تقدم المساعدة العسكرية اللازمة، والضرورية ولولا ذلك لكان الوضع في سورية أسوأ مما هو في ليبيا. تلك هي معالم إستراتيجية بوتين الجديدة المدعومة إيرانياً، وصينياً، ومن دول كثيرة في العالم، لأن إستراتيجية أوباما وغارات (الدلع) و(الطبطبة) ضد داعش وفقاً لتعبير أحد الصحفيين المصريين لا يمكن لها أن تنتج إلا مزيداً من انتشار الإرهاب، وتوسعه، وفي هذا خطر كبير على أمن سورية، وروسيا، والعديد من دول العالم. ما يجري الآن هو التحضير لما قبل ربع الساعة الأخير لإنهاء مسلسل (إزاحة سورية) التي ستزيح بمساعدة حلفائها أكبر خطر عرفته البشرية منذ القضاء على النازية في الحرب العالمية الثانية، والدبابات لا تحتاج إلى تأشيرة دخول- كما قال أحد المسؤولين الروس لزميل له في حلف الناتو، فالخطر داهم، والكيل قد طفح لدى الشعب السوري الذي دفع شهداء، وضحايا، وصبراً، وإيماناً، وتحملاً للصعاب والشدائد من أجل أن يؤكد مقولة واحدة (سورية تُزيل ولا تُزال)..

المصدر : د. بسام أبو عبد الله


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة