نعمة الأمن لا تضاهيها نعمة. لكن التركيز عليها فقط ونسيان النصف الفارغ من الكوب، هو ما يزيد الحيرة. تتوالى الأزمات منذ العام 2005 إلى اليوم، في حركة دائرية، لم يعرقلها سوى «اتفاق الدوحة» الذي لم يستطع الصمود كثيراً. فهذه الأزمات سرعان ما فاضت عن قدرة البلد على استيعابها أو تحملها، وأسفرت عن ضرب كل المرافق والمؤسسات، معلنة نهاية النظام بشكله الحالي.

أهل النظام لا يزالون يكابرون على الفشل، من دون أن يكون لديهم استعداد فعلي للعمل على الخروج أو إخراج البلد من النفق المظلم الذي أدخلوه إليه. هم يفضلون تسليم أمرهم إلى أولي الأمر الخارجيين. لذلك لا أحاديث لديهم سوى عن النووي ونِعمه التي يمكن أن تحل سلاماً على لبنان. كيف يصرف هذا السلام وكيف يفسّر؟ هذا هو السؤال الأهم لدى المتخاصمين والمتصارعين على السلطة ومواردها. «8 آذار» تعتبر أن الاتفاق سينعكس إيجاباً على حصتها في لبنان، و «14 آذار» ترى أن تقاسم النفوذ في المنطقة سيعطي لبنان إلى السعودية، فتجيره لها.

الأكيد أن لا إيران مستعجلة على الحل اللبناني ولا السعودية. الأولى لديها همومها العراقية والسورية، والثانية ليست مستعدة لنقاش أي موضوع قبل أن تستعيد اليمن إلى حضنها.

لكن بين هذا الفريق وذاك، ثمة من بدأ يشكك بإمكان انتظام الأمور في لبنان، بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور في المنطقة. هؤلاء يركزون على أن الطبقة السياسية نفسها دخلت في تجربة توافقية انتجها «اتفاق الدوحة» برعاية السعودية وسوريا، لكنها لم تستطع النجاح بتجربتها. وبالتالي، فإن تكرار التجربة، وفي الظروف الحالية التي هي أسوأ بعشرات المرات من ظروف العام 2008، لن تجر على البلد سوى المزيد من الويلات.

للمفارقة، يبدو أن الطبقة السياسية الحالية تعرف جيداً هذا الواقع، وتعرف أنها فشلت في تجربة إدارة البلد بعيداً عن الوصاية الخارجية. كما تعرف أنها بدون وصي جدي (غير متوفر حالياً) ستفشل مرة جديدة في الوصول بالبلد إلى بر الأمان.

ما العمل إذاً؟ ثمة من يشكك في براءة التصريحات التي تصدر عن جميع السياسيين تقريباً، ومن كل المشارب، بدعم الجيش والقوى الأمنية. ويستغربون كيف أن هؤلاء لا يتركون مناسبة إلا ويتحدثون فيها عن بطولات العسكر ودوره التاريخي الحاسم في ضبط الأمن والاستقرار في البلاد، مبتعدين عن الدور الذي يقومون به هم أنفسهم في عدم التعبير عن صراعاتهم السياسية والطائفية في الشارع.

باختصار، يذهب هؤلاء في تحليلهم بعيداً، فلا يترددون في إبداء قلقهم من أن يكون عنوان التسوية المنتظرة تسليم الدولة إلى العسكر. نقطة قوة هذا السيناريو تعتمد على تشجيع أميركا على قيام الأنظمة العسكرية في معظم دول العالم، لما يعنيه ذلك من تسهيل مهمتها في السيطرة على هذه الدول، بسبب طبيعة العلاقة التي تربطها مع الجيوش، ومنها الجيش اللبناني، إن كان من خلال التسليح أو التدريب أو البرامج الطويلة الأمد الموقعة معها.

لم ينس أحد بعد كيف تم التمديد للعماد جان قهوجي، وإذا كان الوزير نهاد المشنوق قد توجه إلى جبران باسيل، في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، ملمحاً إلى قرار دولي بالتمديد لقهوجي، فإن ذلك ليس سراً بالنسبة لمن التقى السفير الاميركي دايفيد هيل مؤخراً. هيل كان مباشراً في التأكيد أنه لن يغادر لبنان، بالرغم من انتهاء مدته، قبل إقرار التمديد. علماً أن استنفار هيل تضاعف بعد أن وجد تأييداً سياسياً متعدد الاتجاهات لتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش. بالنسبة للأميركيين، فإن تعيين روكز هو بمثابة تسليم مقدرات الجيش لـ «حزب الله»، وهو ما لا يمكن أن يقبلوا به، لا سيما أنهم صرفوا نحو ملياري دولار في برامج لدعم الجيش تسليحاً وتدريباً.

وللمفارقة، فإن الحديث عن «الحكم العسكري» لم يعد يقتصر على المنظّرين المرتابين تاريخياً من الأنظمة العسكرية أو من الذين يصدقون أن الخلاص لا يكون إلا عبر العسكر، إنما اخترق الحياة السياسية أيضاً. فقد علمت «السفير» أن النائب أحمد فتفت طرح هذه الفكرة في الاجتماع الأخير لكتلة «المستقبل»، من باب التحليل. وكانت المفاجأة أنها وجدت صداها بين بعض أعضاء الكتلة. أضف إلى أن ثمة من يرى أنه يمكن لهذه الفكرة أن تلقى تأييداً شعبياً واسعاً، نتيجة فقدان الأمل والثقة بالسياسيين. أما الطامحون لاستلام السلطة أو تثبيت مواقعهم فيها، وبالرغم من أنه يصعب عليهم التخلي عن أحلامهم السلطوية، إلا أنهم، في المقابل، صاروا على يقين أنه لا يمكن لأي تسوية سياسية أن تنقذ البلد، فما العمل؟

إذا حصل هذا السيناريو المتخيل، فإن الطبقة السياسية، ستكون قد أعلنت إفلاسها رسمياً، حيث يتسلم الجيش والقوى الأمنية الحكم، لفترة انتقالية، عبر مجلس عسكري، بعد تعليق الدستور.. الذي لم يطبق أصلاً. إلا أن المضحك في هذا السيناريو ما يحكى عن ثغرة تعتريه، وتتمثل في غياب ضابط سني ذي وزن في طائفته. وإذا كان للعماد جان قهوجي والعميد شامل روكز مكانتهما في طائفتهما وفي الجيش، وكذلك بالنسبة للواء عباس ابراهيم عند الطائفة الشيعية، فإن لا شخصية عسكرية تضاهيهم مكانة في الشارع السني، بعد استشهاد اللواء وسام الحسن وتقاعد اللواء أشرف ريفي. لكن مع ذلك وعند الجد، سيكون الحل موجوداً، إذ يقول صاحبه إن لا بديل عندها عن الوزير نهاد المشنوق الذي يمكنه وحده أن يغطي هذا الفراغ. وبالرغم من أنه ليس عسكرياً، إلا أن دوره السياسي الأمني الذي اضطلع به مؤخراً، من موقعه في وزارة الداخلية، يؤهله ليكون عضواً في المجلس العسكري.. أو الحكومة العسكرية.

  • فريق ماسة
  • 2015-08-21
  • 14905
  • من الأرشيف

إعلان فشل الطبقة السياسية لا يحتاج إلى «دوحة» جديد..ماذا لو كانت التسوية.. حكومة عسكرية؟

نعمة الأمن لا تضاهيها نعمة. لكن التركيز عليها فقط ونسيان النصف الفارغ من الكوب، هو ما يزيد الحيرة. تتوالى الأزمات منذ العام 2005 إلى اليوم، في حركة دائرية، لم يعرقلها سوى «اتفاق الدوحة» الذي لم يستطع الصمود كثيراً. فهذه الأزمات سرعان ما فاضت عن قدرة البلد على استيعابها أو تحملها، وأسفرت عن ضرب كل المرافق والمؤسسات، معلنة نهاية النظام بشكله الحالي. أهل النظام لا يزالون يكابرون على الفشل، من دون أن يكون لديهم استعداد فعلي للعمل على الخروج أو إخراج البلد من النفق المظلم الذي أدخلوه إليه. هم يفضلون تسليم أمرهم إلى أولي الأمر الخارجيين. لذلك لا أحاديث لديهم سوى عن النووي ونِعمه التي يمكن أن تحل سلاماً على لبنان. كيف يصرف هذا السلام وكيف يفسّر؟ هذا هو السؤال الأهم لدى المتخاصمين والمتصارعين على السلطة ومواردها. «8 آذار» تعتبر أن الاتفاق سينعكس إيجاباً على حصتها في لبنان، و «14 آذار» ترى أن تقاسم النفوذ في المنطقة سيعطي لبنان إلى السعودية، فتجيره لها. الأكيد أن لا إيران مستعجلة على الحل اللبناني ولا السعودية. الأولى لديها همومها العراقية والسورية، والثانية ليست مستعدة لنقاش أي موضوع قبل أن تستعيد اليمن إلى حضنها. لكن بين هذا الفريق وذاك، ثمة من بدأ يشكك بإمكان انتظام الأمور في لبنان، بغض النظر عما ستؤول إليه الأمور في المنطقة. هؤلاء يركزون على أن الطبقة السياسية نفسها دخلت في تجربة توافقية انتجها «اتفاق الدوحة» برعاية السعودية وسوريا، لكنها لم تستطع النجاح بتجربتها. وبالتالي، فإن تكرار التجربة، وفي الظروف الحالية التي هي أسوأ بعشرات المرات من ظروف العام 2008، لن تجر على البلد سوى المزيد من الويلات. للمفارقة، يبدو أن الطبقة السياسية الحالية تعرف جيداً هذا الواقع، وتعرف أنها فشلت في تجربة إدارة البلد بعيداً عن الوصاية الخارجية. كما تعرف أنها بدون وصي جدي (غير متوفر حالياً) ستفشل مرة جديدة في الوصول بالبلد إلى بر الأمان. ما العمل إذاً؟ ثمة من يشكك في براءة التصريحات التي تصدر عن جميع السياسيين تقريباً، ومن كل المشارب، بدعم الجيش والقوى الأمنية. ويستغربون كيف أن هؤلاء لا يتركون مناسبة إلا ويتحدثون فيها عن بطولات العسكر ودوره التاريخي الحاسم في ضبط الأمن والاستقرار في البلاد، مبتعدين عن الدور الذي يقومون به هم أنفسهم في عدم التعبير عن صراعاتهم السياسية والطائفية في الشارع. باختصار، يذهب هؤلاء في تحليلهم بعيداً، فلا يترددون في إبداء قلقهم من أن يكون عنوان التسوية المنتظرة تسليم الدولة إلى العسكر. نقطة قوة هذا السيناريو تعتمد على تشجيع أميركا على قيام الأنظمة العسكرية في معظم دول العالم، لما يعنيه ذلك من تسهيل مهمتها في السيطرة على هذه الدول، بسبب طبيعة العلاقة التي تربطها مع الجيوش، ومنها الجيش اللبناني، إن كان من خلال التسليح أو التدريب أو البرامج الطويلة الأمد الموقعة معها. لم ينس أحد بعد كيف تم التمديد للعماد جان قهوجي، وإذا كان الوزير نهاد المشنوق قد توجه إلى جبران باسيل، في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء، ملمحاً إلى قرار دولي بالتمديد لقهوجي، فإن ذلك ليس سراً بالنسبة لمن التقى السفير الاميركي دايفيد هيل مؤخراً. هيل كان مباشراً في التأكيد أنه لن يغادر لبنان، بالرغم من انتهاء مدته، قبل إقرار التمديد. علماً أن استنفار هيل تضاعف بعد أن وجد تأييداً سياسياً متعدد الاتجاهات لتعيين العميد شامل روكز قائداً للجيش. بالنسبة للأميركيين، فإن تعيين روكز هو بمثابة تسليم مقدرات الجيش لـ «حزب الله»، وهو ما لا يمكن أن يقبلوا به، لا سيما أنهم صرفوا نحو ملياري دولار في برامج لدعم الجيش تسليحاً وتدريباً. وللمفارقة، فإن الحديث عن «الحكم العسكري» لم يعد يقتصر على المنظّرين المرتابين تاريخياً من الأنظمة العسكرية أو من الذين يصدقون أن الخلاص لا يكون إلا عبر العسكر، إنما اخترق الحياة السياسية أيضاً. فقد علمت «السفير» أن النائب أحمد فتفت طرح هذه الفكرة في الاجتماع الأخير لكتلة «المستقبل»، من باب التحليل. وكانت المفاجأة أنها وجدت صداها بين بعض أعضاء الكتلة. أضف إلى أن ثمة من يرى أنه يمكن لهذه الفكرة أن تلقى تأييداً شعبياً واسعاً، نتيجة فقدان الأمل والثقة بالسياسيين. أما الطامحون لاستلام السلطة أو تثبيت مواقعهم فيها، وبالرغم من أنه يصعب عليهم التخلي عن أحلامهم السلطوية، إلا أنهم، في المقابل، صاروا على يقين أنه لا يمكن لأي تسوية سياسية أن تنقذ البلد، فما العمل؟ إذا حصل هذا السيناريو المتخيل، فإن الطبقة السياسية، ستكون قد أعلنت إفلاسها رسمياً، حيث يتسلم الجيش والقوى الأمنية الحكم، لفترة انتقالية، عبر مجلس عسكري، بعد تعليق الدستور.. الذي لم يطبق أصلاً. إلا أن المضحك في هذا السيناريو ما يحكى عن ثغرة تعتريه، وتتمثل في غياب ضابط سني ذي وزن في طائفته. وإذا كان للعماد جان قهوجي والعميد شامل روكز مكانتهما في طائفتهما وفي الجيش، وكذلك بالنسبة للواء عباس ابراهيم عند الطائفة الشيعية، فإن لا شخصية عسكرية تضاهيهم مكانة في الشارع السني، بعد استشهاد اللواء وسام الحسن وتقاعد اللواء أشرف ريفي. لكن مع ذلك وعند الجد، سيكون الحل موجوداً، إذ يقول صاحبه إن لا بديل عندها عن الوزير نهاد المشنوق الذي يمكنه وحده أن يغطي هذا الفراغ. وبالرغم من أنه ليس عسكرياً، إلا أن دوره السياسي الأمني الذي اضطلع به مؤخراً، من موقعه في وزارة الداخلية، يؤهله ليكون عضواً في المجلس العسكري.. أو الحكومة العسكرية.

المصدر : السفير / ايلي فرزلي


اكتب تعليق

كل الحقول التي عليها علامة (*) مطلوبة