- قبل أن تبدأ حرب القلمون كان واضحاً أنها ستحدّد الوجهة الأكبر للحرب التي تقرّر مصير سورية وعبرها مصير التوازنات الإقليمية المتأثرة بنتائجها، وكان إجماع الفرقاء ووسائل الإعلام على أنها الحرب الفاصلة.

  فخطوط إمداد الفريقين مفتوحة، والفريقان يعرفان الأهمية الجيواستراتيجية للمنطقة التي يتمكن من يمسك بها من الإمساك بالداخلين اللبناني والسوري من البحر إلى البادية السورية العراقية الأردنية، وكان معلوماً أنّ كلّ الأطراف تضع ثقلها ليكون لها الفوز في هذه الحرب. فـ»إسرائيل» لم تقم بغارات تحذيرية بمثل ما فعلت في جمرايا واحد وجمرايا اثنان لمنع حرب القصيْر وحرب يبرود ووصلت إلى عملية القنيطرة لمنع حرب القلمون ووضعت المنطقة على حافة حرب شاملة، ليأتي الردع في عملية مزارع شبعا النوعية ويقول الكلمة الفصل، وتركيا والسعودية والأردن ومعهم «إسرائيل» وقفوا وراء إشعال حروب التقدم شمالاً وشرقاً ففتحوا الباب لتقدّم «داعش» نحو تدمر وتقدّم «النصرة» وأخواتها في بصرى ونحو درعا وهدّدت السويداء وارتكبت المجازر لنقل موقع السويداء في الحرب وخيضت حرب إدلب وريفها وصولاً إلى تهديد حماة وريفها واللاذقية وريفها. وكلّ ذلك لتتشتّت القوة المركزة لحسم حرب القلمون وتتجه إلى حروب الأطراف، بينما هي تخوض حرب المركز.

 - منذ بدايات حرب القملون كان خط التفاوض على تسوية تحقق أهداف الحرب مفتوحاً وعنوانه، إتاحة الانسحاب للجماعات المسلحة نحو شمال سورية حصراً بالسلاح الفردي. وكان المفاوض التركي دائماً على خط الاتصال، وكان قياس القدرات والاحتمالات هو الذي يقرّر مصير التفاوض، وكان الرهان التركي بالنيابة عن كلّ أطراف الحلف بعد فشل محاولات الجذب لقوة الجيش السوري والمقاومة من حرب القلمون فكانت محاصرة مطار كويرس أو سواه من النقاط الحساسة لتتيح مقايضة فك حصار ووقف نار بفك حصار ووقف نار، وبقيت المعارك دائرة والتقدّم لمصلحة الجيش السوري والمقاومة، حتى بدأت معارك الزبداني وعادت حظوظ التفاهم وتكرّرت المساومات والضغوط نفسها لبلوغ نقطة مقايضة، بفك حصار ووقف نار والنتيجة أيضاً تتكرّر مجدداً، فالخناق يضيق على المسلحين ولا خيار مع نفاد الوقت والذخائر إلا الاستسلام.

 - مع نهاية الزبداني عسكرياً تكون حرب القلمون قد انتهت، ويكون في مستطاع من يقرأون الحسابات الاستراتيجية أن يقيسوا عبر مواجهة فاصلة لا تشوبها أي التباسات تفسّر موقع كلّ من المنتصر والمهزوم لإصدار تقييم للميدان يحدّد الوجهة النهائية المرتقبة للحرب في سورية، ويمنح القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب تورّطاً أو متابعة أن تبني حساباتها وخياراتها وفقاً لهذه الحصيلة. وفي المقابل فلنهاية حرب القلمون تداعيات على الضفتين اللبنانية والسورية ستجعل مدينة دوما المعقل الأهمّ المتبقي في جوار دمشق وعرسال المعقل الأهمّ المتبقي في الجدار اللبناني السوري أمام صيرورة ستنتهي حكماً وفقاً للمثال والنموذج الذي انتهت إليه الزبداني. ومن جهة ثالثة فلنتائج النهاية في القلمون وما سيليها دور حاسم في تحرير قدرة بشرية هائلة من وحدات الجيش السوري الموزعة للتعامل والمواجهة مع عشرات الجيوب التي تستنزف أمن العاصمة السورية وريفها، ولهذا التداعي مسار ينتهي برسم حلول لوضع هذه الجيوب يشبه مثال الزبداني، وهذا سيرتب حكماً تغييراً بما سيكون لهذه القوة المضافة لجبهات جنوب سورية وشمالها فعلها في تغيير وجهة المواجهات التي تعيش درجة من التوازن السلبي تحكمه توازنات القدرات البشرية التي ستختلّ بقوة لمصلحة الجيش السوري وتغيّر مجرى الحرب كلها.

 - خاضت تركيا تجربة الرهان على الخيار العسكري وها هي تحصد النتيجتين معاً، لا منطقة للحظر الجوي يحميها الأطلسي، والبنتاغون يعلن عزمه سحب صواريخ الباتريوت من الحدود التركية مع سورية التي سبق وجلبت بداعي تعرّض الأمن التركي لخطر من الجانب السوري، إعلاناً عن نهاية الحضور العسكري الأميركي المتصل بفرضيات مواجهة تركية سورية. والنتيجة الثانية جاءت من القلمون الذي انتهى في الزبداني، ويجب أن يكون هذا كله من الزاوية العسكرية الاستراتيجية كافياً ليقول لتركيا إنّ الرهان العسكري على تحشيد وتزويد الجماعات المسلحة بأسباب القوة وانتظار النتائج لحسم الخيارات لا أمل يرتجى منه، فقد تمّ ذلك بأفضل ما يمكن وحيث يمكن أن يتمّ، وها هي النتيجة ظاهرة. وفي المقابل الرهان على خلق معادلات دولية تتيح تغيير قواعد الاشتباك لا طائل منها. النتيجة التي يفترض أن تكون قد صيغت بأيدي الجنرالات ووضعت على طاولة الرئيس التركي هي، لا أمل يرتجى من مواصلة التورّط في الحرب على سورية.

 - خاضت تركيا تجربة الانخراط مع إيران في المساعي السياسية. وعلى رغم التلكؤ التركي في تنفيذ الالتزامات، والمناورات العديدة والوعود الكاذبة، بقيت إيران تحجز لتركيا مقعداً في المساعي السياسية للحلّ في سورية وتمدّ لها يدها. وها هي تجربة الزبداني كخاتمة لأكبر حروب سورية في القلمون تقول ذلك، وستقوله مجدداً تجارب عرسال ودوما وبعدهما حلب. فهل تكون الزبداني نقطة فاصلة في الانتقال من مرحلة ما قبل الربع الساعة الأخير إلى الدخول في ثناياها؟

  • فريق ماسة
  • 2015-08-28
  • 9330
  • من الأرشيف

الزبداني ونقطة التحوّل المقبلة ...بقلم ناصر قنديل

- قبل أن تبدأ حرب القلمون كان واضحاً أنها ستحدّد الوجهة الأكبر للحرب التي تقرّر مصير سورية وعبرها مصير التوازنات الإقليمية المتأثرة بنتائجها، وكان إجماع الفرقاء ووسائل الإعلام على أنها الحرب الفاصلة.   فخطوط إمداد الفريقين مفتوحة، والفريقان يعرفان الأهمية الجيواستراتيجية للمنطقة التي يتمكن من يمسك بها من الإمساك بالداخلين اللبناني والسوري من البحر إلى البادية السورية العراقية الأردنية، وكان معلوماً أنّ كلّ الأطراف تضع ثقلها ليكون لها الفوز في هذه الحرب. فـ»إسرائيل» لم تقم بغارات تحذيرية بمثل ما فعلت في جمرايا واحد وجمرايا اثنان لمنع حرب القصيْر وحرب يبرود ووصلت إلى عملية القنيطرة لمنع حرب القلمون ووضعت المنطقة على حافة حرب شاملة، ليأتي الردع في عملية مزارع شبعا النوعية ويقول الكلمة الفصل، وتركيا والسعودية والأردن ومعهم «إسرائيل» وقفوا وراء إشعال حروب التقدم شمالاً وشرقاً ففتحوا الباب لتقدّم «داعش» نحو تدمر وتقدّم «النصرة» وأخواتها في بصرى ونحو درعا وهدّدت السويداء وارتكبت المجازر لنقل موقع السويداء في الحرب وخيضت حرب إدلب وريفها وصولاً إلى تهديد حماة وريفها واللاذقية وريفها. وكلّ ذلك لتتشتّت القوة المركزة لحسم حرب القلمون وتتجه إلى حروب الأطراف، بينما هي تخوض حرب المركز.  - منذ بدايات حرب القملون كان خط التفاوض على تسوية تحقق أهداف الحرب مفتوحاً وعنوانه، إتاحة الانسحاب للجماعات المسلحة نحو شمال سورية حصراً بالسلاح الفردي. وكان المفاوض التركي دائماً على خط الاتصال، وكان قياس القدرات والاحتمالات هو الذي يقرّر مصير التفاوض، وكان الرهان التركي بالنيابة عن كلّ أطراف الحلف بعد فشل محاولات الجذب لقوة الجيش السوري والمقاومة من حرب القلمون فكانت محاصرة مطار كويرس أو سواه من النقاط الحساسة لتتيح مقايضة فك حصار ووقف نار بفك حصار ووقف نار، وبقيت المعارك دائرة والتقدّم لمصلحة الجيش السوري والمقاومة، حتى بدأت معارك الزبداني وعادت حظوظ التفاهم وتكرّرت المساومات والضغوط نفسها لبلوغ نقطة مقايضة، بفك حصار ووقف نار والنتيجة أيضاً تتكرّر مجدداً، فالخناق يضيق على المسلحين ولا خيار مع نفاد الوقت والذخائر إلا الاستسلام.  - مع نهاية الزبداني عسكرياً تكون حرب القلمون قد انتهت، ويكون في مستطاع من يقرأون الحسابات الاستراتيجية أن يقيسوا عبر مواجهة فاصلة لا تشوبها أي التباسات تفسّر موقع كلّ من المنتصر والمهزوم لإصدار تقييم للميدان يحدّد الوجهة النهائية المرتقبة للحرب في سورية، ويمنح القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب تورّطاً أو متابعة أن تبني حساباتها وخياراتها وفقاً لهذه الحصيلة. وفي المقابل فلنهاية حرب القلمون تداعيات على الضفتين اللبنانية والسورية ستجعل مدينة دوما المعقل الأهمّ المتبقي في جوار دمشق وعرسال المعقل الأهمّ المتبقي في الجدار اللبناني السوري أمام صيرورة ستنتهي حكماً وفقاً للمثال والنموذج الذي انتهت إليه الزبداني. ومن جهة ثالثة فلنتائج النهاية في القلمون وما سيليها دور حاسم في تحرير قدرة بشرية هائلة من وحدات الجيش السوري الموزعة للتعامل والمواجهة مع عشرات الجيوب التي تستنزف أمن العاصمة السورية وريفها، ولهذا التداعي مسار ينتهي برسم حلول لوضع هذه الجيوب يشبه مثال الزبداني، وهذا سيرتب حكماً تغييراً بما سيكون لهذه القوة المضافة لجبهات جنوب سورية وشمالها فعلها في تغيير وجهة المواجهات التي تعيش درجة من التوازن السلبي تحكمه توازنات القدرات البشرية التي ستختلّ بقوة لمصلحة الجيش السوري وتغيّر مجرى الحرب كلها.  - خاضت تركيا تجربة الرهان على الخيار العسكري وها هي تحصد النتيجتين معاً، لا منطقة للحظر الجوي يحميها الأطلسي، والبنتاغون يعلن عزمه سحب صواريخ الباتريوت من الحدود التركية مع سورية التي سبق وجلبت بداعي تعرّض الأمن التركي لخطر من الجانب السوري، إعلاناً عن نهاية الحضور العسكري الأميركي المتصل بفرضيات مواجهة تركية سورية. والنتيجة الثانية جاءت من القلمون الذي انتهى في الزبداني، ويجب أن يكون هذا كله من الزاوية العسكرية الاستراتيجية كافياً ليقول لتركيا إنّ الرهان العسكري على تحشيد وتزويد الجماعات المسلحة بأسباب القوة وانتظار النتائج لحسم الخيارات لا أمل يرتجى منه، فقد تمّ ذلك بأفضل ما يمكن وحيث يمكن أن يتمّ، وها هي النتيجة ظاهرة. وفي المقابل الرهان على خلق معادلات دولية تتيح تغيير قواعد الاشتباك لا طائل منها. النتيجة التي يفترض أن تكون قد صيغت بأيدي الجنرالات ووضعت على طاولة الرئيس التركي هي، لا أمل يرتجى من مواصلة التورّط في الحرب على سورية.  - خاضت تركيا تجربة الانخراط مع إيران في المساعي السياسية. وعلى رغم التلكؤ التركي في تنفيذ الالتزامات، والمناورات العديدة والوعود الكاذبة، بقيت إيران تحجز لتركيا مقعداً في المساعي السياسية للحلّ في سورية وتمدّ لها يدها. وها هي تجربة الزبداني كخاتمة لأكبر حروب سورية في القلمون تقول ذلك، وستقوله مجدداً تجارب عرسال ودوما وبعدهما حلب. فهل تكون الزبداني نقطة فاصلة في الانتقال من مرحلة ما قبل الربع الساعة الأخير إلى الدخول في ثناياها؟

المصدر : الماسة السورية


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة