دليل ماسة
أكثر الروابط استخداما
فاجأت الغارات الجوية الإسرائيلية على عدة مواقع سورية كثيراً من المعلقين العسكريين الإسرائيليين، فيما لم تفاجئ البعض الآخر. وقد نبع هذا الاختلاف من النظرة التي حملها البعض عن المناورات العسكرية التي أجريت، والاهتمام السياسي من جانب كبار المسؤولين الإسرائيليين بالجبهة الشمالية. ففيما اعتبرها البعض مناورات لتعزيز الجاهزية الإسرائيلية في مواجهة تطورات محتملة على هذه الجبهة، رأى آخرون أنها تندرج في إطار الخطة الإسرائيلية لمواجهة الاتفاق النووي مع إيران.
وهكذا بعد تلكؤ لساعات، ادعت فيها إسرائيل أنها تدرس الرد على الجهة التي أطلقت أربعة صواريخ على الجولان وإصبع الجليل من الأراضي السورية، قصفت بالمدفعية وبغارات جوية 14 موقعاً عسكرياً، بعضها للجيش السوري وبعضها الآخر لفصائل مقاومة. وأشارت إسرائيل إلى أنها تعلم خفايا ودوافع إطلاق الصواريخ، وأن ردها جاء متناسباً مع ذلك.
وقال ضابط إسرائيلي رفيع المستوى «لقد هاجمنا أهدافاً لمنشآت ومخازن أسلحة تابعة للجيش السوري، وبعضها كان في العمق السوري. نحن نرى في سوريا الجهة المسؤولة، وهذا هجوم واسع في نطاقه وأيضاً في غاياته. لقد هاجمنا أيضاً هوائيات قيادة عسكرية سورية». وأشار إلى أن «الهجوم كان أوسع من المرات السابقة من أجل إيصال رسالة، ولكي يناسب خطورة الحدث».
وأشارت مصادر الجيش الإسرائيلي إلى أن القصف والغارات ركزا على منطقة خان أرنبة الواقعة في نطاق سيطرة الجيش السوري، ومنها أطلقت الصواريخ. وتمت فيها مهاجمة بطارية مدفعية تابعة إلى «اللواء 90» في الجيش السوري الذي يتمركز قرب القنيطرة. كما استهدف القصف حي البص في القنيطرة ذاتها. وفي كل حال أكد مصدر عسكري إسرائيلي أن الرد على الصواريخ «كان غير متناسب»، وأن ذلك كان مقصوداً لإيصال رسالة مفادها أن المحاولات الإيرانية لفتح جبهة جديدة في الجولان، لن تمر.
وكان قائد عسكري إسرائيلي قد أعلن أنه «قبل ساعة ونصف الساعة هاجمنا من الجو عربة فيها أربعة أو خمسة أشخاص يتماثلون مع البنية نفسها التي أطلقت الصواريخ أمس (الأول) على الشمال، ويبدو أنهم جميعا في عداد القتلى». وأضاف «رصدنا الخلية وبجهد استخباري أحبطناها».
وقال مصدر في الجيش السوري إن «الضربة التي وقعت الساعة العاشرة والنصف صباحا استهدفت سيارة مدنية في قرية الكوم في محافظة القنيطرة، ما أدى إلى استشهاد خمسة مدنيين». وقال مصدر عسكري سوري «قام الطيران الإسرائيلي المعادي في الساعة الحادية عشرة والنصف مساء (الخميس) باستهداف أحد المواقع العسكرية على اتجاه القنيطرة، ما أدى إلى ارتقاء شهيد وإصابة سبعة عناصر نتيجة العدوان».
واعتبر المعلق العسكري في «إسرائيل ديفنس» عمير رافبورات أن الصواريخ رد متأخر على الغارة الإسرائيلية نهاية الشهر الماضي التي استهدفت عربة كانت تحمل خمسة نشطاء قرب قرية الخضر الدرزية. وكتب أن الصواريخ كانت متوقعة وفق المنطق القائم في الصراع، لكنها لم توقع إصابات، بل أثارت الهلع. واعتبر أن إيران هي التي أعطت الأمر بتنفيذ الإطلاقات ضمن منطق استغلال سوريا كساحة لمضايقة إسرائيل. وفي نظره أتى الرد الإسرائيلي شديداً جراء سعي الاحتلال لإفشال المسعى الإيراني.
وفي هذا السياق، قالت مصادر إسرائيلية إن الصواريخ التي أطلقت من الأراضي السورية هذه المرة تختلف عن أية صواريخ سابقة لأنها تحمل رسالة واضحة من الإيرانيين. وأضافت هذه المصادر، وفق «يديعوت احرونوت»، أن إيران تعتقد أن ما لم تفلح في فعله عبر عمليات نفذتها خلايا تابعة إلى «حزب الله» وخلايا درزية بقيادة سمير القنطار يمكن أن تفلح فيه صواريخ «حركة الجهاد الإسلامي». وأوحى معلقون إسرائيليون أن إسرائيل في نهاية المطاف لن تجد مفراً سوى الرد والغرق في الوحل السوري. وقد انطلق هؤلاء من مبدأ أن الصواريخ كانت إعلاناً واضحاً من جانب إيران يقول بأن قواعد اللعبة تغيرت، وأن الحدود السورية جبهة بكل معنى الكلمة.
وربما أنه لهذا السبب ترافق الرد الإسرائيلي «غير المتناسب» بإعلان يؤكد أن من أطلق الصواريخ هي خلية تابعة إلى «الجهاد الإسلامي» بتمويل وتوجيه إيراني، وأن من يقف خلف الصواريخ هو رئيس الملف الفلسطيني في «فيلق القدس» سعد أزدي. وجرى التأكيد أيضاً، خلافاً للواقع، أن هذا هو أول إطلاق صواريخ من الأراضي السورية على إصبع الجليل منذ حرب تشرين العام 1973.
وأشارت «يديعوت» إلى أن القصف الإسرائيلي رداً على الصواريخ كان الأشد منذ عشرات السنوات ضد أهداف سورية. وقالت إنه جاء ليعطي إشارة لإيران، ولمن يتبعها في الشمال، بأن كل محاولة لحرف الصراع بين المنظمات في سوريا نحو إسرائيل سيلقى رداً غير متوازن.
ولا بد من الإشارة إلى أن الموقف الإسرائيلي ينطوي على تناقض واضح، يكمن في الادعاء بأن إيران تريد جر إسرائيل للحرب على الجبهة السورية، والقول في الوقت ذاته بأن التقدير القائل بأن «حزب الله» والمنظمات العاملة في سوريا غير معنية بالصدام مع إسرائيل في هذا الوقت لا يزال سارياً. ومن المنطقي الافتراض أن التصعيد الإسرائيلي المعلن في التهديدات، وفي الغارات، يستند فعلاً إلى تقدير بأن «حزب الله» وسوريا وإيران غير معنيين بالمواجهة حالياً. وهذا يبرر الارتياح الإسرائيلي جراء الغارات، وتقريبا عدم انتظار ردود فعل واسعة.
ومع ذلك، فإنه من الواضح أن الغارات الإسرائيلية سبقتها حملة إعلامية ضد إيران في سوريا، وأعقبتها أيضا حملة إعلامية هناك. والقصد واضح: الإثبات أن الاتفاق النووي له عواقب مباشرة على الوضع الميداني في الجبهة الشمالية، وأن إسرائيل بدأت تعاني منه. وقد اشتكت إسرائيل على وجه الخصوص من الاتفاق النووي لأنه لا يتضمن أية إشارة إلى ما تسميه «دعم إيران للإرهاب في الشرق الأوسط»، وأنه لا يضع حداً لجهود «فيلق القدس» في زعزعة الاستقرار في المناطق المحيطة بإسرائيل، كما أن تعزيز طهران مكانتها الدولية سيعزز جهودها في هذا المجال. ومع ذلك تحاول إسرائيل الإيحاء أن لها مصلحة في الحفاظ على الهدوء وعدم فقدان السيطرة على الحدود مع سوريا.
ومعلوم أن بعض الصحف الإسرائيلية أوحت، في مطلع الأسبوع، أن الحرب على الحدود الشمالية وشيكة، ما أثار تخوفات دفعت معلقين للتحذير من عواقب اللعب بالنار على الجبهة السورية. وقالت الصحف إن الجيش الإسرائيلي تدرب على سيناريوهات احتلال مناطق في الجانب السوري رداً على «عمليات إرهابية» أو «إطلاقات صاروخية»، وأن الخطط الهجومية الجديدة في قيادة الجبهة الشمالية الإسرائيلية تسمح بالرد بشدة ضد أهداف نوعية في سوريا.
ودخل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الخط، معلناً أن «لا نية لدينا لتصعيد الأوضاع، ولكن سياستنا لا تزال عينها». وأضاف «قلت هذا الأسبوع إن من يحاول المس بنا، سوف نضربه. وهذا ما فعلناه. فالجيش الإسرائيلي ضرب خلية نفذت إطلاق الصواريخ، وضرب القوات السورية التي سمحت لها بذلك. إن على الدول التي تهرع لمعانقة إيران، أن تعلم أن قائداً إيرانياً هو الذي أعطى الرعاية والتوجيه للخلية التي أطلقت الصواريخ على إسرائيل».
أما وزير الدفاع موشي يعلون فقال إن «تصفية الخلية برهان إضافي على أننا لا نتحمل أي محاولة لتشويش حياتنا والمس بأمن مواطني إسرائيل. وعلى كل من يريد أن يفعل هذا أن يعلم أن الجيش، ومؤسسة الأمن، سيلاحقانه بلا هوادة إلى أن يضعا أيديهما عليه، في أي وقت وفي أي مكان. لا نية لدينا للتساهل في ذلك، ولا ينبغي لأحد أن يفحص عزيمتنا».
المصدر :
الماسة السورية
اكتب تعليق
كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة